• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب موقع الأستاذ الدكتور محمود بن أحمد بن صالح الدوسريد. محمود بن أحمد الدوسري شعار موقع الأستاذ الدكتور محمود بن أحمد بن صالح الدوسري
شبكة الألوكة / موقع د. محمود بن أحمد الدوسري / مقالات


علامة باركود

من خصال الفطرة عند الرجل والمرأة

من خصال الفطرة عند الرجل والمرأة
د. محمود بن أحمد الدوسري


تاريخ الإضافة: 13/9/2020 ميلادي - 25/1/1442 هجري

الزيارات: 12450

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من خِصال الفطرة عند الرجل والمرأة

 

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده الذي اصطفى؛ أمَّا بعد: في هذا البحث مسألتان:

المسألة الأول: الخِتان.

المسألة الثانية: الحَلْق.

 

المسألة الأولى: الخِتان:

أولاً: تعريف الخِتان: الختان لغة: الخَتْن - بفتح الخاء وإسكان النُّون: القَطْع. يُقال: خَتَنَ الولدَ يَخْتِنُه ويخْتُنُه، فهو ختينٌ ومختونٌ، والاسم: خِتَانٌ وخِتانةٌ ككِتاب وكِتابة [1].

 

والختان اصطلاحاً: الختان: قَطْعُ بعضٍ مَخصوصٍ من عضوٍ مَخصوصٍ. والختان: اسمٌ لفعل الخاتن، ولموضعِ الخَتْن من الذَّكر والأنثى أيضاً؛ كما جاء في الحديث: «إذا الْتَقَى الخِتَانَانِ...»[2] [3].

 

ويقال: الخَتْن للرِّجال، والخَفْض للنِّساء، ويُسمَّى في حقِّ الذَّكر إعذاراً أيضاً، وغير المعذور: أغلف وأقلف، وقد يُقال: الإعذار لهما [4].

 

وأكملُ الختانِ في حقِّ الذَّكر: قَطْعُ الجلدة التي تُغطِّي الحشفة، والمستحبُّ أن تُسْتَوعب من أصلها. وفي حقِّ الجارية: قَطْعُ الجلدةِ المستعلية في أعلى الفَرْج - كعرف الدِّيك - دون استئصالها [5].

 

ثانياً: خِتان الرجل: الختان واجب في حقِّ الذُّكور - في أصحِّ قولي العلماء - وبه قال الشَّافعية والحنابلة، وهو مذهب الأوزاعي، وقال به سحنون من المالكيَّة [6]، رحمةُ الله عليهم جميعاً.

 

الأدلَّة:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً، بِالقَدُّومِ»[7]. وقد قال الله تعالى - مخاطباً نبيَّه الكريمَ صلّى الله عليه وسلّم: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النحل: 123]. فالنَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أُمِرَ باتِّباع مِلَّةِ إبراهيم عليه السلام، ولا وَجْه لتخصيص ذلك بالتَّوحيد، بل يُراد به العموم؛ لأنَّ التَّوحيد والختان وغيره من الخصال الواردة قد ثَبَتَ أنَّها من ملَّة إبراهيمَ عليه السلام [8].

 

2- عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عزّ وجل: ﴿ وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ﴾ [البقرة: 124]. قال: «ابتلاه الله بالطَّهارة: خمسٌ في الرَّأس، وخمسٌ في الجسد؛ في الرَّأس: قصُّ الشَّارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسِّواك، وفَرْق الرَّأس، وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل مكان الغائط والبول بالماء»[9]. قال البيهقي رحمه الله: «قال أصحابنا: والابتلاء إنَّما يقع في الغالب بما يكون واجباً»[10]. ومعنى الابتلاء: الامتحان والاختبار؛ أي: أَمَرَ وتَعَبَّدَ [11].

 

3- عَنْ كُلَيْبِ الجُهَنِيِّ - جدِّ عُثَيْمِ بنِ كَثيرِ بْن كُلَيْب - أنَّه جَاء إلى النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فَقال: قَدْ أسْلَمْتُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الكُفْرِ»، يَقُولُ: احْلِقْ، قَالَ: وأخْبَرَنِي آخَرُ، أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم، قَالَ لآخَرَ مَعَهُ: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الكُفْرِ واخْتَتِنْ»[12]. والأمر - في أصله - للوجوب، ولا صارف له. قال ابن حجر رحمه الله: «مع ما تقرَّر أنَّ خطابه صلّى الله عليه وسلّم للواحد يشمل غيرَهُ، حتَّى يقوم دليلٌ على الخصوصيَّة»[13].

 

و«في الختان إدخالُ ألمٍ عظيمٍ على النَّفْس، وهو لا يُشرع إلاَّ في إحدى ثلاث خصال: لمصلحةٍ، أو عقوبةٍ، أو وجوبٍ، وقد انتفى الأوَّلان، فثبت الثَّالث»[14]. ويُضاف إلى ذلك: أنَّ الختان من شعائر الدِّين، وبه يُعرف المسلم من الكافر، حتَّى لو وُجِدَ مختون بين جماعةٍ قتلى غيرِ مختونين، صُلِّي عليه، ودُفِنَ في مقابر المسلمين [15].

 

4- ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: «الأقلف لا تجوز شهادته، ولا تقبل له صلاة، ولا تؤكل له ذبيحة»[16]. وفتوى ابن عباس رضي الله عنهما - في حُكْمِ مَنْ لم يختتن - لا مدخل للرأي فيها.

 

قال ابن القيم رحمه الله: «احتجَّ الأئمَّةُ الأربعة وغيرهم بأقوال الصَّحابة، وصرَّحوا بأنَّها حُجَّة... ولم يُحْفَظْ عن صحابيٍّ خِلافَ ابنِ عباسٍ، ومِثْلُ هذا التَّشديد والتَّغليظ، لا يقوله عالِمٌ مِثْلُ ابن عباسٍ رضي الله عنهما في ترك مندوبٍ، يُخَيَّرُ الرَّجلُ بين فعله وتركه»[17].

 

ولأنَّ بقاء الغرلة يحبس النَّجاسة فيؤدِّي إلى عدم كمال الطَّهارة، فغير المختون مُعرَّض لفساد طهارته وصلاته؛ لأنَّ القلفة تستر الذَّكر، فيجتمع البول تحتها، ويتعذَّر تطهيرها بالكلِّيَّة، وما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجب، فصحَّة الصَّلاة موقوفةٌ على الختان [18].

 

ثالثاً: خِتان المرأة: أقرب الأقوال إلى الصَّواب أنَّ الختان مشروع في حقِّ النِّساء، وهو مكرمةٌ لهنَّ، ولا يرتقي أن يكون واجباً؛ ذلك أنَّه لم يرد دليل صريح صحيح يُوجب على النِّساء الاختتان، وذهب إلى هذا أكثر أهل العلم؛ كالحنفية والمالكيَّة والحنابلة وغيرهم [19].

 

الأدلَّة:

1- عَنْ أمِّ عَطِيَّةَ الأنْصَارِيَّة رضي الله عنها، أنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالمَدينَة، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تُنْهِكي [20]؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ، وَأَحَبُّ إِلَى البَعْلِ»[21]. فهذا دليل على مشروعيَّة الختان وإباحته للنِّساء، حيث أقرَّ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الخاتنة على فعلها.

 

2- عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأرْبَعِ، وَمَسَّ الخِتَانُ الخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ»[22]. وفي روايةٍ أُخرى: «إذا الْتَقَى الخِتَانَانِ فَقَدْ وجَبَ الغُسْلُ»[23].

 

فيه إشارة إلى أنَّ النِّساء كنَّ يختتنَّ على عهد النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: «فيه بيانٌ أنَّ النِّساء كُنَّ يَخْتَتِنَّ»[24]. وفيه دلالةٌ كافية أنَّ الختان مشروع للنِّساء، لكنَّه ليس بواجب.

 

3- عَدَمُ ختانِ المرأة لا يترتَّب عليه ما يترتَّب على عدم ختان الرَّجل، فغير المختون من الرِّجال - كما مرَّ سابقاً - مُعرَّض لفساد طهارته وصلاته، وهذا غير موجود في غير المختونة.

 

ولذا قال ابن تيميَّة رحمه الله - في بيان المقصود من ختان الرَّجل وختان المرأة: «المقصود بختان الرَّجل: تطهيره من النَّجاسة المحتقنة في القلفة، والمقصود من ختان المرأة: تعديل شهوتها»[25]. إذاً اختلف الحكم باختلاف المقصدين، وبهذا يتَّضح أنَّ الختان واجبٌ على الرِّجال، ومكرمة للنِّساء.

 

رابعاً: حكمة التَّفريق: ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الشَّريعة الإسلاميَّة ربَّانية المصدر، وأنَّ الله تعالى هو أعلم بمَنْ خَلَق، وبما يُناسبهم من أحكامٍ تُحقِّق لهم السَّعادة في الدَّارين، وهذه الحكمة تتجلَّى في مسألة الختان. حيث إنَّ الأضرار المُترتِّبة على عدم اختتان الذَّكر كثيرة جداً، وقد ناسبها أن يكون حُكم الختان في حقِّه واجباً.

 

أمَّا ما يترتَّب على عدم اختتان المرأة من أضرار، فهي أضرار لا تكاد تُذْكر، كما أنَّها لا تحدث لكلِّ امرأةٍ، وإنَّما تحدث لبعضٍ دون الآخر، فناسب حُكْمُها الإباحة إذا ما اقتضت الحاجة إجراء عمليَّة الختان، ولننظر إلى الرَّأي العلميِّ في هذه المسألة لنقف على حِكْمَة التَّشريع، حيثُ يرى أهل الاختصاص:

أنَّ اختتان الأطفال المواليد يُؤدِّي إلى مكاسب صحيَّة عديدة، أهمُّها:

1- الوقاية من الالتهابات الموضعيَّة في القضيب النَّاتجة عن وجود القلفة، ويُسمَّى ضيق القلفة، ويؤدِّي إلى حَقْنِ البول، والتهابات حشفة القضيب، وهذه كلُّها تستدعي إجراء الختان لعلاجها، أمَّا إذا أزْمَنَت فإنَّها تُعَرِّض الطِّفلَ المُصَابَ لأمراضٍ عديدة في المستقبل، أخطرها سرطان القضيب.

 

2- الوقاية من التهابات المجاري البوليَّة، حيث أثبتت الأبحاث العديدة أنَّ الأطفال غير المختونين يتعرَّضون لزيادةٍ كبيرة في التهابات المجاري البوليَّة.

 

3- الوقاية من سرطان القضيب.

 

4- وقاية الزَّوجة من سرطان عنق الرَّحم، فقد تبيَّن أنَّ سرطان القضيب وسرطان عنق الرَّحم كلاهما مرتبط بفيروسات الثَّآليل الإنساني. وبما أنَّ هذه الثَّآليل مُعدية، وبما أنَّ غير المختونين أكثر تعرُّضاً لها، فإنَّ احتمال إصابة زوجة غير المختون أكبر بكثير ممَّا هي عليه عند المختون [26]. أمَّا بالنِّسبة للمرأة، فإنَّ ختانها يُؤدِّي إلى ذهاب الغلمة والشَّبق، ويمنع من الالتهابات الميكروبيَّة التي قد تتجمَّع تحت القلفة، مع ملاحظة أنَّ قلفة المرأة بعيدة عن مجرى البول على عكس قلفة الرَّجل [27].

 

المسألة الثانية: الحَلْق:

أولاً: حلق رأس الرَّجل: يجوز للرَّجل أن يحلق شعر رأسه، وليس ذلك بمكروه، وهو مذهب الجمهور [28]، وتربيتُه وإطالتُه وإكرامُه أفضلُ من حلقه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَعَلَ ذلك، والاقتداء به أفضل، وهذا هو مذهب الشَّافعية، وأحمد في أصحِّ الرِّوايتين، وهو اختيار الشَّوكاني [29]. واللهُ تبارك وتعالى كَرَّم الإنسان، ونهاه عن كلِّ ما فيه مُثْلَةٌ أو تشويه، بل دعاه إلى أن يكون نظيفاً، ويتجمَّل بكلِّ ما هو مباح، من دون تغييرٍ لِخَلْقِ الله تعالى، أو انتهاكٍ لحرمته.

 

الأدلَّة:

1- عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم رأَى صَبِيَّاً قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعْرِهِ، وَتُرِكَ بَعْضُهُ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: «احْلِقُوهُ كُلَّهُ، أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ»[30]. وفيه دلالة صريحة على جواز حَلْقِ الرَّأسِ للرِّجال، ولا كراهة في ذلك.

 

قال النَّووي رحمه الله: «قال أصحابنا: حَلْق الرَّأس جائز بكلِّ حالٍ، لكن إنْ شقَّ عليه تعهُّده بالدَّهن والتَّسريح اسْتُحِبَّ حَلْقُه، وإن لم يَشُقَّ اسْتُحِبَّ تركُه»[31].

 

2- عَن عَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ - ثلاثاً - أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَالَ: «لا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ اليَوْمِ»، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُوا لِي بَنِي أخِي»، فجيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: «ادْعُوا لِـيَ الحَلاَّقَ»، فَأَمَرَهُ، فَحَلَقَ رُؤُوسَنَا [32]. فهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمر بحلق رؤوس أبناء جعفر، ولو كان الحَلْق منهيّاً عنه لما أمر به [33].

 

ولا ريب أنَّ الأولى تربية الشَّعر إلاَّ إذا حصل ما يستدعي حلقه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لمَّا رأى انشغالَ آلِ جعفرٍ عنهم ممَّا يؤدِّي إلى تراكم الأوساخ، وانتشار القمل فيهم أمر بحلقهم.

 

قال القاري رحمه الله: «وإنَّما حَلَق رؤوسهم مع أنَّ إبقاء الشَّعر أفضل ـ إلاَّ بعد فراغ أحد النُّسكين على ما هو المعتاد على الوجه الأكمل - لمَّا رأى من اشتغال أمِّهم أسماءَ بنتِ عُميسٍ رضي الله عنها عن ترجيل شعورهم؛ بما أصابها من قتل زوجها في سبيل الله، فأشفق عليهم من الوسخ والقمل»[34].

 

ثانياً: حلق رأس المرأة: شعر المرأة يختلف عن شعر الرَّجل؛ حيث إنَّها مُطالبةٌ بالعناية بشعرها؛ لأنَّه زينةٌ لها تُطلب منها، بل الشَّعر للمرأة من أهمِّ الخصال التي تُبرز جمالَها، وتُرغِّب الرَّجل فيها؛ لذا نجد كثيراً من الشُّعراء يصفونه بأوصافٍ عديدة تدلّ على أهميَّته بالنِّسبة للمرأة، ومن ذلك: قول ابن مشرف:

فَتَاةٌ كأنَّ الشَّمس غُرَّةُ وَجْهِهَا
ومِنْ شَعْرِها يَبْدو لَكَ اللَّيلُ أسُودا[35]
وقول أحمد شوقي: يا شَعْرها لا تَسْعَ في
هتْكِي فَشَأْنُ اللَّيلِ سَاتِرْ[36]

 

حَلْق المرأة رأسها له ثلاثة أحوال:

الأوَّل: حَلْقُه عند المصيبة: فلا خلاف في حرمته؛ لما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ [37]، والحَالِقَةِ [38]، والشَّاقَّةِ [39]»[40].

 

الثَّاني: حَلْقُه لضرورةٍ من مرضٍ ونحوه: فالضَّرورات تُبيح المحظورات، وهو محلُّ اتِّفاقٍ، فلا ضرر ولا ضرار.

 

الثَّالث: بعد حجٍ أو عمرةٍ، أو بدون ضرورة: لم يختلف أهل العلم في منع النِّساء من الحَلْق، ولكن منهم: مَنْ يُحرِّم ذلك، ومنهم: مَنْ يقول بالكراهة؛ على النَّحو التَّالي:

أ- صَرَّح الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعية والحنابلة بكراهة حلق رأس المرأة عند التَّحلُّل من النُّسك. وقالوا: هو مُثْلَةٌ في حَقِّها، وحلق غير مشروع منهي عنه. فمن هذا يُفهم كراهتهم لحلقه في غير النُّسك من باب أولى [41].

 

ب- وقال بحرمة حلقه بعض المالكيَّة والشَّافعية والحنابلة [42]، وهو الرَّاجح إن شاء الله تعالى.

 

الأدلَّة:

1- عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليْسَ عَلَى النِّسَاءِ الحَلْقُ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ»[43].

 

فنفى الحلقَ عن النِّساء، وأثبتَ لهنَّ التَّقصير؛ مع أنَّه صلّى الله عليه وسلّم دعا للمحلِّقين - بالرَّحمة والمغفرة - ثلاثاً في النُّسك [44]، إلاَّ أنَّه نهى النِّساء عن الحلق، ممَّا يُؤكِّد أنَّ المرأة لا يجوز لها الحلق في النُّسك، وفي غيره من باب أولى، إلاَّ لضرورة من مرضٍ ونحوه.

 

قال ابن حجر رحمه الله: «كما يحرم على المرأة الزِّيادة في شعر رأسها، يحرم عليها حلق شعر رأسها بغير ضرورة»[45]. وقال أيضاً: «وأمَّا النِّساء فالمشروع في حقِّهن التَّقصير بالإجماع»[46]. وقال التِّرمذي رحمه الله: «والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون على المرأة حَلْقاً، ويرون أنَّ عليها التَّقصير»[47].

 

2- عن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»[48]. وجه الدَّلالة: تحريم حلق المرأة شعر رأسها؛ لأنَّه يُخرجها إلى التَّشبُّه بالرِّجال، وهو مُثْلَةٌ في حقِّها.

 

كما أنَّ حَلْق المرأة شعر رأسها أمَرٌ مخالف للفطرة، بل يدعو إلى اشمئزاز زوجها منها، وربَّما كراهيتها، ممَّا يهدِّد العلاقة الزَّوجية بينهما والقائمة على المودَّة والمحبَّة، والإسلام حريص كلَّ الحرص على الحفاظ على جوِّ الألفة والمودَّة بين الرَّجل وزوجته؛ لذا يتَّخذ من التَّدابير والأسباب ما يحفظ هذه الألفة بينهما.



[1] انظر: لسان العرب (13/ 138)، مادة: (ختن)؛ القاموس المحيط (ص1540)، مادة: (ختن).

[2] رواه ابن حبان في «صحيحه» (3/ 456)، (ح1183)؛ وابن ماجه (1/ 200)، (ح611)؛ وأحمد في «المسند» (6/ 239)، (ح26067). وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (1/ 187)، (ح498).

[3] انظر: فتح الباري (10/ 340).

[4] انظر: تحفة المودود بأحكام المولود، لابن القيم (ص152).

[5] انظر: المصدر السابق، والصفحة نفسها.

[6] انظر: شرح السنة، للبغوي (12/ 110)؛ صحيح مسلم بشرح النووي (3/ 148)؛ فتح الباري (10/ 340)؛ الإنصاف (1/ 123)؛ تحفة المودود (ص127-129)؛ التمايز العادل بين الرجل والمرأة في الإسلام, (ص140)؛ الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل (ص49)؛ الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام (1/ 48).

[7] رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 125] (2/ 1034)، (ح3356)؛ ومسلم، كتاب الفضائل، باب: من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام (4/ 1839)، (ح2370).

[8] انظر: تحفة المودود (ص139).

[9] رواه الحاكم في «المستدرك» (2/ 293)، (رقم 3055) وقال: «حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه» ووافقه الذَّهبي، ورواه البيهقي في «الكبرى» (1/ 149)، (رقم 668). قال ابن حجر رحمه الله: «أخرجه عبد الرزاق في تفسيره، والطبري من طريقه بسند صحيح». فتح الباري (10/ 337). وصحَّح إسنادَه أحمدُ شاكر. انظر: تفسير الطبري، تحقيق: محمود شاكر (3/ 9).

[10] السنن الكبرى، للبيهقي (8/ 325).

[11] انظر: تفسير القرطبي (2/ 96).

[12] رواه أبو داود (1/ 98)، (ح356)؛ وأحمد في «المسند» (3/ 415)، (ح15470)؛ والبيهقي في «الكبرى» (1/ 172)، (ح781). وحسَّنه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/ 106)، (ح356).

[13] فتح الباري (10/ 341).

[14] المصدر نفسه (10/ 342).

[15] انظر: شرح السنة، للبغوي (1/ 70)؛ تحفة المودود (ص130)؛ فتح الباري (10/ 342)؛ المغني، لابن قدامة (1/ 115).

[16] رواه البيهقي في «الكبرى» (8/ 325)، (رقم 17347)؛ وابن أبي شيبة في «مصنفه»، واللفظ له (5/ 21)، (رقم 23334).

[17] تحفة المودود (ص179).

[18] انظر: المصدر نفسه (ص203).

[19] انظر: شرح السنة (12/ 110)؛ تحفة المودود (ص128)؛ المجموع (1/ 367)؛ المنتقى شرح الموطأ (7/ 232)؛ حاشية ابن عابدين (6/ 751)؛ المغني (1/ 115)؛ الإنصاف (1/ 124)؛ فتح الباري (10/ 340)؛ مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 113-114)؛ الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل (ص49)؛ الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام (1/ 48).

[20] (لا تُنْهكِي) ؛ أي: لا تُبالغي في القَطْع. انظر: المجموع (1/ 367).

[21] رواه البيهقي في «الكبرى» (8/ 324)، (ح17338)؛ وأبو داود (4/ 386)، (ح5271) وقال: «هذا الحديث ضعيف». قال ابن حجر: «فتح الباري» (10/ 340): «وله شاهدان، من حديث أنسٍ، ومن حديث أمِّ أيمنٍ عند أبي الشَّيخ في كتاب العقيقة، وآخر عن الضَّحَّاك بن قيس عند البيهقي»؛ وصحَّحه الألباني لكثرة طرقه وشواهده، في «صحيح أبي داود» (3/ 295)، (ح5271)، وفي «الصحيحة» (2/ 344-349).

[22] رواه مسلم، كتاب الطَّهارة، باب: وجوب الغسل بالتقاء الختانين (1/ 272)، (ح349).

[23] تقدَّم تخريجه, هامش رقم (ص2).

[24] المغني (1/ 116)؛ تحفة المودود (ص192).

[25] مجموع الفتاوى (21/ 114).

[26] انظر: الختان، د. محمد علي البار (ص76-81).

[27] انظر: المصدر نفسه (ص73).

[28] انظر: نيل الأوطار (1/ 126)؛ فيض القدير (1/ 201).

[29] انظر: روضة الطالبين (3/ 234)؛ المجموع (1/ 295)؛ الإنصاف (1/ 123)؛ المغني (1/ 89)؛ نيل الأوطار (1/ 126)؛ مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 119)؛ التمايز العادل بين الرجل والمرأة في الإسلام, (ص151)؛ الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل (ص59)؛ الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام (1/ 70).

[30] رواه ابن حبان في «صحيحه» (12/ 318)، (ح5508)؛ وأبو داود (4/ 83)، (ح4195)؛ والنسائي (8/ 130)، (ح5048). وصحَّحه النووي في «المجموع» (1/ 296)؛ والمجد ابن تيمية في «المنتقى» (1/ 76)؛ والألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2/ 544)، (ح4195).

[31] صحيح مسلم بشرح النووي (7/ 167).

[32] رواه أبو داود، واللفظ له (4/ 83)، (ح4192)؛ والنسائي (8/ 182)، (ح5227)؛ وأحمد في «المسند» (1/ 204)، (ح1750)؛ والطبراني في «الكبير» (2/ 105)، (ح1461)؛ وصحَّحه النَّووي في «شرحه على مسلم» (7/ 167)؛ والألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2/ 543)، (ح4192)؛ و«صحيح سنن النسائي» (3/ 5242).

[33] انظر: تفسير القرطبي (2/ 382).

[34] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 302).

[35] ديوان ابن مشرف (ص112).

[36] ديوان أحمد شوقي (ص256).

[37] (الصَّالقة): بالصَّاد والسِّين لغتان، وهي التي ترفع صوتها عند المصيبة.

[38] (الحالقة): هي التي تحلق شعرها عند المصيبة.

[39] (الشَّاقَّة): هي التي تشقُّ ثوبها عند المصيبة. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 110).

[40] رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب: ما يُنْهَى من الحَلْق عند المصيبة (1/ 386)، (ح1296)؛ ومسلم، كتاب الإيمان، باب: تحريم ضرب الخدود (1/ 100)، (ح104).

[41] انظر: بدائع الصنائع (2/ 141)؛ حاشية ابن عابدين (2/ 516)؛ المبسوط (4/ 33)؛ المنتقى شرح الموطأ (3/ 29)؛ روضة الطالبين (3/ 101)؛ المغني (1/ 90)؛ نيل الأوطار (1/ 126)؛ الفتاوى الهندية (5/ 358).

[42] انظر: الخرشي على خليل (2/ 335)؛ الفواكه الدواني (2/ 401)؛ الإنصاف (1/ 123)؛ حاشية العدوي (2/ 409)؛ الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل (ص59)؛ الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام (1/ 76).

[43]رواه أبو داود (2/ 203)، (ح1984)؛ والدارمي في «سننه» (2/ 89)، (ح1905)؛ والبيهقي في «الكبرى» (5/ 104)، (ح9187). وحسَّنه ابن حجر في «التلخيص الحبير» (2/ 261)، (ح1058). وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/ 555)، (ح1985).

[44] رواه البخاري، كتاب الحج، باب: الحَلْق والتَّقصير عند الإحلال (1/ 510-511)، (ح1727-1728)؛ ومسلم، كتاب الحج، باب: تفضيل الحَلْق على التَّقصير وجواز التَّقصير (2/ 945-946)، (ح1301-1302).

[45] فتح الباري (10/ 375).

[46] المصدر نفسه (3/ 565).

[47] سنن الترمذي (3/ 257).

[48] رواه البخاري، كتاب اللِّباس، باب: المتشبِّهون بالنِّساء، والمتشبِّهات بالرِّجال (4/ 1873)، (ح5885).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب وبحوث
  • خطب
  • مقالات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة