• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع أ.د. مصطفى مسلم أ. د. مصطفى مسلم شعار موقع أ.د. مصطفى مسلم
شبكة الألوكة / موقع أ.د. مصطفى مسلم / علوم القرآن


علامة باركود

من دلائل النبوة: الحقائق الكونية التي وردت على لسان الأمي

من دلائل النبوة: الحقائق الكونية التي وردت على لسان الأمي
أ. د. مصطفى مسلم


تاريخ الإضافة: 2/10/2017 ميلادي - 11/1/1439 هجري

الزيارات: 28483

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من دلائل النبوة

الحقائق الكونية التي وردت على لسان الأمي

 

قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا * وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ﴾ [الفرقان: 45 - 55].

 

المناسبة بين المقطع وسابقه:

بعد الحكم على القوم بأن لا سبيل لإفهامهم ولا رجاء في اهتدائهم عن طريق المحاكمات العقلية فقد اتبعوا أهواءهم وجعلوها إلههم فنزلوا إلى دركة البهائم بل هم أضل.

جاء في هذا المقطع جملة من الظواهر الكونية المحسوسة، لعلها تثير فيهم التأمل والتدبر، فإن هذه الظواهر تدل على النظام في الكون، والإرادة المدبرة لشؤونه، ولا يمكن أن تكون صدفة عمياء أوجدت هذا النظام الكوني الدقيق الذي يحقق مصالح المخلوقات في هذا الكون... إن تدبر المشاهد المحسوسة في الكون سبيل للتفكير إلى ما وراء المحسوسات من عالم الغيب، فإن المحسوسات طريق إلى المعقولات، وهي طريق للإيمان بعالم الغيب.

وسوق الأدلة من المشاهد الكونية موافق للتقسيم السابق "أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون" فالسماع للمنقول، لكي يتدبروا ما أنزل من الآيات القرآنية. والعقل للآيات الكونية المشاهدة. فإن لم ينتفعوا بالآيات المسموعة، ولم يفهموا الآيات المرئية المشاهدة فلا فائدة في حواسهم، فالأنعام لها حواس أيضاً.

وهذا المقطع له علاقة بقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 6].

 

تمهيد بين يدي البحث في الآيات الكونية:

كثر في عصرنا هذا ما يقال عنه: (تفسير الآيات الكونية) أو (الإعجاز العلمي) ولقد انزلقت أقدام كثير من الباحثين نتيجة اندفاعهم وراء المكتشفات الحديثة والنظريات التي ذكرها علماء الفلك والطبيعة...

وحاولوا لَيَّ أعناق النصوص الكريمة ليجعلوا تلك النظريات تفسيراً لها. وفي هذا الأمر من الخطورة الشيء الكثير، لذا كان لزاماً علينا أن نبين المنهج الوسط في تفسير هذه الآيات الكريمة ونضع ضوابط علمية تعصم الباحثين من الانزلاق، وتحميل النصوص ما لا تحتمل، وكذلك نجنبهم من ردود الأفعال التي انتابت بعضهم، فأداروا ظهورهم للإشارات الدقيقة للحقائق التي أودعها الله في كونه (الذي يعلم السر في السماوات والأرض) حيث ذهب بعض المعاصرين إلى شن حملة شعواء على القائلين بالإعجاز العلمي الذين ذهبوا إلى تفسير تلك الآيات على ضوء الحقائق العلمية التي أماط عنها اللثام البحث العلمي والجهد البشري. فمن هذه الضوابط:

أولاً: أن لا نخرج القرآن الكريم عن مهمته الأساسية، أنه كتاب هداية للبشرية، ولا نعتقد فيه أن يقدم لنا تفسيراً تفصيلياً للظواهر الكونية أو الطبيعية التي نشاهدها.


والإشارات التي جاءت في القرآن الكريم تلفت النظر إلى حقيقة كونية في الفلك أو في البحار أو في الجبال أو في النبات أو الحيوان أو الإنسان.. هذه الإشارات منسجمة مع المهمة الأساسية للقرآن الكريم وهي إخراج الإنسان من متاهات الجهالة وظلمة الشرك إلى نور التوحيد وإدراك حكمة الله تعالى في مخلوقاته، وأنه الواحد الأحد الذي لا شريك له في ملكه وبيان قدرته على الإبداع والتدبير وإليه المآل والمصير. ولو تتبعنا الآيات الكونية لوجدناها:

إما أن تتقدم بالدعوة إلى التوحيد ثم تساق الآيات دليلاً على ذلك كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 163 - 164].


• وإما أن تُعقَّب الآيات الكونية بتوجيه سؤال عن واضع هذه الأسرار وهذه الأنظمة في الكون هل يوجد إله غير الله صنع ذلك.

كما في قوله تعالى: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 60 - 65].


• أو لبيان نعم الله على مخلوقاته عامة، وتسخير هذه المخلوقات للإنسان ليدرك الإنسان قيمة هذه النعم التي تحيط به من كل جانب، فيتوجه بالشكر والعبادة إلى مسديها جلَّ جلاله، كما في قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس: 71 - 73].

وغيرها من الأساليب القرآنية التي عرضت الحقائق الكونية والظواهر الطبيعية، وكلها تهدف إلى تعبيد الإنسان للخالق الديان، أو لبيان عظيم قدرته سبحانه وتعالى في رعاية مصالح عباده كما في قوله تعالى: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ * خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الزمر: 5 - 7].


ثانياً - أن يجعل الباحث الحقائق العلمية المسلّم بها بين أهل الاختصاص مجال البحث والتفسير.

من المعلوم أن المكتشفات العلمية تمر بمراحل، فأول ما تلفت الظاهرة النظر، يفترض الباحث لها احتمالات، فإذا غلب على ظنه تفسير معين لها ركز عليها التجربة أو الدراسة فهي في هذه المرحلة فرضية.

فإذا استطاع أن يقيم عليها البراهين والأدلة انتقلت إلى مرحلة النظرية، فإذا اطردت النتائج ولم تختلف النتيجة من زمان إلى زمان، وفي مكان عن مكان آخر، وعلى يد الباحثين جميعاً أدت إلى نتيجة واحدة، صارت حقيقة علمية. فإذا أردنا أن نفسر آية كونية، علينا أن نرجع إلى الحقائق العلمية في هذا المجال، فإن وجدنا إحداها يمكن أن تكون تفسيراً للآية، بحيث تعطي الحقيقة العلمية بعداً إضافياً للفهم المتبادر من الآية، فعندئذٍ يمكن أن نجعل الحقيقة العلمية من الوسائل التي تعيينا على فهم الآية.


وهناك حقائق كثيرة تعطي أبعاداً تفسيرية للآيات الكريمة كما في قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء: 30]. فحيث وجد الماء كانت الحياة.

وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14].

حيث ذكرت أطوار النشأة الجنينية السبعة، ولم يدركها العلم الحديث إلا متأخراً.

إن النظريات العلمية قابلة للإبطال وتراجع أصحابها عنها، وربط تفسير الآيات القرآنية بتلك النظريات، يؤدي إلى اضطراب أذهان الناس وتزعزع ثقتهم بالقرآن الكريم في حال رجوع أصحابها عنها أو ظهور بطلانها. فعلى الباحث عدم التعريج على تلك النظريات مهما بلغت من الشهرة والذيوع ما دام هناك احتمال - ولو ضئيل - ببطلانها.

 

ثالثاً: عدم حصر دلالة الآية على الحقيقة العلمية الواحدة:

إن من إعجاز القرآن الكريم أسلوبه المرن الذي يسع فهوم الأجيال المتعاقبة، ولا يستطيع جيل من الأجيال أن يحيط بدلالات هذا الأسلوب - وخاصة في الآيات الكونية والسنن الاجتماعية - أو باختصار فيما عدا آيات التشريع - وقد تكتشف حقيقة علمية في عصرٍ من العصور، ويظن الباحثون أنها المقصود بالآية ويحصر دلالة الآية عليها، فهذا أيضاً منهج خاطئ يجب تجنبه، لقد حصر كثير من المعاصرين دلالة قوله تعالى: ﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة: 4] في البصمات التي اكتشفت عام 1880م على يد أحد العلماء الغربيين وقالوا: إنها المراد بالآية. ونحن نقول: إن هذا الاكتشاف العلمي أعطى بعداً جديداً لدلالة الآية، ولكن لا ينبغي الاقتصار عليه فقد يأتي يوم يكتشف شيء أدق وأعمق في البنان ويصبح الاكتشاف السابق فهماً سطحياً للآية الكريمة، كما قلنا عن فهم السابقين للآية قبل اكتشاف البصمات.


وكذلك ذهب بعض العلماء في فهم قوله تعالى: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ﴾ [الزمر: 6] إلى أن المراد بالظلمات الثلاث الأغشية الجلدية الثلاثة: البطن، والرحم، والمشيمة. إلا أن الطب الحديث يعطي تفسيراً آخر وأنها أغشية ثلاث داخل المشيمة هي:

غشاء السلى (الأمنيون)، الغشاء المشيمي (الكوريون)، الغشاء الساقط[1].

وعلى الرغم من وجاهة أقوال الأطباء في ذلك وهو قول متخصصين في هذا المجال، وعلى الرغم من أن قولهم هذا أعطى فهماً أعمق وأحدث للآية الكريمة. لا ينبغي حصر دلالة الآية على قولهم هذا فقد يحدث أن تكتشف ظلمات ثلاث غير ما ذكروه.

إن القرآن الكريم معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم الخالدة، وتقوم الحجة به على الأجيال المتعاقبة إلى يوم القيامة واستكناه دلالته يعني تفريغه من إقامة الحجة على الأجيال اللاحقة، وهذا يتعارض مع الحكمة من تنزيله وإعجازه.

 

رابعاً: استحالة التصادم بين الحقائق القرآنية والحقائق العلمية:

لقد خلق الله عزَّ وجلّ هذا الكون وخلق فيه سنناً كونية مطردة، وجعل كثيراً من هذه السنن خفية علنيا معشر البشر، وأمرنا بالنظر والتدبر والاعتبار بما خلق في السماوات والأرض ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101].

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ... ﴾ [العنكبوت: 20].

وقال عن القرآن الكريم: ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 6].

وجاءت الإشارات إلى أسرار هذا الكون في كثير من الآيات الكريمة مما يتعلق بسنن الله فيه التي سخرها لتحقيق مصالح العباد، أو أداء دور وظيفي لسكان هذه الأرض أو غيرهم.

ومن المستحيل أن يخلق الله هذه السنن على شاكلة معينة، ثم يخبر عنها بشكل مختلف متناقض مع واقع السنن.


إن الحقائق المبثوثة في الكون، والحقائق التي أشار إليها القرآن الكريم تخرج من مشكاة واحدة ومن مصدر واحد، فيستحيل التناقض بينهما، وإن توهم بعض الباحثين التناقض بين حقيقة علمية وحقيقة قرآنية فسببه أحد أمرين:

• إما أن يكون ما ظنه حقيقة علمية لم يكن في واقع الأمر سوى نظرية ذاعت وانتشرت فظن الناس أنها حقيقة علمية، ثم ظهر بطلانها على ضوء التقدم العلمي، كما كان الحال مع نظرية لابلانس الإفرنسي، الذي قال: إن الشمس مركز الكون وكل الأفلاك تدور حولها وهي ثابتة لا تجري، وكانت النظريات الفلكية تدرس على هذا الأساس أكثر من أربعة قرون، ثم ظهر بطلانها بعد اكتشاف المراصد الفلكية الكبيرة، وإذا بالمجموعة الشمسية ليست إلا إحدى المجموعات الصغيرة في مجرتنا وأنها تجري بسرعة (20) ألف ميل في الساعة تجاه نجم الجبار.


• وإما أن يكون فهمنا للآية غير دقيق وذلك بحصر دلالة الآية على وجه واحد من وجوه الدلالات المتعددة، وترك ما سواها وإلزام الجميع بهذا الفهم المعين والوجه المحدد. ويكون الأمر، أن هذا الفهم للآية يتعارض مع الحقيقة العلمية. كما فهم بعض الناس من قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ [الكهف: 86]، أن الشمس تغرب في بحر أو بحيرة معينة حاولوا تحديد موقعها على الأرض...


علماً أن الآية الكريمة تسند الرؤية إلى ذي القرنين (وجدها تغرب) أي تبدو لعين الرائي. وهذا يحدث لكل من يقف على ساحل البحر أو البحيرة الكبيرة وقت الغروب وينظر كيف أن قرص الشمس يغيب وراء الأفق وكأنه يغرب في تلك البحيرة. وهذا من خداع البصر للإنسان.


وكذلك ما فهمه بعض المفسرين من أوصاف الأرض ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [النازعات: 30]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا... ﴾ [الرعد: 3].

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20].

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا... ﴾ [النمل: 61].

فقالوا: إن الأرض مبسوطة ثابتة. وأغفلوا دلالات الكلمات الأخرى.

وهي التي توافقها المكتشفات الحديثة في واقع الأرض.


لقد جاء الأسلوب القرآني في مثل هذه الآيات مرناً يقبل وجوهاً في التأويل. وعلى الباحث أن يرجع إلى دلالات الكلمات في المعاجم اللغوية وإلى الوجوه المختلفة لاستعمالاتها: في الحقيقة والمجاز وظلال الكلمات في السياق، واستعمالاتها الاصطلاحية في الشرع أو عند أهل الاختصاص من أهل العلوم والفنون.


فإذا وجد الباحث أن معنى من هذه المعاني أو وجهاً في الاستعمال تؤيده الحقيقة العلمية يمكنه أن يرجّح هذا المعنى أو هذا الوجه في الاستعمال على غيره، بدلالة الحقيقة العلمية، من غير أن يبطل الدلالات الأخرى للكلمة ومن غير أن يحصر الدلالة على هذه الحقيقة العلمية الواحدة.

إن من أسرار خلود الأسلوب القرآني على مَرِّ التاريخ وتعاقب الأجيال وتبدل الثقافات هو هذه المرونة والمطاوعة في التأويل.


خامساً - القرآن الكريم خطاب موجه إلى الأجيال ومعجزة خالدة مستمرة إلى يوم القيامة ولا يستطيع جيل - مهما أوتي من العلم - أن يحيط بأسراره ويكتنه خفاياه، فخير مفسر للقرآن هو الزمن.

وعلى الباحث أن يتبع المنهج القرآني في المعرفة ويدخل البيوت من أبوابها.

1- إن من يحاول الوصول إلى النتائج من غير أن يتبع الأسباب ويستخدمها، كمن يأتي البيت من ظهره لا من بابه.

2- إن من يريد أن يقطف الثمرة ويصل إلى الغاية التي يريدها، من غير أن يقدم جهداً، يصطدم بسنن الله الكونية ويفشل في الوصول إلى الغاية.

3- لقد وضع الله في هذا الكون أسباباً تؤدي إلى نتائج، وله أن يخرق هذه الأسباب لحكمة يريدها إما تأييداً لأحد عباده الصالحين أو انتقاماً من بعض المتمردين على حكم الله وأمره.

 

أشارت بعض الآيات الكريمة إلى هذه القواعد والنواميس:

أ- فعندما سأل بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظاهرة فلكية "لِمَ يبدو الهلال صغيراً في أول الشهر ثم يكتمل فيصبح بدراً في وسطه ثم يعود كالعرجون القديم في آخره؟".

لم يأتِ الجواب القرآني على مقتضى سؤالهم، وإنما ذكر الحكمة من خلق الأهلة ونبههم: أن سؤالهم عن ظاهرة فلكية، وليسوا أهل علم الفلك، لا يمكنهم استيعاب ذلك. فهم في هذه الحالة كمن يأتي البيت من ظهره لا من بابه ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189].

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "ما حدثت قوماً بحديث لا تبلغه عقوهم إلا كان لبعضهم فتنة"[2].

ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "حدِّثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله"[3]. إننا إذا أردنا أن نصل إلى الحقائق العلمية علينا أن نبذل أسباب تحصيل تلك العلوم، ولا ننتظر أن يقدم لنا القرآن الكريم آخر النتائج التي توصل إليها البشر في مضمار الحقائق الكونية، وليس من البر أن نرفض ما حققه غيرنا وعجزنا عنه.


ب- نتائج الحقائق العلمية في الكون منوطة بالجهد البشري، وبالأسباب المناسبة، فمن لم يبذل جهداً ولم يتبع سبيل الأسباب المناسبة يذهب جهده سدى، وإلى هذا أشارت الآيات الكريمة في قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 18 - 21].


لا علاقة لعقيدة الباحث في الكون في الوصول إلى النتائج أو عدم الوصول إليها، فما دام يبذل جهداً ويتبع الأسباب المناسبة لبحثه فسيحقق النتيجة: فكل من أوقد ناراً تحت القدر وبداخله ماء أو طبخ وصل إلى تسخين ما بداخله، وكل من اسنتبت نباتات في مناخ مناسب وتعهدها بالرعاية حصل على الزرع، وكل من لقح وأبّر حصل على الثمار، وكل ذلك حسب سنن الله الموضوعة في هذا الكون.


ولكن الفرق بين الباحث المؤمن والباحث الكافر، أن المؤمن يصل إلى النتيجة المرجوة في الدنيا فيسخّر ما حققه لمصالحه، ويكتب له أجر هذا الجهد يوم القيامة، فالخير الدنيوي موصول بالأجر الأخروي وأجر الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً.

أما الكافر فإن وصل إلى النتائج في الدنيا يسخرها لمصالحه ويستفيد رفاهاً وقوة ومكانة وسمعة في الدنيا أما في الآخرة فمصيره إلى النار وهو مذموم مدحور.

لأن بطاقة قبول الأعمال الصالحة في الآخرة هي كلمة التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. أما في الدنيا فيشملهم الحكم الرباني ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15 - 16].

وبعد هذا التمهيد الطويل في منهج البحث في الآيات الكونية لنعد إلى سياق السورة المقطع التاسع من خلال جولات في الكون.

 

الجولة الأولى في المشاهد الكونية:

الظل والشمس:

﴿ أَلَمْ تَرَ[4] إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴾ [الفرقان: 45 - 46].

في الآيتين الكريمتين احتمالات للفهم بعضها متبادر إلى الذهن ويفهمها العامة، وبعضها لا يدركها إلا أهل الاختصاص حسب تقدمهم العلمي. كما هو الشأن في كثير من الآيات الكونية والظواهر والحقائق العلمية، التي أشار إليها القرآن، فهناك فهم متبادر إلى الذهن - فهم العامة له - وهناك فهم أهل الاختصاص. كما في قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء: 30].

وقوله تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ﴾ [الحجر: 22].

وقوله تعالى: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾ [النازعات: 30 - 32].

وقوله تعالى: ﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة: 4].

وقوله تعالى: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ﴾ [الزمر: 6].


• والفهم المتبادر للآيتين الكريمتين:

أ- إذا جعل الكلام في حقيقته، يكون المعنى أن الله مد الظل إلى جهة الغروب وذلك عند طلوع الشمس، ثم كلّما ارتفعت الشمس تقلص الظل إلى أن يأتي وقت الزوال، فإذا كانت الشمس في كبد السماء تكاد لا ترى للشيء القائم ظلاً وهي حالة السكون ﴿ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ﴾ [الفرقان: 45]. فالشمس دليل على امتداد الظل وتقبضه، ويحدث هذا الامتداد مرة ثانية وبالتدريج إلى جهة المشرق عند نزول الشمس إلى الغروب، ويتم كل ذلك من الامتداد والقبض بقدرة الخالق جلَّ جلاله وبحكمته العظيمة، وفي هذا التدرج تحقيق مصالح العباد من حياة الإنسان والحيوان والنبات.


ب- أما إذا جعل الكلام في مجازه فيكون المعنى: إن حال ضلال الناس كحال امتداد الظل فلما بدأ نزول القرآن الكريم منجماً بالتدريج كانت أنواره تؤثر في حال الناس بالتدريج فينحسر ظل الضلال والشرك بالتدريج حتى ينعدم الفيء. "فنظم الآية بما تشمل عليه من التمثيل أفاد تمثيل هيئة تنزيل القرآن منجماً بهيئة الظل مدرجاً ولو شاء لجعله ساكناً"[5].

وفي كل الاحتمالين إدراك لقدرة الله تعالى في هذه الظاهرة الكونية التي مدار الحياة البشرية عليها ولو لم يكن لاستحالت الحياة على هذه الكرة الأرضية[6].

فعلى العاقل أن يتدبر الظاهرة ليصل من خلالها إلى قدرة الحكيم العليم، ورحمته بعباده في إنزال الكتاب وإرسال الرسول.

ويعقب هذه الظاهرة - القبض اليسير - أن يحدث الليل اللباس الذي يستر كل شيء ويغطيه بعد قبض الشمس، ويكون نوم الناس انقطاعاً عن العمل والحياة - فهو كالموت المؤقت - ثم إذا بزغت الشمس من جديد وطلع نور النهار الجديد كان الانتشار للمشي في مناكب الأرض فكأنهم بعثوا من القبور (والنهار نشوراً).

ومثل هذه الآيات وعلى هذا الفهم قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 70 - 73].


"وفي مد الظل وقبضه نعمة معرفة أوقات النهار للصلوات وأعمال الناس، ونعمة التناوب في انتفاع الجماعات والأقطار، بفوائد شعاع الشمس وفوائد الفيء بحيث إن الفرق الذي كانت تحت الأشعة يتبرد بحلول الظل، والفريق الذي كان في الظل ينتفع بانقباضه"[7].


ما تقدم محل العبرة والمنة اللتين تتناولهما عقول الناس على اختلاف مداركهم. أما أهل الاختصاص من الفلكيين ومن الذين اطلعوا على كلامهم فيقولون:

• إن مد الظل وقبضه وعدم سكونه دلالة على نظام المجموعة الشمسية، فإن في دوران الأرض حول نفسها مقابل الشمس يحدث امتداد الظل في الجانب المعاكس الذي يبدأ وقوع نور الشمس عليه، ثم كلما دارت الأرض امتد النور لتتقلص ظلال الأجسام على الأرض. ومن الجانب الآخر ليمتد الظل من جديد للأجسام، وحيثما كانت الشمس عمودية على جسم فلا ظل له.


فالشمس دليل[8]. على هذه الحركة الأرضية - وإن كنا نرى وكأن الشمس هي التي تدور حول الأرض وهي رؤية ظاهرية لا حقيقية، كالمسافر الذي يسافر في قطار يرى وكأن أعمدة الهاتف أو الجبال هي التي تسير إلى الوراء وهو ثابت في مكانه - إنه خداع البصر[9].

وكذلك ونحن على الكرة الأرضية التي تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة نظن أن الشمس هي التي تسير ونحن ثابتون.


والذي وضع هذا النظام الدقيق للمجموعة الشمسية - كما هو الشأن في نظام الكون كله - أراد بهذا النظام أن يكون سبباً في وجود الحياة على هذه الكرة الأرضية، ولو شاء لجعل الظل ساكناً كما هو الحال في ظل القمر، أو غيره من الكواكب التي تقابل الشمس بوجه واحد فالوجه المقابل يحترق من الحر، والوجه الآخر يتجمد من البرد. فنظام دوران الأرض ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [النازعات: 30]. هو السبب في وجود الليل والنهار وامتداد الظل على طرف وتقلصه من طرف.

ثم القبض اليسير في اعتدال الكرة الأرضية عن محورها المائل بدرجة قدرها الفلكيون بـ(23،5). لينشأ اختلاف الفصول واختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً في الشتاء والصيف، وتساويهما في الخريف والربيع...

 

الجولة الثانية في الكون: الليل والنوم والنهار:

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 47].

وهذه الظواهر الثلاث آثار للظل والشمس فإذا امتد الظل فغطى جانباً من الكرة الأرضية جاء الليل فغشى كل شيء ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل: 1] والساعة البيولوجية لدى الإنسان معيّرة بحيث يدب الفتور والسكون إلى أنحاء الجسم فتهدأ الأعصاب وترتخي العضلات ويتبلد الإحساس...


فيقطع الإنسان عن النشاط. وهو الموت الأصغر يقول عنه جلَّ جلاله ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42]. ونوم الليل يحقق الراحة للجسم أكثر من النوم في أي وقت آخر. وهو من التكامل في نظام الكون الذي تشكل حياة الإنسان ونظام عمل جسمه جزءاً منه ﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ [النبأ: 8 - 11].


ثم عندما يأتي نور الشمس من جديد إلى البقعة التي امتد عليها الظلام ويتنفس الصبح ثم يسفر ثم تطلع الشمس ويعم الضياء، تدب الحياة مرة اخرى وكأن الناس قد بعثوا من قبورهم وكان النشور ﴿ وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 47]، كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قيامه من النوم: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"[10].

فهذا النظام الكوني الدقيق تتكامل معه العادات والطبائع التي أودعها الله في النفس الإنسانية، فلا تصادم بين النظامين، بل انسجام وتآلف وتلاؤم.

فالسكن في الليل للتخلص من كدح النهار ولاستعادة النشاط الجسمي للعودة مرة أخرى للسعي على الرزق وابتغاء فضل الله في النهار التالي.

فلولا هذا التناوب بين الليل والنهار، لما استقامت الحياة على الكرة الأرضية، ولما قامت حضارات وعمران، فسبحان الله القائل في كتابه:

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 71 - 73].

 

الجولة الثالثة: الرياح والمطر والماء:

﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ[11] بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا[12] * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾ [الفرقان: 48 - 49]. إن ظهور السحب في الأفق ووجود الرياح الرطبة التي تلامس الوجه، تُشعر أصحاب الزراعة والماشية والمهتمين بشؤون المطر أن هذه الرياح تتلوها الأمطار فيستبشرون بها.

والحقيقة أن دور الرياح في تكون السحب وسوقها والتأليف بينها والتمييز بينها إلى سحب ركامية وسحب منبسطة، دور أساسي في كل ذلك.


وقد أشارت جملة من الآيات الكريمة إلى هذه الحقائق التي لم يصل إليها الإنسان إلا بعد تطور علم الأرصاد، واستخدام الأجهزة الحديثة في تلك الدراسات.

يقول جلَّ جلاله: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [الروم: 48].

ويقول عزَّ من قائل: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 22].

ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 43].

ويقول تعالى: ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].


لا تقتصر وظيفة الرياح على إنشاء السحب وإزجائها وسوقها إلى أنحاء الكرة الأرضية، بل الرياح والسحب مسخرة لأمور أكثر من ذلك، فمما أدركه العلم الحديث تسخيرها لتوزيع الحرارة على الكرة الأرضية أو القيام بدور التكييف، يقول المختصون:

"... عندما يتبخر الماء يمتص كمية من الحرارة من الجو المحيط في المناطق المدارية، فيعمل على تلطيف جوها، وعندما يتكاثف بخار الماء ويتحول إلى سحاب وأمطار في المناطق الباردة، فإنه يعيد إلى الجو نفس الطاقة الحرارية التي اكتسبها عند تبخره من قبل، وبهذا يتم رفع درجة حرارة المناطق الباردة إلى حد ما، وكأن هذه الدورة تكييف إلهي مذهل جبار ولا بد من استمرارها من أجل عدالة التوزيع الحراري على سطح الأرض..."[13].

 

وظائف الماء:

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾ [الفرقان: 48 - 49].

أ- الماء والحياة:

يقول تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء: 30].

من الحقائق العلمية: حيث يوجد الماء ابحث عن الحياة.

ومن المهمات التي تسند إلى المركبات الفضائية البحث عن المياه على الكواكب الأخرى.

ووصف الماء بالطهور في هذا الموضع للتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها فبواطنهم بذلك أولى، ولا يكون تطهير الباطن إلا بأنوار الوحي الإلهي.

وقدم إحياء البلدة لأنها سبب في حياة الأنعام وقدم ذكر الأنعام لأن مدار معاش أهل المدر عليها.

 

ب- الماء والتوازن في الأرض:

الغلاف المائي للأرض - ممثلاً في كل ما يوجد على سطحها من ماء في البحار والمحيطات والأنهار والبحيرات وما يتخلل فجوات الأرض وشقوقها ومنخفضاتها - يغطي حوالي (71%) من سطح الكوكب الأرضي وبعمق بلغ في المتوسط (3800) متراً...

وهذه المساحة الهائلة من المياه لها دور كبير في تلطيف مناخ الأرض بتوزيع درجات الحرارة على سطحها توزيعاً عادلاً، ولولا هذا لأصبحت فروق درجات الحرارة على الأرض هائلة لدرجة لا تسمح بقيام الحياة.. فمقدار الماء على سطح الأرض مقداراً عشوائياً ولكنه محسوب ومقدر بالعناية الإلهية، يقول عزّ من قائل: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 18].


وكلمة (بقدر) لها دلالتها الدقيقة، فكمية الماء المنزلة مقدرة بما يتفق ومصالح البشر، وقد أسكن الله عزَّ وجلّ الماء في الأرض بجعل المنخفضات والتعاريج فيها حيث يتسرب الماء في باطن الأرض.. فلو كانت الأرض كرة ملساء لا تعاريج فيها من الجبال والوديان وغير ذلك، لغطاها الماء بغلاف سمكه ميلان، ولو تخيلنا أن الجليد الموجود عند قطبي الأرض قد انصهر لارتفع مستوى مياه البحار والمحيطات في العالم كله بنحو (60) متراً ولغطى البحر مدناً كثيرة آهلة بالسكان[14]... إنه التقدير الإلهي لضمان الحياة السعيدة الهانئة لسكان هذا الكوكب المرفّه.

 

جـ- الماء ودورته على الكرة الأرضية:

يقول عزَّ وجلّ: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ [15] * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ [الطارق: 11 - 12].

- من معجزات الإسلام ما قاله ابن عباس وابن مسعود كما نقله عنهما ابن كثير: "ليس عام بأكثر مطراً من عام ولكن الله يصرفه كيف يشاء، ثم قرأ قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 50][16].

إن هذا المعنى الذي ذكره ابن مسعود وابن عباس هو الذي يثبته علماء الكون الآن، إذ يقولون إن نسبة التبخر والأمطار في العالم لا تزيد ذرة في عام عن عام لأن الحرارة التي تأخذها الأرض سنوياً لا تزيد ولا تنقص، وإنما المطر ينزل في مكان ما أكثر من مكان، وهذا عين ما أثبته ابن مسعود وابن عباس في تفسيرهما للآية[17].

والدورة المائية في الكون تبدأ من بخار الماء المتصاعد ثم سقوطه على الأرض مرة أخرى على شكل أمطار وثلوج تأخذ مجراها إلى باطن الأرض في خزانات الأرض، وتخرج على شكل ينابيع وآبار وعيون وتجري على وجه الأرض على شكل أنهار تعود مرة أخرى إلى البحار والمحيطات لتبقى النسبة والمنسوب على حاله[18].

 

الجولة الرابعة: وقفة للتذكير والتعقيب:

﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 50 - 52].

ذهب جمهور المفسرين إلى إعادة الضمير في (صرفناه) إلى الماء، ومعنى تصريف الماء جريانه في مسالك الأرض ووديانه، حيث تتحقق مصالح العباد بها بالإفادة منه من مجاري الأنهار وينابيعه من العيون والآبار، ومواطن تجمعه في البحيرات والغدران، ولكن أكثر الناس أشركوا بالله وقالوا: إنما مطرنا بنؤ كذا وكذا، ولم ينسبوا الفضل إلى الله تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً على أثر سماء أصابتهم من الليل:

"أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بالله كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك كافر بي ومؤمن بالكوكب"[19].


إنَّ الحادثة الواحدة قد يكون لها سبب حسي وسبب غيبي، وإن كل الأسباب الحسية والغيبية إنما هي بعلم الله وإرادته، فما نشاهده في المطر من وجود عوامل حسية، من الرياح والسحب والبرق والرعد وطبقات الجو وتكاثف بخار الماء كلها أسباب حسية ولكن المنشئ لها هو الله سبحانه وتعالى، وقد يوكل أمرها إلى ملائكته في ذلك ولا تنافي[20].


وذهب بعض المفسرين وهم قلة إلى إعادة الضمير في (صرفناه) إلى القرآن الكريم وإن لم يتقدم له ذكر، وهو قول منسوب إلى ابن عباس. قال ابن عطية: وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الضمير في (صرفناه) للقرآن، وإن لم يتقدم له ذكر لوضوح الأمر، ويعضد ذلك قوله بعد ذلك: (وجاهدهم به)[21].


وبالرجوع إلى الاستعمال القرآني لكلمة (صرّف) المشددة المسندة إلى الله تعالى والتي تأتي بمعنى التحويل من حال إلى حال أو من وجه إلى وجه آخر[22]، نجد المادة لا تكاد تذكر إلا مع القرآن الكريم أو آياته، كما في قوله تعالى:

• ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴾ [الإسراء: 41].

• ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الإسراء: 89].

• ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54].

• ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾ [سورة طه: 113].

• ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأحقاف: 27].

• ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ﴾ [الأنعام: 46].

• ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65].

• ﴿ وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 105].

• ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 58].

 

وتصريف الآيات إن أريد بالآيات القرآن الكريم فمعناه تبيينها تبيين من يقلب الشيء، وإن أريد بها العلامات فالتصريف هو إشاعتها وتقليبها وترديدها بين الناس إما بالمشاهدة وإما بالسماع ليرتدعوا[23].


وممن ذهب إلى إعادة الضمير في (صرفناه) إلى القرآن سيد قطب - رحمه الله - حيث يقول: "بعض المفسرين يرجع الضمير في (صرفناه) إلى الماء بوصفه أقرب مذكور في العبارة ولأن القرآن لم يذكر في هذا المقام، ولكننا نرجح أن يكون الضمير عائداً على القرآن، لأنه لا شك في أن قوله: ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ﴾ يعني القرآن فهو لا يجاهدهم بالماء، والذي يجعل الضمير الثاني راجعاً إلى القرآن. يجعل الأول كذلك، إنما هي التفاتة من التفاتات القرآن الكثيرة بمناسبة مضمرة ملحوظة، هذه المناسبة هنا هي إنزال الماء الطهور المحيي، التي تردّ الذهن إلى إنزال القرآن المطهر المحيي الذي تدور السورة كلها عليه"[24].

 

المجاهدة بالقرآن:

إن القرآن الكريم سلاح المؤمن القوي في معركته في الحياة ضد الكفر وأهله:

1- فإن القرآن الكريم يخاطب الكينونة الإنسانية ويستجيش الفطرة التي فطر الله الناس عليها فلا يقف أمامه قتر الكفر وران المعاصي وقتم الإلحاد.

إن في القرآن من الحق الفطري البسيط ما يصل القلب مباشرة بالنبع الأصيل، فيصعب أن يقف لهذا النبع الفوار، وأن يصد عنه تدفق التيار.


2- وإن في القرآن من الحق الناصع الذي يبهر العقول والقلوب، والنفوس البشرية مجبولة على تقديس الحق وتعظيمه مهما بلغ انحراف أصحابها وعناد ذويها، ففي لحظات الصدق مع أنفسهم ينطقون بالحق "إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وما هو بقول بشر" كما قال الوليد بن المغيرة في لحظة صدق مع نفسه.


3- وإن في القرآن من سحر البيان الذي يسيطر على المشاعر والعواطف ويسمو بالسامع إلى آفاق رفيعة لا يملك نفسه معها إلا الرضوخ والسجود لمنزل القرآن الكريم، ليعترف أنه تنزيل الحكيم الحميد وما هو بقول بشر.


4- وإن في القرآن من مشاهد القيامة ما تتفطر له القلوب ويهتز كيان الإنسان لهول ما ينتظره، فلا يملك معه إلا أن يصاب بقشعريرة، وهو لا يملك صرفاً ولا عدلاً عن هذا المصير إن لم يؤمن بالقرآن العظيم.


5- وإن في القرآن الكريم من قصص الغابرين والأمم الماضية ما يحمل كل عاقل إلى تدبر الحال والمآل والتفكير في المصير الزائل فماذا بعد الموت؟. ويتدبر آثار القوم الذين يسمع بأخبارهم فيحمله كل ذلك على الإذعان.


6- وإن في القرآن من الحقائق الكونية ما يدهش أهل الاختصاص، ويثير الإعجاب فيهم أن تنزل هذه الحقائق على رجل أمي في بيئة أمية ليس لها من العلوم والمعارف ما يرتقى بها إلى إدراك هذه الحقائق التي لم يكتشف كثير منها إلا بعد تقدم وسائل المعرفة.

كل هذه الجوانب وغيرها من أسلحة الجهاد بالقرآن الكريم ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52].

 

الجولة الخامسة: البرزخ بين البحرين:

يقول جلَّ جلاله: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾ [الفرقان: 53].


ظاهرة عدم اختلاط الماء العذب بالماء المالح من الظواهر التي أدركها الناس على مختلف المستويات فمن ذلك:

أ- وجود ينابيع عذبة تحت ماء البحر في المياه الضحلة ويستفيد منها الصيادون كثيراً حيث يعرفون مواقعها فيغوصون إليها لملء أوانيهم عند الحاجة. كما هو معروف في الخليج العربي قرب البحرين وقطر..


ب- وجود أنهار ضخمة تحت مياه المحيطات، ويمكن رصدها من الأجواء ويقول أهل الاختصاص: إن كثيراً من هذه الأنهار أضخم من نهر الأمازون والمسيسبي والنيل والفرات، ويمكن إدراك شطآنها عما حولها من مياه المحيط تماماً، كإدراك شواطئ الأنهار على اليابسة وتجري آلاف الكيلومترات قبل أن تتلاشى في مياه المحيط...


جـ- في مصبات الأنهار في بعضها، وفي البحار والمحيطات تتكون الأحواض الخاصة، وكأنها حجرة محجورة تمتاز هذه الحجر بأنواع خاصة من الحيوانات والنباتات والأملاح تختلف عن مياه الأنهار وعن مياه البحار. وربما جرت الأنهار بجوار بعضها ويمكن تمييز النهرين عن بعضها عند جريان مائهما في مجرى واحد. كما هو الحال في نهري (تشانغام) في باكستان الشرقية، وعدم الاختلاط هذا يعود إلى ظاهرة يسميها العلماء - قوة التوتر السطحي أو (المط السطحي) الناشئة من اختلاف التجاذب بين جزئيات الماء العذب والماء المالح لاختلاف كثافتيهما، فيبدو لنا بوضوح الحد الفاصل بينهما. ولتقريب هذه الحقيقية يقول د. عبد العليم خضر: "يقوم القانون على فكرة بسيطة مؤداها أن الماء الموجود في كوب - مثلاً لا يفيض إلا إذا ارتفع عن سطح الكوب بمقدار معين، لأن (جزئيات) السوائل عندما لا تجد شيئاً تتصل به فوق سطح الكوب تتحول إلى ما هو تحتها، وعندئذٍ توجد غشاوة مرنة على سطح كل نوع من المياه.. ومنها (مياه الكوب).. وهذا الغشاء الدقيق غير مرئي على الإطلاق وهنا يكمن الإعجاز القرآني وهو الذي يمنع الماء من الخروج عن الكوب لمسافة معينة هي سمك الغشاء.. وهو غشاء قوي لدرجة أنك لو وضعت عليه إبرة من الحديد فإنها لا تغوص في الماء.. بل تطفو ولذلك تستغل عناكب البحر ومخلوقات مائية أخرى إلى استغلال هذه الحقيقة في السير فوق سطح الماء دون غرق بل دون بلل أرجلها.. هذه الظاهر هي ما أطلق عليها العلماء اصطلاح: (المط السطحي) الذي يحول دون اختلاط الماء العذب بالماء المالح أو الزيت.


والمعنى الإجمالي للآية "وجعل بين البحر العذب الفرات - النهر - وبين البحر الملح الأجاج برزخاً مائياً - وهو الحاجز المائي المحيط بماء المصب - حبساً على كائناته الحية ممنوعاً عن الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر"[25].

 

ودلَّت دراسات المتخصصين في علوم البحار:

1- أن مياه الأنهار شديدة العذوبة.

2- أن مياه البحار شديدة الملوحة.

3- أن مياه منطقة المصب مزيج من الملوحة والعذوبة. وهي منطقة فاصلة بين النهر والبحر متحركة بينهما بحسب مد البحر وجزره، وفيضان النهر وجفافه. وتزداد الملوحة فيها كلما قربت من البحر، وتزداد العذوبة كلما قربت من النهر.


4- يوجد برزخ مائي يحيط بمنطقة المصب ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة لها، حتى ولو كان النهر يصب في البحر من مكان مرتفع في صورة شلال.


5- عدم اللقاء المباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب بالرغم من حركة المد والجزر وحالات الفيضان والانحسار التي تعتبر من أقوى عوامل المزج، لأن البرزخ المحيط بمنطقة المصب يفصل بينهما على الدوام.


6- لاختلاف الكتل المائية الثلاث (ماء النهر، ماء البحر، ماء المصب) تختلف الكائنات الحية التي تعيش فيها:

• معظم الكائنات التي في البحر والنهر والمصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها.

• بتصنيف البيئات الثلاث باعتبار الكائنات التي تعيش فيها تعتبر منطقة المصب منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها، لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في نفس الوسط المائي المتناسب في ملوحته وعذوبته مع درجة الضغط الأسموزي[26] في تلك الكائنات. وتموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها وهي منطقة المصب.


وهي في نفس الوقت منطقة محجورة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر والنهر، لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الأسموزي أيضاً[27]. فسبحان خالق المخلوقات الذي وضع لها سنناً في تكوينها ومعايشها وهيأ لها المناخ المناسب وجعل بين هذه المياه برزخاً وحجراً محجوراً لحفظ خصائص هذه المياه لتكون بيئة مناسبة لتلك الكائنات.

وينجر الكلام بمناسبة ذكر الحاجز بين الماء العذب الفرات وبين الماء الملح الأجاج إلى الحديث عن الحاجز بين البحرين كما في قوله تعالى: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 19 - 23].

وقوله تعالى في سورة النمل: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النمل: 61].

 

الدلالات اللغوية للكلمات:

البحر: قال ابن فارس: الباء والحاء والراء أصل. قال الخليل: سمي البحر بحراً لاستبحاره وهو انبساطه وسعته، ويقال للماء إذا غلظ بعد عذوبة: استبحر، وماء بحري أي ملح[28]، وإذا أطلق البحر دل على البحر الملح، وإذا قيّد دل على ما قيّد به.

والاستعمال القرآني هو إطلاق البحر على الملح، والنهر على العذب، قال تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ﴾ [إبراهيم: 32].

وكذلك في الحديث النبوي: "إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء"[29].

البرزخ: هو الحاجز أو الفاصل.

البغي: أصل البغي مجاوزة الحد[30].

المرجان: ضرب من اللؤلؤ. وعن الزجاج: المرجان أبيض شديد البياض.

وعن ابن مسعود: المرجان الخرز الأحمر[31].

وقيل: اللؤلؤ: صغار الدر، والمرجان كباره.

وحاصله أن المرجان نوع من الزينة يكون بألوان مختلفة بيضاء وحمراء وكبيراً وصغيراً، وحرف العطف يقتضي المغايرة بين اللؤلؤ والمرجان.

 

التفسير الإجمالي للآيات:

أرسل الله مياه البحرين الملحين يلتقيان وجعل بين ماء البحرين عند الالتقاء حاجزاً يفصل بينهما بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر بخصائصه. فلا تكذبوا معشر الجن والإنس بدلائل عظمة الخالق وتوحيده من خلال مخلوقاته.

ويخرج من البحرين الملحين اللؤلؤ المرجان وهي من أفخر أنواع الزينة لكم...


يقول أهل الاختصاص:

اكتشف العلماء أن هناك برزخاً بين البحرين يتحرك بينهما يسميه العلماء (الجبهة) وبوجود هذا الحاجز يحافظ كل بحر على خصائصه التي قدرها الله له.

وهناك اختلاط بين البحرين رغم وجود هذا البرزخ - الحاجز - لكنه اختلاط بطيء يجعل القدر الذي يعبر من بحر آخر يتحول إلى خصائص البحر الذي ينتقل إليه دون أن يؤثر على تلك الخصائص.


اكتشف علماء البحار سر اختلاف تركيب البحار الملحة في عام 1873م على يد البعثة العلمية البحرية الإنكليزية في رحلة (تشالنجر) التي استغرقت ثلاثة أعوام، وهي تجوب جميع بحار العالم، أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها من حيث درجة الملوحة، ودرجة الحرارة، ومقادير الكثافة، وأنواع الأحياء المائية والنباتات البحرية.


واستغرب العلماء عدم امتزاج البحار وتجانسها رغم تأثير قوتي المد والجزر التي تحرك مياه البحار مرتين كل يوم، وتجعل البحار في حالة ذهاب وإياب، واختلاط واضطراب، إلى جانب العوامل الأخرى التي تجعل مياه البحر متحركة مضطربة على الدوام؟.

وأدرك العلماء السر في ذلك عام 1942م، حيث أسفرت دراستهم بعد أن أقاموا مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار والظواهر المتعاقبة عليها، أدركوا وجود خواص مائية تفصل بين البحار الملتقية، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة، والأحياء المائية والحرارة، وقابلية ذوبان الأوكسجين في الماء، ويكون الاختلاط بين ماء البحار عبر هذه الحواجز بطريقة بطيئة يتحول معها الماء الذي يعبر الحاجز إلى خصائص البحر الذي دخل فيه.

وأخيراً تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار الملحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية.


ومما وصل إليه علم البشر: أن اللؤلؤ والمرجان يتكونان في المناطق البحرية النقية ولا يتكونان في مناطق امتزاج المياه العذبة مع مياه البحر. وتؤكد الدراسات البحرية الحديثة على أن المرجان يوجد فقط في المناطق المدارية - دون الاستوائية - غير الممطرة أو قليلة المطر، ولا ينمو في مناطق المياه العذبة[32]. قام الباحث محمد إبراهيم السمرة الأستاذ بكلية العلوم، قسم علوم البحار في جامعة قطر بدراسة ميدانية في خليج عمان والخليج العربي بالتعاون مع سفينة البحوث (مختبر البحار) التابعة لجامعة قطر في الفترة (1404 - 1406هـ) وتضمّن البحث مقارنة واقعية بين الخليجين بالأرقام والحسابات والرسومات والتحليل الكيميائي، وبيّن اختلاف خواص كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما، ووضّح البحث وجود منطقة بين الخليجين تسمى في علوم البحار (منطقة المياه المختلطة) أي (منطقة البرزخ).


وبيَّنت النتائج أن عمود الماء في هذه المنطقة يتكون من طبقتين من المياه، إحداهما سطحية أصلها من خليج عمان، والأخرى سفلية أصلها من الخليج العربي.

أما في المناطق البعيدة والتي لا يصل إليها تأثير عملية الاختلاط بين الخليجين فإن عمود الماء يتكون من طبقة واحدة متجانسة وليس من طبقتين.

وأكدت النتائج أنه برغم هذا الاختلاط (في المناطق التي بها مياه مختلطة) وجود نوعين من المياه فوق بعضهما البعض فإن حاجزاً ثابتاً له استقرار الجاذبية وقوتها يقع بين طبقتي المياه، ويمنع مزجهما أو تجانسهما حيث يتكون بذلك مخلوط غير متجانس.

وأوضحت النتائج أن هذا الحاجز إما أن يكون في الأعماق (من 10 إلى 50 متراً) إذا كان اختلاط مياه الخليجين راسياً، أي أن أحدهما فوق الآخر، وإما أن يكون هذا الحاجز على السطح إذا تجاورت المياه السطحية لكل من الخليجين[33].

 

الجولة السادسة: خلق الإنسان - النسب والصهر:

يقول تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54].

وخلق الجنين من ماء النطفة الأمشاج أغرب وأعقد من الكائنات التي تخلق من ماء السماء، إن الخلية الواحدة من ماء الرجل والخلية الواحدة من ماء المرأة (البويضة) تحملان عناصر الوارثة للجنس كله، وللأبوين وأسرتيهما القريبتين، لتنقلها إلى الجنين الذكر والجنين الأنثى كل منهما بحسب ما ترسم له يد القدرة من خلق واتجاه في طريق الحياة.

• فجعله نسباً وصهراً، وقسمه قسمين ذوي نسب، ذكوراً ينسب إليهم، وذوات صهر أي إناثاً يصاهر بهن ﴿ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ [القيامة: 39].


﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54].

• خلق من الماء بشراً. من المني، وقيل: الماء الذي خمرت به طينة آدم عليه السلام وجعله جزءاً من مادة البشر ليجمع ويتسلسل ويستعد لقبول الأشكال والهيئات.

وقيل: هو الماء المطلق الذي ورد في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء: 30].

• فجعله نسباً: يتزوج ذكر فيلد له ويثبت النسب من الذكور فينسب إليهم، وقيل: المراد بالنسب هو الذي لا يحل نكاحه.

• وصهراً: بتزوج أنثى يصاهر بهن كقوله: ﴿ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ [القيامة: 39].

والصهر: القرابة والختن وجمعه أصهار. والصهر أهل بيت المرأة بالنسبة للزوج، ويقال لهم: الأختان، وأهل بيت الزوج أصهار المرأة، ويقال لهم: الأحماء، واشتملت آيات المحرمات من النساء على سبعة أصناف حرمن من جهة النسب وسبعة من جهة الصهر. وجعل ابن عطية والزجاج الرضاع من جملة النسب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"[34].


• وكان ربك قديراً: حيث خلق من مادة واحدة بشراً ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة، وجعله قسمين متقابلين، وربما يخلق من نطفة واحدة توأمين ذكراً وأنثى.

قديراً: بليغ القدرة[35].


إن تكوين الإنسان وهو أشرف مخلوق على هذه الكرة الأرضية من النطفة الماء المهين لهو أشد غرابة وأعجب دلالة على قدرة الله الخالق البارئ، ولكن إلف العادة أذهب الاستغراب من نفس البشر، لذا تأتي الآيات الكريمة لتذكر الإنسان بهذا الأمر العجيب والبرهان الدامغ بين الفينة والأخرى ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 58 - 62]. ثم خلق من هذا البشر زوجه وجعل بينهما مودة ورحمة، وخلق منهما البنين والحفدة والأصهار، لتعمر الأرض وتقوم الحضارات البشرية في أنحاء المعمورة، يقول عزَّ من قائل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

إن قدرة الله في خلق الإنسان وتكوينه وتناسله وتكاثره، ووسائل معيشته وتعامله لأعجب وأدق من أي آية كونية أخرى، وأدل على عظمة الخالق وقدرته من جميعها ولكن الناس يغفلون.

 

الجولة السابعة: كيف يعبد غير الله؟! تعقيب واستغراب:

قوله تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ﴾ [الفرقان: 55].

يأتي التعقيب والاستغراب بعد هذه الجولات في الآفاق والنفس الإنسانية التي تدل كل واحدة منها على توحيده، وأنه الفرد الصمد الغني عن كل شيء وكل شيء مفتقر إليه في وجوده وعمله واستمراره، كيف يتخذ هؤلاء الجاهلون الكافرون - ومن ضمنهم مشركو مكة - من دونه آلهة، كيف يوجهون عبادتهم وتعظيمهم لهذه الأصنام والأوثان والمخلوقات العاجزة عن سوق النفع لأنفسها ولعابديها أو دفع الضر عن أحد.

ولكن الكافر عدو محارب لكل حق - ولكل عقل ولكل مصلحة حقيقية - هو حرب على الله الذي خلقه وسوّاه. إنه يحارب الله عندما يعلن الحرب على رسوله.

وهو يحارب الحق عندما يكذب بآيات الله وبالقرآن الكريم، وهو حرب على العقل عندما يزعم أن محمداً ألَّف هذا الكتاب ونسبه إلى ربه، وهو يلقي بنفسه في التهلكة وينسى مصلحة نفسه عندما يعادي دين الله وشريعته. ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ [الحشر: 19].

إنه يعين الشيطان على ربه سبحانه وتعالى بالعداوة والشرك.

 

مناسبة المقطع التاسع لمحور السورة:

المقطع التاسع بجولاته المتعددة وثيق الصلة بمحور السورة، ففيه تفصيل للمعجزة القرآنية؛ فمن خلال بيان سنن الله في الكون في الشمس والظل والرياح والمطر والبحار والبرزخ والنسب والصهر، وكل ذلك مسخر لمصالح الإنسان، وتهيئة المناخ المناسب لمعيشته وسعادته لشكر المنعم جلَّ جلاله عليه، إلا أن القوم قابلوا النعمة بالكفران وانشغلوا بالاستمتاع بها عن تدبر ما يلزمهم تجاه خالقها ومسخرها.

والجانب المعجز في ذلك هو أن تأتي هذه الحقائق الكونية على لسان النبي الأمي الذي لم يكن له عهد بهذه القضايا كما لم يكن للمشركين عهد بها. إن ورود هذه الحقائق الضخمة في آيات القرآن الكريم لدليل باهر على أن القرآن كلام الله المنزل من لدن حكيم خبير: ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 6].



[1] انظر كتاب (خلق الإنسان بين الطب والقرآن) للدكتور محمد علي البار، ص 365 - 379.

[2] رواه مسلم في مقدمة صحيحه: 1/ 9.

[3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم: 1/ 41.

[4] ذهب الزجَّاج إلى حمل الرؤية هنا على رؤية القلب لأن تأثير قدرة الله تعالى في تمديد الظل غير مرئي بل معلوم، أنظر معاني القرآن وإعرابه: 4/ 70.

[5] انظر تفصيل هذين الاحتمالين في التحرير والتنوير: 19/ 39.

[6] يقول ابن عاشور في كتابه التحرير والتنوير: 19/ 41: أي لو شاء لجعل الأرض ثابتة في سمت واحد تجاه أشعة الشمس فلا يختلف مقدار ظل الأجسام التي على الأرض وتلزم ظلالها حالة واحدة فتنعم فوائد عظيمة.

[7] التحرير والتنوير، لابن عاشور: 19/ 43.

[8] في التعبير ب (ثم) في الموضعين (ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً) و(ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً) في كلا الموضعين تدل كلمة (ثم) على التراخي الرتبي، لأن مضمون جملة (جعلنا الشمس عليه دليلاً) أبعد اعتباراً، أي أرفع في التأثير أو في الوجود، فإن وجود الشمس هو علة وجود الظل للأجسام التي على الأرض. والسبب أرفع رتبة من المسبَّب وكذلك مضمون جملة (قبضناه إلينا قبضاً يسيراً) أهم في الاعتبار بمضمونها من مضمون (جعلنا الشمس عليه دليلاً)، إذ في قبض الظل دلالة من دلالة الشمس هي عكس دلالتها على امتداده، فكانت أعجب إذ هي ضد للعمل الأول، وصدور الضدين من السبب الواحد أعجب من صدور أحدهما السابق في الذكر. التحرير والتنوير بتصرف: 19/ 42.

[9] هذا لا يتعارض مع قوله تعالى: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [سورة يس: 38]، فإن الشمس أيضاً لها حركتان حركة تدور حول نفسها، والمجموعة الشمسية تجري بسرعة (20) ألف ميل في الساعة نحو نجم الجبار. فدورة الأرض حول نفسها يتولد منه الليل والنهار، وحركة الأرض حول الشمس (65) ألف ميل في الساعة يتولد منها الفصول الأربعة، أما حركة المجموعة الشمسية نحو نجم الجبار فلم يصل العلم إلى معرفة ما يترتب عليه ولا نشك في وجود وظيفة لذلك. والله أعلم.

[10] رواه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا نام: 7/ 147.

[11] الرياح بصيغة الجمع تأتي في الغالب للرحمة وللمطر، وتأتي الريح مفردة في الغالب للعذاب.. قال الرماني: جمعت رياح الرحمة لأنها ثلاثة - لواقح: الجنوب والصبا والشمال، وأفردت ريح العذاب لأنها واحدة ولا تلقح وهي الدبور. انظر المحرر الوجيز: 11/ 47.

[12] الحكمة في اختيار هذه الأوصاف والمهمات أو الوظائف للماء في هذه الآية ماء طهوراً، لنحيي به بلدة ميتاً، ونسقيه، بينما في آيات أخرى تأتي أوصاف ووظائف أخرى؟! هنا الخطاب موجه للكفار وتذكير لهم بنعمة عظيمة لا يستطيعون إنكارها وهي نعمة الماء فهو طهور للأدران من الأبدان والملابس والأشياء المادية، وإذا حرص الإنسان على طهارة بدنه وملابسه والمكان الذي يعيش فيه، عليه أن يفكر بتطهير عالمه الباطني ولا يكون ذلك إلا بالقرآن - الوحي الإلهي - وكما أن الماء يطهر ويحيي البلد الميت فكذلك الوحي يطهر النفوس ويحيي القلوب والنفوس الكافرة - الميتة - ومن وظائف الماء سقيا المواشي والناس، وكذلك من وظائف الوحي إرواء غليل العطشى التائهين اللاهئين...

[13] ويشبّه د. منصور حسب النبي المناطق المدارية على الأرض - حيث أشعة الشمس القوية - : بغلّاية، والمناطق الباردة كمكثف في ماكينة التكييف. انظر كتابة (الكون والإعجاز العلمي للقرآن)، ص 190، ط. دار الفكر العربي.

[14] انظر كتاب: الكون والإعجاز العلمي للقرآن، ص 186.

[15] الرجع: المطر الذي يعود ويتكرر.

[16] تفسير ابن كثير: 3/ 321.

[17] الأساس في التفسير: 7/ 3886.

[18] يقدر العلماء أن كمية بخار الماء في البحر الأبيض المتوسط يبلغ (100000) طن في الثانية، ونتيجة لما ينزل من الأمطار وما يصب فيه من الأنهار لا ينقص منسوب مائه.

[19] رواه مسلم في كتاب الإيمان: 1/ 59.

[20] في تفسير ابن كثير روى ابن أبي حاتم حديثاً مرسلاً فقال: وقال عمر مولى عقبة: كان جبريل عليه السلام في موضع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل إني أحب أن أعلم أمر السحاب، قال: فقال له جبريل: يا نبي الله هذا ملك السحاب فسله، فقال: تأتينا صكاك مختمة، اسق بلاد كذا وكذا، كذا قطرة، وكذا وكذا، كذا قطرة". انظر تفسير ابن كثير: 3/ 321؛ وانظر الأساس في التفسير: 7/ 3887.

[21] انظر المحرر الوجيز: 11/ 49.

[22] انظر مفردات الراغب، ص 413؛ وعمدة الحفاظ، ص292.

[23] عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، للسمين الحلبي، ص 293.

[24] في ظلال القرآن: 5/ 2570.

[25] من أوجه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في عالم البحار، ص 17 من إصدارات هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة.

الدلالات اللغوية في الآية الكريمة:

• مرج: خلط، اضطراب.

وقال ابن فارس: الميم والراء والجيم أصل صحيح يدل على مجيء وذهاب واضطراب انظر معجم مقاييس اللغة: 5/ 316.

• عذب فرات: شديد العذوبة.

• ملح أجاج: شديد الملوحة.

• برزخاً: الحاجز والفاصل.

• حجراً محجوراً: منعاً ممنوعاً.

قال ابن فارس: الحاء والجيم والراء أصل أحد، وهو المنع والإحاطة على الشيء.. والعقل يسمى حجراً لأنه يمنع من إتيان ما لا ينبغي قال تعالى: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ [الفجر: 5]. انظر معجم مقاييس اللغة: 2/ 138.

[26] الضغط الأسموزي: مقدار نفاذ الأملاح في الأغشية.

[27] بتصرف واختصار من أوجه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في عالم البحار، ص 23 وما بعدها.

[28] انظر معجم مقاييس اللغة: 1/ 201؛ لسان العرب: 4/ 41؛ المفردات للراغب.

[29] رواه أبو داود في سننه: 1/ 64؛ والترمذي، انظر تحفة الأحوذي: 1/ 224.

[30] لسان العرب: 14/ 78.

[31] زاد المسير: 8/ 113.

[32] باختصار وتصرف من كتاب: من أوجه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في عالم البحار، ص 45 وما بعدها.

[33] انظر: من أوجه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في عالم البحار، ص 52 وما بعدها.

[34] أخرجه البخاري، كتاب الشهادات: 3/ 149.

[35] يأتي التذكر بأصل الإنسان حسب السياق القرآني:

في حال ذكر قدرة الله تعالى وعجيب صنعه بنسبته إلى الماء أو الطين أو الطين اللازب أو صلصال من الفخار، كما في قوله تعالى:

﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾ [الرحمن: 14 - 15].

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54].

﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ ﴾ [الصافات: 11].

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾ [الحجر: 26 - 27].

وعند ذكر تكبر الإنسان وعلوه وتجبره يذكره بأصله من التراب المهين أو من النطفة المهينة، كما في قوله تعالى: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ [الكهف: 37].

وقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ [يس: 77 - 78].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب
  • صوتيات
  • تعريف بالمؤلفات
  • مرئيات
  • مقالات
  • علوم القرآن
  • فقه الكتاب والسنة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة