• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / د. عبد المحسن الصويِّغ / مقالات


علامة باركود

ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

د. عبدالمحسن الصويِّغ


تاريخ الإضافة: 27/11/2007 ميلادي - 17/11/1428 هجري

الزيارات: 242447

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه، هو أهل الثناء والحمد والمجد وحده لا شريك له. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء والحجة العلياء وبعد:-
فإن التبصّر في الأحكام التكليفية الشرعية سبيل يوصل إلى حسن العمل الذي أراده الله تعالى: {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير * الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور}[1].

فالعلم مقدم على العمل لذا رفع الله شأنه، ورفع منزلة أهله العاملين بنوره. أسأل الله أن يجعلنا منهم. والأحكام التكليفية خمسة هي:- الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والمحرم، وذلك أن خطاب الله سبحانه وتعالى التكليفي، إما أن يكون مقتضياً للفعل أو مقتضياً للترك، والمقتضي للفعل إما أن يكون جازماً مفيداً للإلزام فهذا يسمى واجباً، أو غير جازم، وهذا المندوب. والمقتضى للترك إما جازماً مفيداً للإلزام فهذا يسمى محرم، أو غير ملزم فهذا المكروه، آو يتساوى فيه الفعل والترك وهذا المباح.

والعلم بهذه الأحكام وأدلتها إجمالاً وتفصيلاً مكسب عظيم ونور مبين، والعمل بها في واقع الحياة هو سبل النجاة، واقع الحياة كلها فعلاً وتركاً في جميع المناشط الفردية والجماعية، فالشرع شرع الله، والخلق خلقه والمنقلب إليه والاستسلام والانقياد له وحده لا شريك له.

ولا غنى للبشرية عن شرع الله وهديه كما أنه لاغني لهم عن نعمته وفضله، فالحمد لله الذي أنعم علينا بشرعه وهديه وكتابه {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسنا * ماكثين فيه أبدا}[2].

والحمد لله بعث فينا خاتم رسله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم سراجاً منيرا. وهذا من أجل نعم الله التي أمّن بها علينا نذكرها لكي نشكرها ونرعاها حق رعايتها فما أعظم البشرى لمن آمن وشكر.
{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً* وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيرا}[3]. فالقرآن الكريم والسنة المطهرة هما أعظم الفضل من الله علينا ن بهما زكاة نفوسنا وطيب حياتنا في الدنيا والآخرة، وبعد ذكرهما في سورة الجمعة قال تعالى: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}[4]. اللهم إنا نسألك من فضلك إنك أنت البر الرحيم.

ومن العلم الذي ينبغي مدارسته القواعد التي عليها مدار الأحكام الفقهية وفي هذا البحث أقدم لك أيها القارئ الكريم قاعدة من أهم القواعد الأصولية. "مالايتم الواجب إلا به فهو واجب وما يبنى عليها من الفروع الفقهية والقواعد العلمية مستعيناً بالله ومستمداً منه التوفيق والسداد.

وقد رتبت البحث على خمسة مباحث وخاتمة.
المبحث الأول: في تعريف الواجب لغة واصطلاحاً
المبحث الثاني: في تحرير القاعدة
المبحث الثالث: في تقرير أدلة القاعدة
المبحث الرابع: أقسام مقدمات الواجب
المبحث الخامس: في فروع القاعدة الفقهية وفوائدها العلمية وهي كثيرة الثمار.
الخاتمة: وفيها بعض التوصيات.


المبحث الأول
تعريف الواجب لغة واصطلاحاً 
تعريف الواجب لغة:
الواجب لغة اللازم، يقال وجب الشيء وجوباً أي ثبت ولزم.
قال في الصحاح (وجب الشيء أي لزم يجب وجوباً)[5].

وقال في لسان العرب (وجب الشيء يجب وجوباً: لزم) ثم قال: يقال وجب الشيء يجب وجوباً إذا ثبت ولزم)[6].

وقال في القاموس: (وجب يجب وجوباً وجبة لزم)[7].

وقال في تاج العروس (وجب الشيء يجب وجوباً وجبة) كعدة، قال شيخنا هو أيضاً مقيس في مثله قلت هذا المصدر إنما ذكره الجوهري في وجب البيع يجب جبةً واقتصر هذا على الوجوب لزم)[8].

والاشتقاقات المتفرعة منها كثيرة، وهذا التعدد وأمثاله من بديع وجمال اللغة العربية، فهي ذات أصول وفروع فائقة، ومعاني متناسقة كأنها عقد من اللؤلؤ المنظوم في سلك من البيان الجذاب وإليك ذكر خمسة عشر استعمالاً:
• وجب الشيء وجوباً أي لزم، ومنه وجب البيع، إذاً اختارا إنفاذه وإن لم يتفرقا.

• واستوجبه: أي استحقه.

• والوجيبة: أن يوجب البيع ثم يأخذه أولاً، فإذا فرغ قيل استوفى وجبته.

• والموجبة: الكبيرة من الذنوب، وهي ما تورد النار. والكبيرة من الحسنات ما يستحق فاعلها الجنة وفي الحديث (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك).
• والوجبة: صوت السقطة مع الهدة.

• والشيء الساقط: يقال له واجب، ويقال للقتيل ومنه قول الشاعر:

أطاعت    بنوعوف    أميراً    نهاهم        عن السلم حتى كان أول واجب[9]

• ومنه وجب الحائط وجبة ووجيبا وسقط، ومنه قول الله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}[10].

• وجبت الشمس: "غابت".

• وجبت العين: "غارت".

• وجب الرجل: مات.

• والوجب: الناقة التي ينعقد اللّبا في ضرعها.

•  الوجبة: أكلة واحدة في اليوم والليلة إلى مثلها من الغد يقال وجَّب نفسه وعياله إذا عودهم وألزمهم ذلك.

•  يقال: وجَّب الناقة، أي لم يحلبها إلاّ مرة واحدة في اليوم والليلة.

• والوَجْب: الأحمق والجبان. يقال وجب القلب أي خفق واضطرب خوفاً وجبناً ومنه قول الشاعر:

أخو الحرب ضراها وليس بناكل        جبان  ولا  وجب  الجنان  ثقيل

• والوجب: سقاء عظيم من جلد تيس وافر.

• الوجاب: مناقع الماء يثبت فيها بعد السيل ويلزم مكانه[11].

وهكذا تنتظم عقد الكلمات من لفظة وجب معاني متناسقة، ومنها وجب الشيء وجباً أي لزم.

واصطلاحاً: ما توَعّد بالعقاب على تركه[12].

أي مأمور توَعّد شرعاً بالعقاب على تركه سواء كان العقاب في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً. كقول الله: {وَأقِيمُوا الصّلاَة وأَتُوا الزّكَاةَ}[13] فتارك الصلاة يعاقب في الدنيا بعد الاستتابة ثلاثة أيام، وله الوعيد في الدار الآخرة، بواد في نار جهنم نعوذ بالله منها {فَوَيْلٌ للْمُصلِّين * الَّذينَ هُمْ عَنْ صَلاَتهِمْ سَاهُونْ}[14] وتارك الزكاة يعاقب في الدنيا بقتاله حتى يؤديها، وفي الآخرة {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنْمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنُتمْ تكْنِزُونْ}[15].

وقد تركزت عبارات علماء الأصول في تعريفهم للواجب حول هذه الخاصية التي تميزه عن المندوب الذي لا يلحق بتركه ذم من حيث تركه، أما الواجب ففي تركه عقاب.

وتميزه عن الحرام فإنه على الضد أي توَعّد بالعقاب على فعله.

• قال القاضي أبوبكر الباقلاني رحمه الله تعالى في تعريفه للواجب شرعاً: (هو الذي يذم تاركه ويلام شرعاَ بوجه ما)[16].

• ووافقه الغزالي فقال: (ماورد اللّوم على تركه، أو بما يعصى تاركه)[17].

• وقال إمام الحرمين: (حد الواجب: كل ما ورد الشرع بالذم بتركه من حيث هو ترك له).

• وقال الشيرازي: (ما تعلق العقاب بتركه)[18].

قد تجنب العلماء في تعريفهم بعض العبارات مثل "ما يستحق تاركه العقاب" وذلك لأن الله سبحانه وتعالى لا يستحق عليه ولا يجب عليه شيء. وأيضاَ عبارة ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، لأن الله سبحانه وتعالى قد يعفو ويصفح والله غفور رحيم[19].

وقد فرق علماء الحنفية بين الواجب والفرض، فخصوا الواجب بما ثبت بدليل ظني، والفرض أعلا منه، وهو ما ثبت بدليل قطعي[20]. ورتبوا على ذلك الفروق بين تارك الفرض وتارك الواجب. واختاره أبو الخطاب من الحنابلة، وهو رواية عن الإمام أحمد ذكرها القاضي[21].

قال التفتازاني: (فالفرض لازم علماَ وعملاَ حتى يكفر جاحده والواجب لازم عملاَ لا علماَ فلا يكفر جاحده بل يفسق إن استخف بأخبار الآحاد غير المؤولة، وأما مؤولاَ فلا، ويعاقب تاركها)[22].

فهم قد اتفقوا مع علماء الشافعية والمالكية والحنابلة على العقاب في حق من ترك، لكنهم وقفوا في الفرق بين اللفظين، (الفرض والواجب) وهما عند جمهور بمعني واحد.

ومن الفروق بينهما عند الحنفية اعتقاد العلم، أما العمل فواجب فيه، بلا فرق. وعباراتهم في ذلك عجيبة قال عبد العزيز البخاري: (وأما حكم الوجوب أي الواجب فلزومه عملاَ لا علماَ أيي يجب إقامته بالبدن ولكن لا يجب اعتقاد لزومه لأن دليله لا يوجب اليقين ولزوم الاعتقاد مبني على الدليل اليقيني ويفسق تاركه إذا استخف)[23].

ومحل عجبي قوله: "لكن لا يجب اعتقاد لزومه". فكيف يعمله على أنه واجب، ولا يعتقد أنه واجب كيف ذلك؟! فالعمل فرع التصور ومبني على النية، فلو نوى أنه نفل أو مباح أو بغير نيته اللازمة له هل يصح؟!

كما أنه لا يسلم تفريع الكفر والفسق على مجرد التفريق بينهما، فمن فروع الشريعة ما ثبت بدليل قطعي ولا قائل بكفر تاركه كالجهاد. ومن أصول الدين، ما ثبت بخبر الآحاد، بما لا يكفي مجرد فسق منكره، بل يحكم بكفره وتفصيل ذلك في علم العقيدة، فهناك موضع البسط والتفصيل لموجبات الكفر والفسق.

فتخصيصهم للفرض بالقطعي وللواجب بالظني، تحكم لا يرجع فيه إلى مجرد اللغة، بل يطلب منهم الدليل القطعي على ذلك حتى نعلمه.

ومن أجود ما قرأت في مناقشتهم، ما ذكره إمام الحرمين في التلخيص حيث قال: (فأول ما نفاتحهم به أن نعكس عليهم كلامهم، ونقلب عليهم مرامهم فنقول بم تنكرون على من زعم أن كل واجب مفروض وليس كل فرض واجباَ على الضد مما أطلقوه. ومدارك العلوم معقولة مضبوطة فليس في العقل ما يقتضي هذا التفصيل، وليس في أدلة السمع ما يوجب، وليس في وضع اللغات فصل بين المفروض والواجب نصاَ، وإن ردوا ذلك إلى اشتقاق الاسمين من قضية أصلهما، انتسبوا إلى إثبات اللغات قياساَ ونفياَ بطريق القياس. وسندل على بطلان ذلك إن شاء الله عز وجل - وذكر الفرض والواجب.

ثم قال: (ولعل الواجب في أصل اشتقاقه أقرب إلى التأكيد من الفرض)[24]. فتكون الحجة من حيث اللغة عليهم لا لهم.

فالفرض كما قال الخليل بن أحمد: (الفرض: الإيجاب تفرض على نفسك فرضاَ والفريضة الاسم والفرض الحز للفرضة في ستة القوس والخشبة، والفارض في قوله تعالي "لا فارض ولا بكر" أي مسنية، ولحية فارض كبيرة، وفرائض الله حدوده)[25].

كما أن تفريقهم لم يطرد في استعمالهم، فاستعملوا الفرض في مسائل لم تثبت بدليل قطعي عندهم. كإثباتهم الوضوء على من احتجم، وإعادة الصلاة على من أداها وقد بلغ في أثناء الوقت، وإتمام الصلاة على المسافر فيما دون المرحلتين، وفرضوا العشر في غير الأقوات، وقد ناقشهم إمام الحرمين في ذلك، وبين ضعف قولهم، وأن الفرض بمعنى الواجب فهما لفظان مترادفان.

وأيضاَ ناقش الآمدي حجتهم وبين ضعف مستندهم، وأفاد بأن تعدد طرق أدلة الواجب لا يستلزم منها تعدد حقيقة الواجب الى فرض وواجب من حيث هو واجب فما دام أنه ثبت في الذمة وجوبه من دليل شرعي معتبر فلا فرق. كما أن النوافل تتعدد طرقها ولا تختلف، ولم يقولوا بتعدد حقيقتها، والحرام تختلف طرقه بالقطع أو الظن، ولم يفرقوا فيه من حيث هو حرام[26].

 لذا فالراجح أن الفرض هو الواجب، فهما مترادفان والواجب لا ينحصر في الظني بل هو كل ما توعد بالعقاب على تركه.

المبحث الثاني
تحرير قاعدة
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
في هذا المبحث نحدد المراد بهذه القاعدة وخصوصاً أن ما في قولنا ما لا يتم الواجب إلا به تفيد عموماً في الصفات والأحوال وإطلاقاً في الذوات.

فهل هي على إطلاقها أم أن المراد بها محدد عند العلماء والواجب الذي استقر وجوبه في الذمة يختلف عن الواجب الذي رتب وجوبه على تحقيق شرط ولم يحصل بعد فهل يجب تحصيل ذلك الشرط؟. هذا وغيره مما سيجري بيانه في هذا المبحث بعون الله تعالى.

قد فرق العلماء بين مالا يتم الوجوب إلا به، وبين ما لا يتم الواجب إلا به، فما لا يتم الوجوب كالشروط التي رتب الحكم عليها، مثل الاستطاعة للحج، وملك النصاب في الزكاة، وتمام الحول، فهذه لايجب تحصيلها باتفاق.

قال الفتوحي:
(ما لا يتم الوجوب إلا به سواء قدر عليه المكلف كاكتساب المال للحج وللكفارات ونحوها، أو لم يقدر عليه كحضور الإمام لجمعة، وحضور العدد المشترط فيها، لأنه من صنع غيره فإنه ليس بواجب مطلقاً وحكي إجماعا[27].

قال القرافي (أسباب الوجوب وشروطه وانتفاء موانعه فإنها لا تجب إجماعًا)[28]. لأنه لو وجب ذلك لأدى إلى اسقاط كونه شرطاً وأصبح الوجوب متحققاً مع الشرط وعدمه وهذا غير مراد، بل الوجوب متوقف على حصول الشرط، فإذا حصل الشرط وجب، وإلا فلا شيء على المكلف كقول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا). فوجوب الحج مشروط بالاستطاعة وهي الزاد والراحلة التي يصل بها إلى مكة المكرمة فمن تحقق له ذلك وجب عليه الحج، وأما من لم يستطع فلا يجب عليه شيء. فمقدمات الوجوب ليست واجبة[29].

قال الزركشي: (ما يتوقف عليه الواجب إما أن يكون توقفه عليه في وجوبه أو في إيقاعه بعد وجوبه، فأما ما يتوقف عليه إيجاب الواجب فلا يجب بالإجماع لأن الأمر حينئذ مقيد لا مطلق، وسواء كان سبباً أو شرطاً أو انتقاء مانع.

أما مقدمات الواجب الذي تحقق وجوبه إما لكونه مطلقاً من الشروط أو لتحقيق وحصول شرطه، كمن ملك الزاد والراحلة في الحج، فإن تلك المقدمات لا تخلو من أمرين:
أولاً: إما أن تكون غير ممكنة للمكلف فهذه ليست واجبة، لأن الله سبحانه لم يكلفنا بمحال، وما جعل علينا في الدين من حرج، ولم يأمرنا به ابتداءً فكذا في ما لا يتم إلا به إن كان محالاً فغير واجب[30]. ولا مراد هنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).

مثاله أن الله سبحانه وتعالى عذر المريض والأعمى والأعرج عن الجهاد في سبيل الله بأنفسهم لما فيه من المشقة عليهم وقد يكون بعضهم ممكن منه لكن الشرع جاء ينفي الحرج فلم يوجبه عليهم مع كونه ممكناً منهم فمن باب أولى المحال أنه غير واجب على المكلف في كل حال.

فالنتأمل في يسر الشريعة وعظمتها: فإن الواجبات لا تتضمن إلا الخير في الدنيا والأخرى وليس فيها أي عسر أو ضرر على أي مخلوق من حين نزولها إلى أن تقوم الساعة، لأنها من العليم الحكيم سبحانه بل العسر على من تنكر منهج الله وخالف شرعه. إذا فغير الممكن ليس واجباً.

ثانياً: أن تكون ممكنة للمكلف وفي مقدوره وهذه موضع القاعدة ومراد العلماء فيها ذكره الغزالي، وإمام الحرمين، والزركشي، والآمدي، وابن تيمية، وابن قدامة، والفتوحي، وابن الحاجب، والقرافي، وغيرهم[31]. من العلماء.

قال القرافي: (وعندنا وعند الجمهور، ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وهو مقدور للمكلف فهو واجب لتوقف الواجب عليه)[32]. وعليه فقد تحرر لك المراد بالقاعدة وبعد ذلك نبنيها وما يترتب عليها من الفروع الفقهية.

المبحث الثالث
أدلة القاعدة
استقر رأي جمهور العلماء على أن ما لا يتم الواجب به فهو واجب.

قال ابن تيمية رحمه الله (ما لا يتم الواجب إلا به كقطع المسافة في الجمعة الحج ونحو ذلك فعلى المكلف فعله باتفاق المسلمين)[33].

وقد ذكر عن بعض المعتزلة المتقدمين - وهم قلة - خلاف، فلم يقولوا بالوجوب. قال إمام الحرمين "الأمر بالصلاة على اقتضاء الإيجاب يتضمن الأمر بالطهارة لا محالة وقد أنكر ذلك شرذمة من المعتزلة"[34].

ثم أشار إلى أن القاعدة اشتهرت من عنوانها وأن ما لا يتم بالواجب إلا به فهو واجب،وبعض العلماء فرق بين الأسباب والشروط، ولكن جمهور العلماء أثبتوا الوجوب فيها وفي كل ما لابد منه لتحقيق الواجب.

واتفقوا على أن الدلالة فيه على الوجوب من جهة اللزوم لا من جهة اللفظ حيث أن اللفظ لا تعرض فيه للمقدمات لكن وجوبها من جهة دلالة الإلزام[35].

وهذه القاعدة استقرت بناءً على أدلة متعددة إليك أهمها:-
أولاً: قال الله تعالى في شأن المنافقين {وَلَو أَرَادُوا اَلْخُرُوج لأَعًدْوا لَهُ عدّْةً}[36]. فذمهم الله سبحانه وعابهم على عدم فعلهم لما لا يتم الخروج إلا به من أخذ العدة للجهاد فدل ذلك على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب يعاقب ويذم تاركه شرعاً.

ثانيا: أن الواجب لا يمكن امتثاله إلا به، فيكون واجباً تبعاً لتحقيق المأمور، ولو لم يجب لسقط الوجوب عن المأمور به بلا دليل ناسخ، وهذا يعود على الأوامر بالترك والإبطال، وحقها السمع والامتثال، فلزم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ثالثاً: ان أوامر الشرع ونصوصه منزهة عن النقص والاختلاف فلو كان ما لا يتم الواجب إلا به مندوباً أو مباحاً أو محرماً أو مكروهاً لكان هذا تناقضاً والشريعة منزهة عن ذلك، فلا يكون تحقيق الواجب غير واجب، لأن هذا تناقض باطل، فلزم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

رابعاً: أن التكليف بالمشروط دون الشرط محال، لعدم الإمكان من الجمع بين النقيضين، ولكان مكلفاً بالفعل ولو مع عدمه، فالمشروط يستحيل وجوده عند عدم شرطه[37]. فمادام أن الفعل المأمور به يتوقف صحته على شرط فلا يقع الامتثال الصحيح إلا بفعل ذلك الشرط لتوقف الفعل على أسبابه التي لا يتحقق إلا بها.

خامساً: أن من لزمه واجب شرعي ثم فرط في مقدماته اللازمة حتى ضاق الوقت عنها فإنه يأثم، فلو كان تركها مباحاً لما أثم فدل على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب يأثم المكلف بتركه فتلك المقدمات لازمة بلزوم الواجب وتابعة له.

ومستند من شذ من المعتزلة:
1) أن اللفظ لا تعرض فيه لتلك المقدمات.
2) أنها غير مقدرة.
3) أن الثواب متعلق بالواجب ذاته.

 


وإليك الإجابة عن ذلك فأما أن اللفظ لا تعرض فيه للوجوب فكذلك لا تعرض فيه لنفي وجوبه، فليس في ذلك دليل لكم على النفي، وانما ثبت الوجوب من دلالة اللزوم لا من اللفظ، فلا أحد يقول أنه من دلالة اللفظ مباشرة.

• وكونه غير مقدر بعدد لا ينفي تقديره بالكفاية لتحقيق المأمور وحسن الامتثال.

• وأما الثواب فهو متعلق بها، فمن فعل الأسباب والشروط اللازمة لامتثال الواجب فإنه يثاب على ذلك - بإذن الله - إجمالاً وتفصيلاً، وقد دلت نصوص القرآن الكريم على ذلك ومنها {وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [38].

وعليه فقد تبين لك بالأدلة الصحيحة والقول الراسخ أن، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.



المبحث الرابع
أقسام مقدمات الواجب
المقدمات التي لا يتم الواجب إلا بها وهي في مقدور المكلف تتعدد: فهي إما أسباب تؤدي إلى تحقيق الواجب أو شروط لصحة التحقيق، والأسباب تتنوع والشروط كذلك وإليك توضيح ذلك.

القسم الأول: الأسباب:
الأسباب هي الطرق التي يتوصل بها إلى الأشياء.
فالمقدمات التي لابد منها للواجب قد تكون سبباً لا يتحقق الواجب إلا عن طريقه شرعاً أو عقلاً أو عادة.

أ) السبب الشرعي: مثل صيغ الطلاق وألفاظه وصيغ العتق وألفاظه.
فمن وجب عليه عتق وجب عليه أحد ألفاظه التي يقع بها. ومن ألزم بالطلاق لزمه أحد ألفاظه التي يقع بها.

ب) السبب العقلي: مثاله النظر في تفكر وتمعن يؤدي إلى العلم، فما وجب من العلم لا يتوصل إليه إلا بإعمال النظر والقراءة والمدارسة فيكون ذلك واجبا.

ت) السبب العادي. مثاله أن العادة جرت في أن القتل لا يتوصل إليه إلا بأحد أسبابه من قطع الرقبة أو الرمي بما يقتل ونحو ذلك، فالقتل قصاصاً لابد له من أحد أسبابه.

ومن وجب عليه الحج لزمه بذل السبب الذي يصل به إلى مكة في الوقت المناسب ومن وجب عليه دين بذل السبب الذي يؤدي به الدين في وقته.
ومن نذر أن يصعد السطح فلابد له من سلم أو نحوه.

القسم الثاني: الشروط:
جمع شرط وهو ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم.

فمقدمات الواجب قد تكون سبباً وقد تكون شرطاً لصحة الامتثال والأجزاء وتلك الشروط تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - الشرط الشرعي: ومثاله اشتراط الوضوء للصلاة والطواف فصحة الصلاة وصحة الطواف لا تتحقق إلا بالوضوء، فإذا دخل وقت صلاة لزمه، وإذا قصد الطواف لزمه الوضوء لصلاته وطوافه، وإن كان هذا القسم قد وجب بالدليل الشرعي غير هذه القاعدة لكن يمكن اعتباره من توارد الأدلة وتظاهرها.
فكمال الطهارة من شروط صحة الصلاة فلا صلاة شرعاً إلا بطهارة فالأمر بالصلاة أمر بما لا تصح إلا به.

2 - الشرط العقلي: مثاله ترك الضد فمن وجب عليه السعي إلى يوم الجمعة وجب عليه ترك الجلوس وترك الأعمال المضادة للسعي.

3 - الشرط العادي: وهو ما لا يتيقن تمام الفعل الواجب إلا به كتيقن استيعاب غسل الوجه في الوضوء مشروط بغسل لأجزاء من منابت الشعر الملاصقة للوجه. ومثل تيقن استيعاب نهار رمضان لا يتم إلا بإقبال الليل وتيقن غروب الشمس.
وتيقن ستر المرأة نفسها يقتضي أن ترخي ذيل ملابسها شبرا أو ذراعاً. فالاحتياط لامتثال الواجب وتمامه يدعو إلى ذلك.

فتبين لك أن المقدمات سواء كانت أسباباً او شروطاً لصحة الواجب ولا يتم تحقيق الواجب إلا بها فهي واجبة.

ومن المعلوم أن ثمرة علم أصول الفقه ما يبنى عليه من الفقه وفروعه الزاهرة وثماره اليانعة كشجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها الأصل ثابت والفروع ممتدة باسقة.

وهذه القاعدة الأصولية من أشهر القواعد وآثارها متعددة إليك تفصيلها في المبحث التالي.

المبحث الخامس
آثارها الفقهية
يتخرج على هذه القاعدة الأصولية فروع فقهية كثيرة وفوائد علمية غزيرة في أبواب ومجالات متعددة من العبادات والمعاملات سواءً ما كان من حقوق الله تعالى الواجبة. أو حقوق خلقه الواجبة فإن ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب وسوف أعرض لك في هذا المبحث ما جاد به على الكريم المنان من التخريج على هذه القاعدة المهمة وما اطلعت عليه من كلام العلماء في آثارها وثمارها في العبادات والمعاملات.

1 - توفير الماء:
- الوضوء واجب بقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} الآية[39].

- والغسل واجب بقول الله تعالى: {وإن كنتم جنباً فاطهروا}[40].
فما لاتتم الطهارة الواجبة إلا به من توفير الماء والحفاظ عليه فهو واجب والسقيا من العيون والأنهار القريبة أو حفر الآبار واستخراج الماء مما لا تقوم الحياة إلا به ولا تقوم الطهارة إلا به، وما يخدم ذلك من وسائل حديثة داخلة في ذلك فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. واحتياط المسافر وتحريه ووقوفه عند مصادر المياه، والماء لأجل شربه وطهارته واجب.

2 - طهارة المريض:
تختلف أحوال المرضى بالنسبة إلى الطهارة فمنهم من لا يتضرر باستعمال الماء ومنهم من لايصل الماء إلى بعض أعضائه فيتوضأ ويتيمم ومنهم من يتضرر ويمنعه المرض من استعمال الماء فيكون الواجب في حقه التيمم. فما لا يتم الواجب إلا به من توفير تراب عند المريض الذي لا يقدر على الماء، وتوفير الماء لمن لا يتضرر به فما لا تتم الطهارة الواجبة إلا به فهو واجب، والمستشفيات مدعوة إلى مراعاة ذلك وتقديم الخدمات المناسبة لكل مريض في ما تقوم به طهارته وتصح به صلاته من ضمن خدماتها ورعايتها للمرضي. وولي المريض مدعو إلى تعاهد ذلك ورعايته. فالصحة للصلاة وأمور الدين أمر مهم كصحة الأبدان أو أكثر.

3 - إذا خفي عليه موضع النجاسة في الثوب يلزمه غسله كله، لأنه ما لايتم تيقن الطهارة إلا به فهو واجب.

4 - ما لايتم معرفة القبلة إلا به فهو واجب فمن خفيت عليه القبلة ولم يتمكن من الاجتهاد فيها وكان بالقرب منه من يمكن سؤاله لزمه السؤال والذهاب إلى أقرب منزل، ومن كثر سفره كقبطان سفينة وقائد طائرة ونحو ذلك لزمهم اصطحاب ما يعرفون به تجاه القبلة لأن ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب.

5 - ما لايتم ستر العورة إلا به فهو واجب، لذا فإن العراة الذين لا يجدون شيئاً يكون إمامهم وسطهم لأن ذلك أستر. ومن وجد القيمة لزمه شراء الكساء الكافي له ولمن تلزمه نفقته من والد وزوجه وولد وخادم ونحوهم والمبادرة إلى ذلك قبل خروج وقت الصلاة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ومن فعل ذلك بنيته ترتب عليه إن شاء الله ما يرجو من الثواب فالأعمال بالنيات.

6 - ما لا يتم تيقن القضاء لمن عليه صلاة فائتة إلا به فهو واجب فمن عليه صلاة نهارية ونسي أي الصلوات هي فيصلي صلوات النهار، لأن ما لا يتم تيقن القضاء إلا به فهو واجب، ومثله لو نسي صلاة من خمس. قال ابن اللحام من علماء الحنابلة. (لو نسي صلاة من خمس فهل يلزمه قضاء الخمس أم لا. المذهب عندنا لزوم قضاء الخمس، وينوي بكل واحدة الفرض، وعليه يلزمه مغرب وفجر ورباعية. بناء على أن نية التعيين لا تشترط)[41]. أي نية التعيين بين الظهر والعصر.

7 - إذا اختلط الموتى مسلمين وكفاراً فلا يميز بعضهم من بعض غسلوا وكفنوا وصلى عليهم وينوي المسلمين[42]. لأن الصلاة على المسلم واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

8 - ما لا يتم إيصال الزكاة إلى مستحقيها أو بعضهم إلا به فهو واحب، من التعرف على الفقراء والمساكين ودعوتهم إلى أخذها أو نقلها وإيصالها إليهم، أو إعطائها لمن يوصلها إليهم مباشرة، توزيع زكاته بنفسه أفضل لأنه يؤدي ركن دينه.

9 - ما لا يتم معرفة مقدار الزكاة إلا به فهو واجب، من الحصر والتقدير للقيمة في عروض التجارة واستيعاب جميع ما هو معد للتجارة وحساب الزكاة في ذلك عند تمام الحول. وكل ذلك قد يحتاج إلى مدة وإلى موظفين خصوصاً في الشركات والمؤسسات الكبيرة. فهذه واجب لا تتم الزكاة إلا به ونفقة ذلك تكون على حساب صاحب الملك.

10 - إذا كان المسلم في بلد كافر أو بلد لا تباشر فيه الدولة أخذ زكاة الأموال الظاهرة وجب عليه جميع الجهود اللازمة لإيصال الزكاة إلى الفقراء والمساكين ويجب على الدولة المسلمة الاهتمام بالزكاة أخذاً وصرفاً على الضوابط والآداب الشرعية في ذلك.

11 - تحري رؤية هلال شهر رمضان واجب، لأن الصوم واجب لا يتم إلا بالرؤية، والرؤية لابد لها من التحري والمشاهدة والإدلاء بالشهادة إلى الإمام أو القاضي، فالعناية بذلك واجب على المسلمين.

12 - تحري رؤية هلال شهر شوال واجب لأن إتمام وإكمال الشهر الكريم لا يتم إلا بذلك.

13 - السعي بصدقة الفطر إلى الفقراء والمساكين واجب قبل صلاة العيد لمن لم يخرجها قبل يوم أو يومين. لأن صدقة الفطر واجبة وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

14 - السعي إلى الحج في أشهره في الوقت الكافي لوصوله لمن وجب عليه. فمن كان في بلد بعيد يختلف عن من كان في بلد قريب واتخاذ الأسباب التي لا يصل إلى مكة إلا بها، فإن ما لا يتم الحج إلا به فهو واجب. فمن وجب عليه الحج وفرط في المقدمات اللازمة له فهو مفرط في الحج.

15 - تعلم أركان الحج وواجباته، فالعلم سابق على العمل والحج لا يتم إلا به فهو واجب.
ويقع من بعض الحجاج تقصير في تعلم أركان الحج قبل البدء فيه وتقصير في السؤال عما لا يعلم ثم إذا وقع منه الخطأ أكثر من السؤال وأحس بالحرج، وذلك بسبب التفريط والجهل والله غفور رحيم فالواجب التعلم للأركان والواجبات بالحد الأدنى الذي يتم به سلامة وصحة حجه وذلك أمر ميسر والحمد لله. وينبغي التعاون على العلم بذلك وترتيب الدورات الشرعية من قبل الحملات والمؤسسات المهتمة بخدمة الحجاج وترتيب شئونهم فذلك أمر مهم ولازم لصحة الحج.

16 - التكسب وطلب الرزق واجب على القادر لأنه لا تتم النفقة على النفس والولد والوالدة والأبناء والزوجة إلا به ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فيلزم التكسب من الحلال الطيب. فمن قعد عن ذلك وهو قادر فقد فرط فيما لا تتم النفقات الواجبة إلا به.

17 - الزواج في حق القادر الذي لا يعفه إلا الزوجة، فإنه واجب لأن العفة وصيانة الدين والعرض واجب فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

18 - الإعداد للجهاد وأخذ القوة واجب فما لا يتم إلا به من التدريب والعلوم العسكرية اللازمة والانضباط من الأفراد وإكمال التدريبات والاهتمام والعناية بذلك واجبة. وعقد المناورات الميدانية ومتابعة الليقاة البدنية والقدرات الفردية وتطويرها واجب.

19 - إقامة الرباط وحفظ الثغور في مواجهة العدو واجبة لأنه لا يتم دفع العدو إلا بذلك، فما لا يتم صيانة الديار من الأعداء إلا به من الرباط في الثغور وتأمينها وإقامة القلاع والتحصينات اللازمة للعدو في كل عصر بحسبه، فذلك واجب ومنها الرادارات والمضادات ونحوها من الدفاعات الجوية والبرية والبحرية.

ومنه أيضاً ما لا يتم تحرير المسجد الأقصى المبارك إلا به فهو واجب من الإعداد والمعلومات وأخذ كافة الأسباب التي تؤدي إلى ذلك وخصوصاً أن اليهود من أجبن الناس عند اللقاءز

20- ما لا يتم حفظ الأمن والوقاية من الجريمة إلا به فهو واجب. وذلك لأن حفظ وتحقيق الأمن على الدين والأنفس والعقول والأعراض والأموال، قد جاءت الشريعة بالمحافظة عليه من كل جانب فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويدخل في ذلك الأنظمة الأمنية المستجدة اللازمة لذلك مع الحرص على العدل والبعد عن الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة.

فعلى رجال الأمن مراعاة حسن القصد فإن الأمور بمقاصدها.

21- التقيد بأنظمة المرور التي بها حفظ الأرواح والممتلكات واجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والتفريط والتهاون في أنظمة المرور ينتج عنه عواقب وخيمة في الأرواح والأعضاء والسيارات والممتلكات وغيرها. فالتقيد في الوقوف عند الإشارة الحمراء والسير عند الإشارة الخضراء وعدم الوقوف بشكل يهدد سلامة الآخرين والسير المعتدل واجب لحفظ الأرواح وقد عم الخطر في ذلك فلابد من إيقاظ الوعي الشرعي في جميع ما يرتبط بسلامة الناس من خلال الأدلة الشرعية كقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرّحْمَانِ الّذينَ يَمْشُونَ عَلى الارْضِ هَوْناً...}[43] وقوله تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأرضِ مَرَحَاً}[44] وقوله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}[45] إلى جانب هذه القاعدة الأصولية المهمة ودلالتها على وجوب الانتباه والمحافظة، فالحاجة إلى زيادة العلم في ذلك وحسن الامتثال كبيرة جداً والله المستعان.

22- ما لا تتم الدعوة إلى الله إلا به فهو واجب لأن في ذلك قياماً بواجب الدعوة إلى الله فيثاب المؤمن على تلك الوسائل التي يتوصل بها إلى المدعوين وتعينه على حسن البلاغ. والوسائل اللازمة للدعوة متجددة فمن طباعة الكتب الإسلامية إلى الاتصال الفردي والاتصال بوسائل الاتصال الحديثة وآخرها الإنترنت مما ينبغي تسخيره لنصرة دين الله ونفع الناس في إبلاغ هدي الله لهم بحكمة وعلم وصبر كما صبر وثابر أنبياء الله عليهم أفضل الصلاة والسلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي بلغ أتم البلاغ وأكمله، فأرسل الكتب إلى الملوك وأمراء الدنيا دعوة إلى الإسلام فسعد من استجاب له كالنجاشي رضي الله عنه وخسر من خالفه ككسرى وقيصر، والله غالب على أمره ومتم نوره، ولو كره المشركون ولو كره المبطلون والسعيد من سبق إلى فضل الله ولم يتخلف عن ركب الدعوة إلى الله {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}[46] فالوسائل الصالحة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى جزء من عمل الصالحات الذي يتبع ويلازم الدعوة إلى الله.

23- الأدوية النافعة التي ينبني عليها شفاء مرضى المسلمين بإذن الله تعالى يجب توفيرها، لأن ما لا يتم الحافظ على الأرواح والأعضاء إلى به فهو واجب. وكذا توفير الأطباء المهرة في التخصصات المتعددة لأن في ذلك صحة الأبدان بإذن الله تعالى فهو الشافي لا شفاء إلا شفاءه وبذل الأسباب مطلوب شرعاً مع التوكل على الله سبحانه وتعالى.

24- التراتيب التي تحفظ بها الحقوق وتؤدى بها المصالح والأمانات العامة والخاصة يجب رعايتها والتقيد بالصلاحيات المحددة فيها. لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والفوضى لا يتم بها عمل صالح ولا تكون من رجل فالح.

وتلك التراتيب قد طبق منها الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح ماجد في عصرهم ولزم لانتظام شأنهم وحفظ قوتهم وعزهم كاتخاذ الدواوين ونظام الجند والوزارات وتراتيب القضاء وغيرهم مما تؤدى به الواجبات وتحفظ به الأمانات.


الخـاتمة
الحمد لله في المبدأ والختام والصلاة والسلام على خير الأنام. أيها القارئ الكريم تبين لك في هذا البحث أهمية القاعدة وأهم ما يتفرع عليها من الفروع الفقهية والعلمية وبإمكانك التدريب على ربط الفروع المتجددة بهذه القاعدة الأصولية فهذا مما يعين على ترسيخ العلم فان الاستعمال والتطبيق خير وسيلة لمزيد من الفهم والتحقيق، والعلم إذا لم ينفع فهو مما يستعاذ منه فنعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع وعين لا تدمع ودعاء لا يسمع، وجميع القواعد الأصولية والأدلة، ثمرتها في تطبيقها والاستدلال بها، وأما نقلها مع عدم الاستفادة منها، فقد عاب الله على اليهود ذلك حيث شبههم بالحمار يحمل أسفاراً، والبشرية اليوم وكل يوم بأمس الحاجة إلى الوحي وهديه وإلى شريعة الله ونوره. والواجبات خير خالص في الدنيا والآخرة، علينا الحرص عليها وعدم الإخلال بها والبعد عن المنة في أدائها فالفضل والمنة لله سبحانه وبالتوكل على اللهِ فبيده الحول والقوة، يستعين المسلم في تحقيق العبودية لله التي هي مقصد الحياة.

ومما يمهد لأداء الواجبات العناية بالمقدمات اللازمة لها فإن التهاون بالمقدمات يؤدي إلى النقص أو إلى الفوات. فالعناية مثلاً بمقدمات الصلاة يؤدي إلى أدائها بأحسن من حال المفرط في تلك المقدمات ولذا فإن المندوبات التي تسبق الصلاة تؤدي إلى زيادة الخشوع بالصلاة غالباً. والعناية بمقدمات الزكاة أمر مهم يؤدي إلى كمال أداء هذا الركن من أركان الإسلام، فالزكاة قرينة الصلاة. والعناية بمقدمات الجهاد من التربية والإخلاص وحسن الإعداد أمر مرتبط به النصر، فإذا التفريط بشيء من المقدمات اللازمة لهذا الواجب تفريط بالجهاد وبالعز وبالنصر. والتعويق عن تلك المقدمات خدمة لأعداء الملة وخذلان للأمة، وما أكثر المقدمات التي نحتاج إليها في طريقنا إلى النصر الموعود وكذا المقدمات التي تسبق الحج، ومما ينبغي تذكره إخلاص النية في تلك المقدمات فإنها من أعمال الصالحات سواء في الحج أو في الجهاد أو غيرهما من الواجبات.

أيها القارئ الكريم الواجبات خير ما تقضى به الأوقات ثم يأتي بعدها المندوبات وفي ذلك يكون التنافس وفيها الميدان الرابح للعمل. فلا نجعل المباحات تستهلكنا وتشغلنا عن الواجبات والمندوبات.

إن الاشتغال بما لا يتم الواجب إلا به بداية للامتثال ومن علم الله منه صدق الامتثال أحسن الله له العاقبة والمآل أسأل الله الدخول بصدق والخروج بصدق في أداء الواجبات وسائر الطاعات وحسن الخاتمة في الدنيا والآخرة.

وأخيرا فإني قد بذلت جهدي في خدمة هذه القاعدة ورجعت لأكثر من أربعين مرجعاً ودونت ووثقت في كل صفحة ومع هذا فإن الكمال عزيز. وهذا البحث قد انتهى بفضل الله وجودة ومنّة فما كان فيه من توفيق فالحمد لله وما كان فيه من خطأ ونقص فمني واستغفر الله، وبنظركم يا أولي الألباب والبصائر تتحقق الفائدة وتسدد الخلة، أملي منكم ذلك والله ولي التوفيق والسداد وصلى الله على محمد وآله وسلم.

تم الفراغ منه يوم الاثنين 12 /3/1422هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة تبارك الآيات (1-3).
[2] سورة الكهف الآيات (1-3).
[3] سورة الأحزاب الآيات (45   –   47).
[4] سورة الجمعة الآية (4). 
[5] الصحاح 1/231.
[6] لسان العرب 3/878.
[7] القاموس المحيط 1/141.
[8] تاج العروس 1/500.
[9] تاج العروس 1/500.
[10] سورة الحج الآية (36). 
[11] راجع لسان العرب 3/878 و879 وتاج العروس 1/00و501 و 502ن والصحاح 1/231- 232، وجمهرة العرب 1/215، والعين 6/1993.
[12] المتخول 136. روضة الناظر.
[13] سورة المزمل الآية (20).
[14] سورة الماعون، الآية (4-5).
[15] سورة التوبة الآية (35). 
[16] انظر شرح العضد 1/163 فقرة 76.
[17] المتخول 136.
[18] شرح اللمع 1/106. 
[19] راجع كشف الأسرار 2/303.
[20] التمهيد 1/63، 64. العدة 1/162.
[21] العدة 1/162.
[22] التلويح على التوضيح لمتن التنقيح 2/259 دار الكتب العلمية.
[23] كشف الأسرار 2/303 كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام للإمام عبدالعزيز أحمد البخاري المتوفى 730، وانظر أنيس الفقهاء ص 1101 من علماء الحنفية تحقيق د. أحمد عبدالرازق الكبيسي.
[24] التلخيص 1/165 تحقيق د. عبدالله جولم النيلي، شبير أحمد العمري.
[25] العين 7/28 تحقيق د. مهدي المحزومي، د. ابراهيم السامرائي.
[26] التلخيص 11/167، انظر الأحكام 1/140. 
[27] شرح الكوكب المنير 1/357،  358.
[28] شرح الكوكب المنير 1/357، 358 أنظ الفتاوي 20/160.
[29] البحر المحيط 1/223.
[30] انظر المستصفي 1/71 شرح تنقيح الفصول 161 شرح الكوكب المنير 1/361.
[31] المسنصغي 1/71 التلخيص 1/293 الاحكام في الأحكام 1/110-111 نهاية السول 1/211 198 شرح الكوكب المنير 1/357-358 والمعتمد 1/94-95.
[32] شرح تنقيح الفصول 160. 
[33] الفتاوي20/120.
[34] التلخيص في أصول الفقه 1/293.
[35] المستصقي 1/72 البحر المحيط 1/224 الفتاوي 20/161.
[36] سورة التوبة الآية (46). 
[37] نهاية السول 1/198 وانظر 205. 
[38] سورة التوبة الآية 121.
[39] سورة المائدة الآية (6).
[40] سورة المائدة الآية (6).
[41] القواعد والفوائد الأصولية ص 89. والقواعد لتقي الدين الحصني 41.
[42] القواعد والفوائد الأصولية ص 98.
[43] سورة الفرقان الآية 63. 
[44] سورة الإسراء الآية 37.
[45] سورة لقمان الآية 19.
[46] سورة فصلت، الآية 33.

 

 

 

 

 

 

 






 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة