• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الدكتور وليد قصاب / كتابات نقدية


علامة باركود

الالتزام في الأدب

د. وليد قصاب


تاريخ الإضافة: 11/7/2007 ميلادي - 25/6/1428 هجري

الزيارات: 86947

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
لستُ أدري لماذا تَنْفُِرُ الاتِّجاهات الأدبيةُ الحديثة - في أغلبها - مِنَ الالتزام؟!

ولستُ أدري لماذا لم يَعُدْ يُتحدَّث عن دور الأدب ووظيفته، وصار الحديثُ كلُّه يتَّجه إلى بيان طبيعته ولا سيما اللُّغوية منها؟!

هل انقطعتْ صِلَةُ الأدب بالحياة والمجتمع، ولم يَعُدْ – كما يُرَادُ له – أكثرَ من بناءٍ لُغويٍّ متميِّزٍ؟

وما على المتلقِّي في هذه الحالة – أيّاً كان – سوى البحث عن هذا البناء والاشتغال به، وإلاَّ عُدَّ متلقِّياً متخلِّفاً، يتعاملُ مع الأدب بمعطياتٍ قديمةٍ باليةٍ.

إنَّ واقعَ الحال يَشْهَدُ أنَّ الأمر ينبغي أن يكونَ على النَّقيض من ذلك؛ فالالتزامُ اليومَ مَطْلَبٌ حضاريٌّ؛ لأنه يَعني تواصلَ الإنسان مع العصر، وعَيْشَهُ فيه.

وهذا عصرُ الأفكار، و(الأَيْدِيُولُوجِيَّات)، والمذاهب الفلسفية والسياسية والاجتماعية، ولا يمكن أن يعيش الإنسانُ مشاهِداً ذلك كلَّه من غير أن يكون له موقِفٌ.

يقول الناقد الفرنسي (ماكس أوبريث): "ظهر مصطلحُ (أدب الالتزام)، أو (أدب المواقف) نتيجةً لتأثير (الأَيْدِيُولُوجِيَّات) الحديثة في الأدب، التي تَظهَرُ – بالرُّغم من تعدُّدِها وتبايُنِها – في شيءٍ واحد، وهو أنها تُبرِز المتغيِّراتِ الاجتماعيةَ السياسية لعصرنا. ومن أجل ذلك؛ فإنَّ هذه (الأَيْدِيُولُوجِيَّاتِ) تُجْبِرُ كلَّ امرئٍ منَّا أن يُعِيد فحصَ موقِفِهِ نقديّاً من العالم، ومسؤوليَّتِهِ نحو الآخَرِين"[1].

وإذا كان هذا من شأن أيِّ إنسانٍ متحضِّرٍ يَحْترِمُ عقلَه؛ فما بالُكَ إن كان هذا الإنسانُ مفكِّراً أو أديباً؟!
إنَّ وقوفَه على الحياد، أو موقفَ عدمِ المبالاة، أوِ انسحابَه إلى عوالِمَ ذاتيَّةٍ أو خياليَّةٍ لَعارٌ ما بعده عارٌ، وهو في حقِّ المسلم أكثرُ عاراً؛ فقد جعله الله مستخلَفاً في الأرض، وشاهداً على النَّاس.

إنَّ على الأديب - وهو رائدٌ لا يكذِب أهلَه - أن يَنْظُرَ فيما حوله، وأن يحدِّدَ موقِفَهُ بجلاءٍ ووضوحٍ؛ ليعرفَ أين يضع قَدَمَهُ، وفي أيِّ جهةٍ يسيرُ.

إنَّ الالتزامَ بهذا المفهومِ هو حيويةٌ وإيجابيةٌ، إنه يَعني في هذا الواقع المتحرِّك بسرعةٍ أنَّنا طرَفٌ فيه أو جزءٌ منه، نُساعدُ في صُنْعه، وفي تحمُّل مسؤوليَّة ما يجري على سطحه، بدلاً من أن ننظر إليه مشدوهين حيارَى، أو نجريَ وراء الآخَرِين مثلَ قطيع الأغنام.

وإنَّ الالتزامَ يجعلُ الأدبَ نشاطاً جادّاً فعَّالاً، ذا تأثيرٍ في مسار الحياة، وفي حركتها - وذلك يُكْسِبُه المصداقيَّة والقيمة، ولو أخذنا برأي أصحاب (الفن للفن)، وبرأي بعض المدارس الحَدَاثِيَّة المعاصرة، التي تنحو منحى (الفنِّ للفنِّ) على صُوَرٍ مختلفةٍ؛ لسَقَطَتْ منزلةُ الأدب؛ لأنه سيتحوَّلُ عندئذٍ إلى حُلىً لفظيَّةٍ، وزخارفَ كلاميَّةٍ، لا غرضَ لها أبعد من ذلك.

إنَّ الالتزام يجعل الأدب غَيْرِيّاً، مرتبطاً بالآخر، منشغلاً به، ينبِضُ بهمومه وإحساساته، ويعيش أفراحَهُ وأتراحَهُ، بدلاً من انغلاقه على ذاته، واجْتِرَارِهِ مشاعرَ فرديةً، أو هُيَامِه في أودية الخيال المسرِِف المُجَنّح.

إنَّ الالتزام يتماشى مع سُنَّة الله في الكون؛ ومن ذلك الكلمة؛ فهي أمانةٌ ومسؤوليةٌ؛ بل هي أعظمُ مِنَّةٍ امْتَنَّ الله بها على الإنسان؛ {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1-4].

ولابدَّ للأدب الذي مادَّتُه الكلمةُ أن يكونَ – ككلِّ ما خلق اللهُ – ذا هدفٍ؛ إنَّه ابنُ الحياة، وعليه خدمتُها؛ وذلك بمعالجة مشكلاتها، أو محاولةِ تجميلِها، أو تقديمِ تفسيرٍ لها، أو الكشفِ عن أسرارِها، أو إيضاحِ الغَرَضِ منها، أو بيانِ الحقِّ والباطلِ فيها، وهو بذلك كلِّه يُعينُ الإنسان على العَيْش فيها، ويكون له هادياً في طريقها اللاحب البعيد.

كان (وردز ورث) يقول: "كلُّ شاعرٍ عظيمٍ معلِّمٌ. وأُحبُّ أن يَعُدَّني النَّاسُ معلِّماً، أو لا شيءَ"[2].

الالتزامُ وليدُ الحرِّية:
والالتزامُ وليدُ الحرِّية، وهو لا ينمو إلا في أحضانها، ولا يترعرعُ ويَفْرَعُ إلا في تُرْبتها الخصيبة.

إن الالتزام لا يكون قَسْراً أو إكراهاً، وإلا فهو "إلزامٌ" لا "التزامٌ"، وشتَّانَ ما بينهما.

الالتزامُ ابنُ الاختيار، والإلزامُ ابنُ الإجبار. الأوَّلُ ثمرةٌ من ثمرات الوعي والإدراك واليقظة والمسؤولية، والثاني من ثمرات التَّغييب والإملاء والتَّسيير، وشتَّانَ ما بينهما.

إنَّ كلَّ أديب "مُلتزِم" هو أديبٌ حرٌّ شريفٌ، وإنَّ كلَّ أديب "مُلْزَم" هو أديبٌ "مُسَيَّس" مستعْبَد، مَبِيعٌ أو مُشْترًى، وشتَّان ما بينهما.

قد تختلف مع أديبٍ يلتزم فِكراً غيرَ فِكرِكَ، أو يدعو إلى رؤيةٍ غيرِ رؤيتِكَ، ولكنَّكَ لا تَملِك إلا أن تَحتَرِمه؛ لأنه مُخلِصٌ لِمَبْدَئِهِ الذي يدعو إليه. تُجِلُّ فيه هذا الإخلاصَ لأنه يَعْتَقِدُ أنَّه الحقُّ، ولكنَّه ما إنْ يتذبذب ويتملَّق، ما إنْ يُحابي ويُداجي، حتى يَسقُط من عينِكَ، وإن كان يرمي بسهمِكَ، ويَنطِقُ باعتقادِكَ؛ لأنَّ حرارة الصِّدق خَبَتْ فيما يقول، والصِّدقُ عمودُ كلِّ كلامٍ مؤثِّرٍ مُقْنِعٍ.

إنَّ الأديبَ الملتزِمَ كالطائر السَّابح المُنطلِق، لا قَيْد يُمْسِكُه، ولا غل يلتفُّ حول يديه، أو جناحيه، أو عُنُقِه؛ إنَّه يمضي في هذا الفضاء الرَّحْب الفسيح، شادياً للحرية والبهاء والجمال..

ولكنَّ الأديبَ المُلْزَم هو كالطائر الحبيس، لا يشفعُ له في سَجْنه جمالُ قَفَصِه، أو أعمدةُ الذَّهب التي صُنع منها هذا القفصُ، أو نفاسةُ الأَسْوِرَة التي وُضِعت في مِعْصَمِه؛ إذ حَسْبُه عاراً أنَّه سجينٌ، لا يحلِّقُ إلا في هذا القفص الذي أُريدَ له أن يحلِّقَ فيه.

الالتزام إذاً ليس قَيْداً كما يدَّعي أعداؤه؛ بل هو الحريةُ عينُها، ولكنَّها الحريةُ الواعية المسؤولة، الحريةُ التي تَحمِلُ رسالةً تُريدُ إبلاغَها، وليست الحريةَ الزَّائفةَ المنطلقةَ على غير هدى.

يقول (توفيق الحكيم): "الالتزامُ المُثمِر للفنَّان - في رأيي – هو الالتزام الذي ينبع من طبيعته، وهنا لا يتعارض الالتزام مع الحرية؛ بل هنا ينبع الالتزام نفسه من الحرية. لذلك لم أَقُل لأديبٍ أو فنَّانٍ: الْتَزِمْ؛ بل قُلتُ وأقولُ: كُنْ حُرّاً.."[3].

ويقول (الحكيمُ) في موطن الدِّفاع عن الحريَّة التي هي حارسةُ الالتزام وهي مصدرُهُ الحقيقي: "إنَّ الأديب يجبُ أن يكون حرّاً؛ لأنَّه إذا باع رأيَهُ، أو قيَّد وِجدانَهُ، ذهبتْ عنه في الحال صفةُ الأديب؛ فالحريَّة هي يَنبوع الفن، وبغير الحريَّة لا يكون أدبٌ ولا فنٌّ.. يجبُ أن يكون الالتزامُ جزءاً من كِيَان الأديب، ويجب أن يلتِزمَ وهو لا يشعرُ أنَّه ملتزِمٌ، مَثَلُهُ مَثَلُ حَمامِ زاجلٍ ينقُلُ رسالةً وهو حُرٌّ طائرٌ، لا يَشْعُرُ بقَيْدٍ في ساقه، ولا بِغُلٍّ في جناحه.."[4].
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] ضمن كتاب: في النقد والأدب، ترجمة عبد الحميد شيحة، القاهرة (ص112).
[2] انظر: فن الشعر، لإحسان عباس (ص 17).
[3] أدب الحياة؛ لتوفيق الحكيم.
[4] أدب الحياة؛ لتوفق الحكيم.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- شكر وتأييد
أ .د/ عبد الحميد هنداوي - مصر 01-01-2013 01:04 AM

جزاك الله خيرا د/ وليد ، ما أحوجنا إلى أن يستعيد الأدب رسالته التي أسسها أسلافنا في تراثهم التليد ، وقد سبق لي أن أصلت ذلك في كتاب لي عن "رسالة الأدب في تراثنا النقدي" كتبته حينما شعرت ما شعرت به فضيلتك من غربة هذا الاتجاه الذي يدعو إلى أن يكون للأدب رسالة وقيمة في الحياة أكثر من مجرد المتعة العارضة، أكرر شكري ودعائي لك بحسن المثوبة ، وأن يكون لصوتك أحسن الصدى في تحريك العقول الجامدة والحواس الراكدة في مستنقع الفكر الغربي. أ.د/عبد الحميد هنداوي - بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة

1- الأدب الملتزم والأدب الموظف
محمود توفيق حسين - مصر 15-07-2007 06:29 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اؤيد الدكتور في كل ما تحدث به عن أهمية الإلتزام في العمل الأدبي ، ولا أعرف إن كان يتفق معي أم لا في كون هذا الإتجاه المناوئ بعتف لفكرة الإلتزام جاءت كردة فعل على سخف الإلتزام الماركسي في الأدب ، وهذا قد يجعلنا في حاجة لتوضيح الفرق بين الأدب الملتزم والأدب ( الموظـًف )


وشكرا
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة