• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع أ.د. مصطفى مسلم أ. د. مصطفى مسلم شعار موقع أ.د. مصطفى مسلم
شبكة الألوكة / موقع أ.د. مصطفى مسلم / فقه الكتاب والسنة


علامة باركود

توحيد الله جل جلاله

توحيد الله جل جلاله
أ. د. مصطفى مسلم


تاريخ الإضافة: 7/1/2013 ميلادي - 24/2/1434 هجري

الزيارات: 19186

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

توحيد الله جل جلاله


قال الله تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 163، 164].

 

شرْح الغريب:

• ﴿ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾: الإله في كلام العرب هو المعبود، سواء كانت عبادته بحق أو بغير حق، فكل ما وجِّه إليه الخضوع والتعظيم والتقديس سمِّي إلهًا، فالوثنيون كانوا يُعظِّمون التماثيل والأصنام التي تُمثِّل رجالاً من أسلافهم، وقد يكونون من الصالحين أو من زعمائهم، فجعلوهم آلهة وعبدوهم.

 

والوثنيون المعاصرون يوجِّهون التقديس والتعظيم والخضوع للحزب، أو للمبدأ، أو للقوم، أو للعِلم؛ فهي آلهة لهم، ولكن الإله الحق؛ أي: المعبود الذي يَستحقُّ العبادة دون سواه - هو الخالق الذي لم يُشارِكه في الخلق سواه.

 

وهو المصرِّف لأمور خلْقه، المدبِّر لشؤونهم، لا يَمنعه ولا يُعجِزه غيره، وهو الذي أحاط بكل شيء علمًا، فلا تَخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض.

 

وهو الذي بيده الإحياء والإماتة، ومصير كل شيء إليه؛ لذا نَفَت الآية الكريمة صفة الألوهية عن الجميع، وأثبتتها لمن كانت هذه صفاته التي ورَدت بعدها مباشرة (الرحمن، الرحيم).

 

والقرآن الكريم لم يُطلِق لفظة (الإله) بالإفراد إلا على المعبود بحق، وهو الله - جل جلاله - واستخدَم كلمة آلهة على معبودهم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأحقاف: 28].

 

والمعبود بحق واحد في ربوبيته، وواحد في ألوهيته، وواحد في أسمائه وصفاته، لا يُشارِكه فيها أحد.

 

• ﴿ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: تأكيد لمعنى الوحدة ﴿ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾، ولرفْع احتمال أن يكون المراد إله المسلمين واحد؛ لأن الخطاب جاء بصيغة ﴿ وَإِلَهُكُمْ ﴾، فجاءت جملة ﴿ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ لنفي حقيقة الألوهية عن غير الله تعالى.

 

• ﴿ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾: وصفان مشتقَّان من الرحمة للمبالغة في رحمته بعباده، والوصف الأول خاصٌّ بالله تعالى لا يوصَف به غيره.

 

وهو يشمَل المخلوقات عامَّة، ومنها الكافر؛ لذا يقال: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة؛ لأن رحمته في الآخرة خاصة بالمؤمنين.

 

الرحمن: خاصُّ الذات عامُّ الفِعْل: أي لا تُطلَق إلا على الذات الإلهيَّة، وآثارها تَعُم الخلائق.

 

الرحيم: خاصُّ الفِعْل عامُّ الذات: أي آثارها خاصة بالمؤمنين، وتُطلَق على المخلوقات.

 

• ﴿ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: السماء: إذا أُطلِقت مُفرَدة، فالمراد بها الجو المرتفع فوقنا الذي يبدو كأنه قبة زرقاء، وهو الفضاء الهائل الذي تَسبح فيه الكواكب؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ﴾ [الملك: 5]، وقوله: ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾ [الصافات: 6]، وفي لغة العرب تُطلَق لفظة السماء على كل ما علا وارتفَع، فيُطلَق على السحاب، وعلى سقف البيت، وغير ذلك، أما ﴿ السَّمَوَاتِ ﴾ فإذا وردت جمعًا - وغالبًا ما تُحدَّد بالسَّبع - فالمراد بها أجرام عُلوية الله أعلم بحقيقتها، وتَباينتْ أقوال العلماء في تحديدها، فمن قائل: "إنها السيارات السَّبع في المجموعة الشمسية"، ومن قائل: "إنها أفلاك تَدور فيها الأجرام العلوية".

 

ومن قائل: إنها......

 

وتَعيينُها نوع من التحكُّم الذي لا دليل عليه؛ فقد ورَد لهذه السموات أوصاف قرآنية؛ مثل: (طِباق - بِناء - سقف محفوظ)، نؤمن بها على ظاهِرها من غير تحكيم لمدارِكنا الفعلية التي قد تتغيَّر حسَب تقدُّم عِلم الفلك.

 

﴿ الْأَرْضِ ﴾: هو الكوكب الذي جعله الله مِهادًا وفِراشًا، وهيَّأه لسكنى الكائنات الحية من الإنسان والحيوان والنبات، ولم تأتِ اللفظة في القرآن الكريم إلا مفرَدة؛ قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، وهي إحدى كواكب المجموعة الشمسيَّة، وفيها آيات عظيمة تدلُّ على دِقة صَنعة الخالق وعظمة قُدرته، فبدورَتي الأرض يتولَّد الليل والنهار (الدورة حول نفسها)، وتتولَّد الفصول الأربعة من دورتها حول الشمس.

 

فكما في كلٍّ من السموات والأرض بانفرادٍ آياتٌ عظيمة تدل على عظمة الخالق ووحدانيته، ففي مجموع السموات والأرض وأنظِمتها وتناسُقها في الأداء آيات عظيمة أيضًا، فانتِظام الحُكم الذي تَسير بموجبه الأجرام العُلوية في أفلاكها، وما يتولَّد منها من آثار على الأرض ولمنافع الناس علامات على عظمة خالِقها ووحدانيَّته ودِقة صُنعه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41].

 

• ﴿ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾: نتيجة دوران الكرة الأرضية حول نفسها مقابِل الشمس؛ ففي كل دورة كاملة يتولَّد نهار ويَعقُبه ليل، يَخلُف أحدهما الآخر، وفي كل منهما فوائد عظيمة للمخلوقات على الأرض عامَّة، وللإنسان خاصة.

 

ومن أبرزها ما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورً ﴾ [الفرقان: 47].

 

فالليل للسكينة والهدوء والاستقرار وأخْذ الإنسان قسْطه من الراحة النفسية، أما النهار، فلسعي وكسْب المعيشة والضرب في الأرض، ولو كانت الأرض ملازِمة لحالة واحدة إما ليل دائم أو نهار دائم، ما قامت حياة ولا نشاط بشري على الأرض؛ لذا منَّ الله تعالى على الإنسان بهذه النعمة العظيمة في اختلاف الليل والنهار؛ ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 71 - 73].

 

ونوع آخر من اختلاف الليل والنهار: وهو طول أحدهما وقِصَر الآخر وتساويهما أحيانًا؛ حسَب موقع الكرة الأرضية في مدارها حول الشمس؛ فليل الشتاء طويل ونهاره قصير بعكس الصيف، وفي يوم محدَّد من الخريف والربيع يتساوى الليل مع النهار في الطول، وفي كل ذلك فوائد ومنافع عظيمة للناس، وآثار على الحياة على الكرة الأرضية، وقوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴾ [الإسراء: 12].

 

فبالليل والنهار تُعرَف الأيام والشهور والسنوات، وفي كل ذلك دلالة على عظيم قدرة الخالق - سبحانه وتعالى - وجليل حكمته لانتِظام الحياة على الكرة الأرضية.

 

• ﴿ وَالْفُلْكِ[1] الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ ﴾: جريان السفن في البحر؛ أي: وضع هذه الخاصية في البحار، بحيث تحمل السفن التي تُشحَن بمختلف الأشياء (من السوائل كما نشاهِده في حاملات النفط، والبضائع من المواد الغذائية، والأدوات الصناعية، والركاب، وحاملات الطائرات وغيرها)، ومِن المعجزات القرآنية أن شبَّه هذه السُّفن بالجبال المرتفعة في وقتٍ لم يعرِف العالم مِثل هذه السفن، قال تعالى: ﴿ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ﴾ [الرحمن: 24]، وقد صنَع الإنسان في العصر الحديث سُفنًا أَشبه ما تكون بمدنٍ مُتنقِّلة تتوافَر فيها كل احتياجات الناس، وقد تطوَّرت صناعة السفن، فبَدلاً من أن تكون من الخشب والأشرعة تعتمِد على الرياح في جَريانها، أصبحت الآن تَمخر البحار بقوة الطاقة الحرارية والطاقة النووية، وهذه السفن من آمَن وسائل النقل وأقلِّها تَكلِفة.

 

• ﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ ﴾: تقدَّم أن السماء إذا وردتْ مُفردة تعني جِهة العُلوِّ، سواء كان سَحابًا، أو الهواء المحيط بالأرض، أو الغلاف الجوي... إلخ.

 

أما الماء، فهو عنصر الحياة على هذه الأرض؛ كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء: 30].

 

والدورة المائية على الكُرة الأرضية من أدقِّ الدلالات على عظمةِ الخالق - سبحانه وتعالى -: حيث التبخُّر من البحار والمحيطات والبحيرات والأنهار والنباتات، ثم صعودها إلى طبقات الجو الباردة؛ ليَحدُث التكاثف وتَسوق الرياح هذه السُّحب المشبعة بذرات الماء إلى حيث يشاء الله - سبحانه وتعالى - لتُنزِل مطرًا مدرارًا على الجبال والروابي والسهول وبطون الأودية؛ لتحيا به الأرض بعد موتها: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 48 - 50].

 

وليست هناك قطرة من الماء تنزِل إلا بإذن من الله وأمْره، ولا توجد سنة بأمطَرَ من سنة؛ كما يقول ابن عباس؛ أي: إن نِسبة المياه في الدورة السنوية للمياه على الكرة الأرضية واحدة - ولكن تقسيمها بين الناس يكون بسبب أعمالهم؛ فيُحرَم منها أناس، ويُرزَق بها آخرون؛ كما في صحيح مسلم.

 

• ﴿ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾؛ أي: أجرى الحياة في الأرض بالإنبات، فالماء عنصر أساسي في رطوبة الأرض وتهيئة المناخ الملائم لإنبات البِذرة الموجودة في التُّربة.

 

تساق الدورة النباتية في القرآن الكريم بثلاثة أمور بارزة:

أ- كمثل لسرعة الحياة الدنيا وزوالها، وأنها غير مخلدة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 45- 46].

 

ب- والأمر الثاني لبيان إمكان البعث بعد الموت؛ فالدورة النباتية تُشبِهها الدورة الحياتية للإنسان كما في قوله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 9 - 11]؛ أي: كما أحيا الله البلدة الميتة بالمطر؛ فازدَهرت فيها النباتات ودبَّت الحياة فيها، كذلك يُنزِّل الله يوم القيامة مطرًا كالطل فتبعث الأجساد من قبورها وتوجَّه لأرض الحشر حُفاة عراة غُرْلا؛ كما ورَدت بذلك الأحاديث الصحيحة، وكما في قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57].

 

وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ [الزخرف: 11].

 

ج- النِّعم التي أنعم الله بها على المخلوقات: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عبس: 31، 32]، ﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ ﴾ [النحل: 67].

 

• ﴿ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ﴾: والدواب التي تَدِب على الأرض تسير فيها وتقتات من حشائشها، فالنبات العمدة الأساسية في معايشها وتَكاثُرها، حتى الدواب آكلة اللحوم، فإنها تعيش على الدواب آكلة الأعشاب.

 

وبثُّ الدواب في الأرض يدل على كثْرتها وانتِشارها، وهاتان الفقرتان من الآية الكريمة اشتَملَتا على أصول عِلم التاريخ الطبيعي المكوَّن من معادن الأرض والنبات والحيوان.

 

• ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾:

الرياح: كانت تُعرَف الرياح بأسماء، عند أهل البادية:

الصَّبا: وهي الرياح التي تَهُب من الشرق.

الدبور: وهي التي تهب من جِهة الغرب.

الشمال: وهي التي تهب من الشمال.

النكباء: وهي التي تأتي من الجنوب.

 

وقد تقدَّم عِلمُ الأرصاد في العصر الحديث، وأصبح عِلمًا له مجالاته وأساليبه وتخصُّصاته.

 

إن عِلم الأرصاد يكشِف الحقيقة القرآنية: ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164]، وقوله: ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الجاثية: 5]:

• أن هناك تصريفًا - توازنيًّا تامًّا للرياح.

 

• أن هناك قوانين تحكُم حركة الرياح.

 

ذكَر القرآن الكريم بعض أنواع الرياح؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ﴾[2] [المرسلات: 1] ويقول عنها العلم الحديث: هي الرياح النموذجية، ويظهر أثرُها على سطح البحر، وفي تموُّجات الرمال.

 

وفي قوله تعالى: ﴿ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا ﴾ [المرسلات: 3، 4] إشارة إلى نوع آخر من الرياح، وهي التي تنتشر من بقعة معيَّنة على الأرض ثم تتفرَّق[3].

 

وفي قوله تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 22] - توضيح لدور الرياح في حمْل ما يسمَّى (نويات) التكاثف، وهي الذرات التي تحمِلها الرياح إلى أعالي الجو؛ ليتكاثف حولها بخار الماء إلى أن يَثقُل الماء حول هذه النوية، فلا يستطيع الهواء حمْلها، فتسقُط قطرة مطر.

 

مهمة الرياح: لأول وهلة:

والريح العَقِيم: هي الريح التي لا تحتوي على نوية، ولا على الرُّطوبة؛ فتكون عقيمة ولا تُلقِّح شيئًا: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ﴾ [الذاريات: 41].

 

والعلاقة بين الرياح والسُّحب وطيدة، فالرياح هي التي تتسبَّب في إنشاء السحب، ثم رفْعها إلى الأعلى، ثم نقْلها إلى المناطق البعيدة، كل ذلك بتقدير القادِر - سبحانه وتعالى - حيث يقول: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57].

 

السحاب:

الارتباط بين الرياح والسَّحاب ارتباطٌ وثيق؛ فالرياح هي المُنشِئة بقدرة الله للسحاب، ثم الرافعة له، ثم الناقلة.

 

وذكِرت أنواع عديدة من السُّحب في القرآن الكريم، وتعرَّف عِلم الأرصاد الجوية إلى أنواع كثيرة منها، وقليل منها المُمطِر.

 

• السُّحب الرُّكامية: وجاء ذكْرها في القرآن الكريم: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 43].

 

وهذا النوع من السُّحب هو الوحيد الذي قد يُصاحِبه برد وبرق ورعد، ويتميَّز بسُمكٍ كبير، قد يصِل إلى أكثر من (15) كيلو مترًا، ويُشبِه الجبال.

 

• والآية الكريمة أشارت إلى مراحل تكوين السحاب الرُّكامي:

أ- دفْع الهواء للسُّحب قليلاً قليلاً: ﴿ يُزْجِي سَحَابًا ﴾.

 

ب- التأليف بين قِطَع السُّحب: ﴿ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾.

 

ج- والتأليف وكذلك تَراكُمه يستغرِِق وقتًا، فجاء التعبير بثم: ﴿ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ﴾.

 

د- وإذا توقَّفت عملية الرَّكم أعقَبها نزول المطر مباشرة، من خلال مناطِق خَلَل في السحاب: ﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ﴾.

 

هـ- وتكوُّن البَرَد لا يكون إلا من السُّحب الرُّكامية؛ لشَبَهها بالجبال.

 

و- والبرق مُرتبِط بالبرد الذي يكوِّن شحنات كهربائية عند تكوُّنها وسقوطها (حقائق وأسرار لم تكتشف إلا في العصر الحديث).

 

• والنوع الآخر من السَّحاب الذي فصله القرآن الكريم: المزن - السحاب الطبقي أو المُنبسِط:

يقول - عز وجل -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الروم: 48].

 

والحقائق التي أشارت إليها الآية الكريمة:

أ- أن الرياح تَنشَط (تُثِيرُ) وتكوِّن ظهور السُّحب، وذلك بتبخير الماء.

 

ب- انتِشار هذا النوع من السحاب على هيئة طبقة في السماء: ﴿ فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ ﴾.

 

ج- انفصال أجزاء السحاب بعضها عن بعض: ﴿ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا ﴾.

 

د- بعد الانفِصال إلى أجزاء يسقط المطر: ﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ﴾.

 

هـ- هذه السُّحب لا تُنتِج بَرَدًا أو عواصف رعديَّة، فتكون الأمطار النازلة منها مَدْعاة للاستِبشار بها وفَرَح الناس بها؛ لخُلوِّها من الآثار المدمِّرة: ﴿ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾.



[1] الفلك: جمع تكسير، مفرده: فُلُك بضم الفاء واللام، وقيل: المفرد بفتح الفاء وسكون اللام، وقيل: الجمع والمفرد سواء في التلفظ والسياق هو الذي يفرق؛ قال تعالى ﴿ اصْنَعِ الْفُلْكَ ﴾ [المؤمنون: 27]، والأصل في المفرد التذكير كما في قوله تعالى: ﴿ الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ [الشعراء: 119]، ويؤنث على تأويل السفينة كما في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا ﴾ [هود: 41]، ﴿ وَهِيَ تَجْرِي ﴾ [هود: 42].

[2] انظر: إعجاز القرآن الكريم في وصف أنواع الرياح، السحاب، المطر، (ص 15، 17)؛ لمجموعة باحثين، نشر دار القبلة.

[3] انظر: إعجاز القرآن الكريم في وصف أنواع الرياح، السحاب، المطر، (ص 15، 17)؛ لمجموعة باحثين، نشر دار القبلة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب
  • صوتيات
  • تعريف بالمؤلفات
  • مرئيات
  • مقالات
  • علوم القرآن
  • فقه الكتاب والسنة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة