• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط / المؤلفات والبحوث والدراسات


علامة باركود

الألباني: بين غوائل التجني وفضائل الإنصاف

الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط

عدد الصفحات:15
عدد المجلدات:1

تاريخ الإضافة: 25/12/2018 ميلادي - 16/4/1440 هجري

الزيارات: 35344

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب

الألبـانيُّ

بين غوائل التجنِّي وفضائل الإنصاف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمَّا بعدُ: فإنَّ الحَمْلةَ الجائرةَ على بعض العلماء السَّلفيِّين الأعلام من أمثال فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ليست جديدة، وليست مستغربة أيضًا!


أمَّا كونُها ليست جديدة؛ فلأنها ضاربةٌ في القدم منذ بدأ الشيخ رحمه الله مناشطه المختلفة، والتي تأتي الدعوة إلى التوحيد والسُّنَّة، ومحاربة الشرك والبدع، في الطَّليعة منها؛ فقد نذر فضيلتُه رحمه الله حياتَه في الدَّعوة إلى العقيدة الصحيحة، وإحياء السُّنن، واللَّهج بالمناداة باتِّباع الهَدْي النَّبوي في كلِّ شؤون الحياة، ولم يَقصُرْ رحمه الله جهودَه على إلقاء الدُّروس العلميَّة الماضية في هذا السَّبيل، بلْ صنَّف جملةً من المؤلفات الهادية-بإذن الله- إلى صراط الله المستقيم في بيان العقيدة الصَّحيحة، والتحذير مما يُضادُّها، وكشف مخالفات أعدائها، وبيان ما هم عليه من انحراف عن الحق، ومنابذة صارخة له، ودعوة صريحة إلى الأعمال الشِّركيَّة والبدع بحماس منقطع النظير، وتعصُّبٍ!

 

وأمَّا كونُها ليست مستغربةً؛ فإنَّ من الطَّبيعيِّ أنْ ينشأ عمَّا سلف بيانُه من جهود الشيخ في نصرة الطريقة السَّلفية الأثريَّة المحمديَّة عداءٌ شديدٌ من المناقضين لهذه الطريقة، النَّاكبين عنها، إلى غيرها من ضلالات ضالَّة، وجهالاتٍ جاهلة، هي-مع ذلك- في عُرْف أهلها: دينٌ يتعبَّدون الله به، ومُجتمَعٌ يجتمعون عليه، وحمًى يذودون عنه، ويناضلون دونه!


وهذا يُسلمِنا إلى القول -أيضًا- بأنَّ هذه الحملة الظَّالمة على الشَّيخ رحمه الله اتَّخذَتْ طابعًا خاصًّا تجاوزتْ فيه الحدودَ المعروفة للحملات الظَّالمة الجائرة!

 

ذلك أنَّه بسبب ما عُرِف عن الشيخ رحمه الله من اختصاص بالسُّنَّة واشتغال دائمٍ بالحديث، أفنى فيه عُمُرَه، فأسمَرَ فيه ليلَه، وأضنى فيه نهارَه، وكانت ثمرةُ ذلك: هذه الثَّروةَ العلميَّة الفريدة المتميِّزة المتمثِّلة في عشرات المؤلَّفات في خدمة السُّنَّة والحديث النَّبويِّ وعلومه، من مثل:

♦ «سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها» التي زادتْ مجلَّداتُها على السِّتِّ، اشتمل كل مجلد على خمس مئة (500) حديث.

 

♦ ومن مثل مؤلَّفه الجليل: «إِرْواء الغليل في تخريج أحاديث منار السَّبيل»، الذي تناول فيه بالكلام والتحقيق والتخريج الذي شمل آلاف الأحاديث النبوية.

 

♦ ومن مثل كتابيه: «صحيح الجامع الصغير وزيادته»، و«ضعيف الجامع الصغير وزيادته»، الذي تضمَّنَ بقسميه الحكم على: ما يزيد على خمسة عشر ألف (15000) حديث مرفوع، والذي أصبح المرجع الأكثر شهرةً، والأقرب تناولاً لمعظم المشتغلينَ بالسُّنَّة والدَّعوة.

 

♦ ومن مثل كتابه: «صحيح سنن أبي داود»، و«ضعيف سنن أبي داود».

♦ ومن مثل كتاب: «صحيح سنن الترمذي»، و«ضعيف سنن الترمذي».

♦ ومن مثل كتاب: «صحيح سنن النسائي»، و«ضعيف سنن النسائي».

♦ ومن مثل كتاب: «صحيح سنن ابن ماجه»، و«ضعيف سنن ابن ماجه».

 

والتي كانت أهمَّ أعمدة مشروعه الحديثي الذي أطلق عليه اسمَ: «تقريب السُّنَّة بين يدي عموم الأمَّة».

 

♦ ومن مثل كتابه: «صحيح الترغيب والترهيب»، و«ضعيف الترغيب والترهيب»، للحافظ عبدالعظيم المنذري رحمه الله.

 

♦ ومن مثل كتابه: «صحيح الأدب المفرد»، و«ضعيف الأدب المفرد». للإمام البخاري رحمه الله.

 

♦ ومن مثل كتابه الشهير الذي يُعَدُّ بمثابة دائرة معارفَ في «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم»، المختصر الذي يقع في نحو مئتي صفحة أو قريب من ذلك.

 

♦ أما أصله المفصَّل المبسوط؛ فيقع في ثلاث مجلَّدات كبيرة طبعت مؤخَّرًا أوَّل مرَّة.

 

♦ ومن مثل كتابه الآخر الشهير أيضا: «حجة النبي صلى الله عليه وسلم»، والذي لا يكاد يُحصَى عددُ من انتفع به ممن أراد أن تكون عمدتُه في حجه وعمرته الهديَ النَّبويَّ الصَّحيحَ الذي جاءَ واضحًا في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والذي جعل منه الشيخ الألباني قاعدةَ كتابه هذا، مع استقصاء الطُّرُق والرِّواياتِ، والألفاظ المختلفة للحديث.

 

♦ ومن مثل كتابه: «آداب الزِّفاف في السُّنَّة المطهَّرة».

 

♦ ومن مثل كتابه: «حجاب المرأة المسلمة».

 

♦ ومن مثل كتابه الهامِّ والنَّافع الذي ألَّفه لبيان التوسُّل المشروع والتوسُّل الممنوع بعنوان: «التوسُّل: أنواعه وأحكامه».

 

فإذا ضُمَّ إلى ذلك عشراتُ الكتب والرسائل التي قام بتحقيقها، أو تخريج أحاديثها، أو اختصارها، كانت الحصيلةُ ثروةً علميَّةً ضخمةً لا تكاد تجد لها نظيرًا في العصر الحاضر لأحدٍ غيره رحمه الله.

 

ولذا؛ تجدُ أعلام علمائنا ومشايخنا يُقرُّون له رحمه الله بالفضل والتقدُّم، ويصفونه بما هو أهل له من صفات الإمامة والتحقيق والتبحُّر في علم الحديث خاصَّةً.

 

فهذا سماحة شيخنا العلَّامة الشَّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله المفتي العام السابق للمملكة العربية السعودية يقول: «ما رأيتُ تحت أديم السماء عالمًا بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني»!

 

وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها». فُسئل سماحته رحمه الله: من مجدد هذا القرن؟ قال: «الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو مجدد هذا العصر في ظني والله أعلم»[1].


ويقول عنه العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: «الذي عرفته عن الشيخ من خلال اجتماعي به -وهو قليل- أنَّه حريص جدا على السُّنَّة ومحاربة البدعة. سواء في العقيدة أم في العمل.


أما من خلال قراءتي لمؤلفاته؛ فقد عرفتُ عنه ذلك، وأنَّه ذو علمٍ جمٍّ في الحديث روايةً ودرايةً. وأنَّ الله تعالى قد نفع بما كتبه كثيرًا من النَّاس، من حيث العلم، ومن حيث المنهاج والاتجاه إلى علم الحديث، وهذه ثمرة كبيرة للمسلمين، ولله الحمد، أمَّا من حيث التحقيقات العلمية الحديثية؛ فناهيك به!».

 

وقد كان العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله -كما ينقل الشيخ عبد العزيز الرَّدَّة- يُجِلُّ الألبانيَّ إجلالاً غريبًا؛ حتَّى إنَّه إذا رآه مارًّا وهو في درسه في المسجد النبوي قطع درسه وقام مسلِّمًا عليه؛ إجلالاً له!

 

وكم لأهل العلم والفضل في بلادنا من كلام في الثناء عليه رحمه الله، والإقرار له بالتضلُّع في الحديث وعلومه، والتبحُّر فيه، ما لو استقصيناه؛ لطال بنا الحديث جدًّا، وحسبُك من القلادة ما أحاط بالعُنق.


هذا، وإنَّ فريقًا من النَّاس قد استشكلوا جملةَ استشكالات متعلقة بعملِ الشيخ في صناعة الحديث:

أوَّلُها: ما يَستشكلُه بعضُ من لا علمَ عنده بالفنِّ - كبعض أعداء الشيخ وخصومه الذين أفنى حياتَه في بيان انحرافهم وتجافيهم عن الهدي النبوي الصحيح - من قول كثير من طلبة العلم في حديثٍ ما: «صحَّحَه الألباني»؛ لما في ذلك من إيهام اختصاصٍ للشيخ بالتصحيح، ولما فيه من إهدار جهود السَّابقين في هذه الصناعة من أئمة الفن وعلمائه.


فجواب هذا:

1) أنَّه بيِّنٌ جدًّا أنَّهم لم يقصدوا أنَّ الشيخَ وحدَه هو الذي حكم على الحديث متفرِّدًا بذلك، ولم يقصدوا أيضًا إسقاط أو إهمال غيره من الأئمة المتقدِّمين الذين حفظ الله بهم السُّنَّة النبويَّة، وأعظم النَّفعَ بجهودهم فيها.

 

2) لكنْ: لمَّا كان الشَّيخ رحمه الله قد صار له توجُّهٌ بدأه من بداية حياته العلمية، وسار عليه طيلة حياته في العناية الفائقة بدرجات الأحاديث في جميع أبواب العلم والاشتغال الدائم ببيان الصحيح من الضعيف منها في دروسه ومحاضراته ومؤلفاته. ولمَّا كانت هذه المؤلفاتُ متميِّزةً بحسن ترتيبها، وسهولة تناولها، ويُسر المراجعة فيها = فقد أصبحتْ هي مقصَدَ الباحثين عن الأحاديث وضعفها، ولم يقُل أحدٌ أبدًا بإسقاط جهود الأئمَّة المتقدمة في خدمة السنة، ولا بتقديم مؤلفات الشيخ الألباني عليها، هذا لم يقله أحدٌ عنده أَثارةٌ من علمٍ بالحديث وعلومه.

 

على أنَّ خصوم الشيخ وأعداءَه -الذين طالما اضطُرَّ رحمه الله طيلةَ حياته إلى الوقوف في وجه مشروعهم القائم على إحياء البدع والنَّفخِ فيها، والمناضلة عنها، والتعصُّب لها، والردِّ عليهم بالبرهان، وبيان ما هم عليه من مخالفات عقدية كبيرة، ومنابذة صريحة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم- جعلوا من هذه العبارة السائغة التي لا خطأ فيها أداةَ تشغيبٍ على الشيخ، ومحاولة انتقاص منه، ومن علمه، بمجرَّد الدَّعاوى التي لا بيِّناتَ عليها:

وَالدَّعَاوَى إِنْ لَمْ يُقِيمُوا عَلَيْهَا *** بَيِّناتٍ أَبْنَاؤُهَا أَدْعِيَاءُ

وثانيها: أنَّ للشيخ رحمه الله في تصحيحه وتضعيفه أخطاءً وأوهامًا لا تُحصى وتراجعاتٍ كثيرة تُغبِّرُ في وجه إتقانه لهذا الفنِّ ومعرفته به.

 

وجوابُه:

1) أنَّ الشيخ رحمه الله لم يدَّعِ لنفسه ولا أحدٌ ممن يُجلُّه ويستفيد من علمه بأنَّه معصومٌ من الخطأ والوهم. بل هو بشرٌ مثل غيره يصيب ويخطئ، وهذا شأنُ البشر جميعًا، وليس الشيخ رحمه الله ببدْعٍ في ذلك. وإذا كان كبار الأئمة في الفنِّ أُحصيت لهم أوهامٌ، فلا غَروَ أن يكون سبيلُ الشيخ سبيلَهم.

 

2) لكنَّ هذا: لا يمنع من مطالبة من يدَّعي بوجود هذه الأخطاء والأوهام الكبيرة التي تقدح في معرفة الشيخ وعلمه بأمثلة محدَّدة، حتَّى يمكن مناقشتُه فيها، مناقشةً علميَّةً قائمةً على أساسٍ بيِّنٍ، وأمَّا إلقاءُ القول على عواهنه، وإطلاق التُّهم والدَّعاوى العريضة العامَّة التي لا تُكلِّف صاحبَها شيئًا، فهذه لا يعجز عنها أحد، ولو كان أجهل الناس، ومن ثَمَّ فلم يكنْ لها أيُّ قيمةٍ في ميدان البحث العلمي، والنِّقاش العلمي الجادِّ الصَّادق، الذي يُريد به صاحبُه اللهَ والدَّارَ الآخرة، والوصول إلى الحقِّ فحسبُ.

 

وثالث الاستشكالات: أنَّه لا يُجوز لأحد في هذا العصر أن يصحح ويضعف إلا إذا كان حافظًا لا مُحدِّثًا، ولمَّا لم يبقَ حافظٌ، لم يجُز لأحد الدخول في هذا الشأن، وكان الشيخ الألباني رحمه الله بدخوله في هذا قد اقتحم ما ليس له، وهجم على ما لا يسوغ له.


وجوابُه:

1) أنَّ ممَّا ينبغي أنْ ينبَّه عليه ابتداءً: أنَّ الأئمَّة الذين صنَّفوا الدواوين وجمعوا السُّنن لم يكونوا على سبيل واحدٍ فيما يوردونه من الحديث فيها، فمنهم من اشترط في جمعه الحديث الصَّحيح وجرَّده، ومنهم من جمع الصحيح وخلط به غيره مما هو دونه من حسن وضعيف.


♦ فأمَّا الذين جرَّدوا الصحيح فهم أيضًا على درجات ورتب، فمنهم من سُلِّم لهم بحميع ما صحَّحوه أنه كذلك، كالإمامين أبي عبد الله البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجَّاج، في صحيحيهما، اللَّذين تلقَّتهما الأمة بالقبول.

 

♦ ومنهم من نوزع في بعض ذلك، كالإمام ابن خزيمة في صحيحه، وأبي عبد الله الحاكم في مستدركه.

 

♦ وأمَّا من جمع إلى الصحيح غيرَه ولم يجرِّده، فعليه عامة كتب السُّنن، كسنن أبي داود السجستاني، وأبي عيسى التِّرمذي، وأبي عبد الرَّحمن النَّسائي، ونحوهم. ثمَّ إنَّ هؤلاء رُبَّما نصَّ الواحد منهم على حكم الحديث عنده، ورُبَّما سكت عنه ولم ينُصَّ وقد عُلِم أنَّه لم يُجرِّد الصحيح. وما نَصَّ عليه؛ فقد ينازعه فيه غيرُه من أهل الفنِّ؛ إما لعدم اعتباره شرطًا يراه غيرُه شرطًا معتبرًا في صحة الحديث، وإمَّا لعدم تحقيقه الشرط المتفق عليه في الحديث.

 

♦ وبالجملة؛ فينشأ الخلاف إما من خلاف في قاعدة كاعتبار الإرسال علةً قادحةً في الصحة أو عدم اعتبارها، وإما من خلاف في تحقيق للقاعدة بعد الاتفاق عليها.

 

فمن هنا: نشأتِ الحاجةُ إلى سَبْر الأحاديث، والكشف عن صحيحها من ضعيفها، وصار للحديثِ أهلُه القوَّامون به، الذين قويت آلتهم، وثبتت معرفتهم، فأخذوا ينظرون في السُّنن ويحقِّقون قواعد الثُّبوت عليها، ويحرِّرونها تحريرًا بالغًا.

 

2) قد كان لأبي عمرو ابن الصلاح رحمه الله رأيٌ مبثوث في مقدمته المشهورة في علوم الحديث في هذا الشَّأن؛ مفادُه: الوقوف عند ما نصَّ عليه الأئمة المتقدمون في كتبهم المعتمدة، وعدم التجاسُر على الحكم فيما سكتوا عنه، فإنَّه قال رحمه الله: «إذا وجدنا فيما يُرْوى من أجزاء الحديث وغيرها حديثًا صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصًا على صحَّته في شيءٍ من مصنَّفاتِ أئمة الحديث المعتمدة المشهورة؛ فإنَّا لا نتجاسرُ على جزم الحكم بصحَّته، فقد تعذَّر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصَّحيح بمجرَّد اعتبار الأسانيد؛ لأنَّه ما من إسنادٍ إلا ونجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عَرِيًّا عما يُشترطُ في الصَّحيح من الحفظ والضَّبط والإتقان؛ فآل الأمر إذن إلى الاعتماد على ما نصَّ عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة، التي يُؤمن فيها لشُهرتها من التغيير والتحريف...»[2].


وهذا المذهبُ الذي نحا إليه أبو عمرو رحمه الله، وإن كان قد خالفه فيه الأكثرون من المحققين في هذا الفنِّ.

 

وممَّن نصَّ على ذلك:

♦ الإمام النووي رحمه الله؛ فإنَّه قال: «والأظهر عندي جوازُه لمن تمكَّن وقَوِيَتْ معرفتُه، والله أعلم»[3].

 

♦ الإمام العراقي رحمه الله ؛ فإنَّه تعقَّب أبا عمرو في «التقييد والإيضاح»[4] وقال: «وما رجَّحه النَّوويُّ هو الذي عليه عمل أهل الحديث؛ فقد صحَّح جماعةٌ من المتأخرين أحاديثَ لم نجد لم تقدَّمهم فيها تصحيحًا؛ فمن المعاصرين لابن الصلاح: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك ابن القطَّان... وممَّن صحَّح أيضا من المعاصرينَ له: الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي... وصحَّح الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري... ثم صحَّح الطبقة التي تلي هذه أيضا؛ فصحَّح الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدِّمياطي... ثم صحَّحت الطبقة التي تلي هذه وهم شيوخنا: فصحح الشيخ تقي الدين السُّبكي...» حتى قال: «ولم يزل ذلك دأبَ من بلغ أهليَّة ذاك منهم، إلا أنَّ منهم من لا يقبل ذلك منهم، وكذا كان المتقدِّمون، وربَّما صحَّح بعضُهم شيئًا، فأُنْكِر عليه تصحيحه، والله أعلم».


وبذلك؛ فقد انكشفت حقيقة الدعوى، وتبيَّن منهج أهل الحديث وما شرطوه في ذلك، فكل من شرط غير شرطهم، فليس منهم، وليس له أن يتكلم في العلم، وإنَّما يَكِل الأمر إلى أهله. والله المستعان، وعليه التُّكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.


تم بحمد الله



[1] فتاوى الألباني (ص9).

[2] معرفة أنواع علوم الحديث، ابن الصلاح (ص16، 17).

[3] التقريب والتيسير(ص28).

[4] (ص23، 24).





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة