• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الدكتور وليد قصاب / قصص قصيرة


علامة باركود

عزيزة

د. وليد قصاب

المصدر: من آخر ما كتب الدكتور قصاب، خصَّ به موقعنا مشكوراً.

تاريخ الإضافة: 17/1/2007 ميلادي - 27/12/1427 هجري

الزيارات: 17842

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
توقفتَ عند عتبة الباب. لم تكمل الدخول. لمحتَ شبح امرأة غريبة محجبة تجلس مع أمك. أردتَ أن تصعد إلى غرفتك فوراً، ولكن أمك نادتك:
- صلاح.. صلاح.. تعال.. لن تصدِّق منْ عندنا..
وأكملتْ أمكَ تدعوك:
- هذه عزيزة يا صلاح..
عزيزة؟ كدتَ ألا تكون سريع البديهة. هممتَ أن تتابعَ طريقك إلى غرفتك. ولكن أمك نادتك بإلحاح.
- هذه عزيزة بنت أم سليم رحمها الله.. نسيتَها؟
كاد قلبكَ يسقط بين جنبيك. عزيزة بنت أم سليم؟.. آه يا زمان.. معقول؟ كيف أنساها؟

وفي لحظات معدودة اشتغل حاسوب الرأس الرباني. رحتَ تستحضر كل شيء. بدأ الحاسوب يسترجع شريطَ ذكريات قديماً عمره عشرون سنة..
كنتَ في العاشرة، وكانت عزيزة في الثامنة، طفلان يدرجان في الحارة، جاران الحائطُ لِصْقُ الحائط.
أم سليم – رحمها الله – صديقة حميمة لأمكَ، لا تكادان تفترقان إلا في سواد الليل. الأكلة والشربة معاً، كأنهما أختان تسكنان بيتاً واحداً وليستا جارتين كلٌّ في بيتها.

أنتَ وحيد أهلك. وعزيزة وحيدة أهلها بعد أن استشهد أخوها سليم في حرب 1967 مع اليهود.
عزيزة دائماً عندكم أو أنت عندهم. كنتَ تعدُّها مثل أختك تماماً، إلى أن تناهى إلى سمعك وسمع عزيزة ذات يوم حديثٌ يدور بين المرأتين. سمَّرك في مكانك قول أمك:
- عزيزة لصلاح.. وصلاح لعزيزة.
وردُّ أم سليم:
- إن شاء الله يا أم صلاح.. أمنيتي..

نظر الصغيران كلٌّ إلى الآخر ببراءة ومودة. ولكنكَ من يوم ذاك ربطتَ مشاعرك بعزيزة. أصبح يغمرك فرح طفولي رائع كلما رأيتها، ليس فرحَ الأخ بأخته على كلِّ حال، بل فرحاً ذا طعم آخر، تنسى معها الدنيا وما فيها. تحس أنك غارق في بحر من النشوة لا تعرف لها كنهاً ولا تفسيراً.. وإذا مرَّ يوم لم ترَ فيه عزيزة اسودَّت الدنيا في عينيك، وسقطتَ من فوق الغيم.

مرَّة مرَّ أسبوع لم ترها. لم تعد تستسيغ طعاماً ولا شراباً، شُغلت عن دروسكَ ومذاكرتك. استحييتَ منذ سمعتَ ما سمعتَ أن تسأل عنها في أول الأمر، ثم عصرك الشوق فلم تطق، قلتَ بلهفة وعتاب لم تستطع إخفاءهما:
- أين عزيزة يا أمي؟
ضحكت أمك، قرأتك سطراً سطراً. قالت لك وهي تحتضنك:
- ذهبتْ تزور خالتها فاستبقتها أياماً.. اشتقتَ إليها يا صغيري؟
لا تدري إلى الآن لمَ انتحبتَ بالبكاء يومذاك؟ ورأيتَ نفسك تندفع ببراءة الأطفال لتقول:
- سمعتُكِ تقولين لخالتي أم سليم: عزيزة لصلاح.. وصلاح لعزيزة.. ماذا تعنين يا أمي؟.
ضحكت أمكَ حتى كادت تنقلب على ظهرها:
- أيها العفريت.. سمعتَ إذن كلَّ شيء.. أنت أذكى من قرد، وفاهمٌ والله كل شيء..
ومضت إلى شأنها. ولم تزد.
*     *     *

عرف كلٌّ منكما أنه للآخر. لم تعد المعاني – على صغركما – ملتبسة. صرتَ تغار عليها كالرجال، وصرت تحسُّ أنك مسؤول عنها، بل صرتَ تشعر أن عليك أن تمارس عليها رجولة الرجال.
أصبحتَ تأمرها وتنهاها كما يأمر أبوك أمك وينهاها. ومن عجب أنها كانت تستلذ ذلك، تبدو طروباً أن تكون طوع أمرك، وأن تخفض لك جناحها، وأن تتمسح بك كما تتمسح القطة بصاحبتها.
كنت تحسُّ بالفحولة والفتوة وأنت تقول لها:
- عزيزة.. ادرسي حتى تكوني الأولى في الصفّ.
وكان يسوءُك أن تقول لك:
- أنا لا أحب الدراسة كما تحبها يا صلاح.. الدراسة همّ وغمّ.. وتلبس ثوب الواعظين فتقول لها:
- بل الدراسة علم وفهم.. ادرسي يا عزيزة..
ثم تضيف:
- أريدكِ مثقفة متعلِّمة..
فتستحي، وتغض أهدابها الوطفاء، وتحس أنت بالرجولة.
*     *     *

مرت الأيام، وكبرت عزيزة – كعادة الفتيات – بسرعة، راحت تستدير نحو الصبا، نضج فيها كلُّ شيء، كنت تراقب ذلك مبهوراً منتشياً، ولكنْ كان لذلك كله ثمن باهظ؛ حُرِمتَ رؤية عزيزة الصبية، لم تعد تأتي مع أمها إلا نادراً، وإذا أتت لم تعد تخلو بها كأيام زمان، تظلُّ إلى جانب أمها لا تتبعك، تظلان تتبادلان النظر من بعيد، ويقرأ كلٌّ منكما أعماق الآخر..
ثم انقطعت عن الحضور مع أمها، لم يعد أبوها يسمح بذلك، وعندما فاض بك الكيل ذات يوم، اندفعتَ تسأل أمك وأنت تعرف الجواب:
- لماذا لم تعد عزيزة تأتي مع أمها؟
ضحكت أمك وقالت بمودة:
- ألا تعرف أيها العفريت؟ عزيزة صارت صبية.. ولا يجوز أن تظهر أمام غريب..
غريب! صفعتك الكلمة.. أنت غريب الآن عن عزيزة التي قضيت سنوات تلعب معها ولا تفترقان أبداً؟
أحست أمك – كالعادة – بكل ما في داخلك. عجَّلت تخفِّف عنك:
- استعجل.. تخرَّج من الجامعة وتوظف حتى أخطُبها لك..
لكنكَ ما تزال في السنة الثانية.. مشوارك طويل طويل... هل من أمل أن تظلَّ عزيزة بانتظارك؟
إن البنت اليوم كالزهرة الناضرة، كالبدر الساطع في كبد السّماء، كلَّ يوم يطرق باب أبيها خاطبون جاهزون.
*     *     *

علمتَ يوماً – كما قد كنت تتوقع – أن عزيزة قد خُطبت، ومع ذلك لم تكد تصدِّق أذنيك. وقع الخبر عليك كالصاعقة. أهكذا بهذا اليسر ينتهي كل ما كان بينكما؟ أين كلام أم سليم – رحمها الله – وكلام أمك:
- صلاح لعزيزة.. وعزيزة لصلاح؟..
قرأت أمكَ ما في داخلك من غير أن تتكلَّم، قالت لك مواسية:
- البنت يا ولدي بلغت سن الزواج من سنوات.. انتظروك طويلاً، لم يكونوا يؤثرون عليك أحداً.. ولكنك ما زلتَ في أول الطريق، مشوارك يا صلاح طويل طويل.. الجامعة والدراسات العليا والوظيفة: ((البنت يا ولدي تكبر بسرعة.. قطار الزواج يغادرها على عجل..)).
سكتتْ دامعةَ العينين، ثم أكملت:
- صعبٌ أن نربطها بمستقبل غامضةٍ ملامحُه.. جاءها عريس رضي أبوها دينه وخلقه وحالته الاجتماعية.. فقلتُ: أنتِ في حِلٍّ يا أم سليم.. وكل شيء قسمة ونصيب.
وتزوجتْ عزيزة، وانشغلتَ أنتَ بدراستك الجامعية، ثم سافرتَ سنواتٍ لإكمال دراستك العليا... سرقتك الدراسة والتحصيل عن كل شيء، أو سرقتْ منك كلَّ شيء.. صرت دكتوراً كبيراً..
فكرتَ طويلاً في عزيزة، كانت تضيء في جوانح نفسك بين الحين والحين، ولكنك كنت تنشغل بسرعة. استسلمتَ لقدرك، وعلمتَ أن عزيزة لم تخلق لك.
*     *     *

ما الذي أتى بعزيزة اليوم؟ عشرون سنة مضت. علمتَ أنها تزوجت خارج دمشق زيجة موفقة. كان زوجها رجلاً صالحاً تقياً ميسور الحالة، رزقت منه بناتٍ وبنين. فرحتَ لها كما لم تفرح لأحد في عمرك.
– تعال يا صلاح.
ما زالت أمك تناديك. وأنت مغمض العينين عند عتبة الباب تتابع شريط السنين.
- تعال يا صلاح.. هذه عزيزة بنت أم سليم جارة حارتنا القديمة.. دنوت حييّاً. كأنك ما زلت ذلك الطفل الصغير:
- السلام عليكم..
أسدلتْ عزيزة خمارها على وجهها كما اعتادت أن تفعل أمام الرجال الغرباء مذ بلغت..
ردَّتْ عليك:
- وعليكم السلام.. كيف حالك يا دكتور صلاح؟
((دكتور صلاح)) لم تدرِ لمَ لمْ يطربك هذا اللقب من فمها؟ أحسستَ أنك تفضِّل أن تناديك بصلاح فقط حتى تشمَّ عبق السنين، ولكن عبق السنين قد تلاشى، وجدتَ نفسك تردُّ عليها بالمثل:
- الحمدلله.. وأنتِ كيف حالكِ يا مدام عزيزة؟
لم تجرؤ أن تنظر إليها لترى ماذا أحدث الزمن فيها، ولكنك كنتَ على يقين أنك لو قابلتها بعد خمسين سنة لعرفتها.
كان معها طفلان في مثل سنَّيكما يوم افترقتما: ولد وبنت، قالت:
- هذا عمر.. وهذه صفاء... وعندي ثلاثة آخرون..
رحتَ تنظر إليهما بحبٍّ ومودَّة. رأيت في صفاء صورة عزيزة التي تعرف، حملتَها تقبلها، ثم انحنيتَ على عمر تقبله.
انسللتَ إلى غرفتك بعد أن استأذنت، ومضى يتتابع أمامك شريط العمر..




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- ثناء
سعاد - فرنسا 31-12-2013 08:39 PM

أعجبت بالقصة جدا جدا جدا شدتني حتى أكملتها . حببتني بالعربية التي لم أعد أقرأ بها لكثرة ما ينشر من التفاهات وخاصة في القصة. شكرا لهذا الكاتب الذي لم أقرأ له من قبل شيئا.

1- رائع
جهينة - المانيا 01-07-2008 11:20 PM
الحقيقة انا لااعرف النقد الادبي كثيرا فمع انني متأكدة من الحبكة الفنية فاالقصة تأخذ منحى انساني جميل, ورقيق لتلامس دواخل النفس, وتضرب على وتر خفي ,فأنا لم أستطع القيام من مكاني حتى أتممت قراءتها, وانا انتظر النهاية اللتي لم تأت, وهذا جمال آخر للقصة, فلله درك ياكتور وليد كم انت رائع,لقد عشت القصة , كنت اتخيلها وكأني اعيشها , او كأني أحد افرادها
شكرا لكم أنكم أتحتم لنا مثل هذه الروائع لنبهج النفس والعقل معا بدل السفاسف اللتي تملأ محيطنا.
شكرالكم مرة اخرى
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة