• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الدكتور وليد قصاب / كتابات نقدية


علامة باركود

التفسير بين الموضوع والذات

د. وليد قصاب


تاريخ الإضافة: 25/7/2007 ميلادي - 10/7/1428 هجري

الزيارات: 17362

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
يقوم التفسير الحيَوِيُّ الناجح للنُّصُوص على مُعَادَلَةِ التَّوَازُنِ بين الذات والموضوع؛ ذلك أَنَّ كُلّاً منهما مشروع ومسموح به في تفسير النص واستقباله ما دام لا يطغى على الآخر، أو يستبعده، أو يَسْتَبِدُّ هُوَ وحده بهذا النشاط المعرفي الهامّ.

والذات معناها إحساس المفسِّر بالمعاني، وشعورُهُ تِجاهها، وما تركته في نفسه من أثر، أو أَوْحَتْ إليه من أَفْكَارٍ وَمَشَاعِرَ، وما استطاع أن ينفُذَ إليه منها مما لا يَسْتَطِيعُ أن يَنْفُذَ إليه غَيْرُهُ.

وهذه الذاتُ حاضرةٌ عند التَّعامُلِ مع النصوص عادةً، وقد يمكن أن نُعَبِّرَ عنها -بِلُغَةِ النقد الأدبي الحديث- بِأُسْلُوب التَّلَقِّي أو أُسْلُوب قِرَاءَةِ النص واستقباله.

والموضوع هو لُغَةُ النَّصِّ، وأسلوب تشكُّلِهِ اللَّفْظِيّ على هذا النحو أو ذاك من الصيغ والتراكيب.

إن للألفاظ -في العادة- دِلالاتِهَا، وينبغي أن يكون استقبال الذات لها من طريق هذه الدِّلالات، لا بالخُرُوج عليها، أو تجاهُلِهَا، أو تحميلِهَا -بِحُجَّةِ حَقِّ هذه الذَّاتِ في مُمَارَسَةِ حَيَوِيَّتِهَا- فوق ما تحتَمِلُهُ من المعاني والدِّلالات.

لقد أسرف التفكيك الحديث -وهو يُرِيدُ إِبْرَازَ هذه الذات، والتأكيد على حضورها- في تَضْخِيم دَوْرِهَا، والاعتداد بها، حتى كادت تكونُ هي كُلَّ شيء، اسْتَعْلَتْ على الموضوع، بل صار هذا الموضوعُ تابعاً لها، يمشي في ظِلِّهَا، ويخضع لسُلْطَانِها؛ فنشأ عن هذه المبالَغَةِ والغلوِّ في تقدير دورها عدمُ الاعتداد بالعَلاقة بين الدالِّ والمدلول، أي بين اللفظ وما يعبر عنه، بل بَلَغَ الغُلُوُّ حدَّ التشكيك في هذه العلاقة أصلاً، وبذلك تَميَّع الموضوع؛ أي النص، وفَقَدَ مِصْدَاقِيَّتَهُ، ولم يَعُدْ أيُّ نص قادراً على أن يقول شيئاً مُحَدَّداً، أصبح كل شيء فيه -كما يقول (تيري إيغلتون): ((مُنْزاحاً ومُتَقَلْقِلاً دوماً، شبه حاضر وشبه غائب.. ولم يَعُدْ في أية قطعة لُغوية يُعْرَفُ عما تتحدث.. لأن ما تقولُهُ عن مثل هذه الأشياءِ لن يكون أَكْثَرَ من نتاج عابر للدالِّ، ولن يُؤْخَذَ بالتالي على أنه حقيقي أو جِدِّي بأي معنًى من المعاني ...))[1]، وأُسْنِد التفسير إلى الذات وحْدَها، وَأُعْطِيَتْ حَقَّ أن تتحكم في الموضوع، وأن تُقَوِّلَهُ ما تريد؛ أصبح السُّلْطَانُ لها، وَتَقَهْقَرَ النص أمامَها، حتى لم يبق له حضور إلا من طريقها، بل زُعِمَ أنها هي التي تُوَلِّدُهُ!

ولا شك أن هذا الغلوَّ في تقدير دور الذات اتجاه خطير في التفسير، وقد قاد إلى كثير من المَزَالِقِ والانحرافات التي ليس المجال الآن مجالَ ذِكْرِها.

وقد يكون من قبيل هذا الاختلال وعدم التوازن بين الذات والموضوع، وتغليب الأولى وطُغيانِهَا: ما نعرفه في تراثنا من شَطَحَاتِ بَعْضِ الصُّوفية في تفسير القرآن الكريم؛ حَيْثُ طَغَتْ عِنْدَهُم الذات على الموضوع، وجَاوَزَتْ حدودها المقبولة، فخرج المُفَسِّرُ عِنْدَئِذٍ إلى الخيال الجارف، والشطْح البعيد، والغلو الذي لا يعتمد على قواعِدَ ثابتةٍ، أو يَفِيء إلى أصولٍ معتَمَدَةٍ مقرَّرة، احتكم إلى حَدْسِهِ الذاتي؛ فقرأ النصَّ به..

إن من حق الذات -كما قلنا- أن تستَغْرِقَ في التأمُّلِ والنَّظَرِ، وفي الذَّوْقِ والإحساس، وفي الشعور بالنص، والتَّمَاهِي فيه، ولكن على ألا يصل هذا الاسْتِغْرَاقُ إلى نسيان طبيعة النَّصِّ، أو تجاهُلِ دلالات ألفاظه وعباراته، أوِ الاِدعاء -مَثلاً- أنَّ لها ظاهراً وباطناً، حاضراً وغائباً، وأنَّ الاستغراق الذاتيَّ هو الذي ينفُذُ منَ الظاهر إلى الباطن، ومنَ الحاضر إلى الغائب، ومنَ الشاهد إلى المحْتَجِبِ المستور.

إن هذا كُلَّهُ هو من الحدْسِ الذي لا دليل عليه، وقد قاد ذلك الباطِنِيِّينَ إلى الضلال والانحراف، وإلى تفسيرات -قديمة وحديثة- للقرآن الكريم ما أنزَلَ اللهُ بها من سُلْطَان.

إن القرآن الكريم نَزَلَ بِلُغَةِ العرب، وعلى طَرَائِقِهِمْ وأساليبهم في التعبير والأداء، وإنَّ أيَّ استغراق للذات في تأَمُّلِ هذا الكتابِ العظيم، لا ينبغي -بأيَّةِ حال من الأحوال- أن يَتَجَاوَزَ هذه القاعدةَ، بل ينبغي أن ينضَبِطَ بها، ويَتَحَرَّكَ في إطارها.

وإِذَا تَجَاوَزَ المفسِّرُ هذه القاعدةَ، فأطلق لِذَاتِهِ العِنَانَ، وسوَّدَهَا على الموضوع، وعلى ما تدل عليه ألفاظُهُ وعباراتُهُ؛ فَقَدَتِ اللُّغَةُ وظيفَتَهَا، وخضعت لذاتِ المفَسِّرِ، أيْ لِحَدْسِهِ وإحساسه، وهذا كله غيرُ علميٍّ، ولا منهجيٍّ، ولا مُنْضَبِطٍ أصلاً.

وما ربْطُ علماءِ التفسير ذاتَ المفسِّر بمجموعة من العلوم المعروفَةِ إلا من قبيل ضبط هذه الذات حتى لا تَجْمَحَ وتشتَطَّ.

لقد اشْتَرَطَ المفسِّرُون -حرصاً على النص القرآني، وحياطةً له من أن تَقْتَحِمَهُ الشطحات الذاتية، والتصوُّرَات الشخصية، والخَيَالُ الجامِحُ النَّافِرُ- في المفَسِّرِ معرفةَ مجموعةٍ من العلوم والمعارف، ولم يُجِيزوا له أن يقتحم ساحة التفسير أو التأويل من غير أن يُلِمَّ بِهَا، ويتَعَمَّقَ معرفَتَهَا ودَرْسَهَا؛ من ذلك معرفة علوم العربية؛ من نحو، وصرف، وبلاغة، وغريب، ومعرفةِ القراءات، وأصولِ الدين، وأصولِ الفقه، ومعرفةِ الحديث، ثُمَّ معرفةِ علومٍ هامة تَتَّصِلُ بالنص القرآنيِّ نَفْسِهِ؛ لأنها تضعه في إطاره الصحيح وَفي ظُروف نزوله، وهذه العلومُ هي معرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمكيّ والمدنيّ، وما شاكَلَ ذلك.

وهكذا تنْضَبِطُ ذاتُ المفسِّرِ، ويقومُ التوازُنُ المطلوبُ بينها وبين الموضوع، فيكون التفسير عندئذ منهجيّاً وحيويّاً؛ هُوَ منهجيٌّ لأنه يستند إلى قوانينِ اللغة وضوابِطِهَا، وحيويٌّ لأنه يعطي الذات المفسِّرَةَ حقَّهَا في التأمُّلِ والاجتهاد والنفاذ..
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر كتابه ((نظرية الأدب)) ترجمة ثائر ديب ((دمشق: 1995م) ص 247.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة