• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الأستاذ مصطفى حلميأ. د. مصطفى حلمي شعار موقع الأستاذ مصطفى حلمي
شبكة الألوكة / موقع أ. د. مصطفى حلمي / مقالات


علامة باركود

توضيح النبي عليه الصلاة والسلام للمنهج الأمثل في العلم الإلهي

توضيح النبي عليه الصلاة والسلام للمنهج الأمثل في العلم الإلهي
أ. د. مصطفى حلمي


تاريخ الإضافة: 26/7/2014 ميلادي - 28/9/1435 هجري

الزيارات: 15475

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

توضيح النبي عليه الصلاة والسلام

للمنهج الأمثل في العلم الإلهي

 

روى مسلم في صحيحه في باب الإيمان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال الناس يسألونك عن العلم حتى يقولوا هذا الله خلقنا فمن خلق الله؟)) قال أبو هريرة: جاءني ناس من الأعراب فقالوا: يا أبا هريرة هذا الله خلقنا. فمن خلق الله؟ فأخذ حصى فرماهم به ثم قال: قوموا صدق خليلي - صلى الله عليه وسلم - وهناك عدة روايات لمسلم بهذا المعنى، جاء في إحداها قول الرسول صلوات الله عليه ((فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل آمنت بالله)) وقوله: ((فمن بلغ ذلك فيلستعذ بالله))، فأرجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا السؤال إلى وسوسة الشيطان. ولم يأمر باستعادة البراهين على إثبات الله عز وجل.

 

وكان بعض المتكلمين ومنهم الرازي (606 هـ) عندما سئل: لم لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند هذا الوسواس بالبرهان المبين لفساد التسلسل والدور، بل أمر الاستعاذة؟

 

فأجاب بأن مثل هذا من عرض له كلب ينبح عليه ليؤذيه ويقطع طريقه فتارة يضربه بعصا، وتارة يطلب من صاحب الكلب أن يزجره فبين الرازي أن البرهان[1] هو الطريق الأول وفيه صعوبة والاستعاذة بالله هو الثاني وهو أسهل.

 

ولكن اعترض البعض على هذه الإجابة لأنها تفضل طريقة البرهان على طريقة الاستعاذة وهي الأكمل والأقوى، فإن دفع الله تعالى للوسواس عن القلب أكمل من دفع الإنسان ذلك عن نفسه[2].

 

ويرى ابن تيمية أن كلا الإجابتين خطأ مبينًا ذلك من وجوه[3]:

الأول:

إن الإنسان حادث كائن بعد أن لم يكن والعلم الحاصل في قلبه علم ابتداء، فلابد من علوم بديهية أولية يبتدعها الله في قلبه، وغاية البرهان أن ينتهي إليها.

 

وهذا حال الإنسان السليم الحس والعقل الذي يستخدم معه طرق البرهان والنظر والاستدلال، أما إذا أصابه مرض في الحس أو العقل فعجز عن فهم العلوم البديهية الأولية، فإنه يعاد بالأدوية الطبيعية أو بالدعاء ونحو ذلك.

 

ويقرر ابن تيمية أن الوسوسة والشبهة القادحة في العلوم الضرورية لا تزال بالبرهان بل متى فكر العبد ونظر ازداد دورها على قلبه، وقد يغلبه الوسواس حتى يعجز عن دفعه عن نفسه. وهذا يزول بالاستعاذة بالله، فإن الله هو الذي يعيذ العبد ولغيره من الشبهات المضلة والشهوات المغوية، ولهذا أمر العبد أن يستهدي ربه في كل صلاة فيقول ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7] وفي الحديث الإلهي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى:

((يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم)) وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98] وقال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 200].

 

وكان يمين النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ومقلب القلوب))، وكان كثيرًا ما يقول: ((والذي نفس محمد بيده)).

 

ثم يغوص ابن تيمية بعد هذه الشواهد في النفس البشرية حيث تمر بها الخواطر التي هي من جنس الاعتقادات ومن جنس الإرادات، وفيها المحمود والمذموم، والله هو القادر على صرفها عن الإنسان، فالاستعاذة به سبحانه وتعالى طريق مؤدية إلى المقصود الذي لا يحصل بالنظر والاستدلال[4].

 

الثاني:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتصر على الأمر بالاستعاذة وحدها بل أمر العبد الانتهاء عن ذلك مع الاستعاذة، إعلانًا منه بأن هذا السؤال هو نهاية الوسواس فيجب الانتهاء عنه، ليس هو من البدايات التي يزيلها ما بعدها، فإن النفس تطلب سبب كل حادث وأول كل شيء حتى تنتهي إلى الغاية والمنتهى، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 42].

 

ويستطرد شيخ الإسلام بعد ذلك في شرح معنى العلم الضروري الفطري لكل من سلمت فطرته إذ أن المخلوقات كلها لابد لها من خالق، أما وجود المخلوقات كلها بدون خالق فإنه معلوم الامتناع بالضرورة[5].

 

الثالث:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر العبد أن يقول: آمنت بالغة. وفي رواية: ورسوله فهذا من باب دفع الضد الضار بالضد النافع، فإن قوله آمنت بالله، يدفع عن قلبه الوسواس الفاسد. ولهذا كان الشيطان يخنس عند ذكر الله ويوسوس عند الغفلة عن ذكر الله، ولهذا سمي الوسواس الخناس، فإنه جاثم على فواد ابن آدم، فإن ذكر الله خنس.

 

وينبه ابن تيمية أيضًا إلى الوسواس الذي يعرض لكثير من الناس في العبادات حتى يشككه هل كبَّر أم لم يكبِّر؟ وهل قرأ الفاتحة أم لا؟ وهل نوى العبادة أم لم ينوها وهل تطهر أم لا؟ فيشككه في علومه الحسية وهي أمور حسية علم الإنسان بها علم ضروري يقيني أولي لا يتوقف على النظر والاستدلال. وفي هذه الحالة يوجهنا شيخ الإسلام إلى علاج ذلك بالثبوت على الحق ودفع ما يعارضه من الوسواس فينصرف عنه الشيطان متى رأى قوة العبد وثباته على الحق وإلا فمتى رآه قابلًا للشكوك والشبهات. مستجيبًا إلى الوساوس والخطرات، أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه، وصار قلبه موردًا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول، وانتقل من ذلك إلى غيره، إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة[6] قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾ [البقرة: 257].

 

وفي موضع آخر من كتابه (درء تعارض العقل والنقل) يذكر الوسوسة التي سأل الصحابة عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا القبيل حتى قالوا: (يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأنه يحترق حتى يصير حمة أو يخر من السماء إلى الأرض خيرًا له من أن يتكلم به، فقال: ذلك صريح الإيمان.

 

ويلخص ابن تيمية تحليله وشروحه الآنفة كلها في تفسيره لرد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو تفسير يحمل على الاطمئنان إذ في رأيه أنه أراد بذلك (أن كراهته هذه الوسوسة ونفيها هو محض الإيمان وصريحه)[7].

 

كذلك روى البخاري في صحيحه في كتاب (بدء الخلق) عن عمران بن حصين قال: ((دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بنى تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بنى تميم قالوا: قد بشرتنا فأعطنا مرتين ثم دخل ناس من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلنا يا رسول الله.. قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر. قال: ((كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض..)).

 

وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 186] الآية[8].

 

رد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على وفد نجران:

تروي لنا كتب التاريخ قصة المباهلة المشهورة بين الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ووفد نجران نختار منها المناقشة الدائرة بينه وبينهما وكان عمادها الجدل بالتي هي أحسن.

 

وقد أورد الطبري في تفسيره أن النصارى أتوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخاصموه في عيسى ابن مريم، وقالوا له: من أبوه؟

 

وقالوا على الله الكذب والبهتان لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولدا. فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه)؟ قالوا: نعم.

 

قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟

قالوا: بلى.

 

قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه.

قالوا: بلى.

 

قال: فهل يعلم عيسى من ذلك شيئًا؟

قالوا: لا.

 

قال: ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟

قالوا: بلى.

 

قال: فهل يعلم عيسى من ذلك شيئًا إلا ما علم؟

قالوا: لا.

 

قال: فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء.

 

قال: ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث؟

قالوا: بلى.

 

قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غذي كما يتغذى الحي، ثم كان يطعم ويشرب الشراب ويحدث الحدث؟

قالوا: بلى.

 

قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم؟

قال: فعرفوا ثم أبوا إلا جحودًا فأنزل الله تعالي: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2][9].

 

القرآن كلام الله تعالى:

قبل إثارة محنة خلق القرآن قد لا تعثر في المصادر التاريخية على روايات تشرح موقف الصحابة بنفس الطريقة التي تقابلنا بكتب الفرق أثناء مناقشة بعضها البعض، كالمعتزلة والأشاعرة، أو المعتزلة والسلف، ولكن مع هذا نستطع لمح آراء متناثرة تفيدنا في التوصل إلى معرفة موقف الصحابة لحا ورد على ألسنة أئمتهم كعلى وابن مسعود وابن عباس رضي، وأقوالهم حجة.

 

ومن المعروف تاريخيًا أن أول من قال بأن القرآن مخلوق الجعد بن درهم في سني نيف وعشرين ومائة بعد الهجرة ثم الجهم بن صفوان.

 

ولكن الثابت عن هؤلاء الصحابة - رضوان الله عليهم - أنهم قالوا: إن القرآن كلام الله، صحيح لم يرد لفظ غير بحلوق، لأن المشكلة ظهرت بعدهم واستخدم المتكلمون هذا اللفظ المستحدث، ولكن استقراء النصوص الواردة عنهم تفيد ذلك، فقد اعترض الخوارج كما هو معروف على علي بن أبي طالب لأنه حكم الحكمين وقالوا له: (حكمت رجلين؟ قال: ما حكمت مخلوقًا وإنما حكمت القرآن) وفي إجابته أنه ما حكم إلا القرآن نفى لهذا الخلق عنه.

 

وأما قول ابن عباس رضى الله عنهما، فقد كان مرة في جنازة، فلما وضع الميت في لحده قام رجل فقال: اللهم رب القرآن اغفر له، فوثب إليه ابن عباس فقال: القرآن منه، وفي رواية أخرى: ((القرآن كلام الله وليس بمربوب منه خرج وإليه يعود))[10].

 

الإيمان بالقدر وفهمه على الوجه الصحيح:

وفي الإيمان بالقدر الذي تنازع فيه المسلمون فيما بعد رأينا كيف كان أبو بكر - رضي الله عنه - حين يقول: أقول برأيي فإن كان صوابًا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، فهذا القول يدل على تأييده لحقيقة المسئولية الأخلاقية ونفى الخبر، كما عزر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من ادعى أن سرقته كانت بقضاء الله، فلما سأله فقال: قضى الله علي، فأمر بقطع يده وضرب أسواطًا، فلما استفسروا من عمر عن سبب هذا التعزير فأجاب: القطع للسرقة، والجلد لما كذب على الله.

 

ولما قال محاصرة عثمان - رضي الله عنه - حين رموه: الله يرميك. قال: كذبتم لو رماني ما أخطاني!!

 

وهناك توضيح أيضًا على لسان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - شارحًا الفرق بين قضاء الله تعالى وأمره، فقد قاله شيخ عند انصرافه من صفين (أكان المسير بقضاء الله وقدره)؟ فأجابه علي رضوان الله عليه: (والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، ما هبطنا واديًا ولا علونا قلعة إلا بقضاء وقدر)، ففهم الشيخ خطأ أن عليًا يفسر ما حدث بالجبر لذلك أسرع علي فأفهمه معنى الإيمان بالقدر على حقيقته، وأنه لا يتنافى مع حرية وإرادة الإنسان ومسئوليته عن أفعاله، فقال له: (لعلك تظن قضاء واجبًا وقدرًا حتمًا لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد ولما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب ولا محمدة لمحسن، ولا كان المحسن بثواب الإحسان أولى من المسيء، ولا المساء بعقوبة الذنب أولى من المحسن.. ثم أردف قائلًا: (إن الله تعالى أمر تخييرًا، ونهى تحذيرًا، و لم يكلف مجبرًا، ولا بعث الأنبياء عبثًا)[11].

 

ويسوق لنا التاريخ أيضًا ما فهمه عمر بن الخطاب وابنه - رضي الله عنهما - وتمييزهما الدقيق بين العلم الإلهي المسبق المحيط بكل شيء وبين أفعال الإنسان التي يؤديها بحريته وإرادته.

 

وللقارئ هذا المثل الذي يضربه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في شرح الصلة بين العلم الإلهي والفعل الإنسان قال: (مثل علم الله فيكم كمثل السماء التي أظلتكم، والأرض التي أقلتكم، فكما لا تستمعون الخروج من السماء والأرض كذلك لا تستطيعون الخروج من علم الله، كما لا تحملكم السماء والأرض على الذنوب، كذلك لا يحملكم علم الله ما تم).

 

وبسؤال عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - عن حالة بعض الناس الذين يزنون ويشربون الخمر ويسرقون ويقتلون النفس زاعمين أن ذلك كان في علم الله تعالى، فغضب ثم قال: (سبحان الله العظيم، قد كان ذلك في علمه أنهم يفعلوها، ولم يحملهم علم الله على فعلها)[12].

 

والإجابة توضح نفسها ولا تحتاج إلى مزيد، فإن علم الله تعالى المحيط بكل شيء - لأنه سبحانه بكل شيء عليم - صفة من صفات الكمال، والعلم الإلهي بما حدث ويحدث وسيحدث لا يحمل العباد على أفعالهم.

 

الملائكة:

قال جماعة من المفسرين: كان لعمر أرض بأعلى المدينة فكان يأتيها، وكان طريقه على موضع مدارسة اليهود، وكان كلما مر دخل عليهم فسمع منهم وأنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا: يا عمر ما من أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) أحدٌ أحب إلينا منك. إنهم يمرون فيؤذوننا وتمر بنا فلا تؤذينا، وإنا لنطمع فيك، فقال لهم عمر؟ أي يمين فيكم أعظم؟ قالوا: الرحمن، قال: فبالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدًا عندكم نبيًا؟ فسكتوا، قال: تكلموا ما شأنكم والله ما سألتكم وأنا شاك في شيء من ديني، فنظر بعضهم لبعض، فقام رجل منهم فقال: أخبروا الرجل أو لأخبرنه، قالوا: نعم إنا نجده مكتوبًا عندنا، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي هو جبريل، وجبريل عدونا وهو صاحب كل عذاب وقتل وخسف، ولو أنه كان وليه ميكائيل لآمنا به فإن ميكائيل صاحب رحمة وكل غيث قال لهم: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أين ميكائيل وأين جبريل من الله؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، قال عمر: فأشهد أن الذي هو عدو للذي عن يمينه هو عدو للذي عن يساره والذي هو عدو للذي عن يساره هو عدو للذي عن يمينه وإن من كان عدوا لهما فإنه عدو لله. ثم رجع عمر ليخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ عليه ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 97].

 

﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 98].

 

فقال عمر: والذي بعثك بالحق لقد جئت وما أريد إلا أخبرك[13].



[1] إن البراهين الدالة على إثبات الله تعالى وصفاته وأسمائه الحسنى أكثر من أن تحصى فهي- كما يذكر المقدسي- غير محصنة ولا متناهية في أوهام الخلائق لأنها بعدد أجزاء أعيان الموجودات من الحيوان والنبات وغير ذلك ((مما خفي عن الأبصار لأنه ما من شيء وإن صغر جسمه ولطف شخصه إلا وفيه عدة دلائل تعبر عن ربوبيته وتصرح عن ألوهيته تصريحًا ينفي مع أدناها الشبهة ويزاح العلة)).

ولكنه لجدول إبراز أهم هذه البراهين ويوجزها فيما يلي:

أولًا: فزع القلوب إليه سبحانه وتعالى عند نزول الحوادث ووقوع المصائب، إذ لا يوجد مضطر وقد عضته نائبة ولدغته نائبة يفزع إلى حجر أو شجر أو مدر أو شيء من الخلائق.

ثانيًا: أنه لا يخلو لسان أمة من الأمم في أقطار الأرض وآفاتها إلا وهم يسمونه بخواص من أسمائه عندهم، ومستحيل وجود اسم لا مسمى له كاستحالة وجود دليل على غير مدلول عليه بل المدلول موجب لدليل.

ثالثًا: ومن الدليل على إثبات البارئ سبحانه هذا العالم بما فيه من عجيب النظم وبديع الترتيب ومحكم الصنع ولطيف التدبير والاتساق والإتقان.

رابعًا: إن كتب الله المنزلة مملوءة بدلائل الإثبات والتوحيد تأكيدًا للحجة لأنه موضوع نفس الفطرة وخاصة القرآن، وقال الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - حيث سئل عن الدلالة عليه ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].

ويمضي المقدسي فيستدل بأدلة أخرى مستقاة من كتب السابقين، وهي في شكل سؤال وجواب بين ملك وحكيم.

سأل الملك الحكيم: ما أدل الأمور على الله؟

قال الحكيم: الدلائل كثيرة وأولها رسالتك عنه لأن السؤال لا يقع على لا شيء.

قال الملك: ثم ماذا؟

قال: شك الشاكين فيه، فإنما يشكك فيما هو، لا فيما لا هو.

قال الملك: ثم ماذا؟

قال: وله الفطن إليه (أي التفكير فيه سبحانه) الذي لا يستطيع الامتناع منه.

قال الملك: زدني.

قال: حدوث الأشياء وتنقلها على غير مشيئتها.

قال: زدني.

قال: الحياة والموت اللذان يسميهما الفلاسفة النشوء والبلى، فلست واجدًا أحدًا أحيا نفسه، ولا حيًا إلا كارهًا للموت ولكن ينل منه - يعني لا ينجو.

قال: زدني.

قال: الثواب والعقاب على الحسنة والسيئة الجاريان على ألسنة الناس.

المقدسي: ((كتاب البدء والتاريخ)) ج 1 ص 57 /71 مكتبة المثنى ببغداد ومؤسسة الخانجي بمصر.

بعد هذه البراهين الساطعة، يأتي الشيطان يعبث بالإنسان ويوسوس له بالتشكيك؟

فما موقفه الإنسان في هذه الحالة؟

هل يعود في كل مرة إلى استعراض الأدلة والبراهين العقلية والفطرية، وتذكر آيات الله في مخلوقاته وفي نفسه؟ أم يسلك طريقًا آخر لدفع الشيطان عنه وطرده؟

لا شك أن الطريق الأمثل هو ما أمر به وأرشد إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما اتضح في السياق أعلاه.

[2] ابن تيمية ((درء تعارض العقل والنقل)) ج 3 ص 308 تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم- طبع على نفقة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1401 هـ- 1981م.

[3] ينظر المصدر السابق الذي عرض فيه لهذا الموضوع ص 117- 118 والصفحات من 206 إلى 318.

[4] نفسه ص 313.

[5] نفسه ص 314.

[6] نفسه ص 318.

[7] نفسه ص 118.

[8] تفسير ابن كثير ج1 ص 2 يقول ابن تيمية: وقعتهم مشهورة متواترة نقلها أهل السير، وأهل التفسير، وأهل الحديث وأهل الفقه وأصل حديثهم معروف.

[9] وينظر "أسباب النزول" للواحدي ص 1 6 و 62 مؤسسة الحلبي بالقاهرة 1388 هـ- 1968 م.

[10] ابن تيمية (الفتاوى الكبرى)، تحقيق حسنين محمد مخلوف ج 5 ص 56.

[11] القاضي عبد الجبار "فرق وطبقات المعتزلة" ص 24- ط. دار المطوعات الجامعية بالإسكندرية تحقيق د. النشار وعصام الدين محمد على.

[12] نفس المصدر ص 26.

[13] الحافظ ابن عبد البر (463 هـ) "جامع بيان العلم وفضله"، ج 2، ص 123-124.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • صوتيات
  • مرئيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة