علم الأنساب

كان العرب يُعْنون بعِلم الأنساب، ويُولونه عنايةً عظيمة، وقد برزوا في هذا المضمار، واشتهروا به، فما بالُنا اليوم نرى أحفادَهم وأسباطهم يجهلون أنسابهم، ويُعرِضون عن علمٍ من أحسن العلوم وأظرفِها، ويتعلَّق به أحكام في المواريث والوقف والوصية، والنفقات والديات والشهادات، وغير ذلك؟!

إنَّ موجات الحضارة والمدنية، واغترار البعض ببريقها، والافتتان بالتقليد للغَرْب جعلهم يزهدون في عِلمٍ كان العرب يفتخرون بمعرفته، وله فضائلُ كثيرة، والمذموم ليس معرفة الأنساب وتمييزها، ولكن التفاخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والقدْح والذم وإنكار الحقِّ هي المذمومة، الوارد في الشرع النهيُ عنها، وعدُّها من عادات الجاهلية المنكَرة.

إنَّ لعلم الأنساب فوائدَ ومنافع كثيرةً، فعسى ألاَّ يندثر بسبب الإعراض عنه والإعجاب بعادات وتقاليد أجنبية، ستؤدي بمن ينخدع بها إلى المسخِ والذوبان، وفساد الذوق.

دوائر المعارف:

دوائر المعارِف أصبحتْ من أهمِّ المراجع في الفنون، ولا يُستغنَى عنها، وقد طُبعت دوائر للمعارف باللغات الأجنبية كما طُبعت آخِرًا باللغة العربية، ومنها دائرة المعارف للبستاني، ودائرة معارف القرن العشرين لمحمد فريد وجدي، والموسوعة الذهبية، ودائرة المعارف الإسلامية، وهذه الأخيرة فيها دسٌّ كثير، وحملات على الإسلام وتاريخه، ومنها: الموسوعة العربية الميسَّرة، وهي أيضًا لا تخلو من الأخطاء.

وما يؤسَف له أنه لم يصدر في بلادنا دائرةُ معارف، إذ إنَّه لو وجدت مثل هذه الدائرة، لكان حريًّا بها أن تكون أقربَ إلى الصِّحة والضبط، يُساعِد على ذلك مشاهدة كثيرٍ من الأماكن التي كان لها ذِكْر تاريخي حافل، وقرب أهلها للغة العربية الفصحى.

إنَّ دائرة المعارف تحتاج إلى جهودٍ عظيمة ولا ريب، ولكنَّ العزيمة الصادقة والتصميم الأكيد وقوَّة الإرادة - مع التوفيق - ستكون - إن شاء الله - خيرَ عون لِمَن يريد أن يقوم بهذا العمل العظيم، أو يُعين فيه، وهذه فكرة أرجو أن تجد صدًى طيبًا، وقبولاً حسنًا.

فضل العلماء المسلمين على الثقافة:

إذا رجعْنا إلى تاريخنا وآدابنا وما خلَّفه علماء المسلمين الأجلاَّء في كلِّ علم وفن، ثم استمعنا إلى دعاوى الإفرنج وتلامذتهم من تهويلٍ لعلوم الغرب ورجاله، وأدبهم وحضارتهم، وتجاهل لجهود علماء المسلمين، ونسبة فضلِها إلى الغرْب الصليبي - لأدركْنا البَوْن الشاسع بين الحقيقة والزيف، بين الصواب والخطأ، بين الدعوى والحق الثابت.

ولعَلِمْنا أنَّ هناك مؤامراتٍ من كل نوع وصِنف على أمَّة الإسلام، ومن أنماط شتَّى،لا تقف عند حدّ، ولا يحصرها مكان دون مكان، فهي عسكرية وسياسية، واقتصادية وثقافية وتاريخية، وإذا لم يُبصر الناس ما يُراد بهم، وغمضوا عيونهم عمَّا يقصد بهم، فإنَّ هولاً فادحًا ينتظرهم، وهذا ما يجعل المسؤوليةَ جسيمة، والحملَ ثقيلاً، والأمانة شاقَّة.

وأمَّة تعمَى عن واقعها، وتُخدَّر بالأماني، وتركن للدعة والخمول والترف، هي أمَّةٌ مآلها التلاشي والضياع، وليس في الدنيا مَن هو أحقُّ من المسلم باليقظة والعزَّة، والاستعداد للجهاد، ونبذ الكسل والخمول؛ اتباعًا لدينهم، وسيرًا على نهْج سلفهم الراشد.

علماء مع الوفود:

الوفود التي تذهب في زيارات رسميَّة، ولحضور مؤتمرات ودعوات، هي - غالبًا - تضم أشخاصًا عديدين يُمثِّلون جهاتٍ متعددة، ولكن الذي نلاحظه أنَّه يكاد يُفقد منها عنصرٌ هام بلا ريب، ألاَ وهو وجود مَن يمثلون العِلم الديني، فعلماء الإسلام أحقُّ بأن يتشاوروا ويتفاهموا، ويبحثوا في شؤون المسلمين، ويستعرضوا المشكلاتِ بينهم، ويكون لهم صوتٌ مسموع في الخُطب والمحاضرات، والندوات والمناقشات، في الإرشاد والتوجيه، والدعوة إلى الله.

إنَّ وجود علماء واعين ذوي لباقة وفَهْم، وغزارة في العلم، وغَيْرة عليه، سيكون لهم بلا شكٍّ فائدة كبرى، يعود خيرُها على البلاد التي يمثلونها، وعلى المسلمين في شتَّى أقطارهم وأمصارهم.

إنَّ الدعوة للتضامن الإسلامي، وجمْع كلمة المسلمين لا بدَّ أن يُسهم فيها إسهامًا كبيرًا علماءُ المسلمين، ويبيِّنوا ما فيها من منافعَ عظيمة في الدِّين والدنيا، وما يَجنيه المسلمون من الانضواء تحتَ لوائها من سعادة عاجلة وآجلة.

جهل مطبق:

قال أبو العنبس: صَحِبني رجلٌ في سفينة فقلت: ممَّن الرجل؟ فقال: مِن أولاد الشام، ممَّن كان جَدِّي من أصدقاء المنصور عليِّ بن أبي سالم؛ شاعرِ الأنبار الأنباري، وكان من الذين بايعوا تحتَ الشجرة مع أبي سالم بن يسار، في وقعة الفاروق، أيَّام قتْل الحجَّاج بن يونس، بالثَّغْر، على شاطئ الفرات، مع أبي السرايا، قال أبو العنبس: فلمْ أدرِ على أيِّ شيءٍ أحسده؟! على معرفته بالأنساب! أم على بصره بأيام الناس! أم حفظه للسير!

♦ قال أبو الحسن المدائني: قاد عيَّاش بن الزِّبْرِقان بن بدر إلى عبدالملك بن مرْوان خمسة وعشرين فَرسًا، فلمَّا جلس لينظرَ إليها نسب كلَّ فرس منها إلى جميع آبائه وأمهاته، وحلف على كلِّ فرس بيمين غير اليمين التي حَلَف بها على الفرس الآخر، فقال عبدالملك: عجبي من اختلاف أيمانِه أشدُّ من عجبي من معرفته بأنساب الخيل!

♦ قال بعضهم: مررتُ بسوق، وقد اجتمع فيه قومٌ على رجل يضربونه، فقلت: ما ذنب هذا؟ قالوا: شَتَم معاوية بن أبي سفيان صِدِّيق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومَن صلَّى معه أربعين سَنَة على طُهْر واحد، وكان مِن المهاجرين والأنصار الذين اتَّبعوهم بإحسان، وسُمِّي خال المؤمنين؛ لأنَّه كان أخَا حواء من أمِّها وأبيها.

♦ قال بعض بني أسد - والقيافة فيهم -: لا يُخطئ الرجل من أبيه خُلَّة من ثلاث: رأسه، أو صوته، أو مِشيته.