• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر / خطب منبرية


علامة باركود

الكبيرة والأحكام المتعلقة بها

الكبيرة والأحكام المتعلقة بها
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر


تاريخ الإضافة: 5/10/2016 ميلادي - 3/1/1438 هجري

الزيارات: 18842

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بيان الكبيرة والأحكام المتعلقة بها في العاجلة والآجلة [1]

 

الخطبة الأولى

الحمد لله العزيز العليم، ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [غافر:3].

 

أحمده سبحانه على بالغ حكمته في الخلق والتدبير، وأشكره تبارك وتعالى على لطفه ورحمته في الشرع والتيسير.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، وأعظم وأول شفيع بين يدي رب العالمين يوم الحشر والنشور.

صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أولي الهمم العالية، والعزائم الصادقة الماضية، والجد في الخير والتشمير، صلاة وسلاماً تامين زاكيين دائمين، إلى يوم ينقسم الناس إلى فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير.

 

أما بعد:

فيا أيها الناس اتقوا ربكم في سائر الأحوال والأوقات، بإتيان ما استطعتم مما أمرتم به من الطاعات، واجتناب ما نهيتم عنه من الكبائر الموبقات المهلكات، والاستغفار الصادق مما اقترفتم من الخطيئات، والثبات على التعبد بذلك لله تعالى حتى الممات، فإن العبد لا يكون تقياً محسناً متأهلاً للجنة، مجانباً لأوصاف أهل النار، حتى ينقاد لامتثال أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، محبة لله تعالى ورسوله، ورجاءاً لمثوبة الله ورغبة، وينكف عما نهاه الله ورسوله عنه تعظيماً لله تعالى وإجلالاً له أن يعصى، وخوفاً من عقابه ورهبة، فيكون له عند كل أمر همة وأهبة وحسبة، لما وصف سبحانه المحسنين في قوله في محكم الكلم: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ ﴾ [النجم:31،32] الآية، حيث جعل سبحانه اجتناب كبائر الإثم والفواحش من الإحسان، الذي جزاؤه الحسنى وسعة المغفرة فضلاً من الرحمن، وقال سبحانه: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا ﴾ [النساء:31]، حيث جعل سبحانه تكفير السيئات والمدخل الكريم من رب الأرض والسماوات، مشروطاً باجتناب كبائر المنهيات، وهذا يقتضي من المسلم العاقل أن يكون على علم بالكبائر حتى يتقيها، وبجلائل الطاعات حتى يبتغيها ويأتيها، فإنه من لم يعرف الخير لا يأتيه، ومن لم يعرف الشر أوشك أن يقع فيه.

 

عباد الله:

وكما جاء ذكر الكبائر في القرآن، وجعل اجتنابها سبباً لفضل ومغفرة ورحمة الرحمن، فلقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر باجتناب الكبائر، والنهي عنها، وبيان شؤمها، وشدة الوعيد عليها، وترتب كريم المثوبة على اجتنابها، تبليغاً لرسالته، وتبيينا لما أنزل إليه من ربه، وتعليماً لحكمته، ونصيحة لأمته، وإبلاغاً في الإعذار بتقديم وتكرير الإنذار ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: ((الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر وأكل الربا، وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)). وفيها أيضاً عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) -وكان متكئاً فجلس- فقال: ((ألا وشهادة الزور وقول الزور)) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. وفيها أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ وفي رواية: أكبر، قال: ((أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك))، قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تزاني حليلة جارك))، ثم قرأ: ﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا ﴾  [الفرقان: 68-70] الآية. وفي المسند والصحيحين عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه)) قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: ((يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه))، والمعنى أن يتسبب في لعن والديه بلعن والدي غيره، وفي صحيح البخاري وسنن الترمذي عنه أيضاً رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس)) أي اليمين الكاذبة التي يقتطع فيها الحالف مال امرئ مسلم بغير حق. والنصوص في تسمية أنواع من الكبائر، وبيان الوعيد المترتب على إتيانها والإصرار عليها كثيرة شهيرة.

 

أيها الناس:

لقد أوردت أحاديث صريحة تبين أن اجتناب الكبائر الموبقات، مقرون بأداء فرائض الطاعات، لكي تكفر له الآثام ويدخل الجنة بسلام، ففي ابن جرير والحاكم عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عبد الله لا يشرك به شيئاً، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم شهر رمضان، ويجتنب الكبائر إلا دخل الجنة))، وفي الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه: ((يدخل من أي أبواب الجنة شاء))، وفيه أيضاً والحاكم بلفظ: ((إلا رافق محمداً صلى الله عليه وسلم في بحبوحة جنة، أبوابها مصاريع الذهب)). وفي المسند وغيره عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كانت كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة، ما اجتنبت المقتلة)) أي الكبيرة.

 

أيها المسلمون:

الكبائر جمع كبيرة، وهي الذنوب العظام، والمعاصي المهلكة، الموبقة التي تغمس أهلها في الإثم، ثم تغمسهم في النار، فإنها الموجبة لغضب الله الجليل، وسخطه ومقته، وشديد عقوبته، وأليم عذابه، لما فيها من تعدي حدوده، وانتهاك حرماته، وعبث عبده فيما لا يرضيه في ملكه وسلطانه، على مرأى منه ومسمع، مع علم مرتكب الكبيرة بعزة الله تعالى وقدرته، وشدة بطشه وأليم أخذه، ﴿ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود:102]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴾ [إبراهيم:47]، ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ [البروج:12].

 

معشر المسلمين:

ولقد استقرأ فقهاء الملة رحمهم الله نصوص الكتاب والسنة، وكلام السلف الصالح من الأمة، ليحددوا ضابطاً لتعريف الكبيرة، يفرق بينها وبين الصغيرة من الذنوب، فتنوع اجتهادهم كل بحسب ما آتاه الله تبارك وتعالى من العلم والفهم، وبحسب ما يرى أنه أدعى إلى الزجر عنها كل من بلغه العلم فعلم ولزم، فمن أهل العلم من حدها بالعد والاسم، فرتبها حسب كبرها وخطرها مبتدئاً بالأكبر والأعظم، متدرجاً إلى الذي يليه ثم الذي يليه، وعلى هذا جرى من صنف مؤلفات في الكبائر تسمية وترتيباً، ومن أهل العلم من حدها بالوصف وما قرن به من وعيد وبيان عظم إثم مرتكبها، فقال فريق من أهل العلم: كل معصية قرن ذكرها ووصف مرتكبها بكفر أو شرك أو نفاق أو فسق، أو نفي إيمان أو إسلام أو تقوى أو فلاح أو أن يكون من أهل الملة، أو قرنت أو ختمت المعصية بلعنة أو غضب أو سخط أو مقت، أو رتب على فعلها حد في الدنيا، أو أنها مما يعذب فاعلها بسببها في البرزخ أو الآخرة، أو توعد بأنه من أهل النار أو لا يدخل الجنة، أو تبرأ منه الله ورسوله، وذلك للتنبيه على كثرتها وتنوعها، وأن منها ما يتعلق بالقلوب، ومنها ما يتعلق بالألسن، ومنها ما يتعلق بالجوارح والأحوال، وعلى هذا جرى جملة من صنف في العقائد، أو بيان أثر الكبائر على القلوب والإيمان، وأحكام أهل الكبائر في الدنيا والآخرة، وأن من الكبائر ما هو قلبي خفي، ومنها ما هو لساني، ومنها ما هو جوارحي، ومن الكل فعلي وتركي، ومنها ظاهر ومنها خفي، ومنها ما هو تعد على حق الله، ومنها ما هو جناية على النفس، ومنها ما هو ظلم للخلق، ولقد أظهرت الآيات المحكمة الصريحة، والأحاديث النبوية الصريحة، الواردة بشأن الكبائر وأهلها، والمتضمنة للزجر عنها بذكر شدة الوعيد عليها وبيان تنوع عقوباتها في الدنيا والبرزخ والآخرة، على أن كبائر الذنوب منها ما هو من خفايا أمراض القلوب، ومنها ما هو من منكرات الألسن، ومنها ما هو من جرائم الجوارح، ومنها ما هو من قبائح الأخلاق والأحوال، ولكلٍ خطر، وبليغ أثر، وعظيم ضرر، في العاجلة والآجلة، على من لم يتب فيتقي شؤم ما اقترف وكسب، وقد قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء:111]، فلعلمه سبحانه لا يخفى عليه خفيها، كما لا يخفى عليه جليها، ومرتكبوها لن يعجزوه سبحانه طلباً، ولن يفلتوا منه عز شأنه هرباً، ولن يجدوا لهم في ملكه ملاذاً ومهرباً، قالت الجن: ﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا ﴾ [الجن:12].

 

معشر المسلمين: وكبائر الذنوب باعتبار تأثيرها على الإسلام والإيمان نوعان:

الأول: ما ينافي أصل الإسلام والإيمان، بحيث يخرج من تلبس به من الملة، ويجعله في عداد المرتدين، إلا أن يتوب قبل لقاء رب العالمين، وذلكم كالجحود والإباء، وسب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء، وصرف نوع من العبادة لغير رب الأرض والسماء، من نذر أو ذبح أو استغاثة أو استعانة أو دعاء، وترك الصلاة تهاوناً وكسلاً على الراجح من قولي العلماء، واستحلال المحرمات استحلالاً قلبياً، وجحود شريعة من شرائع الإسلام، والتحاكم إلى الطواغيت والقوانين الوضعية، مستحلاً لها، أو مفضلاً إياها، أو مساوياً لها بالشريعة الإسلامية، أو اعتقاد أنه يسوغ التحاكم إليها وإلى أهلها، وقد يدخل فيه سنن القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية، والإلزام بها، وحمايتها وأهلها، إلى غير ذلكم من هذا القبيل الوبيل، الذي حقيقته الاعتراض على جبار السماوات والأرض، والاستكبار عن الانقياد له، ومنازعته جل وعلا فيما هو من أخص خصائصه، والتمرد عليه بالتصرف في سلطانه في ملكه وعباده، فهذا النوع من الكبائر يبطل الإسلام، ويحبط العمل، وينقض الإيمان، وحقيقته الردة عن الدين، فمن مات عليه فهو من الأخسرين الأشقياء، المبلسين المخلدين في النار، مع إبليس أول من استكبر وعارض الشرع بالقدر، وتعهد بإضلال العباد عن الشرع الميسر، وإغوائهم والتزيين لهم لإضلالهم ليكونوا معه في سقر وبئست المقر.


معشر المؤمنين:

وأما النوع الثاني من الكبائر فهو مالا ينافي أصل الإيمان، لكنه ينقصه نقصاً خطيراً، وقد يرفع الإيمان عن المتلبس به رفعاً مؤقتاً، فإن تاب رد عليه الإيمان، وإن لم يتب كان على خطر من الزيغ والفتنة، فإن هذه الكبائر بريد الكفر، وسبب التعرض لبليغ العقوبة، ومزيد الضلالة والشر، وذلكم كترك واجب غير أركان الإسلام والإيمان، أو فعل محرم من غير استحلال، ولا شك بعد الإيمان، كأكل الربا وفعل الزنا، والعقوق وقطيعة الأرحام، وقذف المؤمنات المحصنات الغافلات، والتولي يوم الزحف، ومن جنس هذه الكبائر، الكذب والغيبة، والنميمة والبهت، وعدم الاستبراء من البول، وأخذ الرشوة، والتغيير لخلق الله كالواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والفالجة والمتفلجة والقاشرة والمتقشرة، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، في اللبس والهيئة والفعلة، لورود النص بالوعيد باللعن والنار، والحرمان من الجنة، لمن اقترف شيئاً من هذه الكبائر.

 

معشر المؤمنين:

إن هذا النوع من الكبائر المقرون باللعن والغضب وشدة المقت والوعيد بالخلود في النار، جرم خطير وذنب كبير لأنه -وإن كان لا يحبط العمل ولا يخرج من الملة ولا يخلد في النار- إلا أنه قد يكون البوابة الموصلة إلى الكفر، والخطوة الأولى في طريق النار، ومن دخل النار لزمه العذاب، ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان:65،66]، ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [آل عمران:192].

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء:66-70].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه، وأنزل له من الهدى والبيان، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أحق الحق وأبانه، وأبطل الباطل وجلى بطلانه، أحمده سبحانه، وأشكر له فضله وإحسانه، وأسأله للجميع عفوه وغفرانه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده فلا ند له في إلهيته وعبادته، كما لا شريك له في خلقه وربوبيته، ولا سمي له في أسمائه، ولا مثل له في صفاته.

وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده.

صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، الذين أقاموا الشعائر، واجتنبوا الكبائر، فتوالت عليهم من الله البشائر، فثبتوا على الإسلام، ونشروه بين الأنام، وأرغموا أنوف أهل الشرك والكفر والطغام.

 

عباد الله:

لقد دل الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح من الأمة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، أن مرتكب الكبيرة التي لا تنافي أصل الإيمان، ليس خارجاً عن الإسلام، ولا مرتداً عن الإيمان، ولا محكوماً له بالخلود في النيران، بل هو مؤمن بإيمانه، فاسق ناقص العدالة لعصيانه، فهو فاسق مليّ لا يوصف بالإيمان المطلق، ولا ينفى عنه أصل الإيمان، بل يحب ويوالى على قدر إيمانه، ويبغض ويعادى بحسب فسوقه وعصيانه، هذا حكمه في الدنيا. أما في الآخرة فهو من أهل الوعيد، إن عذبه الله فعدل، وإن عفى عنه سبحانه ففضل، ولا يخلد في النار إلا من حبسه القرآن لكفره أو شركه بالرحمن، وهذا من الأصول العظيمة الحكيمة التي باين فيها أهل السنة والجماعة المرجئة القائلين بكمال إيمان مرتكب الكبيرة، لأنه لا يضر من الإيمان ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة، والوعيدية من الخوارج والمعتزلة القائلين بخروج مرتكب الكبيرة مطلقاً من الإيمان وخلوده إن مات غير تائب من كبيرته في النيران، إنفاذاً لنصوص الوعيد وتعطيلاً لنصوص الوعد، فآمنوا ببعض النصوص وكفروا بالآخر بهذا الخصوص، من غير حجة ولا برهان، بل بمحض الهوى وتقديم زبالة الأذهان.

 

أيها المسلمون:

إن الكبائر مقسية للقلوب، جالبة لغضب ولعنة علام الغيوب، ومعسرة لكريم المطلوب، تعرض مرتكبها للوعيد، وأعظم ما يعذب به الله العبيد، أي خير حصله، من كسب بعمله اللعنة؟ وأي راحة لمن تأهل للغضب؟ وأي طمأنينة لمن تزلزل إيمانه؟ وطمع فيه شيطانه؟ وأي كرامة لمن فارق وصف المؤمنين؟ وعد من الفاسقين؟ وأي أمان لمن خطى خطوات في طريق النار؟ وتشبه في حياته بالمنافقين والكفار؟ وقد أخذ بأسباب زيغ القلب، وفتح على نفسه باب الفتنة، وقد يكون متلبساً بسوء الخاتمة.

 

أيها المسلمون:

لقد استهان كثير من الناس بكبائر من الذنوب، رغم خطرها، وشؤم وسوء عواقبها، وشدة ما توعد الله به أهلها من ضروب الوعيد وأصناف العذاب الشديد، فصارت الغيبة فاكهة المجالس رغم أنها كأكل لحم الميت، وهي مقدمة ووسيلة إلى النميمة، والنمام لا يدخل الجنة ويعذب في قبره، وفتن بعض الناس بإسبال الثياب، وفي الصحيح من الذين لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب شديد المسبل إزاره، والمنفق سلعة بالحلف الكاذب الذي جعل الله تعالى بضاعته، فلا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه. وحلق اللحى كبيرة قد تضاعف عليه العقوبة أضعافاً مضاعفة لما فيه من معصية الله تعالى، والرغبة عن سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ناهيكم بما فيه من المجاهرة التي يقتدي به فيه الأحداث والجهال، والتشبه بالمشركين والمغضوب عليهم والضالين والمجوس الضلال، مع ما في هذه الكبيرة من الاستحسان للمعصية، والإصرار على الخطيئة حتى تصبح جزءاً من الشخصية، فمتى يتوب من فتن بتلك البلية؟

 

معشر المؤمنين:

وكم من كبيرة صارت في أعين الناس هينة صغيرة، وهي عند الله تعالى عظيمة وكبيرة، بسبب غلبة ثقافة الأعداء، والاستحسان والاستهواء، والتمييع والتهوين للأحكام ممن ينتسب للعلم والعلماء، مثل التصوير الذي يعذب من صور صورة حتى ينفخ في صورة روحاً وليس بنافخ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة روحاً يعذب بها يوم القيامة))، وفيه أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال أحيوا ما خلقتم))، وفيه أيضاً: ((أشد عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهون بخلق الله))، وفي الحديث القدسي بقول الله تعالى: ((ومن أظلم ممن ذهب بخلق كخلقي))، ناهيكم بما وقعت فيه كثير من النساء من تبرج خطير أمام القريب والأجنبي، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: ((من أصناف أهل النار النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها))، وكم من وعيد شديد وتهديد أكيد لمن يستمع الموسيقى والمعازف مزمور الشيطان، روى البخاري معلقاً مجزوماً به أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف يسمونها بغير اسمها))، وفي الحديث: ((يخسف بهم ويمسخون قردة وخنازير))، قال أبو هريرة رضي الله عنه: ((لأن تمتلئ أذن أحدكم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع المعازف))، ويكفي قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان:6].

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين



[1] خطبة الشيخ عبد الله بن صالح القصير -حفظه الله- بجامع الأمير فيصل بن محمد بن تركي آل سعود.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة