• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض / بحوث ودراسات


علامة باركود

من آداب العلم

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض


تاريخ الإضافة: 14/7/2010 ميلادي - 2/8/1431 هجري

الزيارات: 20856

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قال حسين الكرابيسي: سمعت الشافعي يقول: كنت امرأً أكتب الشعر فآتي البوادي فأسمع منهم، قال: فقدِمت مكَّة فخرجت منها وأنا أتمثَّل بشعر "للبيد"، وأضرب وحشي قدمي بالسوط، فضربني رجلٌ من ورائي من الحجبة، فقال: رجل من قريش ثم ابن المطلب رضي من دينه ودنياه أن يكون معلمًا! ما الشِّعر؟ هل الشعر إذا استحكمت فيه إلا قصدت معلمًا، تفقَّه يعلمْك الله، قال: فنفعني الله بكلام ذلك الحجبي.

 

قال: ورجعت إلى مكة، وكتبت عن ابن عيينة ما شاء الله أن أكتب، ثم كنت أجالس مسلمَ بن خالد الزنجي، ثم قرأت على مالك بن أنس، فكتبت "موطأه" فقلت له: يا أبا عبدالله أقرأ عليك! قال: يا ابن أخي تأتي برجل يقرأه عليَّ فتسمع، فقلت: أقرأ عليك فتسمع إلى كلامي، فقال لي: أقرأ، فلمَّا سمع قراءتي أذن، فقرأت عليه حتى بلغت كتاب السير، فقال لي: اطوه يا ابن أخي، تفقه تقرأ، قال: فجئت إلى مصعب بن عبدالله فكلمته أن يكلم بعض أهلينا فيعطيني شيئًا من الدنيا، فإنه كان بي من الفقر والفاقة ما الله به عليم، فقال لي مصعب: أتيت فلانًا وكلمته فقال لي: تكلمني في رجل كان منَّا فخالفنا قال: فأعطاني مائة دينار وقال لي مصعب: إن هارون الرشيد كتب إليَّ أن أصير إلى اليمن قاضيًا فتخرج معنا لعل الله أن يعوضك ما كان من هذا الرجل، قال: فخرج قاضيًا على اليمن وخرجت معه، فلمَّا صرنا باليمن وجالسنا الناس، كتب مطرف بن مازن إلى هارون الرشيد: إن أردت اليمن لا يفسد عليك ولا يخرج من يديك، فأخرج عنه محمد بن إدريس.

 

وذكر أقوامًا من الطالبيين، قال: فبعث إلي حماد العزيزي فأوثقت بالحديد حتى قدمنا على هارون، فلمَّا أدخلت على هارون فأخرجت من عنده، قال: وقدمت ومعي خمسون دينارًا، قال: ومحمد بن الحسن يومئذ بالرقة، قال: فأنفقت تلك الخمسين دينارًا على كتبهم، قال: فوجدت مثلهم ومثل كتبهم مثل رجل كان عندنا يقال له فروخ، وكان يحمل الدهن في زقٍّ له فكان إذا قيل له: عندك فرشنان؟ قال: نعم، فإن قيل له: عندك زمبق؟ قال: نعم، فإن قيل: عندك حبر؟ قال: نعم، فإذا قيل له: أرني - وللزق رؤوس كثيرة - فيخرج له من الرؤوس، وإنما هي دهن واحد - كذلك وجدت كتاب أبي حنيفة - إنما يقول كتاب الله وسنة نبيه - عليه السلام - وإنما هم مخالِفون له.

قال: فسمعت ما لا أحصيه.

 

وكان محمد بن الحسن يقول: إن تابعكم الشافعي فما عليكم من حجازي كلفة بعده، فجئت يومًا فجلست إليه وأنا من أشد الناس همًّا وغمًّا من سخط أمير المؤمنين وزادي قد نفد.

قال: فلمَّا أن جلست إليه أقبل محمد بن الحسن يطعن على أهل دار الهجرة، فقلت: على مَن تطعن؟ على البلد أم على أهله؟ والله لئن طعنت على أهله إنما تطعن على أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار، وإن طعنت على البلدة، فإنها بلدتهم التي دعا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبارك لهم في صاعهم ومُدِّهم، وحرَّمه كما حرَّم إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - مكة لا يقتل صيدها، على أيهم تطعن؟

 

فقال: معاذ الله أن أطعن على أحد منهم أو على بلدته، وإنما أطعن على حكم من أحكامه، فقلت: ما هو؟ فقال: اليمين مع الشاهد، فقلت له: لِمَ طعنت؟ قال: فإنه مخالف لكتاب الله، فقلت له: فكل خبر يأتيك مخالفًا لكتاب الله أتسقطه؟ قال: فقال: كذا يجب، فقلت له: ما تقول في الوصية للوالدين؟ قال: فتفكَّر ساعة فقلت له: أجب، فقال: لا تجب، قال: فقلت له هذا مخالف لكتاب الله، لم قلت: إنه لا يجوز؟ قال: فقال: لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا وصية للوالدين))، قال: فقلت له: فأخبرني عن الشاهدين حتمٌ من الله؟ قال: فما تريد من ذا؟ قال: فقلت له: لئن زعمت أن الشاهدين حتمٌ من الله لا غير كان ينبغي لك أن تقول: إذا زنى زانٍ فشهد عليه شاهدان إن كان محصنًا رجمته، وإن كان غير محصن جلدته، قال: ليس هو حتمًا من الله، قال: قلت له: إذا لم يكن حتمًا من الله فتنزل الأحكام منازلها في الزنا أربعة، وفي غيره شاهدين، وفي غيره رجلاً وامرأتين.

 

وإنما أعني في القتل: لا يجوز إلا بشاهدين، فلما رأيت قتلاً وقتلاً أعني بشهادة الزنا وأعني بشهادة القتل، فكان هذا قتلاً وهذا قتلاً، غير أن أحكامهما مختلفة، فكذلك كل حتم أنزله الله منها بأربع، ومنها بشاهدَين، ومنها برجل وامرأتين، ومنها بشاهد واليمين، فرأيتك تحكم بدون هذا.

 

قال فقلت له: أبكتاب الله هذا أم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقلت له: فما تقول في الرجلين إذا اختلفَا في الحائط؟ قال: فقال في قول أصحابنا: إن لم يكن لهم بينة ننظر إلى العقد من أين هو إلينا فأحكم لصاحبه.

قال: فقلت: أبكتاب الله هذا أم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟

قلت: فما تقول في رجلين بينهما حصن فيختلفان، لِمَن تحكم إذا لم تكن لهم بينة؟ قال: أنظر إلى معاقده من أي وجه هو فأحكم له، قلت: بكتاب الله هذا أم بسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم؟

 

قال: فقلت له: فما تقول في ولادة المرأة إذا لم يكن يحضرها إلا امرأة واحدة وهي القابلة ولم يكن غيرها؟ فقال لي: الشهادة جائزة بشهادة القابلة وحدها نقبلها.

 

قال: فقلت له هذا بكتاب الله أم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثم قلت له: أتعجب من حكمٍ حكَم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكم به أبو بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - وحكم به عليُّ بن أبي طالب بالعراق وقضى وحكم به شريح؟

قال: ورجل من ورائي يكتب ألفاظي وأنا لا أعلم، قال فأدخل على هارون وقرأه عليه، قال: فقال: هرثمة بن أعين - وكان متَّكئًا فاستوى جالسًا - فقال: اقرأه عليَّ ثانيًا، قال: فأنشأ هارون يقول: صدق الله ورسوله، صدق الله ورسوله، صدق الله ورسوله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تعلموا من قريش ولا تعلموها، قدِّموا قريشًا ولا تقدموها))، ما أنكر أن يكون محمد بن إدريس أعلمَ من محمد بن الحسن.

 

قال: فرضي عنِّي وأمر لي بخمسمائة دينار، قال: فخرج بها هرثمة وقال لي بالشرط هكذا، فاتبعته فحدَّثني بالقصة، وقال لي: قد أمر بخمسمائة دينار وقد أضفنا إليها مثلَها، قال: فوالله ما ملكت قبلها ألف دينار إلاَّ في ذاك الوقت، قال: وكنت رجلاً أستتبع، فأغناني الله - عز وجل - على يدي مصعب[1].

 

وعن محمد بن عبدالحكم قال: سمعت الشافعي يقول: قال لي محمد بن الحسن: صاحبنا أعلم أم صاحبكم؟ قلت: تريد المكابرة أو الإنصاف؟ قال: بل الإنصاف، قال قلت: فما الحجة عندكم؟ قال: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، قال قلت: أنشدك الله، أصاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم؟ قال: إذ أنشدتني بالله فصاحبكم، قلت: فصاحبنا أعلم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم، قلت: فصاحبنا أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم صاحبكم؟ فقال: صاحبكم، قال: قلت فبقي شيء غير القياس؟ قال: لا، قلت: فبحق ندَّعي القياس أكثر ما تدعونه، وإنما يقاس على الأصول فيعرف القياس، قال: ويريد بصاحبه مالك بن أنس[2].

 

وعن الحميدي قال: سمعت الشافعي يقول: كنت أطلب الشعر وأنا صغير وأكتب، فبينما أنا أمشي بمكة أو في ناحية من مكة إذ سمعت صائحًا يقول: يا محمد بن إدريس، عليك بطلب العلم، قال: فالتفتُّ فلم أرَ أحدًا، فرجعت فكنت أطلب العلم وأكتبه على الخِرَق وأطرحه في الزير حتى امتلأ، وكنت يتيمًا ولم يكن لأمي شيء، فولي عم لي ناحية اليمن على القضاء، فخرجت معه، فلمَّا قدمت من اليمن أتيت مسلم بن خالد الزنجي، فسلَّمت عليه فلم يردَّ عليَّ السلام، وقال: أحدهم يجيئنا حتى إذا ظننا أنه يصلح أفسد نفسه، قال: فسرت إلى سفيان بن عيينة، فسلَّمت عليه فردَّ عليَّ السلام، وقال: قد بلغني يا أبا عبدالله ما كنت فيه، وما بلغني إلا خير فلا تعد.

 

قال: ثم خرجت إلى المدينة فقرأت "الموطأ" على مالك، ثم خرجت إلى العراق فصرت إلى محمد بن الحسن، فكنت أناظر أصحابه، قال: فشكوني إلى محمد بن الحسن، فقالوا: إن هذا الحجازي يَعيب علينا قولنا ويخطئنا، فذكر محمد بن الحسن ذلك فقلت له: إنا كنَّا لا نعرف إلا التقليد فلمَّا قدمنا عليكم سمعناكم تقولون: لا تقلِّدوا واطلبوا الحق والحجاج، فقال لي: فناظِرني، فقلت: أناظِر بعض أصحابك وأنت تسمع، فقال: لا إلاَّ أنا، قال فقلت: لك ذلك، قال: فتسأل أو أسألك؟ قلت: ما شئت، قال: فما تقول في رجل غصب من رجل عمودًا فبنى عليه قصرًا فجاءه مستحق فاستحقَّه؟ قلت: يخير بين العمود وبين قيمته، فإن اختار العمود هدم القصر، وأخرج العمود فردَّه على صاحبه، قال: فما تقول في رجل غصب من رجل خشبة، فبنى عليها سفينة، ثم لج بها في البحر، ثم جاء صاحبها فاستحقَّها؟ قلت: تقدم إلى أقرب المرسيين فيخيَّر بين القيمة وبين الخشبة، فإن أخذ قيمتها وإلا نقض السفينة ورد الخشبة إلى صاحبها.

فماذا تقول في رجل غصب من رجل خيط إبرَيْسِم فخاط به خرجَه، ثم جاء صحابه فاستحقَّه؟ قلت: له قيمته، فكبر وكبر أصحابه، وقالوا: تركت قولك يا حجازي، فقلت له: على رسلك، أرأيت لو أن صاحب القصر أراد أن يهدم قصره ويرد العمود إلى صاحبه ولا يعطيه قيمته كان للسلطان أن يمنعه من ذلك؟

فقال: لا، فقلت: أرأيت إلى صاحب السفينة، لو أراد أن ينقض السفينة، ويرد الخشبة إلى صاحبها، أكان للسلطان أن يمنعه؟ قال: لا، قلت: أرأيت إلى صاحب الخرج لو أراد أن ينقض خرجه ويخرج الخيط الذي خاط به الخرج ويرده على صاحبه، أكان للسلطان أن يمنعه؟ قال: نعم، قلت: فكيف نقيس ما هو محظور بما هو ليس بممنوع؟[3].

 

كان أبو هفان المهزمي البصري الراوية يقول: لم أرَ قط ولا سمعت مَن أحب الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنه لم يقع في يده كتابٌ إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان، حتى إنه ليكتري دكاكين الورَّاقين، ويبيت فيها للنظر، كان كثير الحفظ واسع الرواية قويَّ الحجة ناصع البرهان، وأقرب ما يوصف به أنه كان دائرة معارف تبلورت فيها ثقافات عصره[4].

 

قال ابن الجوزي: وأفتى ابن عقيل ودرَّس وناظر الفحول، واستفتى في الديوان في زمن القائم في زمرة الكبار، وجمع علم الفروع والأصول وصنَّف فيها الكتب الكبار، وكان دائم التشاغل بالعلم حتى غني رأيت بخطِّه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطِّره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد ما كنت أجده وأنا ابن عشر سنين.

 

قال: وكان له الخاطر العاطر والبحث عن الغوامض والدقائق، وجعل كتابه المسمى بـ"الفنون" مناظر الخواطر وواقعاته، ومَن تأمَّل واقعاته فيه عرف غَوْر الرجل، وتكلم على المنبر بلسان الوعظ مُدَّة، فلمَّا كانت سنة خمس وسبعين وأربعمائة جرت فيها فِتَن بين الحنابلة والأشاعرة، فترك الوعْظ واقتصر على التدريس، ومتَّعه الله - تعالى - بسمعه وبصره وجميع جوارحه.

 

قال: وقرأت بخطه قال: بلغت الاثنتي عشرة سنة وأنا في سن الثمانين وما أدري نقصًا في الخاطر والفكر والحفظ، وحِدَّة النظر وقوَّة البصر لرؤية الأهلَّة الخفية، إلاَّ أن القوة بالإضافة إلى قوة الشبيبة والكهولة ضعيفة؛ قال ابن رجب ذلك في "طبقات الحنابلة"، ج1، ص146.

 

وعن يونس بن يزيد قال: قال ابن شهاب: يا يونس، لا تكابر العلم، فإن العلم أودية فأيها أخذت فيه قُطِع بك قبل أن تبلغه، ولكن خُذْه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة؛ فإن مَن رام أخْذَه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي.

 

وقال حماد بن زيد: كان الزهري يحدِّث ثم يقول: هاتوا من أشعاركم، هاتوا من أحاديثكم، فإن الأذُن بحاجة وإن للنفس حمضة.

وقال الأصمعي: وصلت بالعلم، وكسبت بالمُلَح.

وقال ابن شهاب الزهري: الأذن بحاجة والنفس حمضة، فأفيضوا في بعض ما يخفِّف علينا.

وقال أيوب: كان الرجل يجالس الحسن ثلاث حِجج ما يسأله عن مسألة هيبة له.

 

وقال الشعبي لرجل يريد قدوم البصرة: إذا نظرت إلى الرجل أجمل أهل البصرة وأهيبهم فهو الحسن فأقرِئه مِنِّي السلام.

وقال سعيد بن جبير: لقد كان ابن عباس يحدثني بالحديث لو كان يأذن لي أن أقوم فأقبِّل رأسه لفعلت.

وقال يحيى بن سعيد القطان: سمعت شعبة يقول: كل مَن سمعتُ منه حديثًا فأنا له عبد.

 

وقال أبو بكر الخلال: خرج أبو بكر المروذي إلى الغزو فشيَّعه الناس إلى سامرَّاء فجعل يردُّهم فلا يرجعون فحزروا فإذا هم بسامراء - سوى مَن رجع - نحو خمسين ألف إنسان، فقيل له: يا أبا بكر، احمد الله، فهذا علم قد نُشِر لك، قال: فبكى ثم قال: ليس هذا العلم لي، إنما هذا علم أحمد بن حنبل[5].

قال أبو عثمان المازني: رأيت الأصمعي جاء إلى أبي زيد الأنصاري وقبَّل رأسه وجلس بين يديه وقال: أنت رئيسنا وسيدنا منذ خمسين سنة.

 

قال الشافعي: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحًا رقيقًا؛ هيبة له لئلا يسمع وقعها.

قال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ هيبة له.

 

وحضر بعض أولاد الخليفة المهدي عند شريك، فاستند إلى حائط وسأله عن حديث فلم يلتفت إليه شريك، ثم عاد فعاد شريك بمثل ذلك، فقال: أتستخفُّ بأولاد الخلفاء؟ قال: لا، ولكن العلم أجلُّ عند الله من أن أضيِّعه، ويروى: العلم أزين عند أهله من أن يضيعوه.

 

ولقد بلغ من شأن كثير من العلماء أنه كان يرفض تعليم أولاد الأغنياء والذهاب إليهم في منازلهم؛ لأنه لا يريد العلم وسيلة إلى المال، ولا أن يحرِم منه مَن لا يستطيع الحصول على المال، وقد يكون من هؤلاء العلماء مَن هو في حاجة ماسَّة إلى المال، ولكنه آثر أن يصبر وينشر العلم على أن يختصَّ بعلمه أشخاصًا من أجل نَيْل عرَض من الدنيا.

 

كان عطاء بن أبي رباح أسود أعور أفطس أشل أعرج ثم عمي بعد ذلك، وكان منادي بني أمية ينادي: لا يفتي الناس في الحج إلا عطاء بن أبي رباح، قال غير واحد إنه أعلم أهل زمانه بالمناسك، وهو أحد كبار التابعين وأئمَّة الأمصار وعلمائهم المعدودين.

 

وكان الخلفاء والملوك يجتهدون في أن يحظوا بمجالسة العلماء لهم واستفتائهم ومشاورتهم مع إجلالهم، والحرص على أن لا يشقُّوا عليهم.

 

كان عمر بن عبدالعزيز لا يقضي القضاء حتى يسأل سعيد بن المسيب، فأرسل إليه إنسانًا يسأله فدعاه فجاءه حتى دخل فقال عمر: أخطأ الرسول إنما أرسلناه يسألك في مجلسك.

 

قال الخليل بن أحمد: أيامي ثلاثة: يومٌ أخرج فألقى فيه مَن أنا أعلم منه فذلك يوم أجري، ويوم أخرج فألقى فيه مَن هو مثلي فأذاكره فذلك يوم درْسي، ويوم أخرج فألقى فيه مَن هو دوني وهو يرى أنه فوقي، فلا أكلِّمه وأجعله يومَ راحتي.

 

لا بُدَّ من الاعتدال، فلا يحمل المرء نفسه على الجدِّية الدائمة التي لا تعرف الراحة؛ لأن ذلك يفضي إلى الضجَر والملل، وربما أدَّى إلى النفور والكراهية، ولا يركن إلى الكسل والهزل فيضيع وقته فيما لا جدوى فيه، ولا يهمل الفُرَص السانحة تفلت منه فإنه لو فعل ذلك فيستجرع غُصَص الجهل ومرارة الغفلة، وخير الأمور أوساطها.

 

قال عبدالله بن مسعود: إن للقلوب نشاطًا وإقبالاً وإن لها تولية وإدبارًا، فحدِّثوا الناس ما أقبلوا عليكم.

وقال أيضًا: ما أنت محدِّث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.

وقال علي بن أبي طالب: حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟!

وقال ابن المنادي: امتنع أحمد عن التحديث قبل أن يموت بثمان سنين أو أقل أو أكثر، وذلك أنَّ المتوكل وجه مَن يقرأ عليه السلام، ويسأله أن يجعل المعتز في حجره ويعلمه العلم فقال للرسول: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وأعلمه أن عليَّ يمينًا أني لا أتم حديثًا حتى أموت، وقد كان أعفاني ممَّا أكره وهذا ممَّا أكره[6].

 

بعث خالد بن أحمد الذهلي نائب الظاهرية ببخارى إلى محمد بن إسماعيل البخاري ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه، فأرسل إليه قائلاً: في بيته العلم والحلم يؤتى، وأبى أن يذهب إليهم.

 

وكان تقدير العالم بحسب عمله وتُقَاه، وحفظه وذكائه، أو بمعنى آخر يكون تقديره حسب كفاءته ومؤهلاته.

 

وقال أبو مسهر: سأل المأمون مالك بن أنس: هل لك دار؟ فقال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: اشترِ لك بها دارًا، قال ثم أراد المأمون منه الشخوص، وقال لمالك: تعالَ معنا، فإني عزمت أن أحمل الناس على "الموطأ" كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال له: ما لك إلى ذلك من سبيل، وذلك أنَّ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - افترقوا بعدَه في الأمصار، فحدثوا فعند كلِّ أهل مصر علم، ولا سبيل إلى الخروج معك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون))، وقال: ((المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد))، وهذه دنانيركم، فإن شئتم فخذوها، وإن شئتم فدعوها[7].

 

وقال عبدالله بن الحكم: سمعت مالك بن أنس يقول: شاورني هارون الرشيد في ثلاث: في أن يعلق "الموطأ" في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه، وفي أن ينقض منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجعله من جوهر وذهب وفضة، وفي أن يقدِّم نافع بن أبي نعيم إمامًا يصلي في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا أمير المؤمنين، أمَّا تعليق "الموطأ" في الكعبة، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في الفروع، وتفرَّقوا في الآفاق، وكلٌّ عند نفسه مصيب، وأمَّا نقض منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتِّخاذك إياه من جوهر وذهب وفضة، فلا أرى أن تحرم الناس أثر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما تقدمتك نافعًا إمامًا يصلي بالناس في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن نافعًا إمام في القراءة لا يؤمن أن تندر منه نادرة في المحراب، فتحفظ عليه، قال: وفَّقك الله يا أبا عبدالله[8].

 

روى ابن وهب عن مالك: لما قدم ربيعة بن أبي عبدالرحمن على أمير المؤمنين أبي العباس أمر له بجائزة فأبى أن يقبلها فأعطاه خمسة آلاف درهم يشتري بها جارية حين أبى أن يقبلها فأبى أن يقبلها[9].

 

قال علي: اجمعوا هذه القلوب، وابتغوا لها طرائق الحكمة، فإنها تملُّ كما تمل الأبدان.

قال أبو وائل: خرج علينا عبدالله بن مسعود فقال: إني لأخبر بمجلسكم فما يمنعني من الخروج إليكم إلا كراهية مللكم، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتخوَّلنا بالموعظة مخافة السآمة علينا.

 

وكان القاسم بن محمد إذا كثروا عليه من المسائل قال: إن لحديث العرب وحديث الناس نصيبًا من الحديث، فلا تكثروا علينا من هذا.

 

وكان ابن شهاب الزهري يقول: روِّحوا القلوب ساعة وساعة.

وقال أيضًا: كان بعض العلماء يقول: هاتوا من أشعاركم، فإن الأذن مجَّاجة والنفس حمضة.

 

وقال أبو خالد الوالي: كنا نجالس أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتناشدون الأشعار ويتذاكرون أيامهم في الجاهلية.

وقال الحسن البصري: كان يقال: حدِّثوا القوم ما أقبلوا عليكم بوجوههم، فإذا التفتوا فاعلم أن لهم حاجات.

 

لقد أدرك السلف ما للإجازة والراحة من أثر نفسي، وما للجد المستمر والسهر المتواصل من أثر عكسي وبما ينشأ منه النفور والملل؛ لذا كانوا يتيحون للإنسان أن يأخذ قسطًا من الراحة والاستجمام؛ ليكون بعده النشاط والإقبال على العلم بشوق ورغبة.

 

وقال ابن عباس: العلم أكثر من أن يحاط به؛ فخذوا منه أحسنه.

وقال الشعبي: العلم أكثر من عدد الشعر، فخذ من كل شيء أحسنه.

وقال يحيى بن خالد بن برمك لابنه: يا بني، خُذْ من كل علم بحظٍّ وافر؛ فإنك إن لم تفعل جهلت، وإن جهلت شيئًا عاديته، وعزيزٌ عليَّ أن تعادي شيئًا من العلم.

وقال غيره: مَن أراد أن يكون حافظًا نظر في فن واحد من العلم، ومَن أراد أن يكون عالمًا أخذ من كل علم بنصيب.

 

روى البخاري في "الأدب المفرد": أن عبدالملك بن مروان دفع ولده إلى الشعبي يؤدِّبهم فقال: علِّمهم الشعر يمجُدوا وينجُدوا، وأطعمهم اللحم تشتد قلوبهم, وجُزَّ شعورهم تشتد رقابهم، وجالس بهم عِلْيَة الرجال يناقضوهم الكلام.

 

وقال عمر بن الخطاب لرجل عرَّس: هل كان؟ فقال: لا أطال الله بقاءك، فقال عمر: قد عُلِّمتم فلم تتعلموا، هلا قلت: لا، وأطال الله بقاءك.

 

وسُئِل العباس بن عبدالمطلب: أنت أكبر أم النبي - صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو أكبر مني وأنا ولدت قبله.

 

وقال معاذ بن سعد: كنت جالسًا عند عطاء بن أبي رباح فحدث بحديث فعرض رجل له في حديثه فغضب عطاء وقال: ما هذه الأخلاق؟ وما هذه الطبائع؟ والله إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به منه فأُرِيه أني لا أحسن شيئًا منه، وقال: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أكن سمعته وقد سمعته قبل أن يولد فأريه أني إنما سمعته الآن منه.

 

ضجر شعبة من إملاء الحديث فرأى أبا زيد الأنصاري في أخريات الناس فقال: يا أبا زيد:

اسْتَعْجَمَتْ دَارُ مَيٍّ مَا تُكَلِّمُنَا
وَالدَّارُ لَوْ كَلَّمَتْنَا ذَاتُ أَخْبَارِ

إليَّ يا أبا زيد، فجاءه فجعلا يتناشدان الأشعار، فقال له بعض أهل الحديث: يا أبا بِسْطَام نقطع إليك ظهور الإبل نسمع منك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فتدعنا وتقبل على الأشعار، فغضب شعبة غضبًا شديدًا وقال: يا هؤلاء أنا والله في هذا أعلم مني في ذاك[10].

 

وروى البخاري في "الأدب المفرد" والنسائي في "اليوم والليلة" والترمذي عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: قلت لعائشة - رضي الله عنها -: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثَّل بشيء من الشعر؟ فقالت: كان يتمثَّل بشيء من شعر عبدالله بن رواحة:

وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَا لَمْ تُزَوَّدِ

وروى البخاري في "الأدب المفرد" وابن ماجه والدارمي وابن خزيمة وأحمد عن الشريد قال: استنشدني النبي - صلى الله عليه وسلم - شعر أمية بن أبي الصلت وأنشدته فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((هيه، هيه))، حتى أنشدته مائة قافية، فقال: ((إن كاد ليسلم)).

 

وروى البخاري في "الأدب المفرد" عن عائشة أنها كانت تقول: الشعر منه حسن ومنه قبيح خُذْ بالحسن ودع القبيح، ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارًا منها القصيدة فيها أربعون بيتًا ودون ذلك.

 

وقال أبو الزناد: ما رأيت أحدًا أروى للشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك يا أبا عبدالله؟ قال: وما روايتي من رواية عائشة، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرًا.

 

وعن عون بن عبدالله بن عتبة قال: لقد أتينا أم الدرداء فتحدثنا عندها فقلنا: أمللناك يا أم الدرداء، فقالت: ما أمللتموني، لقد طلبت العبادة في كل شيء فما وجدت شيئًا أشفى لنفسي من مذاكرة العلم، أو قالت: من مذاكرة الفقه.

 

وعن أبي بريدة: قال علي: تذاكروا هذا الحديث؛ فإنكم إن لم تفعلوا يدرس.

وقال الزهري: إنما يذهب العلم النسيان وترك المذاكرة.

وقال الحسن: غائلة العلم النسيان وترك المذاكرة.

وقال الزهري: إن للعلم غوائل، فمن غوائله أن يترك العالم حتى يذهب بعلمه، ومن غوائله النسيان، ومن غوائله الكذب فيه وهو شرُّ غوائله.

 

وقال خالد بن يزيد بن عبدالله بن المختار: نكر الحديث الكذب فيه، وآفته النسيان، وإضاعته أن تحدِّث به مَن ليس من أهله.

 

وقال الحسن: لولا النسيان لكان العلم كثيرًا.

 

إن المتتبِّع لبعض ما قاله العلماء المسلمون من لدن الصحابة إلى يومنا يعجب من دقَّتهم في الملاحظة وعنايتهم بآداب العلم في الصبر والاجتهاد والسؤال من أجل الاستفادة، وكره المراء والجدَل الذي يراد به الاستعلاء والتطاول على الناس، وحرصِهم على أن يكون طالب العلم والعالم مثلاً راقيًا في التواضع ونبذ الغرور، وتعلم العلم النافع، وتقويم اللسان، وهيبة العالم، وغير هذا مما يدعو للإعجاب والتقدير، وهذه أمثلة ممَّا جاء في هذا السبيل:

قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: إن حقًّا على مَن طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متَّبعًا لآثار مَن مضى قبله.

 

وقال الحسن: العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر ممَّا يصلح، فاطلبوا العلم طلبًا لا تضرُّوا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبًا لا تضرُّوا بالعلم، فإن قومًا طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا.

 

وفي الحديث الصحيح: ((هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون))[11].

 

قال مالك: المراء يقسِّي القلب ويورث الضغن.

قال ميمون بن مهران: لا تمارِ عالمًا ولا جاهلاً؛ فإنك إذا ماريت عالمًا خزن عنك علمه، وإن ماريت جاهلاً خشن بصدرك.

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث مهلكات وثلاث منجيات؛ فأما المهلكات: فشُحٌّ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، والثلاث المنجيات: تقوى الله في السر والعلانية، وكلمة الحق في الرضا، والسخط والاقتصاد في الفقر والغنى))[12].

قال مسروق: كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه.

 

وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((علِّموا ويسِّروا ولا تعسِّروا - ثلاث مرات - وإذا غضبتم فاسكتوا)) كرَّرها ثلاث مرات[13].

وقال عطاء بن يسار: ما أوتي شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم.

وقال عيسى بن جهاد: كثيرًا ما كنت أسمع الليث بن سعد يقول لأصحاب الحديث: تعلَّموا الحلم قبل العلم.

 

وذكر محمد بن الحسن الشيباني عن أبي حنيفة قال: الحكايات عن العلماء ومجالستهم أحب إليَّ من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم.

 

وقال محمد: ومثل ذلك ما رُوِي عن إبراهيم قال: كنا نأتي مسروقًا فنتعلَّم من هديه ودلِّه.

وقال الشافعي: مَن حفظ القرآن عظُمت حرمته، ومَن طلب الفقه نبل قدره، ومَن عرف الحديث قويت حجته، ومَن نظر في النحو رقَّ طبعه، ومَن لم يصُن نفسه لم يصنه العلم.

وعن الحسن قال: كان طالب العلم يرى ذلك في سمعه وبصره وتخشُّعه.

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الوصية الصغرى"[14]: "وأمَّا وصف الكتب والمصنِّفين فقد سمع منَّا في أثناء المذاكرة ما يسره الله - سبحانه - وما في الكتب المصنفة كتاب أنفع من "صحيح محمد بن إسماعيل البخاري" لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحِّر في أبواب العلم، إذا لا بُدَّ من معرفة أحاديث أُخَر وكلام أهل الفقه وأهل العلم في الأمور التي يختصُّ بعلمها بعض العلماء.

 

وقد أوعبت الأمة في كل فن من فنون العلم إيعابًا، ومَن نوَّر الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومَن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرة وضلالاً، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للبيد الأنصاري: ((أَوَليست التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم))[15].

 

وعن الزهري قال: كان مسلمة يماري ابن عباس فحُرِم بلك علمًا كثيرًا.

وعن ابن جريج قال: لم أستخرج الذي استخرجت من عطاء إلا برفقي به.

وعن ابن طاووس عن أبيه قال: من السنة أن يوقَّر العالم.

وقال الشعبي: جالِسوا العلماء؛ فإنكم إن أحسنتم حمدوكم، وإن أسأتم تأوَّلوا لكم وعذروكم، وإن أخطأتم لم يعنِّفوكم، وإن جهلتم علَّموكم، وإن شهدوا لكم نفعوكم.

وقال بلال بن أبي بردة: لا يمنعكم سوء ما تعلمون منَّا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون منَّا.

قال ابن عمر: أيُّها الناس، إليكم عنِّي فإني قد كنت مع مَن هو أعلم منِّي، ولو علمت أني أبقى فيكم حتى تقتضوا إليَّ لتعلمت لكم.

 

عن نافع أن ابن عمر كان يسمع بعض ولده يلحن فيضربه.

 

عن سالم بن عبدالله بن عمر أن أباه قال: ما كنت بشيء بعد الإسلام أشد فرحًا من أن قلبي لم يشربه شيء من هذه الأهواء المختلفة.

 

وعن سعيد بن المسيب قال: قال لي عبدالله بن عمر: هل تدري لم سميت ابني سالمًا؟ قال: قلت: لا، قال: باسم سالم مولى أبي حذيفة، قال: فهل تدري لم سميت ابني واقدًا؟ قال: قلت: لا، قال: باسم واقد بن عبدالله اليربوعي، قال: هل تدري لم سميت ابني عبدالله؟ قال: قلت: لا، قال: باسم عبدالله بن رواحة.

 

روى عبدالملك بن عمير عن قزعة قال: أهديت إلى ابن عمر أثواب هروي فردها وقال: إنه لا يمنعنا من لبسها إلا مخافة الكِبْر.

 

وعن أبي الوازع قال: قلت: لابن عمر: لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، قال: فغضب وقال: إني لأحسبك عراقيًّا وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه؟

وعن نافع قال: مرَّ ابن عمر على يهود فسلم عليهم فقيل له: إنهم يهود، فقال: ردُّوا علي سلامي.

وعن مجاهد قال: كنت أسافر مع عبدالله بن عمر فلم يكن يطيق شيئًا من العمل إلا عمله لا يكله إلينا، ولقد رأيته يطأ على ذراع ناقتي حتى أركبها.

 

عن ميمون قال دسَّ معاوية عمرو بن العاص وهو يريد أن يعلم ما في نفس ابن عمر يريد القتال أم لا، فقال: يا أبا عبدالرحمن ما يمنعك أن تخرج فنبايعك وأنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن أمير المؤمنين، وأنت أحق الناس بهذا الأمر؟ قال وقد اجتمع الناس كلهم على ما تقول؟ قال: نعم، إلا نفر يسير، قال لو لم يبقَ إلا ثلاثة أعلاج بهجر لم تكن لي فيها حاجة، قال: فعلم أنه لا يريد القتال، قال: هل لك أن تبايع لِمَن قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه، ويكتب لك من الأرَضين ومن الأموال ما لا تحتاج أنت ولا ولدك إلى ما بعده؟ فقال: أف لك اخرج من عندي ثم لا تدخل علي، ويحك إن ديني ليس بديناركم ولا درهمكم، وإني أرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقية.

 

وكان يقال: العالم النبيل الذي يكتب أحسن ما يسمع، ويحفظ أحسن ما يكتب، ويحدث بأحسن ما يحفظ.

 

وقال الحسن بن عيسى: سمعت أبا بكر بن عياش يقول لابن المبارك: قرأت القرآن على عاصم بن أبي النجود فكان يأمرني أن أقرأ عليه كل يوم آية لا أزيد عليها ويقول: إن هذا أثبت لك، فلم آمن أن يموت الشيخ قبل أن أفرغ من القرآن، فما زلت أطلب إليه حتى أذن لي في خمس آيات كل يوم[16].

 

وقال يحيى بن سعيد القطان: رآني الأعمش وأنا أحدِّث قومًا فقال: ويحك تعلق اللؤلؤ على أعناق الخنازير.

وقال عكرمة: إن لهذا العلم ثمنًا، قيل: وما ثمنه؟ قال: أن تضعه عند مَن يحفظه ولا يضيعه.

 

وعن رؤبة بن العجاج قال: أتيت النسَّابة البكري فقال لي: مَن أنت؟ قلت: رؤبة بن العجاج؟ قال: قصرت وعرَّفت فما جاء بك؟ قلت: طلب العلم، قال: لعلك من قوم أنا بين أظهرهم إن سكت لم يسألوني وإن تكلمت لم يعوا عني، قلت: أرجو أن لا أكون منهم، ثم قال: أتدري ما آفة المروءة؟ قلت: لا، فأخبرني، قال: جيران السوء إن رأوا حسنًا دفنوه وإن رأوا سيئًا أذاعوه، ثم قل لي: يا رؤبة، إن العلم آفة وهجنة ونكرًا؛ فآفته نسيانه، وهجنته أن تضعه عند غير أهله، ونكره الكذب فيه.

 

وقال كثير بن مرة الحضرمي: إن عليك في علمك حقًّا كما أن عليك في مالك حقًّا، لا تحدث العلم غير أهله فتجهل، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تحدِّث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك، ولا تحدث بالباطل عند الحكماء فيمقتوك.

 

وقال مسلمة بن عبدالملك: إن الرجل ليسألني الحاجة فتستجيب نفسي له بها، فإذا لحن انصرفت نفسي عنها.

وتقدم رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير، إن أبينا هلك وإن أخونا غصبنا ميراثه، فقال زياد: الذي ضيعت من لسانك أكثر مما ضيعت من مالك.

وقال عمر - رضي الله عنه -: علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل.

 

وقال أبو جعفر المنصور لابنه المهدي: يا بني لا تجلس مجلسًا إلا وعندك من أهل الحديث مَن يحدثك.

وقال الزهري: علم الحديث ذكَر؛ لا يحبه إلا ذكران الرجال، ولا يكرهه إلا مؤنثوهم.

 

جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فأطراه وكان يبغضه، فقال علي: إني ليس كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك.

 

قال ابن عرابة المؤدب: حكى لي محمد بن عمر الضبي أنه حفَّظ ابن المعتز وهو يؤدبه (والنازعات) وقال له: إذا سألك أمير المؤمنين أبوك في أي شيء أنت قل في السورة التي تلي عبس، فقال: مَن علمك هذا؟ قال: مؤدبي، فأمر له بعشرة آلاف درهم.

 

وقال الأوزاعي: إذا أراد الله أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط.

وقال الحسن: إن أزهد الناس في عالم أهله، وشر الناس - أو قال: شر الأهل - أهل ميت يبكون عليه ولا يقضون دينه.

وفي الحديث: ((مَن سُئِل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة))[17].

روى ابن القاسم قال: كنا إذا ودعنا مالكًا يقول لنا: اتقوا الله وانشروا هذا العلم ولا تكتموه.

ـــــــــــــــــ
[1] "حلية الأولياء"؛ لأبي نعيم، ج9، ص70 -73.

[2] "الحلية"؛ لأبي نعيم، ج9، ص74.

[3] "الحليلة"؛ لأبي نعيم، ج9، ص 75- 76.

[4] انظر كتاب: "فصول من الفكر المعاصر"، ص33.

[5] "طبقات الحنابلة": ج1، ص57 -58.

[6] "طبقات الحنابلة": ج1، ص12.

[7] "حلية الأولياء"؛ لأبي نعيم، ج6، ص331.

[8] "حلية الأولياء"؛ لأبي نعيم، ج6، ص232.

[9] "تاريخ بغداد"؛ للخطيب البغدادي، ج8، ص425.

[10] من مقدمة للأستاذ محمد عبده عزام على "ديوان أبي تمام" ص 11، ونسبه لمقدمة نوادر أبي زيد.

[11] أخرجه مسلم (2670).

[12] أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (2/343)، وحسنه المنذري في "الترغيب" (1/62) بمجموع شواهده.

[13] أخرجه أحمد (1/283) و (265).

[14] ج1، ص239 من "رسالة الوصية الصغرى"، مجموعة رسائل ابن تيمية المطبوعة سنة 1323 هـ بالمطبعة العامرة الشرقية بمصر.

[15] أخرجه أحمد (6/26 -27 )، وابن حبان (4572)، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند الترمذي (2653).

[16] "طبقات الحنابلة": ج1، ص42.

[17] أخرجه أحمد (2/263 و305 و 495و 499و 508، وأبو داود (3658)، والترمذي (2649) من حديث أبي هريرة، وفي الباب عن عبدالله بن عمرو.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة