• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الدكتور وليد قصاب / قصص قصيرة


علامة باركود

ومن يكتمها.. (قصة قصيرة)

ومن يكتمها.. (قصة قصيرة)
د. وليد قصاب


تاريخ الإضافة: 20/7/2015 ميلادي - 3/10/1436 هجري

الزيارات: 37663

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ومَن يكتُمْها..


يعرف الحقيقة كلها، لا يخفى عليه خيط من خيوطها، واضحة أمامه مثل الشمس في رابعة النهار!

 

يعرف "عمر" مثلما يعرف نفسه، وقد يرتاب في نفسه ولا يرتاب فيه.

 

عمرُ أنقى من ضوء الفجر، وأصفى من الماء الزلال، صديقه في الدراسة والعمل منذ أكثر من عشر سنوات، خَبَرَه في مواقف لا حصر لها، ما عرفه إلا نظيفَ اليد واللسان، عَفَّ الجوارحِ والفؤاد.

 

بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، لفقوا له هذه التهمة الحقيرة؛ لأنه رجل ضعيف، لا حول له ولا طول.

 

صاروا جميعًا إلبًا عليه؛ لأنه لا سند له، ولا دعمَ، ولا وَساطة، فصار لهم طعمًا سهلاً، لا بواكي له!

 

وكذا - كما يقول زميلهم عادل - شأن الضعفاء في كل زمان ومكان، يصيرون دائمًا دريئة مَن يريد أن يتعلم الرماية!

 

حسين - مدير الدائرة - هو المجرم الحقيقي، هو الذي يرتشي ويقبض باستمرار، كأن المؤسسةَ مزرعةُ أبيه، يتصرَّفُ فيها كما يشاء، يَسرِقُ من أموالها في كل يوم.

 

جميع موظفي المؤسسة يعلمون ذلك علمَ اليقين، ولكن من ذا الذي يجرؤ منهم أن يتكلم؟

 

يعرفون جميعًا نفوذَ الرجل وأقاربه وأصدقائه الذين في السلطة، يخشون بأسَه، وإن بأسه لشديدٌ!

 

ولا بد أن تلبس التهمة أحدًا من الضعفاء، وعمر هو الحائط القصير الذي يستطيع أن يركبه كلُّ أحد!

 

في همسٍ غيرِ مسموع دار بينه وبين عادل أحد زملائه الطيبين في المؤسسة؛ قال له عادل، وهو يتلفت يمنة ويسرة، ويخافت بصوته خشية أن تفتح الجدران آذانها فتسمع شيئًا:

• حسين مدعوم، واصل، له ظهر قوي، وراءه الـ ...

 

وغمز بعينه، فبادله عثمان الهمس قائلاً:

• ولكن عمر بريء، أنت تعرف ذلك يقينًا، لماذا يؤخذ بها؟!

 

قال عادل:

• لأنه لا بد أن يحملها أحد.

 

قال هامسًا يتلفت هو الآخر يمينًا وشمالاً:

• لماذا لا يسجلونها ضد مجهول كما يحصل أحيانًا؟

 

وبالهمس نفسه أجاب عادل:

• لأن حسين - مدير الدائرة - يريد إيهام المسؤولين بمهارة من مهاراته!

 

ولم يكمل، فاستحثه عثمان على الكلام:

• ماذا تقصد؟

• أقصد أن مدير الدائرة المحترم يريد أن يسجِّل قدرته على اكتشاف الاختلاس في دائرته، وأن عينَه ساهرة تستطيع اكتشاف المتلاعبين، وتقديمَهم إلى العدالة.

••••


كان ضميره يخزه وخزَ الإبرِ وهو يرى بأمِّ عينه الخِناقَ يضيق حول صديقه البريء عمر.

 

تُخفَى أوراق، وتُختلَقُ مستندات، وتُزوَّر وثائق، وتُغيَّر توقيعات، والجميع يشارك أو يسكت، كلٌّ يتملق المجرم الحقيقي؛ خائفًا من نفوذه، أو طامعًا في نواله.

 

خرست كلمة الحق على ألسنة الجميع، كل عارف، ولكن الطيبين صامتون، والأشرار مشاركون في الزور!

 

عثمان يَعرِفُ الحقيقة، وتحت يديه أدلة ومستندات؛ فقد كان - بحكم موقعه في المؤسسة - مُطَّلعًا على كل شيء.

 

هل يجوز أن يظلَّ ساكتًا عن الحق؟ أيكتم الشهادة؟ وإذا فعل ونجا من عذاب ضميره الذي أصبح سوطًا يجلده ليل نهار، أينجو من عذاب الله؟ ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283].

 

كان داخله يشتعل كالبركان، ولا بد مما يخمد له هذا البركان، وإلا احترق به.

 

كان عادل - أقرب المقربين إليه - يحسُّ بما يعتمل في داخله، وكان خائفًا عليه أن يتورط فيفكر في مواجهة الإعصار.

 

همس له ذات يوم، وقد أُتيحت لهما خلوة لا تراهما فيها عين من العيون المبثوثة في كل مكان، محذِّرًا:

• إياك أن تلعب بالنار يا عثمان، أنت رجل ضعيف مثل عمر!

 

قُوتُك وقُوتُ عيالك في أيديهم، بل حياتك كلها في أيديهم، هؤلاء قوم ظلمة يسحقون كلَّ مَن يقف في وجههم.

 

قال من قلب محروق:

• وعمر يا عادل، هل نَدَعُه حتى يلتفَّ حبلُ المشنقة حول عنقه، أو يُلقَى في غياهب السجن؟!

 

قال عادل محذِّرًا:

• إياك أن ترتكب هذه الحماقة!

 

قال عثمان محتدًّا:

• حماقة؟!

• حماقة؛ لأنه لن يستمع إليك أحد، صوت القوي فقط هو المسموع، ستلقى مثلَ مصير عمرَ من غير أن تُنقِذَه!

• وهل أكتم الشهادة؟

 

قال عادل محاولاً امتصاص انفعال عثمان:

• شهادتُك ستَجرُّ عليك الهلاك، ستدخلك السجن مع عمر، ولن تنفعَه في شيء، فأبقِ على نفسك، الحيُّ أولى من الميت، تذكر أهلك.. عيالك.

 

ثم أضاف:

• وقد تنفعه وأنت خارج السجن أكثر مما تنفعه وأنت معه في داخله.

••••


لم يستطع عثمان أن ينام في تلك الليلة، غدًا موعد الجلسة التي يستمع فيها إلى الشهود، ثم ينطق بالحكم.

 

كلهم ضد عمر.

 

كلهم بخيل بالحق، لا يريد أن يجهر به.

 

كلهم يهادن القوي، ويتملَّقه، ويخشاه، كلهم نفى أي شبهة عن حسين، جعله - وهو المجرم - كحمامة بيضاء.

 

أي ظلم هذا؟ لا تزال أسماك القرش تأكل الأسماك الصغيرة!

 

لماذا يسرق حسين، وينهب أموال الدولة ليل نهار ولا يحرك أحد ساكنًا؟

 

أما يكفيه ما عنده من عمارات وعقارات ... و... و...؟

 

ألا يشبع أولاد الكلب هؤلاء؟

 

إن خزائنهم مثل جهنم، كلما امتلأت قالت: هل من مزيد؟

 

ولماذا قَمُؤَ الناس، وجبنوا، وعمُوا، حتى صاروا يرون الباطل حقًّا والحق باطلاً؟

 

يقول له عادل الساكت الأخرس مثلهم في إحدى محاوراتهما:

• لأن حاميها حراميها.

••••

 

لا تفارقُه صورة عمر وهو يُساقُ ذليلاً خائفًا وقد وضعوا القيود في يديه، وسحبوه من وراء مكتبه كما يُسحَبُ الكلب الأجرب.

 

كان يلتفت إليهم مستنجدًا، وهو يقول:

• كلكم تعرفون اللص الحقيقي، ولكنكم تخافون من قول كلمة الحق، لماذا صرتم أجبن من الصراصير؟ أيها الساكتون على الباطل، ألا تخافون بطش المنتقم الجبار؟

 

أخذته سِنة خفية من نوم، ثم صحا فزعًا.

 

كان صوت عمر يدوي في أذنيه كصافرة إنذار:

• أيها الساكتون على الباطل، ألا تخافون بطش المنتقم الجبار؟

 

ثم صدح في أذنيه صوت الإمام وهو يقرأ في صلاة الفجر: ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283].

 

هب من فراشه واقفًا، وعجل يتوضأ ليدرك صلاة الصبح مع الإمام.

 

عاد من الصلاة، فدخل غرفة أولاده يقبِّلهم، ويدعو لهم واحدًا واحدًا.

 

همس بينه وبين نفسه وهو يغادر غرفتهم:

• لكم وليَ الله!

 

ثم دخل غرفته، فلبس ثيابه في صمت، وغادر المنزل متوجِّهًا إلى المحكمة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
5- تعليق
عبد الفتاح - سورية الجريحة 27-07-2015 12:56 PM
قصة نصور بأسلوب فصيح متميّز واقعا مخزيا في بلادنا، الرشوة والنفاق والجبن. أعجبت بالقصة جدا وتأثرت بها ، وأدهشني هذا الأسلوب الفني المتميز الذي كتبت به.
4- جميل
حلا - فلسطين 23-07-2015 03:02 PM

اشتقنا لقصصك هنا على شبكة الألوكة ما شاء الله تبارك الله على هذا الأسلوب الراقي والممتع، لا تحرمنا جزاك الله خيرا وبارك بقلمك

3- أحنت
أو ياسر - السعودية 21-07-2015 06:33 AM

أحسنت أيها الأديب الكبير كم أعجب بكل ما تكتب. قدرتك في القص عجيبة. وهذه القصة مدهشة مؤثرة. محتشدة بالعاطفة. طاب قلمك ولا فض فاك.

2- إعجاب
عنايات - مصر الصابرة 21-07-2015 06:17 AM

قصة هادفة ، تصوّر واقعا مخزي، ولك الأمة ما يزال فيه شرفاء أمثال عثمان بطل القصة. أسلوب القصة جميل سلس شاعري . قرأت للدكتور قصّاب كثيرا. وكنت أحسبه ناقد فقط، ولم أكن أعرف أنه قاصّ بهذا التميز. أخبروني هل له مجموعات قصصية منشورة؟ شكرا لكم على نشر هذه القصة الرائعة المؤثرة والهادفة. عنايات

1- تعليق وثناء
محمود - مصر العربية 20-07-2015 11:46 AM

قصّة جميلة جدا. مكتوبة بأسلوب شاعريّ جميل مؤثر . دمعت عيني وأنا أقرؤها. هذه حال المجرمين في كلّ مكان. لكن الله لأمثالهم بالمرصاد. بورك هذا القلم الرائع المتدفق. شكرا لك أيها القصّاب

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة