• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض / مقالات


علامة باركود

الخمر

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض


تاريخ الإضافة: 14/9/2010 ميلادي - 5/10/1431 هجري

الزيارات: 23086

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخمر أمُّ الخبائث، وهي مُذهِبة للعقل، مقلِّلة للمروءة، محطِّمة للأُسر، مجلبة للشرور، مثيرة للفِتن.

 

والخمر ملعونة، ملعون حاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها، وشاربها، وقد ترفَّع عنها بعضُ أهل الجاهلية، وقال: لا أُريد أن أُصبح سيِّد قومي، وأُمسي سفيههم، ومنهم مَن كان يتركها لئلاَّ يُفشِي الأسرار التي ربما كان في إفشائها ذَهابُ عزِّ القبيلة أو الدولة، أو اطِّلاع الأعداء على أسرار حربية، فيعرفون ضعْفَ عدوهم وقوته، ويَلِجُون من نقاط الضعْف، التي لولا هذيان السكير ما علموا بها، وقد حَرَّم الله الخمر تحريمًا قاطعًا في نهاية الأمر بعد أن تدرَّج في تحريمها من الأدنى إلى الأعلى.

 

ومِن المحزن أنَّ بعض مَن يذهب إلى بلاد الغرب يقتبسون من العاداتِ الذميمة، فيتعاطَى بعض ضِعافُ النفوس وخوارى العزائم الخمرَ، يظنُّ أن ذلك رُقِيٌّ ومجاراة لأهل المدنية والتقدُّم، والغريب أنَّ هذا البعض - غالبًا - يُقلِّد في الضار، أما النافع من الحضارة والمدنية فهو يُعرِض عنه، وهكذا ينقلب الأملُ فيه ألمًا، وتتحوَّل الفرحة به ترحة، ويكون وباله على قومِه كبيرًا.

 

♦ قيل لعثمان بن عفَّان - رضي الله عنه - : ما منعك مِن شُرْب الخمر في الجاهلية، ولا جُرمَ عليك فيها؟ قال: إني رأيتُها تُذهِب العقل جملة، وما رأيتُ شيئًا يذهب جملة، ويعود جملة.

 

♦ قال ابن عبد ربِّه في "العقد الفريد":

وقد شُهِر أصحابُ الشراب بسوء العهْد، وقلَّة الحفاظ، وأنهم أصحابك ما استغنيت حتى تفتقر، وما عوفيتَ حتى تنكب، وما غلب دنانك حتى تنزف، وما رأوك بعيونهم حتى يفقدوك، قال الشاعر:

أَرَى كُلَّ قَوْمٍ يَحْفَظُونَ حَرِيمَهُمْ
وَلَيْسَ لِأَصْحَابِ النَّبِيذِ حَرِيمُ
إِخَاؤُهُمُ مَا دَارَتِ الْكَأْسُ بَيْنَهُمْ
وَكُلُّهُمُ رَثُّ الْحِبَالِ سَؤُومُ
إِذَا جِئْتَهُمْ حَيَّوْكَ أَلْفًا وَرَحَّبُوا
وَإِنْ غِبْتَ عَنْهُمْ سَاعَةً فَذَمِيمُ
فَهَذَا بَيَانِي لَمْ أَقُلْ بِجَهَالَةٍ
وَلَكِنَّنِي بِالْفَاسِقِينِ عَلِيمُ

 

♦ وقال أحد الشعراء:

تَرَكْتُ النَّبِيذَ وَأَصْحَابَهُ
وَصِرْتُ خَدِينًا لِمَنْ عَابَهُ
شَرَابٌ يُضِلُّ سَبِيلَ الرَّشَادِ
وَيَفْتَحُ لِلشَّرِّ أَبْوَابَهُ

 

الأمريكيون مرضى:

نشرتْ مجلة "الشهاب" التي تصدر في لبنان في عددها الصادر بتاريخ 7/4/1381هـ ترجمةً لِمَا ذكره أحدُ الكتَّاب الأمريكييِّن عن الأمريكيِّين:

"نحن أغنياء لدرجة الدَّنَس، ونحن أيضًا مرْضَى، مرضى بتراثنا، بالجريمة، بالأدب المنحط، بالأمراض السارية، بالبطالة، بالتضخُّم المالي، بالطلاق - نسبة الطلاق في أمريكا واحد إلى كلِّ ثلاث زِيجات - بمشاكل المُدن، بالتفرِقة العُنصرية، فرصيدُنا الوطني الثمين - الشباب - أيضًا مريض".

 

ونقل قول الرئيس الأمريكي "نيكسون" في خطاب تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة: "إننا أغنياء بالحاجيات، فُقراءُ في الرُّوح، وقال: أزمتنا أزمةٌ رُوحيَّة، وإنَّنا كي نحل أزمةً روحية نحتاج جوًّا رُوحيًّا".

 

♦ قيل للعبَّاس بن مِرْداس: لو شربتَ النبيذ لازددتَ جُرأة، فقال: ما كنتُ لأُصبح سيِّدَ قومي، وأُمسي سفيهَهم، وأدخل في جوفي ما يحول بيني وبين عقلي.

 

تدهور الحضارة الغربية:

في كلِّ يوم نقرأ عن ضحايا المخدِّرات في العالَم، وتنشر الصحف قصصًا تبعث على الإشفاق والرِّثاء، والاستنكار.

 

فالمخدِّرات هي داءٌ يحطِّم الأعصاب، وعادة مرذولة يَفقد معها مدمنُها الإحساسَ بالمسؤولية، والشعورَ بالواجب، ويفقد الغَيْرة والنخوة والشهامة، ويصبح له شكلٌ الإنسان ظاهريًّا، أما معنويًّا فهو محطَّم خائر، واهِن القُوى، أو قل: إنه بقايا إنسان يدبُّ على الأرض دون أن يتحلَّى بالصِّفات الإنسانية التي تُميِّز صاحبَها عن سائر الحيوانات، وترشده لأقوم الطرق.

 

وتذيع الإذاعات، وتسرد الصحف إحصاءاتٍ وبيانات، وتحذيرات من انتشار المخدِّرات في العالَم الغربي وغيره.

 

إنَّ هذه السمومَ القاتلة التي يتعاطاها أصحابُها في غير وعْيٍ سليم، ولا إدراك حكيم، لأخطارها ونتائجها، وما تُفضِي بصاحبها إليه من سوء الحال، ومِنَ ازدراء المجتمع، ومن العقوبات العاجِلة والآجلة، وما تُسبِّبه من تحطيم البيوت، وانهيار الأسر، وتخلخُل المجتمع - هي داءٌ عضال، أما المجتمع المعافَى، فإنَّه في نعمة، وأيِّ نعمة ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18].

 

احتراق مستشفى المجانين:

في "زيورخ" بسويسرا شبَّ حريقٌ لم تُعرف أسبابُه، ويُظنُّ أنه بسبب تماس كهربائي، وقد دمَّر مستشفى للمجانين، وانتشلتْ 98 جثة، وهذا المستشفى تابِع لكلية الطبِّ في جامعة "زيورخ".

 

6000 إصابة بالسيلان:

أعلن خبير بشؤون الأمراض التناسلية: أنَّ مرض السيلان في الولايات المتحدة وَصَل إلى أعلى حدٍّ له هناك منذ عام 1919م، وهو في طريقه ليصل إلى حدود الوباء؛ إذ إنَّ 6 آلاف إصابة تقع يوميًّا.

 

وقال الدكتور ثورستاين غوثه السويسري - وهو رئيس برنامج الأمراض التناسلية في منظمة الصحة العالمية -: إنَّ إصابات السيلان في ازدياد كذلك في أوروبا، وجنوب شرق آسيا، والشرق الأقصى، وأميركا اللاتينية، وأشار إلى أنَّ عددَ الأشخاص الذين يقعون فريسةَ هذا المرض ممَّن هم دون العشرين، فاقَ أيَّة فترة سابقة مِن الزمن، وقال: إنَّه ثبت أنَّ واحدًا من بين كلِّ عشرة شبَّان يدخلون السَّنَة الأولى في الجامعة يلتقط مرض السيلان في السَّنة الأولى من سِني الجامعة، وكان الدكتور غوثه يخاطِب 200 طبيب من الولايات المتحدة وأوروبا في خِتام حلْقة دراسية حولَ الأمراض التناسلية.

 

هذا خبرٌ نشرتْه بعضُ الصحف، وهو معبِّر عن نفسه بنفسه، ومُنذِر بتدهور الحضارة الأوروبية وإفلاسها.

 

تدهور الحضارة الغربية:

بقدر ما ازدهرتِ الحضارة الغربية صناعيًّا، فقد تخلَّفت دينيًّا وأخلاقيًّا.

 

إنَّ عدد الجرائمِ يرتفع في أوربا وأمريكا بصورة مخيفة؛ جرائم مِن أنواع شتَّى: القتل والسرقة، والمخدِّرات، والخَطْف والاعتداء.

 

والمجتمعات هناك مفكَّكة الروابط، منحلَّة الأواصر، يَتَمزَّقون داخليًّا، وإن حسب الرائي للوهلة الأولى بريقًا خادعًا، وسرابًا زائلاً، فما يراه ليس إلاَّ الطلاء الممَوَّه، أما الحقيقة فهي قاسية، وها هم يَصْرخون بأعلى أصواتهم مشفِقين محذِّرين لمجتمعاتهم مِن هذه الهُوَّة السحيقة التي انحدروا إليها.

 

وتأتي الصيحاتُ على لسان رؤسائهم، وعلماء دِينهم، ومفكِّريهم، فهل ندرك ما أنعم الله به علينا من دِين كامل، وشريعة سمحاء، وما لذلك من أثَرٍ عظيم في رُقيِّ المجتمع وسلامته من الآفات؟! وهل سعَيْنا للتمسُّك بديننا، وحِرْصنا على تطبيقه، والاستغناء بشرعنا المطهَّر عن القوانين الوضعية، والآراء التي يشوبها الجهلُ والهوى والغرور ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

 

نكتة:

قال منجِّم لرجل من أهل طرسوس: ما نجمُك؟ قال: التيس، فضحِك الحاضرون، وقالوا: ليس في النجوم والكواكب تَيْس، قال: بلى، قد قيل لي وأنا صبي منذ عشرين سنة نجمك الجَدْي، فلا شكَّ أنَّه قد صار رئيسًا منذ ذلك الوقت.

 

خصائص المجتمع:

لهذا المجتمع خصائصُ ومَيْزات، من واجبه أن يحمد الله عليها، وأن يتمسَّك بها، ولا يذهبنَّ به إغراءُ الحضارة وبهارجها، وتنميق الألفاظ وتهويلها في صَرْفه عنها.

 

فالرِّضا بشَرْع الله وحُكمه، والحياء والأمانة والأمن، والروابط الأُسريَّة والأخوية، كلها تبرز جَلِيَّة، ويشهدها الوافدون ويُشيدون بها، وتبهرهم عند الاطِّلاع عليها، ويأخذون في التعليل والتحليل، ومعرفة الأسباب المؤدِّية لهذه الحال التي يفتقدونها في مجتمعاتهم، التي تضجُّ بالجرائم والعُدوان، وتقطُّع الأواصر، وتفكُّك الأُسَر، وانتشار الخَلاعة والمُجون والإلْحاد، مما أفقدها الأمنَ والاستقرار.

 

وعند التمعُّن والتفكُّر ببصيرة واعية، يتضح أنَّ تحكيم الشرع، والإيمان بالله، والرِّضا بقضائه وقدَرِه، والسعي للكَسْب الحلال، والإنفاق فيما يصون ويرفع - هي أسباب هذه النعم.

 

إنَّ مجتمعنا يقِف على مفترق الطرق، والصيحات المنكرة تُنادِيه لِمَا يضرُّه ويؤذيه ويدمِّره، ولكنَّ الأصوات الخَيِّرة تدعوه لرفْضِ الباطل وقَمْعه، والتمسُّك بأسباب العِزَّة، والسعادة والفلاح.

 

♦ قالتِ العرب في أمثالها: أنَجْزَ حُرٌّ ما وعد، وقالت: وعْد الحرِّ دَين، وقد يكون إخلاف الوعد اختياريًّا، فيكون صاحبُه مذمومًا ملومًا، وربما كان لأسباب قهرية، ولم يكن قاصدًا الخُلْف في الوعد، فيُلتمس له بعضُ العُذْر، ولكنَّه على كل حال يجب أن يحرِص على الوفاء بقدر المستطاع، ولا يُكلِّف الله نفسًا إلا وُسعها.

 

حسنات الحضارة ومساوئها:

تعيش بلادُنا عصرًا ازدهرتْ فيه الحضارة الصناعية، وبلغت الاختراعات فيه حدًّا هائلاً من التطوُّر، والسرعة والتفنُّن.

 

فالطائرات النفَّاثة والصواريخ، والقنابل الذرية والهيدروجينية، والسفن الفضائية، وأنواع السيارات والطائرات، كلَّ يومٍ في تطور وتقدم، والحضارة التي كان مِن ثمارها ناطحاتُ السحاب - كما يسمُّونها - والأشعة السِّينية، والآلات الدقيقة، ازدهرتْ في مجتمعات يكاد التحلُّل الخُلقي، والنظرة المادية البحتة، وإنكارُ ما وراء المحسوسات، يكون الصِّفةَ المميِّزة لها.

 

ونحن نقف على مفترق طرق، فهل نرفض الحضارةَ بخَيْرِها وشرِّها، بصناعتها وماديتها؟ أم نتقبلها على علاَّتها، ونأخذها بشرورها ورذائلها؟

 

إنَّ النظرتين خاطئتان، والواجب أن نُميِّز بين ما نأخذ وما نَذَر، وأن نستفيد من الحضارة بالقَدْر الذي لا يَمسُّ دِيننا وآدابنا وتاريخنا، فلا جُمودَ ولا تحلل، ولا انزواء ولا هوس، بل استفادة مع دِين، وقَبول بتعقُّل، بين الإفراط والتفريط.

 

إذا طلبتَ الندب المهذَّب الذي لا عَيْب فيه ولا نقص يشوبه، وتصوَّرتَ شروطًا تحسبها لا بدَّ أن تتوفر في الصديق، وفسرتَ كلَّ كلمة يقولها على أسوأ التفسير، ولم تَجِد لها من الخير محملاً، فإنَّك تُكلِّف نفسك عناءً طويلاً، وستضطر إلى أن تَقِف بمفردك بلا صديق يواسيك أو يُسلِّيك، أو يتوجَّع، ولن تَلْقى صاحبًا يحزن لحزنك، ويُسرُّ لمسرَّتك، وعلى نفسك جنيت، وفي أصدقائك فرطت، وإذا كنتَ عادلاً تحملتَ زلَّةَ الصديق، وتسامحتَ عن خطأ الصاحب، وصفحتَ عن أذى الإخوان، وبِذَا تنال المكرمة، وتنال الثقة والمودَّة.

 

الثناء يضاعف:

كان يقال: الثناء يُضاعَف كما تُضاعَف الحسنات، يكون الرجل سَخيًّا، فيزيد الله في سخائه، ويكون شجاعًا فيَزيد الله في شجاعته.

 

تعليل معقول:

قال زيادُ بن ظبيان التيمي لابنه عبيدالله بن زياد - وزياد يومئذٍ يجود بنفسه وعبيدالله غلام -: ألاَ أُوصي بك الأميرَ زيادًا؟ قال: لا، قال: ولِمَ؟ قال: إذا لم تكن للحيِّ إلا وصية الميت، فالحيُّ هو الميت.

 

في حجة الوداع:

في خُطبة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حجَّة الوداع:

((أيُّها الناس، إنَّما المؤمنون إخوة، ولا يَحِلُّ لامرئ مسلم مالُ أخيه إلاَّ عن طِيب نَفْس منه، ألاَ هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

 

فلا ترجعوا بعدي كُفَّارًا يضرب بعضُكم رِقابَ بعض، فإني قد تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلُّوا بعدي: كتاب الله، ألاَ هل بلغت؟ اللهمَّ فاشهد.

 

أيها الناس، إنَّ ربكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، كلُّكم لآدم، وآدم مِن تراب، أكرمُكم عندَ الله أتقاكم، إنَّ الله عليم خبير، وليس لعربيٍّ على عجميٍّ فضْلٌ إلا بالتقوى، ألاَ هل بلغت؟ اللهمَّ فاشهد، قالوا: نعم، قال: فليبلغ الشاهد الغائب)).

 

يكره أن يسأل غير الله:

قال هشام بن عبدالملك لسالم بن عبدالله ودخلا الكعبة: سلني حاجتك، قال: أكره أن أسأل في بيت الله غير الله، ورأى رجلاً يسأل في الموقف، فقال: أفي مثل هذا الموضع نسأل غير الله - عزَّ وجلَّ.

 

ما مات:

قال أعْشى همدان في خالد بن عباب بن ورقاء:

فَإِنْ يَكُ عَتَّابٌ مَضَى لِسَبِيلِهِ
فَمَا مَاتَ مَنْ يَبْقَى لَهُ مِثْلُ خَالِدِ

 

متى يُعرف الصديق؟

يُعرف الصدِيق عندَ الشدَّة، ويكشف الزَّيْف بالامتحان، ويستبين الشجاع في ساحة الوغَى.

 

وقد أكْثرَ الشعراءُ والأُدباء في هذا المَيْدان، وصالوا فيه وجالوا، وأكثروا من النعوت، ومِن المدح والذم، ورغبوا في الوفاء وحسَّنوه، ونفروا من الجُحود ومقتوه.

 

♦ قال سلمة بن زيد الطائي:

فَتًى كَانَ يُدْنِيهِ الْغِنَى عَنْ صَدِيقِهِ
إِذَا مَا هُوَ اسْتَغْنَى وَيُبْعِدُهُ الْفَقْرُ
فَتًى لاَ يَعُدُّ الْمَالَ رَبًّا وَلاَ تُرَى
لَهُ جَفْوَةٌ إِنْ نَالَ مَالاً وَلاَ كِبْرُ

 

♦ وقال الشمردل بن شريك اليربوعي:

وَإِنِّي لَيَزْدَادُ الْخَلِيلُ كَرَامَةً
عَلَيَّ إِذَا لاَقَيْتُهُ وَهْوَ مُصْرَمُ
وَأَنْأَى إِذَا مَا كَانَ بِي أَنَا حَاجَةٌ
إِلَيْهِ فَيَكْفِينِي فِرَاشٌ وَمَطْعَمُ
وَأَدْنُو إِذَا مَا كُنْتُ ذِا الْفَضْلِ نَحْوَهُ
بِخَالِصِ مَا أَحْوِيهِ إِذْ هُوَ مُعْدَمُ
مِنَ النَّاسِ أَقْوَامٌ إِذَا صَادَفُوا الْغِنَى
تَعَالَوْا عَلَى إِخْوَانِهِمْ وَتَعَظَّمُوا
وَإِنْ نَالَهُمْ فَقْرٌ غَدَوْا وَكَأَنَّهُمْ
مِنَ الذُّلِّ قِنٌّ فِي الْأَنَامِ يُقَسَّمُ

 

سبب وجيه:

سمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أعرابيًّا يقول: اللهمَّ اغفرْ لأمِّ أوفى، قيل له: ومَن أمِّ أوْفى؟ قال: زوجتي، وإنها لحمقاء.

 

لو كنت:

قال رجل لحذيفة: أخشى أن أكون منافِقًا، فقال: لو كنتَ منافقًا لم تخشَ ذلك.

 

قال الحجاج في خطبته:

اللهمَّ أرِني الهُدى هدًى فأتبعه، وأرِني الغي غيًّا فأجتنبه، ولا تَكِلْني إلى نفسي فأضلَّ ضلالاً بعيدًا، واللهِ ما أحبُّ أنَّ ما مضى من الدنيا بعِمامتي هذه، ولَمَا بقي أشبهُ بما مضى من الماء بالماء.

 

♦ قال عبدالله بن وهب الراسبي:

ازدحام الجواب مضلَّةٌ للصواب، وليس الرأي بالارْتجال، ولا الحَزْم بالاقتضاب، فلا تدعونك السلامةُ من خطأ موبق، أو غنيمة نلتَها من صواب نادِر إلى معاودته، والْتماس الأرباح مِن قِبَله.

 

إنَّ الرأي ليس بنهي، وضمير الرأي خير من فطيره، ورُبَّ شيءٍ غابُه خيرٌ من طَرِيِّه، وتأخيره خيرٌ من تقديمه.

 

تجارب:

تجارِب الحياة كثيرة، ودُروسها لا تُحصَى عدًّا، ولا تحصر حسابًا، وكلَّ يوم تمرُّ بالإنسان تجارِبُ ودروس، وما يزال هذا شأنَه حتى يفارقَ الحياة طائعًا أو كارهًا.

 

وقد كنتُ - كواحد من الناس - مررتُ بتجارِب، بعضها سارٌّ مفرِح، وبعضها محزِن مؤلِم، والتقيت بأناس كان منهم المخلِص الصادق الوفي، الذي يحبُّ الخير لكل الناس، ويحث على كلِّ نافع، ويُشجِّع على ما يفيد، ورأيتُ مَن يألم لألَمِ صديقه، ويستاء لاستيائه، وإن لم يُعبِّر بكلماته، فإنَّ قسماتِ وجهه ونظراتِه وحزنَ نفسه يُنبئ عمَّا في خاطره.

 

ورأيتُ مَن يدَّعي الصداقة، ويظهر الأخوة، وهو يُضمِر العكس، ويتمنَّى إيصالَ الضرر بكلِّ وسيلة لِمَن يَدَّعي صداقته، وإن لم يكن قد ناله منه أيُّ أذًى، بل وإن كان قد جاءه منه خير كثير.

 

وقابلتُ مَن يُثبِّط عن العمل المثمِر، ويفتُّ في عضد المُجِد، ويحسد مَن رُزِق مالاً أو علمًا، أو منصبًا أو ولدًا، ويودُّ أن تزول النِّعمة في لمحة عين، واجتمعتُ بأنماط من الناس مختلفة المشارِب، متباينة المصادر والموارد، ولقد استفدتُ من التجارِب كثيرًا، ومع ذلك فإنَّ التجارب لا تنقطع ما دامت الحياة.

 

♦ قال الحريري:

سَامِحْ أَخَاكَ إِذَا خَلَطْ
مِنْهُ الْإِصَابَةَ بِالْغَلَطْ
وَتَجَافَ عَنْ تَعْنِيفِهِ
إِنْ زَاغَ يَوْمًا أَوْ قَسَطْ
وَاحْفَظْ صَنِيعَكَ عِنْدَهُ
شَكَرَ الصَّنِيعَةَ أَوْ غَمَطْ
وَأَطِعْهُ إِنْ عَاصَى وَهُنْ
إِنْ عَزَّ وَادْنُ إِذَا شَحَطْ
وَاقْنِ الْوَفَاءَ وَلَوْ أَخَلْ
لَ بِمَا اشْتَرَطْتَ وَمَا اشْتَرَطْ
وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ إِنْ طَلَبْ
تَ مُهَذَّبًا رُمْتَ الشَّطَطْ
مَنْ ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطّْ
وَمَنْ لَهُ الْحُسَنَى فَقَطْ

 

♦ قال أبو تمام:

مَنْ لِي بِإِنْسَانٍ إِذَا أَغْضَبْتُهُ
وَجَهِلْتُ كَانَ الْحِلْمُ رَدَّ جَوَابِهِ
وَإِذَا طَرِبْتُ إِلَى الْمُدَامِ شَرِبْتُ مِنْ
أَخْلاَقِهِ وَسَكِرْتُ مِنْ آدَابِهِ
وَتَرَاهُ يُصْغِي لِلْحَدِيثِ بِقَلْبِهِ
وَبِسَمْعِهِ وَلَعَلَّهُ أَدْرَى بِهِ

 

♦ قال مؤرق العِجلي: ما تكلمتُ بكلمة في الغضب أندمُ عليها في الرِّضا، ولا أتكلَّم إلاَّ فيما يعنيني.

 

الناس أنماط:

الناس أنماط، بينهم الذكي والغبي، والوفي والناكر، والصديق والعدوّ، والمتسامح واللجوج، وهم متفاوتون تفاوتًا هائلاً، وعلى الإنسان أن يراعيَ هذه الاعتباراتِ؛ لئلاَّ يقع في سوء التقدير، ووخيم العاقبة، وليكن كريمًا متسامحًا، صافحًا عن الزلاَّت التي تبدر مِن صديق مجتهد، أو صاحب لم يُحْسِن القول.

 

وإنَّ أكْثَرَ الملامَ، وأطال الخِصام، ولَجَّ في العناد، بقي وحيدًا، يتحاماه الناس ويجتنبونه، ويكرهون رؤياه، بلا صاحِب يَبثُّه أشجانَه، أو صديق يُشاطِره أفراحَه.

 

♦ قال الشاعر:

دَعْنِي مِنَ الْمَرْءِ وَأَعْرَاقِهِ
وَمَالِهِ الْجَمِّ وَأَوْرَاقِهِ
فَمَا الْفَتَى كُلُّ الْفَتَى غَيْرُ مَنْ
يَسْتَعْبِدُ النَّاسَ بِأَخْلاَقِهِ
أَخُوكَ مَنْ إِنْ خِفْتَ مِنْ حَادِثٍ
حَلَلْتَ مِنْهُ بَيْنَ آمَاقِهِ
لَيْسَ بِغَدَّارٍ وَلاَ خَائِنٍ
وَلاَ كَذُوبِ الْوَعْدِ مَذَّاقِهِ
وَلاَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ وُدِّهِ
وَالْفِعْلُ لاَ يَأْتِي بِمِصْدَاقِهِ
طَوْعُكَ مَا دَامَتْ لَهُ سُوقَةٌ
حَتَّى إِذَا ارْتَابَ بِأَسْوَاقِهِ
وَأَبْصَرَ الشَّرَّ بَدَا مُقْبِلاً
شَمَّرَ لِلْمَكْرُوهِ عَنْ سَاقِهِ
يَذُمُّ عِنْدَ النَّاسِ إِخْوَانَهُ
وَيَمْدَحُ الذَّمَّ بِإِشْفَاقِهِ
يِا لَيْتَهُ أَعْفَاكَ مِنْ لَسْعَةٍ
وَمِنْ أَيَادِيهِ وَأَرْفَاقِهِ
لاَ خَيْرُهُ قَامَ بِهِ شَرُّهُ
وَلاَ أَفَاعِيهِ بِدِرْيَاقِهِ

 

قيل لبعضهم: كم لك مِن صديق؟ قال: لا أعلم؛ لأنَّ الدنيا مقبِلة عليّ، والأموال موجودة لديّ، وإنما أعرف ذلك لو زالتِ الدنيا، ألم تسمع قول الشاعر:

النَّاسُ أَعْدَاءٌ لِكُلِّ مُدْقِعٍ
صِفْرِ الْيَدَيْنِ إِخْوَةٌ لِلْمُكْثِرِ

 

♦ قيل في السخي: هو مَن كان بماله مُتبرِّعًا، وعن مال غيره مُتورِّعًا.

 

♦ قيل لحكيم: هل شيءٌ خير من الدراهم والدنانير؟ قال: معطيهما.

 

♦ عاتب رجل صديقًا له: فقال: لو علمتُ أنَّ يومي أهنأ من يومك لاخترتُ أن أوثرك به.

 

♦ قال أبو جعفر المنصور: لا تُبرِمْ أمرًا حتى تفكِّر فيه، فإنَّ فِكْر العاقل مرآتُه، تريه حَسَنه وسيِّئَه.

 

♦ ذَكرتِ الصحف الصادرة هذه الأيام: أنَّ امرأة في إيطاليا تنتظر مولودَها السابع والعشرين، والله على كلِّ شيء قدير.

 

♦ كان بين حاتم طيِّئ وبيْن أوس بن حارثة ألْطفُ ما بين اثنين، فقال النعمان لجلسائه: لأفسدنَّ ما بينهما، فدخل عليه أوس، فقال: إنَّ حاتمًا يزعم أنَّه أفضل منك، فقال: أبيتَ اللعن، صَدَق، ولو كنتُ أنا وأهلي وولدي لحاتمٍ لوَهَبَنا في يوم واحد، وخَرَج.

 

فدخل حاتم، فقال له مثل ذلك، فقال: صَدَق، وأين أقع مِن أوس، وله عشرة ذُكور أدناهم أفضلُ مني؟! فقال النعمان: ما رأيتُ أفضل منكما.

 

♦ قال المهلب بن أبي صُفْرة: العَيْش كله في الجليس الممتِع.

 

♦ قال علي - رضي الله عنه - : احملْ نفسَك من أخيك عندَ صُرْمه على الصِّلة، وعند صدوده على اللُّطْف والمقاربة، وعند جُرْمه على العُذر، حتى كأنَّك له عبد، وكأنَّه ذو نِعمة عليك، وإيَّاك أن تضع ذلك في غير موضعه، أو أن تصنعَه مع غير أهله.

 

♦ وقال الشافعي - رحمة الله عليه -:

أُحِبُّ مِنَ الْإِخْوَانِ كُلَّ مُوَاتِي
وَكُلَّ غَضِيضِ الطَّرْفِ عَنْ عَثَرَاتِي
يُوَافِقُنِي فِي كُلِّ أَمْرٍ أُرِيدُهُ
وَيَحْفَظُنِي حَيًّا وَبَعْدَ مَمَاتِي
فَمَنْ لِي بِهَذَا لَيْتَ أَنِّي أَصَبْتُهُ
لَقَاسَمْتُهُ مَا لِي مِنَ الْحَسَنَاتِ
تَصَفَّحْتُ إِخْوَانِي فَكَانَ أَقَلَّهُمْ
عَلَى كَثْرِةِ الْإِخْوَانِ أَهْلِ ثِقَاتِي

 

اختيار الصديق:

اختيارُ الصَّدِيق مِن أوْلى ما ينبغي الاعتناءُ به، فالصَّدِيق الذي يستحقُّ عن جدارة أن يُلقَّب بهذا اللَّقب هو الذي يُسرُّ بسرور صديقه، ويحزن لحزنه، ويحرِص على توفير الراحة له، وإبعاد ما يزعجه، وهو مشير ناصِح، يعامل صديقَه بتبسُّط، ورَفْع الكلفة مع بقاء المودَّة، وعدم التطاول عليه بما يُسيء إليه، أو يوغِر صدرَه، أو يُسبِّب له آلامًا، وفي الغَيْب يذبُّ عنه، وينشر محاسنَه.

 

من هو الصديق؟

يقول أحمد بن مشرف:

حَقِيقَةُ الصَّدِيقِ
تُعْرَفُ عِنْدَ الضِّيقِ
وَتُخْبِرُ الْإِخْوَانْ
إِذَا جَفَا الزَّمَانْ
لاَ خَيْرَ فِي إِخَاءِ
يَكُونُ فِي الرَّخَاءِ
وَإِنَّمَا الصَّدَاقَهْ
فِي الْعُسْرِ وَالْإِضَاقَهْ
لاَ تَدَّخِرْ مَوَدَّهْ
إِلاَّ لِيَوْمِ الشِّدَّهْ
وَلاَ تُعَدُّ الْخِلَّهْ
إِلاَّ لِسَدِّ الْخَلَّهْ
أَعِنْ أَخَاكَ وَاعْضُدِ
وَكُنْ لَهُ كَالْعَضُدِ
لاَ سَيَّمَا إِنْ قَعَدَا
بِهِ زَمَانٌ أَوْ عَدَا
بِئْسُ الْخَلِيلُ مَنْ نَكَلْ
عَنْ خِلِّهِ إِذَا اتَّكَلْ
لاَ تَجْفُ عَنْ حَالٍ أَخَا
ضَنَّ الزَّمَانُ أَوْ سَخَا

 

♦ قال عبدالملك بن مرْوان: إيَّاك ومصاحبةَ الأحمق، فإنه ربما أراد أن ينفعك فضرَّك.

 

♦ وقال أبو الأسود الدؤلي:

أَلَمْ تَرَ مَا بَيْنِي وَبَيْنِ ابْنِ عَامِرٍ
مِنَ الْوُدِّ قَدْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ
فَأَصْبَحَ بَاقِي الْوُدِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَالدَّهْرُ فِيهِ عَجَائِبُ
فَمَا أَنَا بِالْبَاكِي عَلَيْهِ صَبَابَةً
وَلاَ بِالَّذِي مَلَّتْكَ مِنْهُ الْمَثَالِبُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يُحْبِبْكَ إِلاَّ تَكَرُّهًا
بَدَا لَكَ مِنْ أَخْلاَقِهِ مَا يُغَالِبُ
فَدَعْهُ فَصُرْمُ الْمَوْتِ أَهْوَنُ حَادِثٍ
وَفِي الْأَرْضِ لِلْمَرْءِ الْكَرِيمِ مَذَاهِبُ

 

♦ وقال الإمام الشافعي:

نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالْعَيْبُ فِينَا
وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا
وَنَهْجُو ذَا الزَّمَانَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ
وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا
وَلَيْسَ الذِّئْبُ يَأْكُلُ لَحْمَ ذِئْبٍ
وَيَأْكُلُ بَعْضُنَا بَعْضًَا عَيَانَا

♦ قال أبو فروة:

إِنِّي مَدَحْتُكَ كَاذِبًا فَأَثَبْتَنِي
لَمَّا مَدَحْتُكَ مَا يُثَابُ الْكَاذِبُ

 

♦ أثنى رجلٌ على عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأفرط، فقال عليٌّ - وكان يتَّهمه - أنا دون ما تقول، وفوقَ ما في نفسك.

 

♦ قال كعب بن مالك:

وَلَمَّا رَأَيْتُ الْوُدَّ لَيْسَ بِنَافِعِي
لَدَيْهِ وَلاَ رَاثٍ لِحَالَةِ مُوجَعِ
زَجَرْتُ الْهَوَى إِنِّي امْرُؤٌ لاَ يَقُودُنِي
هَوَايَ وَلاَ رَأْيِي إِلَى غَيْرِ مَطْمَعِ

 

♦ وقال أبو تمام:

ذُو الْوُدِّ مِنِّي وَذُو الْقُرْبَى بِمَنْزِلَةٍ
وَإِخْوَتِي أُسْوَةٌ عِنْدِي وَإِخْوَانِي
عِصَابَةٌ جَاوَرَتْ آدَابُهُمْ أَدَبِي
فَهُمْ وَإِنْ فُرِّقُوا فِي الْأَرْضِ جِيرَانِي
أَرْوَاحُنَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَغَدَتْ
أَجْسَامُنَا لِشَآمٍ أَوْ خُرَاسَانِ

 

♦ قال هشام بن عبدالملك: قد أكلتُ الحلو والحامض، حتى ما أجد لواحدٍ منهما طعمًا، وشممتُ الطِّيب، حتى ما أجد له رائحة، وأتيتُ النساء، حتى ما أُبالي امرأةً أتيتُ أم حائطًا، فما وجدتُ شيئًا ألذَّ مِن جليس تسقط بيْني وبينه مؤونةُ التحفُّظ.

 

♦ وأنشد أحمد بن يحيى:

فَأُقْسِمُ مَا تَرْكِي عِتَابَكَ عِنْ قِلًى
وَلَكِنْ لِعِلْمِي أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعِ
وَإِنِّي إِذَا لَمْ أَلْزَمِ الصَّمْتَ طَائِعًا
فَلاَ بُدَّ مِنْهُ مُكْرَهًا غَيْرَ طَائِعِ
وَلَوْ أَنَّ مَا يُرْضِيكَ عِنْدِي مُمَثَّلٌ
لَكُنْتُ لِمَا يُرْضِيكَ أَوَّلَ تَابِعِ
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْكَ إِلاَّ شَفَاعَةٌ
فَلاَ خَيْرَ فِي وُدٍّ يَكُونُ بِشَافِعِ

 

♦ وقال الشاعر:

وَلَيْسَ الْغِنَى وَالْفَقْرُ مِنْ شِيمَةِ الْفَتَى
وَلَكِنْ أَحَاظٍ قُسِّمَتْ وَجُدُودُ
إِذَا الْمَرْءُ أَعْيَتْهُ الْمُرُوءَةُ نَاشِئًا
فَمَطْلَبُهَا كَهْلاً عَلَيْهِ شَدِيدُ
وَكَائَِنْ رَأَيْنَا مِنْ غَنِيٍّ مُذَمَّمٍ
وَصُعْلُوكِ قَوْمٍ مَاتَ وَهْوَ حَمِيدُ
وَإِنَّ امْرَأً يُمْسِي وَيُصْبِحُ سَالِمًا
مِنَ النَّاسِ إِلاَّ مَا جَنَى لَسَعِيدُ

 

♦ وقال النابغة الذُّبياني:

إِنَّ أَخَاكَ الصِّدْقَ مَنْ كَانَ مَعَكْ
وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَكْ
وَمَنْ إِذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَّعَكْ
شَتَّتَ فِيكَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَكْ

 

♦ وقال أبو الأسود الدؤلي:

فَلاَ تُشْعِرَنَّ النَّفْسَ يَأْسًا فَإِنَّمَا
يَعِيشُ بِجِدٍّ حَازِمٌ وَبَلِيدُ
وَلاَ تَطْمَعَنْ فِي مَالِ جَارٍ لِقُرْبِهِ
فَكُلُّ قَرِيبٍ لاَ يُنَالُ بَعِيدُ

 

♦ وقال أيضًا:

تَعَوَّدْتُ مَسَّ الضُّرِّ حَتَّى أَلِفْتُهُ
وَأَسْلَمِنِي طُولُ الْبَلاَءِ إِلَى الصَّبْرِ
وَوَسَّعَ صَدْرِي لِلْأَذَى كَثْرَةُ الْأَذَى
وَكَانَ قَدِيمًا قَدْ يَضِيقُ بِهِ صَدْرِي
إِذَا أَنَا لَمْ أَقْبَلْ مِنَ الدَّهْرِ كُلَّ مَا
أُلاَقِيهِ مِنْهُ طَالَ عُتْبِي عَلَى الدَّهْرِ

 

♦ وقال عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر:

أَصُدُّ صُدُودَ امْرِئٍ مُجْمِلٍ
إِذَا حَالَ ذُو الْوُدِّ عَنْ حَالِهِ
وَلَسْتُ بِمُسْتَعْتِبٍ صَاحِبًا
إِذَا جَعَلَ الصَّرْمَ مِنْ بَالِهِ
وَلَكِنَّنِي صَارِمٌ حَبْلَهُ
وَذَلِكَ فِعْلِي بِأَمْثَالِهِ
وَمَهْمَا أَدَلَّ بِحَقٍّ لَهُ
عَرَفْتُ لَهُ حَقَّ إِدْلاَلِهِ
وَإِنِّي عَلَى كُلِّ حَالٍ لَهُ
مِنَ ادْبَارِ وُدٍّ وَإِقْبَالِهِ
لَرَاعٍ لِأَحْسَنِ مَا بَيْنَنَا
بِحِفْظِ الْإِخَاءِ وَإِجْلاَلِهِ

 

♦ وقال الشاعر:

فَلاَ تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ
وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ
فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى
حَلِيمًا حِينَ آخَاهَ
يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ
إِذَا مَا هُوَ مَاشَاهُ
وَفِي الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ
مَقَايِيسٌ وَأَشْبَاهُ

 

♦ وقال الشاعر:

عَجِبْتُ لِإِدْلاَلَ الْعَيِيِّ بِنَفْسِهِ
وَصَمْتِ الَّذِي قَدْ كَانَ بِالْحَقِّ أَعْلَما
وَفِي الصَّمْتِ سِتْرٌ لِلْعَيِيِّ وَإِنَّمَا
صَحِيفَةُ لُبِّ الْمَرْءِ أَنْ يَتَكَلَّمَا

 

♦ وقال بعضُ الحكماء: أيسرُ شيء الدخول في العداوة، وأصعبُ شيء الخروج منها.

 

♦ وقال أعرابي في ابن عمٍّ له يُسمَّى زيادًا:

مَنْ يُبَادِلُنِي قَرِيبًا
بِبَعِيدٍ مِنْ إِيَادِ
مَنْ يُقَادِرْ مَنْ يُطَافِسْ
مَنْ يُنَازِلْ بِزِيَادِ

 

♦ وقال أحد الشعراء:

إِذَا خَانَنِي خِلٌّ قَدِيمٌ وَعَقَّنِي
وَفَوَّقْتُ يَوْمًا فِي مَقَاتِلِهِ سَهْمِي
تَعَرَّضَ طَيْفُ الْوُدِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
فَكَسَّرْتُ سَهْمِي فَانْثَنَيْتُ وَلَمْ أَرْمِ

 

♦ وقال الحسين بن علي بن عبدالواحد النصيبي النديم:

تَبُوحُ بِسِرِّكَ ضِيقًا بِهِ
وتَبْغِي لِسِرِّكَ مَنْ يَكْتُمُ
وَكِتْمَانُكَ السِّرَّ مِمَّنْ تَخَافُ
وَمَنْ لاَ تَخَافُ هُوَ الْأَحْزَمُ
وَإْنْ ذَاعَ سِرُّكَ مِنْ صَاحِبٍ
فَأَنْتَ وَإِنْ لُمْتَهُ أَلْوَمُ

 

♦ قال عليٌّ - رضي الله عنه -: لا تقطعْ أخاك على ارتياب، ولا تهجرْه دون استعتاب.

 

♦ قال بعض البلغاء: مِن خير الاختيار صُحبةُ الأخيار، ومِن سوء الاختيار مودَّة الأشرار.

 

♦ وقال النابغة:

وَلَسْتَ بِمُسْتَبْقٍ أَخًا لاَ تَلُمُّهُ
عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ

 

♦ وقال غيرُه:

وَحَظُّكَ زَوْرَةٌ فِي كُلِّ عَامٍ
مُوَافَقَةً عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ
سَلاَمًا خَالِيًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
يَعُودُ بِهِ الصَّدِيقُ عَلَى الصَّدِيقِ

 

♦ قال يونس النحوي:

لا تعادينَّ أحدًا وإن ظننتَ أنه لا يضرُّك، ولا تزهدنَّ في صداقة أحد وإن ظننتَ أنَّه لا ينفعك، فإنَّك لا تدري متَى تخاف عدوَّك، وترجو صديقك، ولا يعتذر أحدٌ إليك إلا قبلتَ عُذرَه، وإن علمتَ أنه كاذب، وليقلَّ عتبُ الناس على لسانك.

 

أعوذ بالله:

قال أعرابي: اللهمَّ إني أعوذ بك مِن سلطان جائِر، ونديم فاجِر، وصَدِيق غادر، وغريم ماكر، وقريب ناكر، وشريك خائن، وحريف مائن، وولد جافٍ، وخادِم هافٍ، وحاسد محافظ، وجارٍ ملاحظ، ورفيق كسلان، وجليس وَسْنان، ووكيل ضعيف، ومركوب قطوف، وزوجة مبذِّرة، ودار ضيِّقة.

 

الصديق الصدوق:

الصديق الصدوق، والمجالِس المؤانِس، والناصح الشفيق، أولئك ممَّا يتمنَّى العقلاء، ويسعى إلى الحظوة بهم النبهاء، وإذا وجدوهم عدُّوا ذلك من أعظمِ المكاسِب، وأطيب الساعات، فالمرْءُ مهما حَصُف عقلُه، واتسعتْ معارفه، وكثرتْ تجارِبُه، لا يستغني عن المشورة، ولا يستقلُّ برأيه في كلِّ شيء، وهو مضطرٌ إلى أن يُفضيَ ببعض ما يجول في خاطره لصاحِبٍ يكتم السِّرّ، ويحفظ الودّ، ويعين على المشكلات.

 

فالصديق الصدوق نعمةٌ من النعم، ولكنَّ القليلِين من الناس يُقدِّرون الصداقة، ويحافظون على الوفاء، ويمحِّضون النصيحة.

 

♦ قال عمرو بن العاص: ثلاثةٌ لا أملُّهم: جليسي ما فَهِم عني، ودابَّتي ما حملتْ رحلي، وثوبي ما سترني.

 

♦ ووصف سهل بن هارون رجلاً، فقال: لم أَرَ أحسن منه فَهمًا لجليل، ولا أحسنَ تفهُّمًا لدقيق.

 

♦ وقال أبو مجلز لاحِق بن حميد لقُتَيبةَ بن مسلم: أيُّها الأمير، تَثبَّتْ، فإنَّ التثبت نصف العفو.

 

♦ قال أحد الشعراء:

لاَ تَيْئَسَنَّ مِنَ اللَّبِيبِ وَإِنْ جَفَا
وَاقْطَعْ حِبَالَكَ مِنْ حِبَالِ الْأَحْمَقِ
فَعَدَاوَةٌ مِنْ عَاقِلٍ مُتَجَهِّلٍ
أَوْلَى وَأَسْلَمُ مِنْ صَدَاقَةِ أَخْرَقِ

 

دعاء:

اللهمَّ إني أعوذ بك من دَرَك الشقاء، وشماتة الأعداء، وجَهْد البلاء.

 

♦ وقال كثير بن عبدالرحمن الخُزاعي:

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَغْفِرْ ذُنُوبًا كَثِيرَةً
تُرِيبُكَ لَمْ يَسْلَمْ لَكَ الدَّهْرَ صَاحِبُ
وَمَنْ لاَ يُغَمِّضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ
وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
وَمَنْ يَتَتَبَّعْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ
يَجِدْهَا وَلاَ يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ

 

♦ وقال بعض الشعراء:

اصْفُ ضَمِيرًا لِمَنْ تُعَاشِرُهُ
وَاسْكُنْ إِلَى نَاصِحٍ تُشَاوُرِهُ
وَارْضَ مِنَ الْمَرْءِ فِي مَوَدَّتِهِ
بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْكَ ظَاهِرُهُ
مَنْ يَكْشِفِ النَّاسَ لاَ يَجِدْ أَحَدًا
تَنْصَحُ مِنْهُمْ لَهُ سَرِائِرُهُ
أَوْشَكَ أَنْ لاَ يَدُومَ وَصْلُ أَخٍ
فِي كُلِّ زَلاَّتِهِ تُنَافِرُهُ

 

♦ وقال حمد بن محمد بن إبراهيم الخطَّابي:

وَمَا غَمَّةُ الْإِنْسَانِ مِنْ شُقَّةِ النَّوَى
وَلَكِنَّهَا وَاللَّهِ مِنْ عَدَمِ الشَّكْلِ
وَإِنِّي غَرِيبٌ بَيْنَ بُسْتٍ وَأَهْلِهَا
وَإِنْ كَانَ فِيهَا أُسْرَتِي وَبِهَا أَهْلِي

 

♦ قيل لعبدالملك بن مرْوان: ما أفدتَ في ملكك هذا؟

قال: مودَّة الرجال.

 

♦ ووصى بعض الأدباء أخًا له، فقال: كن للوُدِّ حافظًا وإن لم تَجِد محافظًا، وللخِلِّ واصلاً وإن لم تَجِدُ مُواصلاً.

 

♦ وقال أبو العتاهية:

وَلِلْقَلْبِ عَلَى الْقَلْبِ
دَلِيلٌ حِينَ يَلْقَاهُ
وَلِلنَّاسِ عَلَى النَّاسِ
مَقَايِيسٌ وَأَشْبَاهُ
يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ
إِذَا مَا هُوَ مَاشَاهُ

 

♦ قال صعصعة بن صُوحان لابن أخيه:

إذا لقيتَ المؤمن فخالِطْه، وإذا لقيتَ الفاجر فخالِفْه، ودِينَك فلا تُكلِّمِنَّه.

 

♦ وحكى الأصمعيُّ عن بعض الأعراب أنه قال: تناسَ مساوئ الإخوان، يَدُمْ لك ودُّهم.

 

♦ قال بعض الحكماء:

لا تكثرنَّ معاتبة إخوانك فيهون عليهم سخطُك.

 

♦ وقال ابن الرومي:

إِذَا أَنْتَ عَاتَبْتَ الْمَلُولَ فَإِنَّمَا
تَخُطُّ عَلَى صُحْفٍ مِنَ الْمَاءِ أَحْرُفَا
وَهَبْهُ ارْعَوَى بَعْدَ الْعِتَابِ أَلَمْ تَكُنْ
مَوَدَّتُهُ طَبْعًا فَصَارَتْ تَكَلُّفَا

 

♦ قال شبيب بن شيبة: إخوان الصفاء خيرٌ من مكاسِب الدنيا، هم زينةٌ في الرخاء، وعِدَّة في البلاء، ومعونةٌ على الأعداء.

 

♦ وقالوا: خيرُ الإخوان مَن أقبل عليك إذا أدْبَر الزمان عنك.

 

♦ يُروى أنَّ داود قال لابنه سليمان: يا بنيّ، لا تستقلَّ عدوًّا واحدًا، ولا تستكثرْ ألف صديق، ولا تستبدلْ بأخٍ قديم أخًا مستحدثًا ما استقام لك.

 

♦ وأنشد ابنُ الأعرابي:

لَعَمْرُكَ مَا مَالُ الْفَتَى بِذَخِيرَةٍ
وَلَكِنَّ إِخْوَانَ الصَّفَاءِ الذَّخَائِرُ

 

♦ أنشد العتبي:

 

لِي صَدِيقٌ يَرَى حُقُوقِي عَلَيْهِ
نَافِلاَتٍ وَحَقَّهُ الدَّهْرَ فَرْضَا
لَوْ قَطَعْتُ الْبِلاَدَ طُولاً إِلَيْهِ
ثُمَّ مِنْ بَعْدِ طُولِهَا سِرْتُ عَرْضَا
لَرَأَى مَا فَعَلْتُ غَيْرَ كَثِيرٍ
واشْتَهَى أَنْ يَزِيدَ فِي الْأَرْضِ أَرْضَا

 

♦ قال أبو جعفرٍ الشيبانيُّ: أتانا يومًا أبو العباس الشاعر ونحن في جماعة، فقال: ما أنتم فيه، وما تتذاكرون؟ قلْنا: نذكر الزمان وفسادَه، قال: كلاَّ ،إنما الزمان وعاء، وما أُلْقِي فيه من خير أو شرٍّ كان على حاله، ثم أنشأ يقول:

أَرَى حُلَلاً تُصَانُ عَلَى أُنَاسٍ
وَأَخْلاَقًا تُدَاسُ فَمَا تُصَانُ
يَقُولُونَ: الزَّمَانُ بِهِ فَسَادٌ
وَهُمْ فَسَدُوا وَمَا فَسَدَ الزَّمَانُ

 

♦ وقال علي بن معاذ:

ثَالَبَنِي عَمْرٌو وَثَالَبْتُهُ
فَأَثِمَ الْمَثْلُوبُ وَالثَّالِبُ
قُلْتُ لَهُ خَيْرًا وَقَالَ الْخَنَا
كُلٌّ عَلَى صَاحِبِهِ كَاذِبُ

 

♦ قال كعب بن زهير:

إِذَا أَنْتَ لَمْ تُعْرِضْ عَنِ الْجَهْلِ وَالْخَنَا
أَصَبْتَ حَلِيمًا أَوْ أَصَابَكَ جَاهِلُ

 

♦ وقال الإمام الشافعي:

إِذَا الْمَرْءُ لاَ يَرْعَاكَ إِلاَّ تَكُلُّفًا
فَدَعْهُ وَلاَ تُكْثِرْ عَلَيْهِ التَّأَسُّفَا
فِفِي النَّاسِ أَبْدَالٌ وَفِي التَّرْكِ رَاحَةٌ
وَفِي الْقَلْبِ صَبْرٌ لِلْحَبِيبِ وَلَوْ جَفَا
فَمَا كُلُّ مَنْ تَهْوَاهُ يَهْوَاكَ قَلْبُهُ
وَلاَ كُلُّ مَنْ صَافَيْتَهُ لَكَ قَدْ صَفَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ صَفْوُ الْوُدَادِ طَبِيعَةً
فَلاَ خَيْرَ فِي خِلٍّ يَجِيءُ تَكُلُّفَا
وَلاَ خَيْرَ فِي خِلٍّ يَخُونُ خَلِيلَهُ
وَيَلْقَاهُ مِنْ بَعْدِ الْمَوَدَّةِ بِالْجَفَا
وَيُنْكِرُ عَيْشًا قَدْ تَقَادَمُ عَهْدُهُ
وَيُظْهِرُ سِرًّا كَانَ بِالْأَمْسِ قَدْ خَفَا
سَلاَمٌ عَلَى الدُّنْيَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا
صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الْوَعْدِ مُنْصِفَا

 

♦ قال الشاعر:

وَكُلُّ أَخٍ عِنْدَ الْهُوَيْنَى مُلاَطِفٌ
وَلَكِنَّمَا الْإِخْوَانُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ

 

♦ وقال سهل بن هارون:

خِلٌّ إِذَا جِئْتَهُ يَوْمًا لِتَسْأَلَهُ
أَعْطَاكَ مَا مَلَكَتْ كَفَّاهُ وَاعْتَذَرَا
يُخْفِي صَنَائِعَهُ وَاللَّهُ يُظْهِرُهَا
إِنَّ الْجَمِيلَ إِذَا أَخْفَيْتَهُ ظَهَرَا

 

♦ قال رؤبة بن العجاج: أتيتُ النسَّابة البكريَّ، فقال لي: مَن أنت؟ فقلت: أنا ابن العجاج، قال: قصرت وعرفت، لعلَّك من قوم إن سكتُّ عنهم لم يسألوني، وإن تكلمتُ لم يعوا عنِّي، قلت: أرجو ألاَّ أكونَ كذلك، قال: ما أعداءُ المروءة؟ قلت: تُخبرني، قال: بنو عمِّ السوء، إن رَأَوْا حسنًا ستروه، وإن رأوا سيئًا أذاعوا، ثم قال: إنَّ للعلم آفةً، وهجنة، ونكدًا، فافتُه نسيانه، ونكده الكَذِب فيه، وهجنته نشْرُه عند غير أهله.

 

♦ قال أكثم بن صيفي: الانقباضُ عن الناس مكسبةٌ للعداوة، وإفراطُ الأنس مكسبةٌ لقرناء السوء.

 

♦ وقال الشاعر:

إِذَا أَنَا لَمْ أَصْبِرْ عَلَى الذَّنْبِ مِنْ أَخٍ
وَكُنْتُ أُجَازِيهِ فَأَيْنَ التَّفَاضُلُ
إِذَا مَا دَهَانِي مَفْصِلٌ فَقَطَعْتُهُ
بَقِيتُ وَمَا لِي لِلنُّهُوضِ مَفَاصِلُ
وَلَكِنْ أُدَاوِيهِ فَإِنْ صَحَّ سَرَّنِي
وَإِنْ هُوَ أَعْيَا كاَنَ فِيهِ تَحَامُلُ

 

♦ كتب حكيم إلى حكيم: إذا أردتَ معرفة ما لك عندي، فضَعْ يدَك على صدرِك، فكما تجدُني كذلك أجِدُك.

 

♦ قال يموت بن مزروع: سمعتُ أبي يقول: قرأتُ خمسين ألْف بيت، وما وقع لي مثلُ هذا البيت مِن قوله:

وَمَا أَنَا بِالشَّيْءِ الَّذِي لَيْسَ نَافِعِي
وَيَغْضَبُ مِنْهُ صَاحِبِي بِقَؤُولِ

 

♦ قال أحدُ الشعراء:

إِذَا رَأَيْتُ انْحِرَافًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ
ضَاقَتْ عَلَيَّ بِرَحْبِ الْأَرْضِ أَوْصَالِي
فَإِنْ صَدَدْتُ بِوَجْهِي كَيْ أُكَافِئَهُ
فَالْعَيْنُ غَضْبَى وَقَلْبِي غَيْرُ غَضْبَانِ

 

♦ وكتب عبدالصمد بن المعذل إلى محمَّد بن بشار:

مَنْ لَمْ يُرِدْكَ فَلاَ تُرِدْهُ
لِتَكُنْ كَمَنْ لَمْ تَسْتَفِدْهُ
بَاعِدْ أَخَاكَ لِبُعْدِهِ
وَإِذَا دَنَا شِبْرًا فَزِدْهُ
كَمْ مِنْ أَخٍ لَكَ يَا بْنَ بَشْ
شَارٍ وَأُمُّكَ لَمْ تَلِدْهُ
وَأَخِي مُنَاسَبَةٍ يَسُو
ءُكَ عَيْبُهُ لَمْ تَفْتَقِدْهُ

 

♦ فأجابه محمد بن بشَّار:

غَلِطَ الْفَتَى فِي قَوْلِهِ
مَنْ لَمْ يُرِدْكَ فَلاَ تُرِدْهُ
مَنْ نَافَسَ الْإِخْوَانَ لَمْ
يُبْدِ الْعِتَابَ وَلَمْ يُعِدْهُ
عَاتِبْ أَخَاكَ إِذَا هَفَا
وَاعْطِفْ بِوُدِّكَ وَاسْتَعِدْهُ
وَإِذَا أَتَاكَ بِعَيْبِهِ
وَاشٍ فَقُلْ لَمْ تَعْتَمِدْهُ

 

تقدير في محله:

أقْبل المنصور يومًا راكبًا، والفرج بن فضالة جالسٌ عند باب الذهب، فقام الناس إليه، ولم يقم، فاستشاط المنصورُ غيظًا وغضبًا، ودعا به، فقال: ما منعَك من القيام مع الناس حين رأيتَني؟ قال: خفتُ أن يسألني الله - تعالى -: لم فعلت؟ ويسألك عنه: لم رَضِيت؟ وقد كَرِهه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسكن غضبه، وقرَّبه، وقضى حوائجَه.

 

♦ وقال الأستاذ محمد سعيد العامودي:

يَا صَدِيقِي وَمَا انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْ
يَا بِحِلْمٍ يَشِينُهُ اسْتِعْلاَءُ
أَوَلَيْسَ الْخَلِيقُ بِالسَّامِقِ الْأَخْ
لاَقِ أَنْ لاَ يَغُرَّهُ إِغْرَاءُ
مَا التَّعَالِي مَا الْاسْتِطَالِةُ مَا الْإِعْ
جَابُ بِالنَّفْسِ كُلُّهَا إِغْوَاءُ
إِنَّمَا يَرْفَعُ الْعَظِيمَ إِذَا كَا
نَ عَظِيمًا سَمَاحَةٌ وَصَفَاءُ

 

♦ وقال الشاعر:

وَلَمَّا رَأَيْتُكَ لاَ فَاسِقًا
تُهَابُ وَلاَ أَنْتَ بِالزَّاهِدِ
وَلَيْسَ عَدُوُّكَ بِالْمُتَّقِي
وَلَيْسَ صَدِيقُكَ بِالْحَامِدِ
أَتَيْتُ بِكَ السُّوقَ سُوقَ الرَّقِيقِ
فَنَادَيْتُ هَلْ فِيكَ مِنْ زَائِدِ؟
عَلَى رَجُلٍ غَادِرٍ بِالصَّدِيقِ
كَفُورٍ لِنَعْمَائِهِ جَاحِدِ
فَمَا جَاءَنِي رَجُلٌ وَاحِدٌ
يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدِ
سِوَى رَجُلٍ حَانَ مِنْهُ الشَّقَاءُ
وَحَلَّتْ بِهِ دَعْوَةُ الْوَالِدِ
فَبِعْتُكَ مِنْهُ بِلاَ شَاهِدٍ
مَخَافَةَ رَدِّكَ بِالشَّاهِدِ
وَأُبْتُ إِلَى مَنْزِلِي سَالِمًا
وَحَلَّ الْبَلاَءُ عَلَى النَّاقِدِ

 

♦ وكان جعفرٌ الصادق يقول: لا تُفتِّش على عيْب الصديق، فتبقى بلا صديق.

 

♦ قال بعض الشعراء:

صَدِيقِي مَنْ يُقَاسِمُنِي هُمُومِي
وَيَرْمِي بِالْعَدَاوَةِ مَنْ رَمَانِي
وَيَحْفَظُنِي إِذَا مَا غِبْتُ عَنْهُ
وَأَرْجُوهُ لِنَائِبةِ الزَّمَانِ

 

♦ ويقال: احتمل لأخيك ثلاثًا: الغضب، والدالة، والهفوة.

 

♦ قال أحد الشعراء:

لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي إِنْ زَلَّ صَاحِبُهُ
يَوْمًا رَأَى الذَّنْبَ مِنْهُ غَيْرَ مَغْفُورِ
وَإِنْ أَضَاعَ لَهُ حَقًّا فَعَاتَبَهُ
فِيهِ أَتَاهُ بِتَزْوِيقِ الْمَعَاذِيرِ
إِنَّ الصَّدِيقَ الَّذِي أَلْفَاهُ يَعْذِرُ لِي
مَا لَيْسَ صَاحِبُهُ فِيهِ بِمَعْذُورِ

 

♦ وكان حمَّاد بن سلمة إذا رأى مَن يستثقله قال: ﴿ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴾ [الدخان: 12].

 

♦ وقال حميد بن مالك بن مغيث:

أَدْنُو بِوُدِّي وَحَظِّي مِنْكَ يُبْعِدُنِي
هَذَا لَعَمْرُكَ عَيْنُ الْغُبْنِ وَالْغَبَنِ
وَإِنْ تَوَخَّيْتَنِي يَوْمًا بِلاَئِمَةٍ
رَحَّبْتُ بِاللَّوْمِ إِبْقَاءً عَلَى الزَّمَنِ
وَحُسْنُ ظَنِّيَ مَوْقُوفٌ عَلَيْكَ فَهَلْ
عَدَلْتَ فِي الظَّنِّ بِي عَنْ رَأَيْكَ الْحَسَنِ

 

♦ قال رجل لآخر: بلَغَني عنك أمرٌ قبيح، فقال: يا هذا، إنَّ صحبة الأشرار ربَّما أورثتْ سوء ظنٍّ بالأخيار.

 

♦ قال صالح بن عبدالقدوس:

تَجَنَّبْ صَدِيقَ السُّوءِ وَاصْرِمْ حِبَالَهُ
وَإِنْ لَمْ تَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا فَدَارِهِ
وَمَنْ يَطْلُبِ الْمَعْرُوفَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ
يَجِدْهُ وَرَاءَ الْبَحْرِ أَوْ فِي قَرَارِهِ
وَلِلَّهِ فِي عُرْضِ السَّمَوَاتِ جَنَّةٌ
وَلَكِنَّهَا مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ

 

♦ وقال أبو العتاهية:

احْذَرِ الْأَحْمَقَ أَنْ تَصْحَبَهْ
إِنَّمَا الْأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلِقْ
كُلَّمَا رَقَّعْتَهُ مِنْ جَانِبٍ
زَعْزَعَتْهُ الرِّيحُ يَوْمًا فَانْخَرَقْ
أَوْ كَصَدْعٍ فِي زُجَاجٍ فَاحِشٍ
هَلْ تَرَى صَدْعَ زُجَاجٍ يَلْتَصِقْ
فَإِذَا عَاتَبْتَهُ كَيْ يَرْعَوِي
زَادَ شَرًّا وَتَمَادَى فِي الْحُمُقْ

 

♦ قال الشاعر:

أُنَاسٌ كَمَا تَدْرِي وَدُنْيَا بِحَالِهَا
وَدَهْرٌ رَخِيٌّ تَارَةً وَعَسِيرُ
وَأَحْوَالُ خَلْقٍ غَابِرٍ مُتَجِدِّدٍ
تَشَابَهَ فِيهَا أَوَّلٌ وَأَخِيرُ
تَمُرُّ تِبَاعًا فِي الْحَيَاةِ كَأَنَّهَا
مَلاَعِبُ لاَ تُرْخَى لَهُنَّ سُتُورُ
وَحِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا وَمَيْلٌ مَعَ الْهَوَى
وَغِشٌّ وَإِفكٌ فِي الْحَيَاةِ وَزُورُ

 

♦ قيل: مَن طلب ثلاثةً لم يَسلمْ من ثلاثة: مَن طلب المال بالكيمياء لم يَسْلمْ من الإفلاس، ومَن طلب الدِّين بالفلسفة لم يسلم من الزَّنْدقة، ومن طلب الفِقه بغرائب الحديث لم يسلمْ من الكذب.

 

♦ وقالوا: إحسان المسيء أن يكفَّ عنك أذاه، وإساءة المحسِن أن يمنعك جدواه.

 

♦ وقال المثقَّب العبدي - واسمه: عائذ الله بن تحصن بن ثعلبة -:

فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بِحَقٍّ
فَأَعْرِفَ مِنْكَ غَثِّي مِنْ سَمِينِي
وَإِلاَّ فَاطَّرِحْنِي وَاتَّخِذْنِي
عَدُوًّا أَتَّقِيكَ وَتَتَّقِينِي
فَإِنِّي لَوْ تُخَالِفُنِي شِمَالِي
خِلاَفَكَ مَا وَصَلْتُ بِهَا يَمِينِي
إِذًا لَقَطَعْتُهَا وَلَقُلْتُ بَيْنِي
كَذَلِكَ أَجْتَوِي مَنْ يَجْتَوِينِي

 

♦ قال حجية بن المضرب:

أَخُوكَ الَّذِي إِنْ قُمْتَ بِالسَّيْفِ عَامِدًا
لِتَضْرِبَهُ لَمْ يَسْتَغِشَّكَ فِي الْوُدِّ
وَلَوْ جِئْتَ تَبْغِي كَفَّهُ لِتُبِينَهَا
لَبَادَرَ إِشْفَاقًا عَلَيْكَ مِنَ الرَّدِّ
يَرَى أَنَّهُ فِي الْوُدِّ كَانَ مُقَصِّرًا
عَلَى أَنَّهُ قَدْ زَادَ فِيهِ عَلَى الْجَهْدِ

 

♦ وقال صالح بن عبدالقدوس:

لاَ أَخُونُ الْخَلِيلَ فِي السِّرِّ حَتَّى
يُنْقَلَ الْبَحْرُ فِي الْغَرَابِيلِ نَقْلاَ
أَوْ تَمُورَ الْجِبَالُ مَوْرَ سَحَابٍ
مُثْقِلاَتٍ وَعَتْ مِنَ الْمَاءِ حَمْلاَ

 

صداقة وطيدة:

كانَا صديقَين تجمع بينهما صداقةٌ من أعزِّ الصداقات وأجملها، فكانَا زميلَين في الدراسة وكأنَّهما أخوان أو أقرب، وكانَا يتَّصفان بالدِّين والشهامة، والاجتهاد في طلب العلم، وقد اختلف عملُهما الوظيفي بعد الدراسة، ولكن صلاتهما الأخوية وصداقتهما المتينة لم تتزعزعْ، وثقة كلٍّ منهما في صاحبه لم تتغيَّر، وقد عجب كثيرون من زملائهما كيف استمرَّا على صداقتهما، وحاول بعضُ الوشاة إفسادَ الودِّ بينهما، فلم يُفلحوا.

 

وكان السِّرُّ في هذا الحفاظِ على الصداقة أنَّ محبتهما كانت في الله، وأنهما كانَا على درجة من الوعي، وسلامة القلْب، فلم يكن للدسائس والوشايات أثرٌ في تكدير وُدِّهما، بل كانتْ صداقتهما تزداد متانةً ورسوخًا، وثقتهما في بعضهما تقوَى وتشتدّ، وهكذا ضربَا مثلاً في الوفاء والإخاء، والحفاظ على الودِّ في عصر كادتِ العلاقات المادية، والمصالِح الشخصية أن تَطْغَى على الخِلال الكريمة، والروابط الحسنة.

 

♦ قال أبو فراس الحَمَداني:

وَهَلْ يَدْفَعُ الْإِنْسَانُ مَا هُوَ وَاقِعٌ
وَهَلْ يَعْلَمُ الْإِنْسَانُ مَا هُوَ كَاسِبُ

 

تضخيم التوافه:

اثنان حَصَل بينهما سوءُ تفاهم قليل، واستشار أحدُهما صديقًا له، فهوَّل عليه وضخَّم، وجعل سوءَ التفاهم هذا كأنَّه كارثة من الكوارث، وكأنَّه أمرٌ لا يَقبل الوِفاق والتصافي، واستعادة الثقة، وصوَّر له الحادث كأنَّه حرب «البسوس»!

 

ولم يقنع بمشورة صاحِبه، فاستشار صديقًا له آخرَ، فهوَّن عليه الأمر، واستغرب أن يحدُث سوء تفاهم بين صديقَين، وازداد غرابةً ودهشة أن يكون لسوء التفاهم هذا أثرٌ لا يُمحَى في حينه، وحثَّه على المسارعة للصُّلْح والمسامحة، وأنبأه أنَّ ما حَدَث لا يستحق الجفاءَ والتباغض، وأنَّ الناس لو تباغضوا عند أقلِّ اختلاف لأصبحتْ حياتهم جحيمًا لا يُطاق، ولأضحتْ معيشتهم نكدًا وبؤسًا.

 

وقال: إنَّ الدِّين والفِطرة، والعاداتِ الكريمة، والخصالَ الحميدة، كلها تدعو للوِفاق والتعاون، والتفاهم بين المسلمين، وقد نهى الإسلامُ عن التقاطع والتدابر، والشحناء والبغضاء، والهجران، وهكذا زالتْ مِن نفس صاحبه الموجدة التي وجَدَها على أخيه، وعاد الصفاءُ بينهما كأحسنِ ما يكون الصفاء.

 

الرفق والتأني:

إنَّ في تعاليم الإسلام وآيات القرآن من الحِكم والأسرار والمنافِع ما يعجز الإنسانُ أن يحيطَ ببعضه، وإنَّ من الحِكم العظيمة التي دعا إليها الإسلام مقابلةَ المسيء بالإحسان والعفو والصفح، والإعراض عن الجاهلين.

 

أعْرِف صديقًا بدَرَ لي منه إساءةٌ، وأتبعها بإساءات، وفكَّرتُ في مقابلته بالمِثل وأكثر، وانشغل ذِهني ورددتُ في نفسي: مَن الذي يقلب لصديقه ظهرَ المِجَنّ، ويحاول الإضرار به، والوشاية والتحريض، ووجدتُ أنَّ نتيجة الخِصام لن تكون هي الطريقَ الأسلم، وتجاهلتُ إساءاته، فعاد يُكفِّر عن خطيئته، وبإشارات لطيفة أفهمتُه أنني علمت بما صدر منه نحوي، وكان موقفي معه موقفًا أذهله، خاصَّة وأنه لم يقتصرْ على الصفح، وإنما تجاوزه إلى الحفاوة به وتكريمه؛ عملاً بقول الله – تعالى -: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الإسراء: 53]، لقد أصبح هذا الرجل يُثني، ويُنوِّه ويمدح، وندم على ما بدَرَ منه، وما برحتُ أتمنَّى أن أُعامِل أصدقائي بمثل معاملتي لهذا الصديق الذي كان الحِلمُ والصفح سببًا في اكتساب وُدِّه، وبقاء أواصِر الصداقة متينةً قويَّة، بل إني أودُّ أن تكونَ هذه حالي مع مَن يبدُر منه إساءةٌ لي، وإن كنتُ في حالات لا أكون كذلك، ولكنِّي أعاتِب نفسي بعدَ ذلك وألومها، وأعِدُ بأنِّي لن أكرِّر الغضبَ ومقابلةَ السيِّئة بالسيِّئة، وأرجو أن أستطيع.

 

المهموم:

لقيتُه مهمومًا كأنَّه يحمل على كتفيه الضعيفتَين كلَّ أعباء الحياة، ومتاعِب الدنيا، واستدرجتُه لأعرفَ مشكلته، ولم يكد ينتهي من سَرْدها، حتى كنت أغالِب الضحك، وأتجلَّد حتى لا أوذي مشاعرَه المرهِفة، وقَلْبه الرقيق، وقلت له: هوِّن عليك، فهذه المشكلة كما تصورتُها ليستْ بهذه الدرجة من الخُطورة، وعلى تلك الحالة التي ظننتُها، فهي أسهل مما تتصوَّر، وأقل مما تتوهَّم، وبشيء من التفكير والمواجهة تنحلُّ هذه المشكلة - بإذن الله - وتُصْبح ذكرى تَضْحك منها طويلاً عندما تعلم مقدارَ ما حل بك من همّ، وما أصابك من تعب، مع أنَّها سهلةٌ إلى هذا الحدّ، ويسيرة إلى ذلك الأمد.

 

وهكذا ننفق الأوقاتَ الثمينة في توهُّمات ومخاوف، قد تكون عندَ المواجهة شيئًا يسيرًا جدًّا، وعند ذاك نتحسَّر على أوقات ضاعتْ هدرًا، وتفكير شاغِل في أمور طفيفة.

 

أسباب ومسببات:

قد يعارِض واحدٌ من الناس رأيًا لآخرَ، ويقسو في معارضته، ويردُّ الآخرُ الصاعَ صاعَين، وتحتدم المعركة، وتتحول من موضوع يسير يمكن التفاهمُ عليه بسهولة إلى حالة حرْب مستعرة، لا يقتصر طعنُها وضربُها على البادئين بها، وإنما يتَّسع ميدانها، ويكثر جندُها، ويتساقط قَتْلاها وجَرْحاها، ويعلو شتمُها وغمزها، والتحقير فيها إلى أشخاص آخرين.

 

وربما كانت من السُّهولة بحيث يبدو ما يجري فيها مُضحِكًا، وكان من اليسير جدًّا أن تعالَج بحِكمة وبرفق، وقد يكون الموضوع المختَلَف عليه مُتَّفَقًا عليه في الحقيقة بين المتنازعين، ولكن سوء الفَهْم حوَّل الوِفاق إلى خلاف، ثم صوَّر الوهمُ المريض أو المتسرِّع ذلك الخلافَ الصغير إلى شيء لا يُحتمل ولا يُطاق، وحَسَمه بدرجة يصعُب معها التفاهم والمناقشة الهادئة، فكانتِ الألفاظ الخشنة، والكلمات القاسية سببًا لإثارة الشحناء، والتنابز بالألقاب، والتقاطع والهجران، والأمثلةُ على هذا كثيرة في قديم الزمان وحديثه، فهل نَعتَبِر بالماضي، ونستفيد من الأحداث، ونعدل إلى الطريق الأسلم، والنهج الأقوم؟

 

حل المشكلات:

كثيرٌ من المشكلات الكبيرة سببُها أقلُّ شأنًا، وأسهل مما يتصوَّر مَن تعنيهم، فرُبَّ أمر تافه سبَّب سوءَ تفاهم ونزاع، لو عُولِج بحِكمة، ونوقش بودٍّ ومفاهمة، ومعاتبة غير جارحة ولا مؤذية، لزالتْ آثارُه، وحلَّ محلَّ الخصام فيه الحبُّ والألْفة، ولكنَّه إذا تُرِك للوهم يُضخِّمه، وللتصوُّرات الخاطئة تَحكُمه، وللواشين والنمَّامين يُشعِلون أُوارَه، ويسعون لتفاقمه، فإنه يستفحل، ويصعُب عِلاجُه، وتسوء نتائجه، وكثيرًا ما يتجاوز شرُّه مَن قَدَح زناده، وَأَوْرَى ناره إلى غيرهم مِن آلِهم وذويهم، وأعوانهم وأحفادهم، وأصبح كما وصف أبو الطيب:

وَجُرْمٌ جَرَّهُ سُفَهَاءُ قَوْمٍ
وَحَلَّ بِغَيْرِ جَارِمِهِ الْعِقَابُ

 

وقيل في الأمثال: الآباء يأكلون الحِصْرِم، والأبناء يُضرَّسون، فلماذا لا تحلُّ الحكمة محلَّ الطيش، وحسنُ الظن بدلَ سوئه، والودُّ مكانَ العداء، وقد أمر الله المسلمين بالتسامح، والتوادِّ والوِفاق، وذلك من سعادة الأمَّة ونجاحها؟!


الكمال لله وحده:

الذي يطلب مِن الناس الكمال والسلامة مِن كلِّ عيب ونَقْص، فقد طَلَب المحال، ورام المستحيل.

 

وإذا نظرْنا إلى الناس من خلال حسناتهم وفضائلهم، فإنَّا نجد خيرًا كثيرًا، وإذا أردنا أناسًا مبرَّئين من العيوب - أيًّا كان نوعها - فذلك مما لا يُمكن.

 

ولكن الذي تغلب عليه صفةُ الخيِّرين فهو فاضل، والذي تغلب عليه صِفةُ الشرّ، فهو سيِّئ.

 

وواجبُ الإنسان أن يحرِص على الدعوة للحقِّ، والتنفير من الشرّ، والترغيب في الخير، وأن يسعى لهداية الناس بقدر استطاعته ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].

 

ولو أنَّ المرء لم يتغاضَ عن زلاَّت إخوانه، وهفوات أصدقائه، ولم يبحثْ عن مَخْرَج حسن لكلمات قد تكون محتملة للإحسان والإساءة - ما دام يَجِدُ للظنِّ الحسن محملاً - فإنه سيجد نفسَه وحيدًا، لا صديقَ له ولا رفيق ولا صاحِب، ويرى أنه خَسِر في مجال الإرشاد والنصيحة، والموعظة الحسنة أضعافَ ما كان يحسبه رِبحًا بالتشدُّد والقسوة، ورَوْم الكمال.

 

العزلة:

هناك مَن يُفضِّل العُزْلة والانطواء، ويكاد يعيش في عالَمٍ وحدَه، وهذا الصنف من الناس: إما زاهد قد فَهِم الزُّهدَ على غير حقيقة، والنجاةَ على غير معناها، وإنْ زعم للعزلة محاسن، فإنَّ في الخلطة من الفضائل أكثرَ إذا ما أحسن أمْر الخُلْطة، واستفيد منها على وجه صحيح.

 

وإمَّا إنسان مؤثِر للراحة على الإزعاج، وهارب من المجتمع، طالِب للسلامة، ولو أنه أمْعن النظر لأدركَ أنَّ العزلة لا تَحلُّ المشاكل، ولا تحوي من المنافع ما تحويه الخُلْطةُ ومشاركةُ الناس في آلامهم وآمالهم، والاهتمام بشؤونهم وإرشادهم، والتعاون معهم على الخير.

 

والعزلة أيضًا:

مِن الناس مَن يُفضِّل العزلة، ويرتاح للانزواء، ويبتعد عن مخالطة الناس، ويحسب في ذلك النجاةَ والسلامة، ومنهم مَن يُضيِّع أوقاته سُدًى، ويُمضي أيَّامه ولياليَه فيما لا جدوى منه ولا فائدة، وقد يكون فيه الإثمُ والأوزار، كالقيل والقال، والغِيبة والنميمة، والوِشاية، وإفساد ذات البَيْن، وزرْع الشُّكوك، والفُرقة والخِصام، وإثارة العصبيات الجاهليَّة، والأحقاد القديمة، وتفكيك الروابط الأُخويَّة، والصِّلات السامية.

 

وخيرٌ للمرء أن يُخالِط الناس في الخير، وينأى عن الشر، وأن يكون مُرشِدًا إلى الصالح، محذِّرًا عن الضارّ، متعاونًا مع إخوانه على البرِّ والتقوى، وما يعود بالنفع والصلاح.

 

♦ قال المنصور: صحبتُ رجلاً ضريرًا إلى الشام وهو يريد مرْوان بن محمَّد بشِعر مدَحَه به، فسألتُه أن ينشدنيه فأنشد:

لَيْتَ شِعْرِي أَفَاحَ رَائِحَةَ الطِّي
بِ وَمَا إِنْ إِخَالَ بِالْخَيْفِ إِنْسِي
حِينَ غَابَتْ بَنُو أُمَيَّةَ عَنْهُ
وَالْبَهَالِيلُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ
خُطَبَاءٌ عَلَى الْمَنَابِرِ فُرْسَا
نٌ عَلَيْهَا وَقَالَةٌ غَيْرُ خُرْسِ
لاَ يُعَابُونَ صَامِتِينَ وَإِنْ قَا
لُوا أَصَابُوا وَلَمْ يُعَابُوا بِلَبْسِ
بِحُلُومٍ إِذَا الْحُلُومُ اسْتَخَفَّتْ
وَوُجُوهٍ مِثْلِ الدَّنَانِيرِ مُلْسِ

 

قال: فواللهِ ما فَرَغ من إنشاده حتى ظننتُ أنَّ العمى قد أدركني، وحججتُ في سنة إحدى وأربعين ومائة وأنا خليفة، فنزلتُ عن الجهازة (الناقة المسرعة) أمشي في جبلي زرود لنذرٍ كان عليّ، فإذا أنا بالضَّرير فأومأتُ إلى مَن معي أن تأخَّروا، وتقدَّمتُ إليه، فسلمتُ عليه وأخذتُ بيده، فقال: مَن أنت - جعلني الله فداك؟ قلت: رفيقُك إلى الشام وأنت تريد مرْوان بن محمَّد، فسلَّم عليّ، وأنشأ يقول:

آمَتْ نِسَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ بَعْدَهُمْ
وَبَنَاتُهُمْ بِمَضِيعَةٍ أَيْتَامُ
نَامَتْ جُدُودُهُمُ وَأُسْقِطَ نَجْمُهُمْ
وَالنَّجْمُ يَسْقُطُ وَالْجُدُودُ تَنَامُ
خَلَتِ الْمَنَابِرُ وَالْأَسِرَّةُ مِنْهُمُ
فَعَلَيْهُمُ حَتَّى الْمَمَاتِ سَلاَمُ

 

قلت له: كم كان مرْوان أعطاك؟ قال: أغناني، فلا أسأل أحدًا بعدَه.

أعْطاني أربعة آلاف دينار، وملَّكني الجواري والغِلمان، قلت: وأين ذاك؟ قال: بالبصرة، قال المنصورُ فهممتُ به، ثم ذكرتُ حُرْمة الصحبة، فقلت له: أتعرفني؟ قال: ما أثبتك من معرفة، ولا أنكرك مِن سوء، قلت: أنا المنصور أميرُ المؤمنين، فوقع عليه الرِّعْدة، ثم قال: يا أميرَ المؤمنين، أقِلْني عثرتي، فإنَّ القلوب جُبِلت على حبِّ مَن أحسن إليها، وبُغْض مَن أساء إليها، فانصرفتُ عنه، فلما نزلت المنزل بدَا لي مسامرة الضرير، فتقدمت بطلبه فلم يُرَ.

 

السير في الأرض:

أمَرَ الله عبادَه بالمسير في الأرْض للتفكُّر والاعتبار، وأخْذِ الموعظة، في الصيف والعطلة الدِّراسية يكون ازدحامُ المطارات بالمسافرين، وامتلاء القطارات والسيارات بالغادين والرائحين، فهل هذه الأسفارُ التي تُقطع فيها المسافاتُ الشاسعة، والأماكن النائية للعبرة والاتِّعاظ، والتفكُّر في مخلوقات الله، حتى يزدادَ المؤمن إيمانًا، وهو يرى البِحارَ العظيمة، والأنهار المنسابة، والجِبال الشاهقة، والأشجار الخضراء، والألْسُن المختلفة، والألوان المتباينة، والطبائع المتضادة، وآثار الأمم الغابرة، والدِّيار الداثرة، والأقوام البائدة؟!

 

وهل يستفيد علمًا، وخِبرةً وفهمًا؟ وهل يأكل مِنَ الطيِّبات والمباحات، ويشرب من الحلال النقي، ويَحْمَد الله على فَضْله؟ وهل ينشرُ العِلم، ويدعو للحق، ويؤدِّي الواجب عليه؟


إذا كانتِ الرحلات لمِثْل هذه الأغراض، فأنْعِم بها وأكرِم! أما إذا كانت لأغراض غير حَسَنة، وأهداف غير كريمة، ففيها ضررٌ في الدين والدنيا، والآجل والعاجل.

 

الاستفادة من الرحلات:

في كلِّ صَيْف يذهب مئاتٌ وألوف من بلادنا، ويذهب من بلدان العالَم الإسلامي عشراتُ الألوف أو مئاتها للاصطياف والترفيه، ومِن هؤلاء الأديبُ والعالِم، والصحفيُّ والمثقَّف، وكان حريًّا أن يُسمع بنشاط هؤلاء في النواحي العِلمية والثقافية، ونشْر دعوة الإسلام، وإِلْقاء المحاضرات والندوات، ومقابلات العلماء والأدباء، ومباحثاتهم فيما يعود بالخير والنفع على أمَّة الإسلام.

 

ولكنَّ القليلين جدًّا الذين نسمع ونقرأ شيئًا من نشاطهم في هذه الميادين، ولستُ أعرف تعليلاً منطقيًّا لهذا التقصير، ومهما كانتِ المبرِّرات التي ستُقال، فإنَّها - بالتأكيد - غيرُ كافية للإقناع.

 

وهذه كلمةٌ للذِّكْرى، وعسى أن نجدَ بين مَن يغادرون البلادَ إلى المصايف والنزهات مَن يُؤدُّون بعضًا من الواجب عليهم في هذا المِضمار، وإنَّا لمنتظرون.

 

الشعور بالمسؤولية:

الشعور بالمسؤولية والإحساس بالواجب عنوانُ رُقيِّ الأمَّة وعظمتها، فالفرد الذي يشعر بأنَّه مسؤول، وأنَّه لَبِنة في مجتمع يهمُّه إصلاحُه، ويُزعِجه فسادُه، ويتمنَّى أن يكون مجتمعًا راقيًا مزدهرًا، تسودُه المحبَّة والتآلُف، ويُوحِّده الدين والتقوى - هو شخص مدرِك لواجبه، مُقدِّر لِمَا يُراد منه.

 

أما مَن يُردِّد كلمة: "وما شأني؟ " و"هذا ليس مِن اختصاصي"، و"كل عيشًا واسلم"، فذلك اتكالي مُهمِل، مقصِّر في واجبه.

 

ولنتصور فداحةَ الخَطْب لو أنَّ خطرًا داهمًا يتهدَّد البلاد، سواء أكان فكريًّا أم عسكريًّا، وكلٌّ يقول مقالة هذا الهارِب الراكن إلى الدَّعَة والمذلَّة، ماذا تكون النتيجة؟! فليتَ الناس يشعرون بمسؤولياتهم، ولا يُصيخون للمتردِّدين المخذِّلين، الذين يُفضِّلون العجز على الحَزْم، والهزلَ على الجِدّ.

 

أموال الدولة:

يتساهل بعض الناس في أموال الدولة، ويستحلُّ أخْذَها بكل وسيلة، وربما يفاخر بأنَّه كان منه الذكاء والمهارة، بحيث قدَرَ أن يختلس، وينهب ويحتال؛ ليأخذَ من أموال الدولة بغير حقّ، وما عَلِم أنه يَرْمي نفسه بالعار والشنار، والغَدْر والخِيانة، والتعدِّي والظُّلم.

 

فمال الدولة هو بيتُ مال المسلمين، ولكلِّ مسلم حقٌّ فيه، وما الموظَّفون والقيِّمون على بيت المال وشؤون الدولة إلاَّ خُزَّان وحُفَّاظ ورُعَاة، يجب عليهم أن يؤدُّوا أمانتهم التي ائتمنهم الله عليها، ويجب عليهم ألاَّ يتصرَّفوا في بيت المال إلا في ما يعود نفعُه للمسلمين، وفي مصلحة نافعة راجحة، فإذا أهملوا أو قصَّروا أو تهاونوا، فإنَّهم مَلُومُون، وإذا اختلسوا ونهبوا وظلموا، فإنهم آثِمون؛ لأنهم قد خانوا الأمانة، وانتهكوا الوديعة، وتعدَّوْا حدودَ الله في الأمانات، وظلموا أنفسَهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، ﴿ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء: 107].

 

فليتَّقِ الله مَن تُسوِّل له نفسُه خيانةَ الأمانة، ولْيتُبْ قبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه خُلَّة ولا شفاعة، ولا حِيلةٌ ولا أعذار واهية.

 

♦ بعث زيادٌ الحكمَ بن عمرو الغفاريَّ واليًا على خراسان، فأصاب مغنمًا، فكَتَب إليه زياد: إنَّ أمير المؤمنين معاوية كتب إليَّ ليأمرني أن أصطفيَ له كلَّ صفراء وبيضاء، فإذا أتاك كتابي هذا فانظرْ ما كان من ذهب وفِضَّة، فلا تَقسِمْه، واقسم ما سوى ذلك، فكتب إليه الحكم:

إني وجدتُ كتاب الله قبلَ كتاب أمير المؤمنين، وواللهِ لو أنَّ السمواتِ والأرضَ كانتا رَتْقًا على عبد، فاتَّقى الله لجَعَل له منها مخرجًا، والسلام.

 

ثم أمر المنادي فنادَى في الناس: أنِ اغدوا على غنائمكم، فغَدَوْا فقسمها بينهم.

 

إجابة مسهبة:

قال طاهر بن الحسين لأبي عبدالله المروزي: منذ كم صِرْتَ إلى العراق يا أبا عبدالله؟ قال: دخلتُ العراق منذ عشرين سنة، وأنا أصوم الدهرَ منذ ثلاثين سَنَة! قال: يا أبا عبدالله، سألْناك عن مسألة، فأجبْتَنا عن مسألتين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة