• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الدكتور وليد قصاب / قصص قصيرة


علامة باركود

في الباص

د. وليد قصاب


تاريخ الإضافة: 12/5/2009 ميلادي - 17/5/1430 هجري

الزيارات: 39640

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

توقف الباص في إحدى المحطات، نزل بعض الرُّكَّاب، ثم فُوجِئَ الناس بثلاثة رجال أشداء، يجرُّون وراءهم غلامًا حَدَثًا، لا يَتَجَاوَز عمره اثني عشر عامًا، يندفعون من الباب الخلفي للباص قبل أن يَتَمَكَّن السائقُ من إقفاله.

نظر إليهم الناسُ باستغراب واستِهجان، كانوا يجرون الغلام جرًّا عنيفًا كأنه دابة من الدواب.

- اصعد يا ابن الـ...

هكذا صاح به أحدُهم، وكان الغلامُ يقاومهم مقاومة باسِلة، وقد تَمَزَّق كُمُّ قميصه من الشَّدِّ، وبدتْ على وجْهه آثار صفعات الكف خطوطًا حمراء لا تخطئها العينُ.

كان الباص مُمتَلئًا، وكان بضعة نفر يقفون في المقدِّمة.

كان الرِّجال الثلاثة غِلاظًا أشداء، كأنهم الوُحُوش الكاسِرة، وكان الغلامُ يبدو بين أيديهم - وهم يدفعونه بغِلْظة وخُشُونة - كالحَمَل الصَّغير، وكان يرتجف منَ الخوف والذُّعر، وهو يصيح من خلال دموعه: "دخيلك"، اتركوني، والله ما فعلتُ شيئًا.

صاح به واحد منَ الثلاثة في حجْم الثور: اخرس يا كلب، وإلاَّ قطعْتُ لسانك.

ثم أهْوى على وجْهه بصفْعة قويةٍ، أَسَالَت الدم من أنْفه، صرخ الغلامُ وهو ينتفض من الأَلَم كالفرخ الصغير: "دخيلك" يا عم، والله ما عملت شيئًا.

كان الناسُ ينظرون باستغراب واستفهام، لم يعرف أحدٌ، لماذا يضربونه؟!

تدخَّل رجل كان في الخلف قريبًا من المشهد: اتَّقوا الله يا جماعة، هذا غلام صغير، ولا يجوز لكم ضربه هذا الضَّرْب المبرح.

هَجَمَ عليه أضخمهم، وهو يلوح بقبْضة يده في وجْهه: اخرس أنت، ولا تُحاول أن تَتَدَخَّل.

خرس الرجل، وتظاهَرَ بأنه لم يكنْ هو الذي تَكَلَّم.

•     •     •     •     •

وصل الباص إلى المحطة التالية، كان الناس متجمعين فيها ينتظرون الباص، نزل راكبان منَ الباب الأمامي، وأراد السائق أن يفتحَ الباب الخلفي ليصعدَ بعض الرُّكَّاب، فصاح به واحد من الثلاثة مُحذِّرًا وهو يسد الباب، مانعًا أي واحد من الصعود: لا تفتح الباب، وإلا حَطَّمْتُ رأسك.

خاف السائق من غير أن يفهم شيئًا، لم يكنْ يعرف ما يجري في الخلف على وجْه التحديد؛ لكنَّه استجاب للتحذير، فانطلق لا يلوي.

كان الدم يسيل من أنْف الغلام، وقد تَخَضَّبَ به وجْهُه وثيابُه، وكان أحد الرِّجال الثلاثة يمسكه من عُنُقه، على حين كان آخر يشده من شَعْره.

كان الغلامُ يصيح وروحه تكاد تزهق بين أيديهم: حرام عليكم، ماذا فعلتُ لكم؟!

يلتفت إلى هذا وذاك من الركاب يستنجدهم: يا عم، دخيلك، والله لم أفعلْ شيئًا، ولا أعرف هؤلاء أصلاً.

كان الرجال الغِلاظ الأشداء يرمقون الركاب واحدًا واحدًا بنظرات يتطايَر منها الشرر، لم يلقَ الغلامُ استجابة من أحد، وقع بصرُه على شاب رياضي مفتول الذراعين، استَجْدَتْه عيناه؛ ولكن الشابَّ أشاح بوجْهه، وراح ينظر منَ النافذة.

تجرَّأَت امرأة عجوز وهي ترى الغلام يكاد يموت من الضرب والذعر، ودمه يسيل، فقالت: خافوا الله، غلام صغير، لا يتحمَّل هذا الضرب، ثم لماذا تضربونه؟! ماذا فعل لكم؟!

نَظَرَ إليها أحد الأشدِّاء بصرامَة، احترم شيخوختها، فاكتفى بأن يزعق فيها بوقاحة: اسكتي يا امرأة، ولا شأن لكِ بما يحدُث.

كان الباص على وشك أن يصل إلى المحطة القادمة، صاح واحد من الرِّجال بالسائق آمرًا: لا تتوقَّف في المحطة، قفْ بعدها إلى نهاية الشارع.

انصاع السائق للأمر، راح الرِّجال يسحبون الغلامَ إلى الأمام استعدادًا للنزول؛ ولكن الغلام يتشبَّث بقوة بأحد مقاعد الباص رافضًا التَّحَرُّك.

يشده اثنان بكلِّ قوتهما؛ ولكنه لا يَتَزَحْزَح، يبدي مقاومة خارقة، يأتي الثالث - الذي كان قد ابتعد إلى مقدمة الباص ليفسح الطريق للنزول - ويركل الغلام في بطْنه.

يتلوى الغلام من الأَلَم، تفلت يده من المقعد، يسحبه الرجال الثلاثة مثل النعجة وهم يضربونه.

ينظر الغلامُ مرَّة أخرى باستجداء إلى الركاب، يشيح الجميعُ بوجوههم وكأنهم لا يرون ما يجري.

يقع نظرُ الغلام على الجندي الجالِس في المقعد الذي كان ممسكًا به، بدا له وكأنه يرامقه النظر، شجعتْه البذلة العسكرية أن يقول: يا أخ، أرجوك.

سرعان ما يتشاغل الجندي بالنَّظَر إلى جهة أخرى.

•     •     •     •     •

يستمر الرِّجال في سحْب الغلام، وهم يضربونه كلما حرن، يصيح أحدُهم بالسائق آمرًا: توقف عندك.

يُقاوم الغلام مقاومة باسلة، يتقدمون به قليلاً، يتشبَّث بمقعدٍ آخر من مقاعد الباص، يتوقف السائق حيث أمر الرجال؛ ولكن الغلام متشبِّث بحديد المقعد يناضل بقوة عجيبة، يصرخ فيه أحدهم: تحرك أيها الكلب، وإلا هَشَّمْت رأسك.

يستنجد الغلام: "دخيلكم".

يصيح السائق: استعجلوا يا جماعة، ممنوع الوقوف هنا.

يخرج واحد من الرِّجال الثلاثة سِكِّينًا من جيبه، ويضرب بها يد الغلام المتشبِّثة بمقعد الباص، فيسيل الدم، ويصرخ الغلام، وهو يوشك على السقوط: آه يا يدي، يا عم، يا ناس.

يتلاشى صوته، تفلت يده من على المقعد، فيسحبه الرجال بوحشيَّة، ويجرونه إلى مقدمة الباص جرًّا.

دمه يسيل، وعنقه بيد أحد الرجال، وشعره بيد الآخر، والثالث يركله في ظهره بلا توقُّف.

تجحظ عينا الغلام، يبدو على وشك الاختناق، يخرج صوته كالحشرجة، وهو يستغيث: والله يا جماعة لا أعرف هؤلاء الناس، ولم أفعل لهم شيئًا، ولا أدري ماذا يريدون مني، أرجوكم صدقوني.

لا يسمع إلا صوت العجوز: خافوا الله، اتركوا الغلام، إنه يكاد يموت بين أيديكم، يا شباب، يا رجال، ساعدوا هذا الغلام.

يَتَلاشَى صوتُها بين صراخ الغُلام، وصياح الرجال الثلاثة الأشداء، ولا مُبالاة للركاب.

يسحب الرجال الغلام، وعند باب الباص الأمامي يرفسه واحد من الثلاثة بقدمه من الخلف، فيسقط على الأرض منبطحًا على وجهه وسط بركة من الدماء.

يغلق السائق باب الباص، ويتابع طريقه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
15- حب الدنيا و نسيان الاخرة.......
أمينة بوعزيز - بلد المليون و النصف مليون شهيد 19-06-2010 06:34 PM

لاحول و لا قوة إلا بالله العلي القدير،يعني قلبنا موازين الحياة كلها و أصبحنا نمثل مقولة (نفسي نفسي...) قبل أوانها، وأصبحنا نعيش حياة برزخية لا دنيوية ولا أخروية و ذلك لتطبيقنا سياسة الفردانية وتخلينا عن سياسة الجماعة التي أرست قواعدها في العرب الغرب، و لو سألت أحد الركاب عن عدم إنقاذه للطفل يقول: يقول أنا لست رجلا سوبرماني حتى أنقذه؟،هذا من ناحية الموضوع.
أما فنيا ففي التحليل السيميائي للقصة نجد في النموذج العاملي توافر كل من :
1.المرسل: الأشخاص الثلاثة
2.المرسل إليه: الطفل البريئ
3.الموضوع: مجهول..
4.الذات: الأشخاص الثلاثة
5.المعارض: بضع من ركاب الحافلة، و لكن من دون استجابة.
و غياب 4.المساعد: و هذا شيئ جميل لانك لووظفته لما تمثل عنصر التشويق في القصة.

14- .
المتابع الثاني - . 22-05-2009 09:05 PM

الأخ الكريم/ عروضي
لقد ابتسمت للطافة تعليقك ونباهة ذهنك، عند قولك: "يظهر من استهلال القصة أن لكاتبها علما بالعروض"
... فبارك الله فيك
ثم أفيدكم بأن الدكتور الفاضل وليد قصاب من رواد الشعر الإسلامي الحديث الذين أسسوا له تأسيساً صحيحاً ثم تبعهم بعدهم من تبعهم
ولو بحثت عن قصائده فستجد منها الكثير..
راجع مثلاً رائعته "كرة القدم"
و "مغيب الشمس"
وغيرها من مجموعته (صور من بلادي)، أو مما لم يطبع في كتاب
وللعلم فإن وقوع بعض العبارات الموزونة في النثر لا يشترط لها سابق معرفة بالعروض فهناك الكثير من ذلك، لذلك كانت "القصدية" من شروط الشعر منذ القدم

13- هل أنتهت القصة ...!!!
عنـــان الســـماء - مـــصر لا غيرهـــا وطــــن 20-05-2009 02:52 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة


هل انتهت القصة ، أم لها تتمة ؟

فأشعر حين قرائتها أنها ينقصها أحداث ،أنجذبنا أليها فى لحظات البداية
لنعرف من هؤلاء الظالمين المتجردين من الأنسانية ،
وفى الأخير أنتهت القصة ...

أعرف أن القصة تعكس واقعاً نعايشة ، وحالة السلبية واللا مبالاة الخانقة التى نراها فى كثير من الظروف ، ولكن أحساسى عندما قرأت القصة أشعر وكأنما ينقصها أحداث ...


الشكر موصول للكاتب صاحب القصة
جزاة الله خيراً ،
وأرجو أن يتقبل النقد ...


.. فى أمان الله ..

12- قصة ولا ......................... أروع
متابعة - سوريا بلد اللغة 20-05-2009 11:17 AM

شكرا

شكرا

شكرا

قصة رائعة

وصاحبها متميّز وعريق جداً في مجاله

أشكركم وأشكر الموقع وأشكر الكاتب وأشكر الذي عرفني على هذا الكنز وهذه القصّة

11- ليست قصة بالمضمون الفني
أحمد محمد ادره - الإمارات 20-05-2009 10:57 AM

القصة القصيرة هي قصيرة جدا وهي عبارة عن خبر مجهول النهاية وليس هذا عيبا وإنما لايوجد حوارات في القصة ولا أسلوب القصة المنسجم والمتماسك كقطعة واحدة حتى النهاية لدرجة أن كل جملة في نهايتها نقطة وكأنه يعطينا جملاً مبتورة وهذا يعطينا تأكيداً أن القصة مجردة عن القيم وإنما شيئاً يدور في ذهن الكاتب وأنا لدي قصة كهذه ولكم جزيل الشكر وهذه ليست إنقاص من الكاتب ولكن نقدا للقصة الجميلة التي تشبه قصتي بنسبة 100%

10- وااسفاه||||||
فتيحة موساوي - المغرب 20-05-2009 03:19 AM

سلام عليكم
دكتور وليد قصتك جد درامية,بكيت وتالمت وتاسفت من شدة حسرتي على الغلام المسكين بل من شدة حسرتي على واقعنا الحالي,اتابع خطوط قصتك وانا ارغب بشدة هل من منقذ او من تحركه شعور الانسانية او براءة الطفولة او....وااسفاه لا شجاعة ولا كرامة ولا انسانية تحركنا,وقصتك عشناها قبل اشهر قليلة براءة طفولة غزة تحترق وتتمزق عندما حاصرهم العدو بالمدافع من امامهم والبواخر الحربية من خلفهم والطائرات فوق رؤوسهم والقنابل تحت اقدامهم ونحن؟ العين بصيرة واليد قصيرة لا نحرك ساكنا وااسفاه|||||ندعو الله ان يغير ما بانفسنا حتى نغير واقعنا,(ربنا لاتحملنا ما لاطاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) آمين يارب العالمين.

9- بارع ورائع
مصطفى المهدي - مصر الجديدة 19-05-2009 01:48 PM
دكتور وليد
بوركت سيدي
قصة بارعة الحسن رائعة الجمال شديدة الوقع في النفوس
8- لا عيب إلا
أحمد ربيع - مصر - البحيرة 19-05-2009 01:45 PM
القصة فصيحة بليغة جياشة العواطف
لا يعيبها إلا عنوانها (الباص)
أفضل أنْ كانت (الحافلة)
أستاذنا الدكتور / لغتنا أجمل ، وأذكرك بقصيدتك العربية تشكو أبناءها
7- العَـروض
عروضي - مصر الجديدة 19-05-2009 12:51 PM
يظهر من استهلال القصة أن لكاتبها علما بالعروض ، ولعل له شعرا :

توقف الباص في إحدى المحطاتِ
(شطر من البسيط)
6- أعمال أخرى
مستزيد - مصر - البحيرة 19-05-2009 12:48 PM
هل هناك أعمال أخرى للدكتور وليد قصاب أستطيع العثور عليها

يبدو أنه صاحب أدب وذو مهارة فائقة في توظيف ملكته تلك
1 2 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة