• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض / بحوث ودراسات


علامة باركود

نماذج من العلماء

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض


تاريخ الإضافة: 5/8/2010 ميلادي - 24/8/1431 هجري

الزيارات: 28828

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ذكر أبو عبيدة في كتاب "مثالب أهل البصرة":

أن النضر بن شميل النحْوي البصري كان عالمًا بفنونٍ من العلم، صاحبَ غريب وفقه وشعر، ومعرفةٍ بأيام العرب، ورواية الحديث، وهو من أصحاب الخليل بن أحمد، فاتَّفق أنْ ضاقتْ به المعيشةُ، ورقَّ حالُه، فخرج يريد خراسان، فشيَّعه من أهل البصرة ثلاثةُ آلاف رجل، ما فيهم إلا محدِّثٌ، أو نحوي، أو عروضي، أو لغوي، أو إخباري، أو فقيه، فلمَّا بعدوا عن المدينة، جلس فقال: يا أهل البصرة، يعزُّ عليَّ فراقُكم، والله لو وجدتُ كلَّ يوم أكلةَ باقلاء، ما فارقتُكم، قال: فلم يكن أحد فيهم يتكلَّف له ذلك القدرَ اليسير، وسار حتى وصل إلى خراسان، فاستفاد بها مالاً عظيمًا.

 

فمن ذلك أنه أخذ على حرفٍ ثمانين ألف درهم، وهذه القصة نقلها الحريري صاحب "المقامات" في كتابه المسمى بـ"درة الغواص في أوهام الخواص".

 

قال: حكي عن محمد بن ناصح الأهوازي قال: حدَّثني النضر بن شميل المازني قال: كنت أدخل على المأمون في سمره، فدخلتُ ذات ليلة وعليَّ قميصٌ مرقوع، فقال: يا نضر، ما هذا التقشف حتى تدخل على أمير المؤمنين في هذه الخلقان؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ ضعيف، وحرُّ مرو شديد، فأتبرَّد بهذه الخلقان، قال: ولكنك قشف.

 

ثم أجرينا الحديث، فأجرى ذكر النساء، فقال: حدَّثني هشام، عن مجاهد، عن الشعبي، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا تزوَّج الرجل المرأة لجمالها ولدينها، كان فيها سَداد من عوز))[1] - بفتح السين من سداد - فقلت: صدق يا أمير المؤمنين هشام، حدثنا عوف، عن ابن أبي جميلة، عن الحسن، عن علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إذا تزوَّج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سِداد من عوز)) - بكسر السين.

 

قال: وكان أمير المؤمنين متكئًا فاستوى جالسًا وقال: يا نضر، كيف قلت: سِداد؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ لأن سَدادًا بالفتح هنا لحْن، قال: أوَتلحِّنني؟ قلتُ: إنما لحَن هشام وكان لحَّانة، فتَبِع أميرُ المؤمنين لفْظَه، قال: فما الفرق بينهما؟ قلت: السَّداد بالفتح: القصد في الدين والسبيل، والسِّداد بالكسر: البُلغة وكلُّ ما سددتَ به شيئًا فهو سداد، قال: أوَتعرف العربُ ذلك؟ قلتُ: نعم، هذا العرجي يقول:

أَضَاعُونِي وَأَيَّ فَتًى أَضَاعُوا
لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ

 

فقال المأمون: قبَّح الله مَن لا أدب له، وأطرق مليًّا ثم قال: ما مالُك يا نضر؟ قلت: أريضة لي بمرو، قال: أفلا نفيدك معها مالاً؟ قلت: إني لذلك لمحتاج، قال: فأخذ القرطاس وأنا لا أدري ما يكتب، ثم قال: كيف تقول إذا أمرت أن يُتْرَب؟ قلت: أتربه، قال: فهو ماذا؟ قلت: مترب، قال: فمن الطين؟ قلت: أطنه، قال: فهو ماذا؟ قلت: مطين، قال: هذا أحسن من الأول، ثم قال: يا غلام أتربه، ثم صلى بنا العشاء، ثم قال لغلامٍ: تبلغ النضر إلى الفضل بن سهل، قال: فلما قرأ الفضل الكتاب، قال: يا نضر، إن أمير المؤمنين قد أمر لك بخمسين ألف درهم، فما كان السبب؟ فأخبرتُه ولم أكْذبه شيئًا، فقال: أكنتَ ألحنت أمير المؤمنين؟ قلت: كلاَّ، إنما لحن هشام - وكان لحَّانة - فتبع أمير المؤمنين لفظه، وقد تتبع ألفاظ الفقهاء ورواة الآثار، ثم أمر لي الفضل بثلاثين ألف درهم، فأخذتُ ثمانين ألف درهم بحرف واحد؛ انتهى[2].

 

قال محمد بن إسماعيل البخاري: إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحدٌ يطلبني أني اغتبتُه، فذُكر له التاريخ وما فيه من الجرح والتعديل وغير ذلك، فقال: ليس هذا من هذا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((ائذنوا له، فلبئس أخو العشيرة))[3]، ونحن إنما روينا ذلك رواية، ولم نقُلْه من عند أنفسنا.

 

وعن عيسى بن يونس قال: ما رأينا في زماننا مثلَ الأعمش، ولا الطبقة الذي كانوا قبلنا، ما رأينا الأغنياءَ والسلاطين في مجلس قط أحقرَ منهم في مجلس الأعمش، وهو محتاجٌ إلى درهم[4].

 

وقال الحارث بن أبي أسامة: قلت لحفص بن أبي حفص الأبَّار: رأيت الأعمش؟ قال: نعم، وسمعته يقول: إن الله يرفع بالعلم - أو بالقرآن - أقوامًا، ويضع به آخرين، وأنا ممن يرفعني الله به، لولا ذلك لكان على عنقي دن صحنا أطوف به في سكك الكوفة[5].

 

عن يحيى بن أبي زائدة، حدثنا الأعمش، قال: دخل عليَّ إبراهيم يعودني وكان يمازحني، فقال: أمَّا أنت، فيعرف من في منزله أنه ليس برجل من القريتين عظيم[6].

 

قال شريك: ما كان هذا العلم إلا في العرب وأشراف الملوك، فقال رجلٌ من جلسائه: وأيُّ نبل كان للأعمش؟ قال شريك: أما لو رأيتَ الأعمش ومعه لحم يحمله، وسفيان الثوري عن يمينه، وشريك عن يساره، وكلاهما ينازعه حمل اللحم، لعلمتَ أن ثَمَّ نبلاً كبيرًا[7].

 

وعن سفيان بن عيينة قال: رأيت الأعمش لبس فروًا مقلوبًا، وتبَّانًا تسيل خيوطه على رجليه، ثم قال: أرأيتم لولا أنني تعلَّمتُ العلم، مَن كان يأتيني؟ لو كنتُ بقالاً كان يقذرني الناس أن يشتروا مني[8].

 

وقال أبو بكر بن عيَّاش: رأيت الأعمش يلبس قميصًا مقلوبًا، فيقول: الناس مجانين؛ يلبسون الخشن مقابل جلودهم[9].

 

وعن الأعمش قال: استعان بي مالك بن الحارث في حاجة، فجئتُ في قباء مخرَّق، فقال: لو لبست ثوبًا غيره، فقلت: امشِ، فإنما حاجتك بيد الله، قال: فجعل يقول في المسجد: ما صرت مع سليمان إلا غلامًا[10].

 

وقال أبو ثور: ما رأينا مثل الشافعي، ولا هو رأى مثلَ نفسه.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت أفصح ولا أعقل ولا أورع من الشافعي[11].

 

ولما احتضر ابن إدريس بكتِ ابنتُه، فقال: علامَ تبكين؟ فقد ختمتُ في هذا البيت أربعة آلاف ختمة[12].

 

قال الذهبي مترجمًا لشيخ الإسلام ابن تيمية: قرأ القرآن والفقه، وناظر واستدلَّ وهو دون البلوغ، وبرع في العلم والتفسير، وأفتى ودرَّس وله نحو العشرين سنة، وصنَّف التصانيف وصار من كبار العلماء في حياة شيوخه، وله من المصنَّفات الكبار التي سارتْ بها الركبان، ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراس وأكثر، وفسَّر كتاب الله - تعالى - مدة سنين من صدره أيام الجمع، وكان يتوقَّد ذكاء، وسماعاتُه من الحديث كثيرة، وشيوخه أكثر من مائتي شيخ، ومعرفته بالتفسير إليها المنتهى، وحفظه للحديث ورجاله، وصحته وسقمه، فما يلحقه فيه أحد، وأمَّا نقله للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين - فضلاً عن المذاهب الأربعة - فليس له فيه نظير، وأما معرفته بالملل والنحل والأصول والكلام، فلا أعلم له فيه نظيرًا، ويدري جملةً صالحة من اللغة وعربية قوية جدًّا، ومعرفته بالتاريخ والسير فعجب عجيب، وأما شجاعته وجهاده وإقدامه، فأمرٌ يتجاوز الوصف، ويفوق النعت، وهو أحد الأجواد الأسخياء الذين يُضْرَب بهم المثل، وفيه زهد وقناعة باليسير في المأكل والملبس.

 

الإمام محمد بن إسماعيل البخاري:

صاحب الصحيح الذي أجمع العلماء على تلقِّيه بالقبول، وعلى صحة ما روي فيه، نشأ في حجر أمِّه؛ لكون أبيه مات وهو صغير، وطلب علم الحديث منذ يفاعته، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة، قيل: إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردًا، وحجَّ وعمرُه ثمانيةَ عشرَ عامًا، فأقام بمكة يطلب الحديث بها، ثم رحل إلى بلدان عديدة لطلب الحديث، وكتب عن أكثر من ألف شيخ، وروى عنه خلق كثير.

 

قال الفربري - راوي الصحيح -: سمع الصحيح من البخاري معي نحوٌ من سبعين ألفًا، لم يبق منهم أحد غيري.

 

كان البخاري حريصًا على العلم، حتى إنه كان يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه، فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمرُّ بخاطره، ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى، حتى كان يتعدَّد منه ذلك قريبًا من عشرين مرة.

 

وقال البخاري عن نفسه: فكَّرتُ البارحة، فإذا أنا قد كُتِبت لي مصنفات نحوًا من مائتي ألف حديث مسندة، وكان يحفظها كلها.

 

ودخل مرَّة إلى سمرقند، فاجتمع بأربعمائة من علماء الحديث بها، فركَّبوا أسانيدَ، وأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، وخلطوا الرجال في الأسانيد، وجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها، ثم قرؤوها على البخاري، فردَّ كلَّ حديث إلى إسناده، وقوَّم تلك الأحاديث والأسانيد كلها وما تعنتوا فيها، ولم يقدروا أن يعلقوا عليه سقطة في إسناد ولا متن.

 

وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة، فيحفظه من نظرة واحدة.

 

قال فيه الإمام أحمد: ما أخرجتْ خراسان مثلَه.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ما رأينا مثله.

وقال أبو نعيم: هو فقيه هذه الأمة.

وقال قتيبة بن سعيد: رحل إليَّ من شرق الأرض وغربها خلقٌ، فما رحل إليَّ مثلُ محمد بن إسماعيل البخاري.

وقال مرجى بن رجاء: هو آية من آيات الله تمشي على الأرض.

وقال عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي: محمد بن إسماعيل أفقهنا وأعلمنا وأغوصنا وأكثرنا طلبًا.

وقال أبو حاتم الرازي: محمد بن إسماعيل أعلمُ مَن دخل العراق.

وقال الترمذي: لم أرَ بالعراق ولا في خراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من البخاري، وكنا يومًا عند عبدالله بن منير فقال للبخاري: جعلك الله زين هذه الأمة، قال الترمذي: فاستُجيب له فيه.

وقال ابن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري.

وقال الفلاَّس: كلُّ حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث.

وقال محمود بن النضر بن سهل الشافعي: دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة، ورأيت علماءها كلَّما جرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري، فضَّلوه على أنفسهم[13].

 

وقال صالح بن أحمد بن حنبل: عزم أبي على الخروج إلى مكة ورافق يحيى بن معين، فقال أبي: نحجُّ ونمضي إلى صنعاء إلى عبدالرزَّاق، قال: فمضينا حتى دخلنا مكة، فإذا عبدالرزاق في الطواف، وكان يحيى يعرفه، فطفنا ثم جئنا إلى عبدالرزاق، فسلَّم عليه يحيى وقال: هذا أخوك أحمد بن حنبل، فقال: حيَّاه الله، إنه ليبلغني عنه كلُّ ما أسرُّ به، ثبَّته الله على ذلك، ثم قام لينصرف، فقال يحيى: ألا نأخذ عليه الموعد؟ فأبى أحمد وقال: لم أغيِّر النية في رحلتي إليه، أو كما قال، ثم سافر إلى اليمن لأجْله، وسمع منه الكتب وأكثر عنه.

 

وقال محمد بن إسحاق بن راهويه: سمعت أبي يقول: قال لي أحمد بن حنبل: تعالَ حتى أريك رجلاً لم ترَ مثله، فذهب بي إلى الشافعي، قال أبي: وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل، ولولا أحمدُ وبذْل نفسه لما بذلها له لذهب الإسلام.

 

وقال المروذي: قلت لأبي عبدالله: ما أكثر الداعي لك! قال: أخاف أن يكون هذا استدراجًا، بأي شيء هذا؟

وقال المروذي أيضًا: قلت لأبي عبدالله: إن فلانًا قال: لم يزهد أبو عبدالله في الدراهم وحدها؛ بل قد زهد في الناس، فقال: ومن أنا حتى أزهد في الناس؟! الناس يريدون أن يزهدوا فيَّ.

 

بعث بعض السلاطين إلى محمد بن إسماعيل البخاري - وهو خالد بن أحمد الذهلي نائب الظاهرية ببخارى - ليأتيَه حتى يسمع أولاده عليه، فأرسل إليه: "في بيته العلم والحلم يؤتى"، وأبى أن يذهب إليهم[14].

 

سعيد بن المسيب:

قال الزهري: جالستُه سبع حجج وأنا لا أظن عند أحدٍ علمًا غيره.

وقال محمد بن إسحاق: عن مكحول قال: طفتُ الأرض كلَّها في طلب العلم، فما لقيت أعلم من سعيد بن المسيب.

 

وقال سعيد بن المسيب: كنت أرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد.

قال مالك: وبلغني أن ابن عمر كان يرسل إلى سعيد بن المسيب يسأله عن قضايا عمر وأحكامِه.

وقال أحمد بن عبدالله العجلي: كان سعيد رجلاً صالحًا فقيهًا، كان لا يأخذ العطاء، وكانت له بضاعة أربعمائة دينار، وكان يتَّجر في الزيت.

 

جاء رجل إلى سعيد بن المسيب وهو مريض، فسأله عن حديث، فجلس فحدثه ثم اضطجع، فقال الرجل: وددت أنك لم تتعنَّ، فقال: إني كرهتُ أن أحدِّثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مضطجع.

 

وكان يجعل على ظهره إهاب الشاة، وكان له مال يتَّجر فيه ويقول: اللهم إنك تعلم أني لم أمسكْه بخلاً ولا حرصًا، ولا محبةً للدنيا ونيل شهواتها؛ وإنما أريد أن أصون به وجهي عن بني مروان، حتى ألقى الله فيحكم فيَّ وفيهم، وأصِل منه رحمي، وأؤدِّي الحقوق التي فيه، وأعود منه على الأرملة والفقير والمسكين واليتيم والجار.

 

وقال يحيى بن سعيد: كان يقال: ابن المسيب راوية عمر، قال ليث: لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته.

وقال قدامة بن موسى الجمحي: كان سعيد بن المسيب يفتي وأصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحياء.

وقال محمد بن يحيى بن حبان: كان رأس مَن بالمدينة في دهره، المقدَّم عليهم في الفتوى سعيد بن المسيب، ويقال له: فقيه الفقهاء.

 

وقال مكحول: سعيد بن المسيب عالم العلماء.

وقال علي بن حسين: سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدَّمه من الآثار، وأفقههم في رأيه.

وقال ميمون بن مهران: أتيتُ المدينة فسألت عن أفقه أهلها، فدُفعت إلى سعيد بن المسيب فسألتُه.

وقال مالك بن أنس: كان عمر بن عبدالعزيز لا يقضي بقضاء حتى يسأل سعيد بن المسيب، فأرسل إليه أناسًا يسأله، فدعاه فجاءه حتى دخل، فقال عمر: أخطأ الرسول؛ إنما أرسلناه يسألك في مجلسك.

وقال عمرو بن عاصم: كان سعيد بن المسيب يحبُّ أن يسمع الشعر ولا ينشده.

 

قال أبو بكر القرشي: حدثنا ابن مثنى أن ابن عون كان في جيش، فخرج رجل من المشركين فدعا للبراز، فخرج إليه ابنُ عون وهو متلثِّم فقتله ثم اندس، فجهد الوالي أن يعرفه فلم يقدر عليه، فنادى مناديه: أعزم على مَن قتَلَ هذا المشرك إلا جاءني، فجاءه ابن عون، فقال: وما على الرجل أن يقول: أنا قتلته[15].

 

قال عبدالعزير بن أبي رجاء: سمعت الربيع يقول: مرض الشافعي فدخلت عليه، فقلت: يا أبا عبدالله، قوَّى الله ضعفك، فقال: يا أبا محمد، واللهِ لو قوَّى الله ضعفي على قوَّتي أهلكني، قلت: يا أبا عبدالله، ما أردت إلا الخير، فقال: لو دعوتَ الله عليَّ، لعلمتُ أنك لم ترد إلا الخير[16].

 

عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل: طلب العلم صغيرًا، وسمع الحديث في سن مبكرة، وشيوخه يزيدون على الأربعمائة، روى عن أبيه المسند والتفسير، والزهد والتاريخ، والعلل والسنة والمسائل، وغيرها، وجمع وصنَّف ورتب مسند أبيه وهذَّبه بعض التهذيب، وزاد فيه أحاديثَ كثيرةً عن مشايخه.

 

قال عباس الدوري: كنت يومًا عند أحمد بن حنبل فدخل ابنه عبدالله، فقال: يا عباس، إن أبا عبدالرحمن قد وعى علمًا كثيرًا.

 

وقال أبو زرعة: قال لي أحمد: ابني عبدالله محظوظ من علم الحديث، لا يكاد يذاكراني إلا بما لا أحفظ.

وقال ابن عدي: نبل عبدالله بأبيه، وله في نفسه محل من العلم، أحيا علم أبيه بمسنده الذي قرأه أبوه عليه خصوصًا قبل أن يقرأه على غيره، ولم يكتب عن أحد إلا من أمَرَه أبوه أن يكتب عنه.

وقال ابن المنادي: لم يكن أحد أروى عن أبيه منه، روى عنه المسند ثلاثون ألفًا، والتفسير مائة ألف حديث وعشرون ألفًا، من ذلك سماع، ومن ذلك إجازة، ومن ذلك الناسخ والمنسوخ، والمقدم والمؤخر في كتاب الله، والتاريخ، وحديث السبعة، وكرامات القراء، والمناسك الكبير والصغير، وغير ذلك من التصانيف، وحديث الشيوخ.

 

وقال أبو عمر بن النحاس - وذكر أحمد يومًا - فقال: رحمه الله في الدين ما كان أبصره، وعن الدنيا ما كان أصبره، وفي الزهد ما كان أخبره، وبالصالحين ما كان ألحقه، وبالماضين ما كان أشبهه، عُرضت عليه الدنيا فأباها، والبدعُ فنفاها.

وقال قتيبة: إن أحمد بن حنبل قام في الأمة مقام النبوة، قال البيهقي: يعني في صبره على ما أصابه من الأذى في ذات الله.

وقال بشر الحافي: أُُدخل أحمدُ الكير، فخرج ذهبًا أحمر.

 

وقال يحيى بن معين: كان في أحمد بن حنبل خصالٌ ما رأيتها في عالم قط، كان محدِّثًا، وكان حافظًا، وكان عالمًا، وكان ورعًا، وكان زاهدًا، وكان عاقلاً.

وقال هلال بن المعلى الرقي: منَّ الله على هذه الأمة بأربعة: بالشافعي؛ فَهِم الأحاديث وفسرها، وبيَّن مجملها من مفصلها، والخاص والعام، والناسخ والمنسوخ، وبأبي عبيد؛ بيَّن غريبها، وبيحيى بن معين؛ نفى الكذب عن الأحاديث، وبأحمد بن حنبل؛ ثَبَتَ في المحنة، لولا هؤلاء الأربعة لهلك الناس.

 

وقال علي بن المديني: إن الله - تعالى - أيَّد هذه الدنيا بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - يوم الرِّدة، وبأحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - يوم المحنة.

وقال الحافظ الذهبي: انتهت إليه الإمامة في الفقه والحديث، والإخلاص والورع، وأجمعوا على أنه ثقة حُجة إمام.

 

وقال أحمد بن داود أبو سعيد الحداد: دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب، فقلتُ له في بعض كلامي: يا أبا عبدالله، عليك عيال، ولك صبيان، وأنت معذور، كأني أسهِّل عليه الإجابة، فقال لي أحمد بن حنبل: إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد، فقد استرحت[17].

 

وقال المروذي: دخلت يومًا على أحمد، فقلت: كيف أصبحت؟

فقال: كيف أصبح مَن ربُّه يطالبه بأداء الفرض، ونبيُّه يطالبه بأداء السنة، والملَكانِ يطالبانه بتصحيح العمل، ونفسُه تطالبه بهواها، وإبليس يطالبه بالفحشاء، وملكُ الموت يطالبه بقبض روحه، وعيالُه يطالبونه بنفقتهم؟[18]

 

عبدالله ابن الإمام أحمد بن حنبل:

قال عنه الذهبي: له من التصانيف كتاب "السنة" مجلد، وكتاب "الجمل والوقعة" مجلد، وكتاب سؤالاته أباه، وغير ذلك، وقال: ولو أنه حرَّر ترتيب المسند وقرَّبه وهذَّبه، لأتى بأسنى المقاصد، فلعل الله - تبارك وتعالى - أن يقيِّض لهذا الديوان السامي من يخدمه، ويبوِّب عليه، ويتكلَّم على رجاله، ويرتب هيئته ووضعه، فإنه محتوٍ على أكثر الحديث النبوي، وقلَّ أن يثبت حديثٌ إلا وهو فيه.

 

قال: وأما الحسان، فما استوعبت فيه؛ بل عامتها - إن شاء الله تعالى - فيه، وأما الغرائب وما فيه لين، فروى من ذلك الأشهر، وترك الأكثر مما هو مأثور في السنن الأربعة، ومعجم الطبراني الأكبر والأوسط، ومسند أبي يعلى، ومسند البزار، ومسند بقي بن مخلد، وأمثال ذلك.

قال: ومِن سعْد مسند الإمام أحمد أنه قلَّ أن تجد فيه خبرًا ساقطًا.

 

قال شمس الدين ابن الجزري في كتابه "المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد"، تعقيبًا على ما قاله الذهبي: قلت: أمَّا ترتيب هذا المسند، فقد أقام الله - تعالى - لترتيبه شيخَنا، خاتمة الحفَّاظ، الإمام الصالح الورع أبا بكر محمد بن عبدالله بن المحب الصامت - رحمه الله تعالى - فرتَّبه على معجم الصحابة، ورتب الرواة كذلك كترتيب كتاب الأطراف، تعب فيه تعبًا كثيرًا، ثم إن شيخنا الإمام، مؤرخ الإسلام، وحافظ الشام، عماد الدين أبا الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير - رحمه الله تعالى - أخذ هذا الكتاب المرتب من مؤلفه، وأضاف إليه أحاديث الكتب الستة، ومعجم الطبراني الكبير، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى الموصلي، وأجهد نفسه كثيرًا، وتعب فيه تعبًا عظيمًا، فجاء لا نظير له في العالم، وأكمله إلا بعض مسند أبي هريرة؛ فإنه مات قبل أن يكمله، فإنه عوجل بكف بصره، وقال لي - رحمه الله تعالى -: لا زلت أكتب في الليل والسراج يُنونص، حتى ذهب بصري معه، ولعل الله يقيض له من يكمله، مع أنه سهل؛ فإن معجم الطبراني الكبير لم يكن فيه شيء من مسند أبي هريرة - رضي الله عنه.

 

وقد بلغني أن بعض فضلاء الحنابلة بدمشق اليومَ رتَّبه على ترتيب صحيح البخاري، وهو الشيخ الإمام الصالح العالم أبو الحسن علي بن زكنون الحنبلي - جزاه الله تعالى خيرًا، وأعانه على إكماله في خير - فإنه أنفع كتاب في الحديث، ولاسيما أنه عزا أحاديثه.

 

وأما رجال المسند، فما لم يكن في "تهذيب الكمال"، فقد أفرده المحدث الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن الحسين الحسيني، بإفادة شيخنا الحافظ أبي بكر محمد بن المحب، فما قصر، وما فاته فإني استدركته وأضفته إليه في كتاب سميته "المقصد الأحمد في رجال مسند أحمد"، وقد تلف بعضه في الفتنة، فكتبتُه بعد ذلك مختصرًا؛ ا.هـ.

 

قال: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث والأسماء والكنى، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون عن أسلافهم الإقرار له بذلك، حتى إن بعضهم أسرف في تقريظه له بالمعرفة وزيادة السماع للحديث عن أبيه.

 

محمد بن جرير الطبري:

روى عن عدد كثير من العلماء، ورحل إلى الآفاق في طلب الحديث، وصنف الكتب النافعة.

 

قال الخطيب البغدادي: استوطن ابن جرير بغداد، وأقام بها إلى حين وفاته، وكان من أكابر أئمة العلماء، ويُحكَم بقوله، ويُرجَع إلى معرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحدٌ من أهل عصره، وكان حافظًا لكتاب الله، عارفًا بالقراءات كلها، بصيرًا بالمعاني، فقيهًا في الأحكام، عالمًا بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله، وكتاب سماه "تهذيب الآثار" لم أرَ سواه في معناه إلا أنه لم يتمه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة واختيارات، وتفرَّد بمسائل حفظت عنه.

 

قال الخطيب: وبلغني عن الشيخ أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الفقيه الإسفرائيني أنه قال: لو سافر رجل إلى الصين حتى ينظر في كتاب تفسير ابن جرير الطبري، لم يكن ذلك كثيرًا، أو كما قال.

 

وروى الخطيب عن الإمام أبي بكر بن خزيمة أنه طالع تفسير محمد بن جرير في سنين من أوله إلى آخره، ثم قال: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير، ولقد ظلمتْه الحنابلة.

 

وحدَّث الربيع بن سليمان أنه قال: كان الشافعي - رحمه الله - يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئُه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا، فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى، تفرَّقوا وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار، ثم ينصرف - رضي الله عنه[19].

 

وحدث ابن خزيمة قال: سمعت يونس بن عبدالأعلى يقول: كان الشافعي إذا أخذ في العربية قلت: هو بهذا أعلم، وإذا تكلَّم في الشعر وإنشاده، قلت: هو بهذا أعلم، وإذا تكلم في الفقه، قلت: هو بهذا أعلم[20].

 

قال الأصمعي: صححتُ أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس الشافعي، وحكي عن مصعب الزبيري أنه قال: كان أبي والشافعي يتناشدان، فأتى الشافعي على شعر هذيل حفظًا، وقال: لا تُعلِم بهذا أحدًا من أهل الحديث؛ فإنهم لا يحتملون هذا[21].

 

قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة لأبي بكر بن بالويه: بلغني أنك كتبتَ التفسير عن محمد بن جرير، قلت: نعم، كتبنا التفسير عنه إملاء، قال: كله؟ قلت: نعم، قال: في أي سنة؟ قلت: من سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين، قال: فاستعاره مني أبو بكر وردَّه بعد سنين، ثم قال: نظرتُ فيه من أوله إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير، ولقد ظلمتْه الحنابلة، قال: وكانت الحنابلة تمنع ولا تترك أحدًا يسمع عليه[22].

 

قال أبو جعفر بن جرير الطبري لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون مقداره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل إتمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ثم قال: تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحوًا مما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله ماتتِ الهمم، فاختصره في نحو مما اختصر التفسير[23].

 

قال ياقوت في "معجم الأدباء"[24]: حدَّث القاضي كثير بن يعقوب البغدادي النحْوي في الستور، عن الفقيه أبي الحسن علي بن عيسى الولوالجي، قال: دخلت على أبي الريحان (البيروني) وهو يجود بنفسه، قد حشرج نفسه، وضاق به صدره، فقال لي في تلك الحال: كيف قلت لي يومًا حساب الجدات الفاسدة؟ فقلت له إشفاقًا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال لي: يا هذا، أودِّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيرًا أن أخليها وأنا جاهل بها؟ فأعدت ذلك عليه، وحفظ وعلمني ما وعد، وخرجت من عنده فسمعت الصراخ وأنا في الطريق.

 

قال ياقوت في "معجم الأدباء"، ج6، ص308، في ترجمة محمد بن أحمد أبي البركات البيروني: وبلغني أنه لما صنف "القانون المسعودي"، أجازه السلطان بحمل فيل من نقده الفضي، فردَّه إلى الخزانة بعذر الاستغناء عنه، ورفض العادة في الاستغناء به.

 

أرسل المعتضد لإبراهيم الحربي بعشرة آلاف درهم، فردَّها، فعاد الرسول فقال: فرِّقها في جيرانك، فقال: هذا ما لم نشغل أنفسها بجمعه، فلا نشغلها بتفريقه[25].

 

وكان له ابن فمات، فقال: كنت أشتهي موته، فقيل له: أنت عالم الدنيا، تقول مثل هذا في صبي قد أنجبتَه ولقنتَه القرآن والحديث والفقه؟! قال: نعم، رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، وكأن صبيانًا بأيديهم قلال يستقبلون الناس يسقونهم واليوم حارٌّ، فقلت لأحدهم: اسقني، فنظر إليَّ وقال: ليس أنت أبي، نحن الصبية الذين متنا وخلفنا آباءنا، نستقبلهم فنسقيهم[26].

 

قال ابن الجوزي: وأفتى ابن عقيل ودرَّس، وناظر الفحول، واستفتي في الديوان في زمن القائم في زمرة الكبار، وجمع علم الفروع والأصول وصنف فيها الكتب الكبار، وكان دائم التشاغل بالعلم، وكان له الخاطر العاطر، والبحث عن الغوامض والدقائق، وجعل كتابه المسمى "بالفنون" مناطًا لخواطره وواقعاته، ومن تأمَّل واقعاته عرف غور الرجل.

وتكلم على المنبر بلسان الوعظ مدة، فلما كانت سنة خمس وسبعين وأربعمائة، جرت فيها فتن بين الحنابلة والأشاعرة، فترك الوعظ واقتصر على التدريس، ومتَّعه الله - تعالى - بسمعه وبصره وجميع جوارحه.

 

قال: وقرأت بخطه قال: بلغت الاثنتي عشرة سنة وأنا في سن الثمانين، وما أرى نقصًا في الخاطر والفكر والحفظ، وحدة النظر وقوة البصر برؤية الأهلة الخفية، إلا أن القوة بالإضافة إلى قوة الشيبة والكهولة ضعيفة.

 

قال: وكان ابن عقيل قويَّ الدين، حافظًا للحدود، وتوفي له ولدان، فظهر منه من الصبر ما يُتعجب منه، وكان كريمًا ينفق ما يجد، ولم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه، وكانت بمقدار كفنه، وقضاء دَيْنه.

 

قال السلفي: ما رأت عيناي مثل الشيخ أبي الوفاء بن عقيل، ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه؛ لغزارة علمه، وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حجته، ولقد تكلَّم يومًا مع شيخنا أبي الحسن الكيا الهراسي في مسألة، فقال شيخنا: هذا ليس بمذهبك، فقال: أنا لي اجتهاد، متى ما طالبني خصمي بحجة كان عندي ما أدفع به عن نفسي، وأقوم له بحجتي، فقال شيخنا: كذلك الظن بك.

 

وكان ابن عقيل عظيم الحرمة، وافر الجلالة عند الخلفاء والملوك، وكان شهمًا مقدامًا، يواجه الأكابر بالإنكار بلفظه وخطه، حتى إنه أرسل مرة إلى حماد الدباس - مع شهرته بالزهد والمكاشفات وعكوف العامة عليه - يتهدَّده في أمر كان يفعله، ويقول له: إن عدتَ إلى هذا، ضربتُ عنقك.

 

قال أبو الوفاء ابن عقيل: وعانيت من الفقر والنسخ بالأجرة مع عفة وتقًى، ولا أزاحم فقيهًا في حلقة، ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة، وتقلَّبتْ عليَّ الدول، فما أخذتني دولة سلطان ولا عامة عما أعتقده أنه الحق، فأوذيت من أصحابي حتى طلب الدم، وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس، فيا من خفتُ الكل لأجْله، لا تخيب ظني فيك، وعصَمني الله - تعالى - في عنفوان شبابي بأنواع من العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطت لُعَّابًا قط، ولا عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم.

 

قال: والغالب على أحداث طائفة أصحاب أحمد العفة، وعلى مشايخهم الزهادة والنظافة.

 

وكان ابن عقيل من أفاضل العلماء، وأذكياء بني آدم، مفرط الذكاء، متسع الدائرة في العلوم، وكان خبيرًا بالكلام، مطلعًا على مذاهب المتكلمين، وله بعد ذلك في ذم الكلام وأهله شيءٌ كثير، كما ذكر ابن الجوزي وغيره عنه أنه قال: أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض، فإن رضيتَ أن تكون مثلهم فكن، وإن رأيتَ أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر، فبئس ما رأيت.

 

وذكر عنه أنه قال: لقد بالغت في الأصول طول عمري، ثم عدت القهقرى إلى مذهب المكتب، وقد حكى هذا عنه القرطبي في شرح مسلم، وله من الكلام في السنة، والانتصار لها، والرد على المتكلمين شيءٌ كثير، وقد صنف في ذلك مصنفًا.

 

وكان - رحمه الله - بارعًا في الفقه وأصوله، وله في ذلك استنباطات عظيمة حسنة، وتحريرات كثيرة مستحسنة، وكانت له يد طولى في الوعظ والمعارف، وكلامه في ذلك حسن، وأكثره مستنبط من النصوص الشرعية، فيستنبط من أحكام الشرع وفضائله معارفَ جليلةً، وإشاراتٍ دقيقةً، ومن معاني كلامه يستمد أبو الفرج ابن الجوزي في الوعظ، ولابن عقيل تصانيف كثيرة في أنواع العلم.

 

وكان ابن عقيل كثير التعظيم للإمام أحمد وأصحابه، والرد على مخالفيهم، وكان مع ذلك يتكلَّم كثيرًا بلسان الاجتهاد والترجيح، واتِّباع الدليل الذي يظهر له، ويقول: الواجب اتِّباع الدليل لا اتباع أحمد، وكان يخونه قلةُ بضاعته في الحديث، فلو كان متضلعًا من الحديث والآثار، ومتوسعًا في علومهما، لكملت له أدوات الاجتهاد، والكمال لله وحده.

 

وله مسائل كثيرة ينفرد بها، ويخالف فيها المذهب، وقد يخالفه في بعض تصانيفه ويوافقه في بعضها، فإن نظره كثيرًا يختلف، واجتهاده يتنوع.

 

ومن كلامه:

لقد عظَّم الله - سبحانه - الحيوان، لاسيما ابن آدم؛ حيث أباحه الشرك عند الإكراه وخوف الضرر على نفسه، فقال: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106].

 

يعظمك وهو هو، وتهمل أمره وأنت أنت، هو حط رتب عباده لأجلك، وأهبط إلى الأرض من امتنع من سجدة يسجدها لك.

 

ووعظ يومًا فقال: يا من يجد في قلبه قسوة، احذر أن تكون نقضت عهدًا؛ فإن الله - تعالى - يقول: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13].

 

وسئل فقيل له: ما تقول في عزلة الجاهل؟ فقال: خبال ووبال، تضره ولا تنفعه، فقيل له: فعزلة العالم؟ قال: ما لك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، تَرِدُ الماء، وترعى الشجر إلى أن يلقاها ربُّها.

 

ومن كلامه في صفة الأرض أيام الربيع: إن الأرض أهدت إلى السماء غبرتها بترقية الغيوم، فكستها السماء زهرتها من الكواكب والنجوم، وقال: كأن الأرض أيام زهرتها، مرآة السماء في انطباع صورتها.

 

وكان لابن عقيل ولدان ماتا في زهرة العمر، ذوا دين وفضل وأدب، فصبر واحتسب، توفي عقيل وعمره سبع وعشرون سنة، وتوفي هبة الله وعمره أربع عشرة سنة.

 

قال أبو الوفاء: مات ولدِي عقيل وكان قد تفقَّه وناظر، وجمع أدبًا حسنًا، فتعزيت بقصة عمرو بن عبد وُد الذي قتله علي - رضي الله عنه - فقالت أمُّه ترثيه:

لَوْ كَانَ قَاتِلُ عَمْرٍو غَيْرَ قَاتِلِهِ
مَا زِلْتُ أَبْكِي عَلَيْهِ دَائِمَ الأَبَدِ
لَكِنَّ قَاتِلَهُ مَنْ لاَ يُقَادُ بِهِ
مَنْ كَانَ يُدْعَى أَبُوهُ بَيْضَةَ البَلَدِ

 

فأسلاها وعزَّاها جلالةُ القاتل، وفخرها بأن ابنها مقتول، فنظرتُ إلى قاتل ولدي الحكيم المالك، فهان عليَّ القتلُ والمقتول؛ لجلالة القاتل.

 

وذكر عن الإمام أبي الوفاء أنه أكبَّ عليه وقبَّله وهو في أكفانه، وقال: يا بُني، استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعُه، الربُّ خيرٌ لك مني، ثم مضى وصلى عليه بجَنَانٍ ثابت - رحمه الله.

 

أما الابن الثاني لأبي الوفاء، فهو منصور هبة الله، كان قد حفظ القرآن وتفقَّه، وظهرتْ منه دلائلُ النبوغ، ثم مرض وأنفق عليه والدُه أموالاً طائلة في معالجته، ولكن ذلك لم يردَّ القَدَر.

 

قال أبو الوفاء: قال لي ابني لما تقارب أجلُه: يا سيدي، قد أنفقتَ وبالغت في الأدوية والطب والأدعية، ولله - تعالى - فيَّ اختيار، فدعْني مع اختياره، قال: فوالله ما أنطق الله - سبحانه وتعالى - ولدي بهذه المقالة التي تشاكل قولَ إسحاق لإبراهيم: افعل ما تؤمر، إلا وقد اختاره للحظوة[27].

 

وكان أبو الوفاء يقول: لولا أن القلوب توقن باجتماع ثانٍ، لتفطَّرتِ المرائرُ لفراق المحبوبين.

 

وقال في آخر عمره - وقد دخل في عشر التسعين، وذكر من رأى في زمانه من السادات من مشايخه وأقرانه وغيرهم -: قد حمدتُ ربي إذ أخرجني ولم يبق لي مرغوب فيه، فكفاني صحبة التأسف على ما يفوت؛ لأن التخلُّف مع غير الأمثال عذابٌ، وإنما هوَّن فقداني للسادات نظري إلى الإعادة بعين اليقين، وثقتي إلى وعد المبدئ لهم، فلَكأنِّي أسمع داعي البعث قد دعا، كما سمعتُ ناعيَهم وقد نعى، حاشا المبدئ لهم على تلك الأشكال والعلوم، أن يقنع لهم من الوجود بتلك الأيام اليسيرة المشوبة بأنواع التنغيص وهو المالك، لا واللهِ، لا قنع لهم إلا بضيافة تجمعهم على مائدة تليق بكرمه: نعيم بلا ثبور، وبقاء بلا موت، واجتماع بلا فرقة، ولذَّات بغير نغصة.

 

توفي أبو الوفاء بكرة الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى، وصُلِّي عليه في جامعي القصر والمنصور، وكان الجمع الذي صلى عليه يفوت الحصر، قال ابن ناصر: حزرتهم بثلاثمائة ألف، وذكر المبارك بن كامل الخفاف أنه جرت فتنة على حمله وتجارحوا، قال ابن الجوزي: وحدَّثني بعض الأشياخ أنه لما احتضر ابن عقيل بكى النساء، فقال: قد وقَّعتُ عنه خمسين سنة، فدَعوني أتهنَّأ بلقائه[28].

 

أبو السعادات المبارك محمد بن محمد بن عبدالكريم بن الأثير:

له مؤلفات كثيرة، منها جامع الأصول الستة: الموطأ، والصحيحين، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي، وله كتاب "النهاية في غريب الحديث"، وشرح مسند الشافعي، والتفسير في أربع مجلدات.

 

وكان معظَّمًا لدى ملوك الموصل، فلما آل الملك إلى نور الدين أرسلان شاه، أرسل إليه مملوكه "لؤلؤًا" أن يستوزره، فأبى، فركب السلطان إليه، فامتنع أيضًا وقال له: قد كبِرتْ سني، واشتهرت بالعلم، ولا يصلح هذا الأمر إلا بشيء من العسف والظلم، ولا يليق بي ذلك، فأعفاه.

 

ألَّف أبو غالب اللغوي كتابًا، فبذل له مجاهد العامري ملك دانية ألفَ دينار، ومركوبًا، وكسوة، على أن يجعل الكتاب باسمه، فلم يَقبَل ذلك أبو غالب وقال: كتاب ألفتُه؛ لينتفع به الناس، وأخلد فيه همتي، أجعل في صدره اسمَ غيري، وأصرف الفخر له؟! لا أفعل ذلك، فلما بلغ هذا مجاهدًا استحسن أنفتَه وهمَّتَه، وأضعف له العطاء، وقال: هو في حلٍّ من أن يذكرني فيه، لا نصدُّه عن غرضه[29].

 

بدر الدين الحسني:

كبير علماء الشام في وقته وشيخهم، المحدث التقي، يحفظ الصحيحين بأسانيدهما، توفي بدمشق عام 1354هـ[30].

 

كتب الأمير مجيد أرسلان في رسالة إلى صديقه هاشم الأتاسي عام 1935م، إحصائيةً لما كتبه ذلك العام:

1871 رسالة خاصة.

176 مقالة في الجرائد.

1100 صفحة كتبًا طبعت، ثم قال: هذا محصول قلمي كل سنة[31].

 

لما احتاج المنصور بن أبي عامر ملك الأندلس أن يأخذ أرضًا محبسة، ويعاوض عنها خيرًا منها، استحضر الفقهاء في قصره فأفتَوْه بأنه لا يجوز، فغضب السلطان وأرسل إليهم رجلاً من الوزراء مشهورًا بالحدة والعجلة، فقال لهم: يقول لكم أمير المؤمنين: يا مشيخة السوء، يا مستحلِّي أموال الناس، يا آكلي أموال اليتامى ظلمًا، يا شهداء الزور، يا آخذي الرشا، ومتلفي الخصوم، وملقحي الشرور، وملبسي الأمور، وملتمسي الروايات لاتباع الشهوات، تبًّا لكم ولآرائكم، فهو - أعزَّه الله - واقف على فسوقكم قديمًا وخونكم لأماناتكم، مغضٍ عنه، صابر عليه، ثم احتاج إلى دقَّة نظركم في حاجة مرَّة واحدة في دهره، فلم تسعفوا إرادته، ما كان هذا ظنَّه بكم، والله ليعارضنكم، وليكشف ستوركم، وليناصحن الإسلام فيكم.

 

وأفحش عليهم بهذا ونحوه، فأجابه شيخ منهم ضعيف المُنَّة، فقال: نتوب إلى الله مما قاله أمير المؤمنين، ونسأله الإقالة، فردَّ عليهم زعيمُ القوم محمد بن إبراهيم بن حيويه - وكان جلْدًا صارمًا - فقال للمتكلم: ممَّ نتوب يا شيخ السوء؟! نحن براء من متابك، ثم أقبل على الوزير فقال: يا وزير، بئس المبلِّغُ أنت، وكل ما نسبتَه إلينا عن أمير المؤمنين، فهو صفتُكم معاشرَ خَدَمه؛ فأنتم الذين تأكلون أموال الناس بالباطل، وتستحلُّون ظلمهم بغير الحق، وأما نحن فليستْ هذه صفاتنا ولا كرامة، لا يقولها لنا إلا متَّهمٌ في الديانة، فنحن أعلام الهدى، وسرج الظلمة، بنا يتحصَّن الإسلام، ويفرَّق بين الحلال والحرام، وتنفذ الأحكام، وبنا تُقام الفرائض، وتَثبت الحقوق، وتُحقن الدماء، وتُستحل الفروج، فهلاَّ إذا عتب علينا سيدُنا أمير المؤمنين بشيء لا ذنب فيه لنا، وقال بالغيظ ما قاله، تأنَّيت لإبلاغنا رسالتَه بأهونَ من إفحاشك، وعرضتَ لنا بإنكاره حتى فهمنا منك، فأجبناك عنه بما يصلُح الجواب عنه به، فكنت تزين على السلطان ولا تفشي سرَّه، وتستحيينا بما استقبلتنا به، فنحن نعلم أن أمير المؤمنين لا يتمادى على هذا الرأي فينا، ولا يعتقد هذا المعتقد في صفاتنا، وأنه سيراجع بصيرته في إيثارنا وتعزيزنا، فلو كنا عنده على هذه الحال التي وصفتَها عنا - والعياذ بالله من ذلك - لبطَل عليه كل ما صنعه وعقده من أول خلافته إلى هذا الوقت، فما يثبت له كتابٌ من حرب ولا سلم، ولا شراء ولا بيع، ولا صدقة ولا حبس، ولا هبة ولا عتق، ولا غير ذلك إلا بشهادتنا، هذا ما عندنا، والسلام.

 

ثم قاموا منصرفين، فلم يكادوا يبلغوا باب القصر إلا والرسلُ تناديهم، فأُدخلوا القصر، فتلقَّاهم الوزراء بالإعظام، ورفعوا منازلهم، واعتذروا لهم مما كان من صاحبهم، وقالوا لهم: أمير المؤمنين يعتذر إليكم من فرط موجدته، ويستجير بالله من الشيطان الرجيم ونزعته التي حملتْه على الجفاء عليكم، ويُعلِمكم أنه نادمٌ على ما كان منه إليكم، وهو مستبصر في تعظيمكم وقضاء حقوقكم، وقد أمر لكل واحد منكم ما ترون من صلة وكسوة عامة لرضاه عنكم، فدَعُوا له، وقبضوا ما أمر لهم، وانصرفوا غالبين لم يمسهم سوء[32].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] "كنز العمال" (44520).

[2] "ثمرات الأوراق في المحاضرات"، لتقي الدين أبي بكر ابن حجة الحموي، ج1، ص113 - 115.

[3] أخرجه البخاري (10/393)، ومسلم (2591).

[4] "الحلية"، لأبي نعيم، 5 /47 - 48.

[5] "الحلية"، لأبي نعيم، ج5، ص54.

[6] "الحلية"، لأبي نعيم، ج5، ص50.

[7] "الحلية"، لأبي نعيم، ج5، ص48.

[8] "الحلية"، لأبي نعيم، ج5، ص47.

[9] "الحلية"، لأبي نعيم، ج5، ص51.

[10] "الحلية"، لأبي نعيم، ج5، ص49 -50.

[11] "البداية والنهاية"، ج10، ص253.

[12] المصدر السابق، ج10، ص209.

[13] "البداية والنهاية"، ج11، ص24 - 27.

[14] "البداية والنهاية"، ج11، ص27.

[15] كتاب "الأذكياء"، لابن الجوزي، ص 94.

[16] كتاب "الأذكياء"، لابن الجوزي، ص 97.

[17] "طبقات الحنابلة"، ج1، ص43.

[18] "طبقات الحنابلة"، ج1، ص57.

[19] "معجم الأدباء"، لياقوت، ج6، ص 383.

[20] "معجم الأدباء"، لياقوت، ج6، ص380.

[21] "معجم الأدباء"، لياقوت، ج6، ص380.

[22] "معجم الأدباء"، ج6، ص425.

[23] "معجم الأدباء"، لياقوت، ج6، ص425.

[24] "معجم الأدباء"، لياقوت، ج6، ص309.

[25] انظر: "أحاسن المحاسن مختصر صفة الصفوة".

[26] نفس المصدر.

[27] أثبتنا ذلك مثل ما ذكره أبو الوفاء، والصحيح أن الذبيح إسماعيل - عليه السلام - وهو الذي قال: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ [الصافات: 102].

[28] "الذيل على الطبقات"، لابن رجب، ج1، ص145 - 146.

[29] من رسالة إسماعيل بن محمد الشقندي، ص 32، من كتاب "فضائل الأندلس وأهلها"، جمعها ونشرها الدكتور صلاح الدين المنجد.

[30] مجلة الفكر الإسلامي التي تصدر ببيروت، في عددها 6، السنة 3، جمادى الأولى 1392هـ.

[31] "الأعلام"، للزركلي، ج3، ص 251، الطبعة الثالثة، ومجلة الفكر الإسلامي، العدد 6، للسنة الثالثة، جمادى الأولى 1392هـ.

[32] "سراج الملوك"، لأبي بكر الطرطوشي، ص 58 - 60.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- شكر
مجدي - مصر 18-05-2021 08:48 PM

بارك الله فيكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة