لقاء إذاعي - بلال بن رباح (رضي الله عنه)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، أيها المستمعون الكرام:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم مع حلقة جديدة من برنامجكم (مع الصحابة في رمضان) ومع صحابي جديد وموقف جديد، ذلكم الصحابي هو بلال بن رباح (رضي الله عنه).

هو بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم في بداية الدعوة، ولقي في بداية إسلامه صنوفاً العذاب من المشركين، كما في سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالا، فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد))[1].

وكان الذي يعذب بلالاً أمية بن خلف، فمر به أبو بكر الصديق يوماً وهو يعذب، فقال لأمية بن خلف: ألا تتقي الله عز وجل في هذا المسكين؟ حتى متى؟ قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، قال أبو بكر أفعل. عندي غلام أسود، أجلد منه وأقوى، على دينك أعطيكه به، قال: قد قبلت، فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك، وأخذ أبو بكر بلالاً فأعتقه[2].

ولذا كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يعرف لبلالاً قدمه في الإسلام، وبلاءه فيه، وصبره عليه، فكان يصفه بالسيد، كما في صحيح البخاري، حيث يقول: ((أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا))[3].

وبلال أول من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يؤذن له حضراً وسفراً، وكان خازنه على بيت ماله.

وفي صحيح مسلم يحدثنا بلال بن رباح (رضي الله عنه) بأرجى عمل عمله في الإسلام، وذلك عندما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يَا بلالُ ! حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْفَعَةً فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ))، قَالَ بِلَالٌ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا فِي الْإِسْلَامِ أَرْجَى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَا أَتَطَهَّرُ طُهُورًا تَامًّا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي أَنْ أُصَلِّيَ[4].

ولنا أيضاً في حياة بلال موعظة، وذلك حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن محمد بن إبراهيم التيمي قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبر، فكان إذا قال أشهد أن محمداً رسول الله انتحب الناس في المسجد، فلما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر: أذن يا بلال، فقال: إن كنت إنما أعتقتني لأكون معك فسبيل ذلك، وإن كنت أعتقتني لله فخلني ومن اعتقتني له. فقال: ما أعتقتك إلا لله. قال: لا أُأذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فذاك إليك. قال: فقام حتى خرجت بعوث الشام فخرج معهم حتى انتهي إليها[5].

أيها المستمعون الكرام:

أما ما يتعلق في هذا الشهر الكريم من حياة بلال (رضي الله عنه) ما ورد في صحيح البخاري عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنعن أحدكم، أو أحدا منكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن أو ينادي بليل، ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم، وليس أن يقول الفجر أو الصبح وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا، وقال زهير بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدها عن يمينه وشماله))[6].

علمنا من سيرته (رضي الله عنه) أنه كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوق هذا لقد كان له في هذا الشهر الكريم عمل مهم، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: ((ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم)) فبلال (رضي الله عنه) يؤذن في رمضان بالليل قبل طلوع الفجر، من أجل أن يوقظ النائمين، وينبه القائمين، فيتهيأوا لسحورهم، ويستعدوا لصومهم، وكذا فإن القائم في الليل إذا علم بدنو الفجر ختم صلاته بالوتر، وبادر إلى سحوره، فقد يكون القائم مستغرقاً في صلاته، ومناجاة ربه، لا يحسب للوقت حسابه، فإذا سمع أذان بلال انتبه لذلك.

أيها المستمعون الكرام:

يبين لنا هذا الحديث أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الليل، أي في الوقت الذي كان يؤذن فيه بلال (رضي الله عنه)، هما صنفان، ما بين نائم وقائم، على خلاف ما يكون عليه بعض الناس في هذا الزمان من سهر في الليل ولكن دون قيام وعبادة. والنائم من الصحابة ربما قد يكون قام في وقت آخر من الليل، كيف لا وهم أحرص الناس على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أيها المستمعون الكرام:

لنحرص في هذه الأوقات الثمينة من هذا الشهر، سيما آخر الليل وقبل موعد السحور، نحرص عليه بالصلاة والدعاء والاستغار، فهو وقت التنزل الإلهي، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له))[7].

أيها المستمعون الكرام:
في الختام نسأل المولى جل وعلا أن يلهمنا رشدنا، وأن يوفقنا لصلاح ديننا ودنيانا.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وإلى أن ألقاكم أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سنن ابن ماجة، المقدمة، حديث رقم 150، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.

[2] ابن الجوزي، صفة الصفوة، 1/436.

[3] الجامع الصحيح كتاب المناقب، حديث رقم 3754.

[4] صحيح مسلم، كتاب فضائل الصابة، حديث رقم 2458.

[5] ابن الجوزي، صفة الصفوة، 1/439.

[6] الجامع الصحيح كتاب الأذان، حديث رقم 621.

[7] الجامع الصحيح، كتاب الجمعة، حديث رقم 1145.