• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع أ.د. مصطفى مسلم أ. د. مصطفى مسلم شعار موقع أ.د. مصطفى مسلم
شبكة الألوكة / موقع أ.د. مصطفى مسلم / مقالات


علامة باركود

أدلة الإيمان في القرآن

أدلة الإيمان في القرآن
أ. د. مصطفى مسلم


تاريخ الإضافة: 27/8/2018 ميلادي - 15/12/1439 هجري

الزيارات: 56024

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أدلة الإيمان في القرآن

 

من أسس العقيدة الإسلامية الإيمان بالله وحده، والمنهج القرآني في الاستدلال على وجود الله تعالى ووحدانيته يتسم بما يلي:

1- أنه منهج فطري:

حيث يكون الاستدلال على وجود الله تعالى وتوحيده من خلال مشاهدات الإنسان اليومية التي تدخل في حياة كل إنسان مما حوله في الكون وفي النفس، يقول تعالى:

• ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20].

• ﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ... ﴾ [الواقعة: 57 - 59].

• ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ... ﴾ [الواقعة: 63، 64].

• ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ... ﴾ [الواقعة: 68، 69].

• ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ... ﴾ [الواقعة: 71، 72].

• ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ﴾ [الواقعة: 83] ... ﴿ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ... ﴾ [الواقعة: 57-87].

 

فالحياة الجنينية، والنشأة النباتية، وشربة الماء العذب، وموقد النار، ولحظة الموت تدخل في مشاهدات كل إنسان سواء كان ساكن الغابات أو ساكن ناطحات السحاب.

 

2- الاستدلال الشامل من خلال مجالات الكون والمخلوقات كلها (الكون، الإنسان، الحيوان، النبات). وذلك مراعاة لطبائع البشر وتنوع اهتماماتهم. والقرآن كتاب الهداية لجميع البشر يقول تعالى ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 163-164].

 

أنواع الأدلة القرآنية على وجود الله تعالى وتوحيده:

أولاً: أدلة الخلق:

وهي التي تتحدث أن للكون خالقاً مبدعاً، متفرداً بالخلق والإيجاد وتبين بطلان القول بأزلية الكون وقدمه.

كما في قوله تعالى ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [الأنبياء: 30-33]، وقوله تعالى ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة: 7-9]، وقوله تعالى ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 9-11].

 

إن العاقل عندما يفتح عينيه ويجيل النظر فيما حوله من هذه المخلوقات المختلفة، يسأل نفسه من خلق هذه المخلوقات؟ بل من خلقه وأبويه؟ إن الشيء لا يخلق نفسه، والمخلوق لا بد له من خالق وكما قال الأعرابي: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وأبحر ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير!! يقول عز من قائل ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الطور: 35-36].

 

ثانياً: أدلة العناية:

وكثيراً ما تقترن بأدلة الخلق، فهي تتحدث عن خلق المخلوقات على هيئات وكيفيات معينة لتحقيق أمرين:

أ‌- استمرارها وفق الحالة المرسوم لها كما أرادها خالقها.

ب‌- أداء الدور الوظيفي الذي سخرت من أجله.

• كما في قوله تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾ [الفرقان: 2].

 

• وقوله تعالى: ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 19-21].

 

• وقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس: 71-73].

 

• وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 99].

 

• وقوله تعالى ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، وقوله ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1-4].

 

إن المتدبر لأحوال المخلوقات حوله يجد أن لكل مخلوق نظاماً يسير عليه، وكل مخلوق ميسر للقيام به ومسخر لأداء دور في هذا الكون. فيتبادر السؤال إلى الذهن: من الذي أوجد هذا النظام الدقيق في الكون؟ ومن الذي سخر هذه المخلوقات الضخمة كالشمس والقمر والجبال والبحار وغيرها لتقوم بهذا العمل الدؤوب؟

 

إن الجواب العقلي والفطري الذي أوجدها هو الذي وضع لها النظام وهو الذي سخرها لأداء وظائفها يقول عز من قائل: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 32-34]، إن عناية الله بالكون من الذرة إلى المجرة خلقاً وتدبيراً ورعاية مستمرة، فهو الحيّ القيوم الذي لا يغفل عن مخلوقاته طرفة عين ولا أقل من ذلك. ولو أخذته سنة أو نوم أو غفلة لاختل نظام الكون بأسره، فسبحان الله تعالى عما يقوله الظالمون.

 

ثالثاً: أدلة الفطرة:

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه..»[1] فلو ترك المولود من غير مؤثرات بيئية عليه لنشأ معترفاً بوجود الله تعالى وموحداً له. ولكن الأسرة ومؤثرات البيئة الاجتماعية تؤثر على تفكيره فتحدد عقائده وتؤثر على سلوكه فتوجه أسلوب حياته ولكن على الرغم من هذه المؤثرات فإن الفطرة تعود على حالتها الأولى من توحيد الله تعالى في حالات:

1- حالة الاضطرار:

وتبرز هذه الحالة عندما ينقطع أمله من المخلوقات وييأس من الأسباب فيتوجه بكليته إلى الله تعالى، كما يحدث القرآن الكريم عنهم: ﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم: 33].

 

• وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً ﴾ [الإسراء: 67].

 

• وقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 22-23].

 

2- تطلع الفطرة إلى الكمال:

الإنسان يشعر في قرارة نفسه بالعجز عن أمور كثيرة، ويشعر بالنقص في نفسه في جوانب من صفاته وكثيراً ما يحاول تغطية عجزه بإظهار القدرة، ويبرز نفسه على عكس الصفات التي يتصف بها من القصور والنقص، فشعوره هذا يجعله متطلعاً إلى المثل والقدوة الكاملة المتصفة بصفات الكمال المطلق والمنزهة عن صفات النقص.

 

يقول عز من قائل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [فاطر: 15-16].

 

3- الإنسان مخلوق من مادة وروح، ونفخة الروح الربانية هي مناط التكريم والتكليف ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71-72]

 

فللمادة متطلباتها من الغذاء للإبقاء على الحياة الإنسانية، وللروح متطلباتها من الإرواء للإبقاء على حالتها وسكينتها. وبدون إرواء الأشواق الروحية يكون الإنسان قلقاً مضطرباً تعساً يشعر بالخواء الروحي يقول عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124-126]. وإشباعها يكون بالتوجه إلى الخالق المدبر عالم الغيب والشهادة الذي بيده مقاليد الأمور كلها، بالتعظيم والعبادة والتوكل والخوف والرجاء.

 

رابعاً: البراهين العقلية:

ويقصد بهذا النوع من البراهين التي توجه الاستفسارات إلى العقل وترتب النتائج على المقدمات ليستخرج الإقرار من العاقل بأن للكون خالقاً واحداً لا شريك له. من هذه الأدلة:

1- الأدلة البدهية:

فهناك ما يثير التساؤلات والاحتمالات، فالبديهة ترفض احتمالات وتقبل غيرها فمثلاً يقول جل شأنه: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الطور: 35-36]، فالآية الكريمة تثير ثلاثة احتمالات ترفضها البديهة العقلية، ويبقى الاحتمال الرابع هو المقبول: فالاحتمال الأول أن العدم أوجدهم، وهو احتمال باطل لأن العدم لا يوجد شيئاً ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾، والاحتمال الثاني أن بعض المخلوقات خلقت بعضها الآخر، وهو احتمال باطل أيضاً لأن البعض الذي نسبنا إليه الخلق يعود الاحتمال الأول إليه فمن خلقه هل خلق من العدم ﴿ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾، الاحتمال الثالث أم خلقوا السماوات والأرض، وهو احتمال باطل أيضاً لأن أحداً من المخلوقات لا يدعي ذلك فالواقع يكذبه ﴿ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾. فلم يبق إلا الاحتمال الرابع وهو أن يكون غير المخلوقات خلقهم أي أن للمخلوقات والسماوات والأرض خالقاً غير المخلوقات. وبالتالي فيتصف بصفات مغايرة لصفات المخلوقات، فالمخلوقات لها بداية ونهاية فالخالق ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]، والمخلوقات تتألف من أجزاء وأبعاض فالخالق منزه عن التبعيض والأجزاء. والمخلوقات تعتورها الحوادث والأعراض والله سبحانه وتعالى منزه عن الحوادث والأعراض. فلا ولادة ولا نمو وتكاثر ولا هرم وشيخوخة ولا موت كما تعتور المخلوقات، فالله منزه عنها سبحانه وتعالى عما يصفون ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].

 

2- دليل التمانع:

يقول جل جلاله ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 21-23]. إن نظام الكون الدقيق وأداءه لوظائفه المنسقة بكفاءة عالية تدل على أن الكون خاضع لإرادة عليم خبير قدير لا شريك له. ولو كانت هنالك إرادة أخرى أو خالقاً آخر لفسد النظام الكوني، ولما استقامت أحواله.

 

3- دليل الفرض والتسليم:

ويقوم هذا الدليل على التسليم بدعوى الخصم تسليماً جدلياً – ولو كانت دعواه مستحيلة – ثم يستدل على إبطال الدعوى بالنتائج الخاطئة المتناقضة التي تترتب على هذه الدعوى كما في قوله تعالى ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [المؤمنون: 91-92].

 

إن مفهوم الألوهية هو القدير الذي لا يعجزه شيء يقول للشيء كن فيكون، فلو كان معه إله آخر لتعارضت قدرته مع قدرة الآخر فلا بد أن يعجز أحدهما الآخر فلا يقال للعاجز إنه إله، فهذا يبطل الزعم بأنه إله فإن الإله الحق لا يعجزه شيء فهو منزه عن صفات النقص. ومثل الآية السابقة قوله تعالى ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 42-43].

 

إن هذه الأدلة العقلية تفرض على العقل المجرد عن سلطان الهوى والعناد التسليم بوجود إله واحد للكون لا شريك له، له الخلق والأمر تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

 

ملحوظة: الفرق بين دليل التمانع ودليل الفرض والتسليم:

أن أثر الأول (التمانع) يعود إلى المخلوقات واضطراب نظامها واستحالة استمرارها.

أما الثاني (الفرض والتسليم) فيعود إلى الخالق ذاته ويلحق به صفات النقص وهو منزه عنها.

 

خامساً: ثبوت صفات الكمال المطلق والتنزه عن صفات النقص:

لقد ذكر القرآن الكريم للإله الحق صفات ونزهه عن صفات، وهذه الأسماء والصفات بمثابة موازين يعرف بها الإنسان المعبود بحق عن سواه. إننا نقرأ جملة من الأسماء والصفات في آية الكرسي ﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

 

فدلالة:

• الحي: أنه ذو الحياة الذاتية الذي لا يعتمد في حياته على سواه.

• القيوم: الحافظ لكل شيء القيم عليها الرقيب لها المحاسب لها.

• لا تأخذه سِنة ولا نوم: إن الكائنات الحية تحتاج إلى نوم على شكل ما والتي تحرم النوم لفترة تشعر باضطراب في حياتها، فمن صفات الخالق أن لا يغفل عن المخلوقات ولا يحتاج في ذاته إلى راحة من التعب أو النصب ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [قّ: 38].

• له ما في السماوات وما في الأرض: لا أحد يزعم أنه يملك ما في السماوات والأرض خلقاً وتدبيراً واستمراراً وإنهاءً.

• لا يحدث في الكون شيء إلا بإذنه.

• لا يعزب عن علمه شيء، أحاط بكل شيء علماً.

• وسع كرسيه السماوات والأرض.

• ولا يؤوده حفظهما: لا يعجزه شيء ولا يغيب عن علمه شيء في حفظ السماوات والأرض.

• وهو العلي العظيم.

 

هذه صفات الإله بحق فهل تتوافر في أحد من المخلوقات؟

فإن لم يتصف بها معبود ما من الآلهة المزعومة فهو إله غير صحيح مزور لا ينبغي أن يعبد.

 

لذا ورد قوله تعالى بعد آية الكرسي ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256].... وهكذا سائر الأسماء والصفات لرب العالمين التي وردت في القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم[2].



[1] أخرجه البخاري ومسلم.

[2] انظر هذه الأدلة مفصلة في مبحث (الألوهية) من كتاب (مباحث في التفسير الموضوعي) للدكتور مصطفى مسلم ص117.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب
  • صوتيات
  • تعريف بالمؤلفات
  • مرئيات
  • مقالات
  • علوم القرآن
  • فقه الكتاب والسنة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة