• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض / مقالات


علامة باركود

كتابة التاريخ

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض


تاريخ الإضافة: 17/8/2010 ميلادي - 7/9/1431 هجري

الزيارات: 29990

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كتابة التاريخ لها مقوِّمات وشروط، وبداهةً أنَّ في طليعة مقوماتها الأمانةَ، وتحرِّي الصِّدق، والبحث عن الحقائق.

 

ومن المؤسِف أن يكون بعض مَن يتصدَّى لكتابة التاريخ غير منصف ولا دقيق، ويظهر الغرض واضحًا فيما يزعمه من تاريخ، وهناك مِن التاريخ الجانب المظلِم، كالذي يتتبع عوارتِ الناس وزلاَّتِهم، ويتشبَّث بالخيوط الواهية، والروايات الملفَّقة؛ للتشنيع والهزء، وإرواء الأحقاد، ويدَّعي أنَّ ذلك تاريخ، وهو السفه والسخافة.

 

وهناك مَن يتجاهل الأحداث والأعمال الجليلة لأناس لا يرتضيهم مِزاجُه، ولا يعجبه ذِكْرُهم الطيِّب، ويظلم التاريخ، ويسيء إلى نفسه إذ رَضِيَ لها أن تكتم الحقّ، وتحابي وتداجي؛ طمعًا في مال، أو إرضاءً لنزوة، والتاريخ بعدُ ليس بالأمر السهل، وعلى مَن يتصدَّى له أن يتصف بالصفات التي تؤهِّله للقيام بهذا الدور الخطير، وإلاَّ أصبح جانيًا على نفسه وعلى التاريخ، ونحن في حاجة إلى مَن يكتب التاريخ بأمانة وإنصاف، وترفُّع عن السفاسف والتوافه والأغراض الدنيئة.

 

دراسة التاريخ:

ليتَنا ندرس تاريخنا ولا نستهين به، ونأخذ منه الفائدةَ والعِظة.

 

إنَّ تاريخنا الإسلامي حافلٌ زاخر، وقد ضَرَب المسلمون بسهم وافر في الدِّين والأدب، والسياسة والحرب، والطِّب والعلوم المفيدة الأُخر.

 

ولَكَم مِن الكلمات المأثورة، والقصص المشهورة، والحِكم المروية ما يُطرب ويُعجب، وفي السياسة والحرب من الإرشادات والتنبُّه، وضبط الأسرار، والدقة في التعبير، والتخلص من المآزق، بأساليبَ رائعة، وفطنة نادرة.

 

ومَن يتأمَّل ما جرى على العَرَب في عصورهم المتأخِّرة، يُدرك أنَّ من أسباب ضعفهم وهزيمتهم إعراضَهم عن دراسة تاريخهم، وعدمَ أخْذهم العبرةَ والعِظة منه.

 

فهل يُغيِّر المسلمون المتأخِّرون من طريقتهم في العزوف عن تاريخهم، والعودة إلى دراسته من جديد، فيكون أحدَ الأسباب في إدراك النصر، وإحراز النجاح؟

 

صوت من التاريخ:  

وهذه أبيات أعجبتني للدكتور الأستاذ محمد عبدالمنعم خفاجي من قصيدة بعنوان: صوت من التاريخ:

تَبْنِي الثَّقَافَةُ وَالْحَضَارَةُ أُمَّةً
بِالدِّينِ عَاشَتْ فِي جَلِيلِ الْأَعْصُرِ
عَاشَتْ تَقُودُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْهُدَى
وَالْحَقِّ والدِّينِ العَظِيمِ الْأَطْهَرِ
وَتُؤَثِّلُ الْمَجْدَ الْكَبِيرَ وَتَبْتَنِي
قِيَمَ الْحَيَاةِ وَكُلَّ حَظٍّ أَوْفَرِ
هِيَ أُمَّةُ الْإِسْلاَمِ عِطْرٌ ذِكْرُهَا
أَعْظِمْ بِذِكْرٍ فِي الزَّمَانِ مُعَطَّرِ
وَلَهَا الْخُلُودُ وَكُلُّ مَأْثِرَةٍ عَلَى الدْ
دُنْيَا وَمَجْدٍ فِي الْحَيَاةِ مُنَضَّرِ
وَمَفَاخِرُ الْمَاضِي الْمَجِيدِ وَعِزَّةُ الْ
أَمْسِ الْبَعِيدِ وَيَا لَهَا مِنْ مَفْخَرِ
قَوْمِي أُولَئِكَ قَدْ بَنَوْا صَرْحَ الْعُلاَ
أَكْرِمْ بِهِمْ وَبِمَا بَنَوْا فِي الْأَزْهَرِ
يَا أُمَّةَ الْإِسْلاَمِ هَذَا مَجْدُكُمْ
سَارَتْ بِهِ سَيْرَ الزَّمَانِ الْمُزْهِرِ

 

الأمة الغافلة:

الأمَّة السادرة في لهوها، الغافلة عن سبيل نجاتها، هي أمَّة تحثُّ الخُطى نحوَ الفناء، وتغرق في بحرٍ متلاطمِ الأمواج، فلا تدري أين الساحل، ولا كيف الخَلاص؟ وتسرع للهاوية وهي تظنُّ أنها سائرة نحو الرقي ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا ﴾ [فاطر: 8]، ومن عادات مَن هُم على هذه الشاكلة أنَّهم يَنفِرون من النصح، ويُبعِدون المخلصين الذين ينبِّهون على الخطر قبلَ وقوعه، ويُحذِّرون من الشرِّ قبل استفحاله، وينذرون بالكارثة قبلَ حلولها.

 

وقد ابتُلي المسلمون بمَن يخطط للقضاء عليهم، واستئصال شأفتهم، واتَّخذ لذلك الوسائل العديدة، الغايةَ في المكْر والخبث، وهو لم يتورَّعْ عن استعمال الأسلحة الحديدية والنارية، والغازات والنابالم، ولم يترفَّع عن وسيلة مهما كانت قذارتها ودناءتها؛ لإغراق المسلمين في التفاهات، واجتذاب أموالهم، وتدمير معنوياتهم وصِحتهم، ونشْر الأمراض بينهم.

 

وهو ماضٍ في الحصول على الأسلحة الكيماوية والجرثومية، والقنابل الذرية، هدفُه الأول ضرْبُ المسلمين، والفتْك بهم، وحتى الأشياء التي قد لا يلحظ الكثيرون مراميَها فإنَّ العدو يحاول أن يوجِّهها وجهةً سيِّئة تخدم أغراضَه العدوانية، وتنهك المسلمين وتدمرهم.

 

جهاد العلماء:

واستعرضتُ في ذهني صورًا من جهاد العلماء، وصدعهم بالحق، وصبرهم على ما لاقوه من أذًى، وما نالهم في الجهر بكلمة العَدْل، والثبات على العقيدة مِن مصاعب.

 

وتذكَّرتُ سيرة الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسِيرة أصحابه الكرام، تذكَّرت ما لقيه الرسولُ من قومه وهو يدعوهم لِمَا فيه صلاحُهم ونجاتهم، فيتآمرون على قتْله، ويشجُّون رأسه، ويَكسِرون رَباعِيَتَه، ويُضايقونه أشدَّ المضايقة، وتذكَّرت خُبَيبًا ورِفاقه المؤمنين، واستعرضت شيئًا من أحوال العلماء المصلِحين، فسعيد بن المسيب ضُرب، وسعيد بن جُبَير قُتِل، والإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام أحمد ضُرِبوا وأوذوا.

 

وابن تيمية مات في السِّجْن، وابن القيِّم طِيف به على حمار، ونُودي عليه في الأسواق؛ عقوبةً له على فتوى أفتى بها، والشيخ محمد بن عبدالوهاب أوذي، وكاد يُقتل، وحفيده سليمان قُتِل ظلمًا.

 

وهكذا تتوارد النماذجُ الممثلة للصِّراع بين الخير والشر، وبين قول الحقِّ والمداهنة، وبين العدل والعدوان، إنَّما يقرؤها الناس فيذكرون أولئك العلماء بالخير والدعاء لهم بالرحمة والرضوان، ولِمَن أساء إليهم بالذِّكْر السيِّئ، والأسف لِمَا وقع منهم.

 

التفاؤل:

مِن الأفضل أن نكون متفائلين، وألاَّ ندع التشاؤم يتغلَّب علينا، مهما اكفهَّر الجو، وتأزَّمت الأمور، وتألَّب الأعداء، فإنَّ مع العسر يُسرَين، وإنَّ الفرج مع الشدة، وهذا لا يعني الكسل وترْك الأخْذ بالأسباب.

 

فالله تعالى أمر المسلمين بالحَزْم، وأخْذِ الحذر والاستعداد، واتِّخاذ وسائل القوة ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾ [النساء: 71]،﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾[الشرح: 5 - 6].

 

إنَّ مِن الغريب أن يكون أعداءُ الإسلام قد أخذوا حِذرَهم وهم ما بين مُنكِر للديانات، وما بين منتسب لشَّرْع منسوخ، بينما يغفل بعضُ المسلمين عن الاستعداد، والتنبُّه للخطر قبلَ وقوعه! إنَّ ذلك من المفارقات الغريبة، ولكن يلوح في الأفق بَصيصُ نور وسْطَ دياجير ظلمة داكنة، وليل مُدلِهمّ، وها هي ذي المؤثِّراتُ الإسلامية تتوالَى، وها هي تلك الشعارات المموهة ينكشف زيفُها وضلالها ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8].

 

الرؤيا:

الرؤيا التي يراها النائمُ ما هي بواعثها؟ أهي حديثُ النفس وأحلام اليقظة، وما يتمنَّى المرء الحصول عليه، فإذا عجز عن تحقيقه يقظةً، فقد يراه منامًا كعملية تعويض - كما يدَّعيه مَن يدَّعيه، ويحصره في هذا النوع من الرؤيا؟ أم أنَّ هناك ألوانًا من الرؤيا، وصنوفًا ليس حصرُها في نوع واحد - كما يقوله أهلُ التحقيق؟


ابن القيم يقسم الرؤيا:

قال العلاَّمة ابن القيِّم في كتاب "الروح" - بعد أن ذكر أنَّ من الرؤيا ما يكون مِن حديث النفس -:

فإنَّ الرؤيا على ثلاثة أنواع: رؤيا مِن الله، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا من حديث النفس، والرؤيا الصحيحة أقسام:

منها: إلْهام يُلقيه الله - سبحانه - في قلْب العبد، وهو كلام يكلِّم به الربُّ عبدَه في المنام، كما قال عبادةُ بن الصامت وغيره.

ومنها: مَثَل يضربه له مَلَك الرؤيا الموكَّل بها.

ومنها: الْتقاء رُوح النائم بأرواح الموتى مِن أهله وأقاربه وأصحابه وغيرهم - كما ذكرنا.

ومنها: عروج رُوحه إلى الله - سبحانه - وخطاب إلهه.

ومنها: دخول رُوحه إلى الجنة ومشاهدتها، وغير ذلك، فالْتقاء أرواح الأحياء والأموات نوعٌ من أنواع الرؤيا الصحيحة، التي هي عند الناس مِن جنس المحسوسات.

 

الصَّعبُ بن جَثَّامة وعوف بن مالك:

كان الصعب بن جَثَّامة، وعوف بن مالك متآخيَيْن، فقال صعبٌ لعوف: أيْ أخي، أيُّنا مات قبل صاحبه فليترآى له، قال: أو يكون ذلك؟ قال: نعم، فمات صعب، فرآه عوف فيما يرى النائمُ كأنَّه قد أتاه، قال: قلت: أي أخي، قال: نعم، قلت: ما فُعِل بكم؟ قال: غُفِر لنا بعد المصائب، قال: ورأيت لمعةً سوداء في عنقه، قلت: أي أخي، ما هذا؟ قال: عشرة دنانير استلفتُها مِن فلان اليهودي، فهنَّ في قرني، فأعطوه إيَّاها، واعلمْ أي أخي، أنَّه لم يحدُث في أهلي حَدَثٌ بعد موتي إلاَّ قد لَحِق بي خبرُه، حتى هرَّة لنا ماتتْ منذ أيام، واعلم أنَّ بنتي تموت إلى ستَّة أيَّام، فاستوصوا بها معروفًا، فلمَّا أصبحتُ قلت: إنَّ في هذا لعِلمًا، فأتيتُ أهلَه، فقالوا: مرحبًا بعوف، أهكذا تصنعون بتَرِكة إخوانكم؟! لم تقربْنا منذ مات صعب!! قال: فاعتللت بما يعتلُّ به الناس، فنظرت إلى القرن فأنزلتُه، فانتشلت ما فيه، فوجدتُ الصُّرَّة التي فيها الدنانير، فبعثت بها إلى اليهودي، فقلت: هل كان لك على صعب شيء؟ قال: رَحِم الله صعبًا، كان من خيار أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هي له، قلت: لتخبرنِّي قال: نعم، أسلفته عشرةَ دنانير، فنبذتُها إليه، قال: هي والله بأعيانها، قال: قلت: هذه واحدة.

 

فقلت: هل حَدَث فيكم حدثٌ بعد موت صعب؟ قالوا: نعم، حَدَث فينا كذا، حدث فينا كذا، قال: قلت: اذكروا، قالوا: نعم هرَّة ماتت منذ أيام، فقلت: هاتان اثنتان.

 

قلت: أين ابنة أخي؟ قالوا: تلعب فأتيتُ بها فمسستُها، فإذا هي محمومة، فقلت: استوصوا بها معروفًا فماتتْ في سِتَّة أيام.

 

العيد:

"العيد" مأخوذ من العَوْد؛ لأنَّه يكرَّر مجيئه، ويستبشر الناسُ بقدومه.

 

قال في "تاج العروس": العَوْد الرجوع، عاد إليه يعود عودة وعودًا: رَجَع.

 

وقالوا: عاد إلى الشيء، وعاد له بمعنى، وبعضُهم فرَّق بين استعماله بفي وغيرها، قاله شيخُنا، وفي المَثَل: العَوْدُ أحمدُ، وأنشد الجوهري لمالك بن نويرة:

جَزَيْنَا بَنِي شَيْبَانَ أَمْسِ بِقَرْضِهِمْ
وَجِئْنَا بِمِثْلِ الْبَدْءِ وَالْعَوْدُ أَحْمَدُ

 

قال بعضُهم: العَوْد تثنية الأمر عودًا بعد بدء ثم عاد، والعودة عودة مرَّة واحدة، قاله شيخُنا، وحقَّق الراغبُ والزمخشري وغيرُ واحد من أهل تحقيقاتِ الألفاظ أنَّه يطلق العود، ويراد به الابتداء في نحو قوله تعالى: ﴿ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ [الأعراف: 88]، ويحتمل أن يُراد من العودة هنا الصيرورة، كما صرَّح بذلك في "المصباح"، وأشار إليه ابنُ مالك وغيره مِن النحاة، واستدلُّوا بقوله تعالى:﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ [الأنعام: 28] قيل: أي صاروا.

 

ثم قال صاحب التاج: قلت: ومنه حديث معاذ: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - -: ((أَعُدتَ فَتَّانًا يا معاذ))؛ أي: صِرتَ.

 

وفي حديث كعب: وددتُ أنَّ هذا اللبن قطرانًا؛ أي: يصير، فقيل له: لِمَ ذلك؟ قال: تتبعتْ قريشٌ أذنابَ الإبل، وتركوا الجماعات.

 

والعِيد بالكسر: ما اعتادك مِن همٍّ أو مرض، أو حزن ونحوه، مِن حبٍّ وشوق، قال الشاعر:

وَالْقَلْبُ يَعْتَادُهُ مِنْ حُبِّهَا عِيدُ

 

وقال يزيد بنُ الحَكم الثقفي يمدح سليمان بن عبدالملك:

أَمْسَى بِأَسْمَاءَ هَذَا الْقَلْبُ مَعْمُودًا
إِذَا أَقُولُ صَحَا يَعْتَادُهُ عِيدَا

 

وقال تأبَّط شرًّا:

يَا عِيدُ مَا لَكَ مِنْ شَوْقٍ وَإِيرَاقِ
وَمَرِّ طَيْفٍ عَلَى الْأَهْوَالِ طَرَّاقِ

 

والعيد كلُّ يوم فيه جمع، واشتقاقه مِن عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنَّهم اعتادوه، والجمع أعياد، لزم البدل، ولو لم يلزم لقيل: أعواد؛ لأنَّه من عاد يعود، وعيدوا إذا شهدوه؛ أي: العيد، قال العجَّاج يصف ثورًا وحشيًّا:

وَاعْتَادَ أَرْبَاضًا لَهَا آرِيُّ

كَمَا يَعُودُ الْعِيدَ نَصْرَانِيُّ

 

فجعل العيدَ من عاد يعود، قال: تحوَّلت الواو في العيد ياءً لكسرة العين، وتصغير عيد عُيَيْد تركوه على التغيير، كما أنَّهم جمعوه أعياد، ولم يقولوا: أعوادًا.

 

قال الأزهري: العيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفَرَحُ والحزن.

وقال ابن الأعرابي: سُمِّي العيد عيدًا؛ لأنَّه يعود كلَّ سَنَة بفرح مجرَّد.

فالعيد يوم فرح وسرور، وإظهار لشكر الله وفضله على ما أنعم به على المسلمين مِن توفيق.

وفي العيد يتجمَّل الناس، ويَلبسون مِن ثيابهم أحسنَها، ويُهنِّئ بعضُهم بعضًا، وتتجلَّى فيهم البهجةُ والحُبور.

 

وفي زكاة الفِطر والأضاحي إشباعٌ للفقير في يوم العيد، وفي الصَّدقة المرغَّب فيها في هذَين العِيدَين - عيدَي أهل الإسلام - مراعاتها لحال البائسين، حتى يشاركوا ذوي السُّرور سرورهم، وحتى لا يبتئسوا والناس مبتهِجون، ولا يكتئبوا والقوم مَرِحون.

 

العيدُ يوم سرور يترقَّبه الناس بلهفة، ويستعدُّون للقائه بفرحة، فهو إلى جانب ما اشتمل عليه من عبادات وطاعات، وشكر لله على آلائه، وإعطاء المحتاجين، وصِلاَت القُربى، ففيه يتخفَّف الناس من بعض الجِدّ، وينطلقون إلى مجالات فساح، ويُبعد جوَّ الصرامة، ويعطي لونًا من اللعب المباح، واللهو البريء الذي يُبرِهن على سماحة الإسلام وملاءمته للنفوس.

 

ذلك أنَّ الإسلام دينُ اليُسر والسماحة ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وعلى المسلِم أن يهتمَّ بأمر إخوانه المسلمين، وأن يتصدَّق ويبذل المعروف، ويجودَ بالخير، ولا يكون أنانيًّا لا يهمه إلاَّ نفسُه، فالبائس المحروم لا يشعر ببهجةِ العِيد إذا لم يجدْ مَن يسدُّ خَلَّتَه، ويُضمِّد جراحَه، ويسعى لعونه بما يدفع عنه غائلةَ الجوع، وقارص البرْد، ولافح الحرّ، فإن لم يجد مِن إخوانه عطفًا واهتمامًا، انطوى على حُزنه، ومرَّ عليه العيدُ كالكابوس الثقيل، يردِّد مع أبي الطيِّب المتنبي:

عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ
بِمَا مَضَى أَمْ لِأَمْرٍ فِيكَ تَجْدِيدُ
أَمَّا الْأَحِبَّةُ فَالْبَيْدَاءُ دُونَهُمُ
فَلَيْتَ دُونَكَ بِيدًا دُونَهَا بِيدُ

 

وقد عبَّر الرصافي عن واقع اليتيم الذي يمرُّ به العيدُ كئيبًا، حينما لا يلقَى مَن يمسح دموعه، ويبدِّد آلامه تعبيرًا مؤثرًا:

أَطَلَّ صَبَاحُ الْعِيدِ فِي الشَّرْقِ يَسْمَعُ
ضَجِيجًا بِهِ الْأَفْرَاحُ تَمْضِي وَتَرْجِعُ
صَبَاحٌ بِهِ تُبْدِي الْكَوَاكِبُ شَمْسَهَا
وَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ التَّوَهُّمُ مَطْلَعُ
صَبَاحٌ بِهِ يَخْتَالُ بِالْوَشْيِ ذُو الْغِنَى
وَيُعْوِزُ ذَا الْإِعْدَامِ طِمْرٌ مُرَقَّعُ
صَبَاحٌ بِهِ يَكْسُو الْغَنِيُّ وَلِيدَهُ
ثِيَابًا لَهَا يَبْكِي الْيَتِيمُ الْمُضَيَّعُ
صَبَاحٌ بِهِ تَغْدُو الْحَلاَئِلُ بِالْحُلَى
وَتَرْفُضُ مِنْ عَيْنِ الْأَرَامِلِ أَدْمُعُ
أَلاَ لَيْتَ يَوْمَ الْعِيدِ لاَ كَانَ إِنَّهُ
يُجَدِّدُ لِلْمَحْزُونِ حُزْنًا فَيَجْزَعُ
يُرِينَا سُرُورًا بَيْنَ حُزْنٍ وَإِنَّمَا
بِهِ الْحُزْنُ جِدٌّ وَالسُّرُورُ تَصَنُّعُ
فَمِنْ بُؤْسَاءِ النَّاسِ فِي يَوْمِ عِيدِهِمْ
نُحُوسٌ بِهَا وَجْهَ الْمَسَرَّةِ أَسْفَعُ
قَدِ ابْيَضَّ وَجْهُ الْعِيدِ لَكِنَّ بُؤْسَهُمْ
رَمَى نُكَتًا سُودًا بِهِ فَهْوَ أَبْقَعُ
وَقَفْتُ أُجِيلُ الطَّرْفَ فِيهِمْ فَرَاعَنِي
هُنَاكَ صَبِيٌّ بَيْنَهُمْ مُتَرَعْرِعُ
صَبِيٌّ صَبِيحُ الْوَجْهِ أَسْمَرُ شَاحِبٌ
نَحِيفُ الْمَبَانِي أَدْعَجُ الْعَيْنِ أَنْزَعُ
يَزِينُ حِجَاجَيْهِ اتِّسَاعُ جَبِينِهِ
وَفِي عَيْنِهِ بَرْقُ الْفَطَانَةِ يَلْمَعُ
عَلَيْهِ دَرِيسٌ يَعْصِرُ الْيُتْمُ رُدْنَهُ
فَيَقْطُرُ فَقْرٌ مِنْ حَوَاشِيهِ مُدْقَعُ
يُلِيحُ بَوَجْهٍ لِلْكَآبَةِ فَوْقَهُ
غُبَارٌ بِهِ هَبَّتْ مِنَ الْيُتْمِ زَعْزَعُ
عَلَى كُثْرِ قَرْعِ الطَّبْلِ يَنْظُرُ وَاجِمًا
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلطَّبْلِ ثَمَّةَ مُقْرِعُ
كَأَنَّ هَدِيرَ الطَّبْلِ يَقْرَعُ سَمْعَهُ
فَلَمْ يَلْفَ رَجْعًا لِلْجَوَابِ فَيَرْجِعُ
يَرُدُّ ابْتِسَامَ الْوَاقِفِينَ بِحَسْرَةٍ
تَكَادُ لَهَا أَحْشَاؤُهُ تَتَقَطَّعُ
وَيُرْسِلُ مِنْ عَيْنَيْهِ نَظْرَةَ مُجْهِشٍ
وَمَا هُوَ بِالْبَاكِي وَلاَ الْعَيْنُ تَدْمَعُ
لَهُ رَجْعَةٌ تَنْتَابُهُ وَهْوَ وَاقِفٌ
عَلَى جَانِبٍ وَالْجَوُّ بِالْبَرْدِ يَلْسَعُ
يَرَى حَوْلَهُ الْكَاسِينَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ
عَلَى الْبَرْدِ مِنْ بُرْدٍ بِهِ يَتَلَفَّعُ
فَكَانَ ابْتِسَامُ الْقَوْمِ كَالثَّلْجِ قَارِسًا
لَدَى حَسَرَاتٍ مِنْهُ كَالْجَمْرِ تَلْذَعُ




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- شكر
بلوافي هيببه 15-08-2014 06:15 PM

سلمك المولى أخي الكريم

شكرا لك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة