• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / روافد / مجلة أعاريب اللغوية / قراءات نقدية


علامة باركود

الدراما والمفارقة في مرثية صخر الغي

الدراما والمفارقة في مرثية صخر الغي
د. أحمد صلاح البنا


تاريخ الإضافة: 30/3/2014 ميلادي - 28/5/1435 هجري

الزيارات: 8082

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الدراما والمفارقة في مرثية صخر الغي


1- وما إن صوتُ نائِحَةٍ بلَيْلٍ

بِسَبْلَلَ لا تنامُ مَعَ الهُجودِ[1].

 

2- تَجَهْنا غَادِيَيْنِ فَسَاءَلَتْنِي

بِواحِدِهَا وأَسْأَلُ عَنْ تَلِيْدِي[2].

 

3- فَقُلْتُ لَهَا فَأَمَّا سَاقُ حُرٍّ

فَبَانَ مَعَ الأَوائِلِ مِنْ ثَمُودِ[3].

 

4- وقالتْ لَنْ تَرَى أبَدًا تَلِيْدًا

بِعَيْنِكَ آخِرَ العُمْرِ الجَدِيْدِ[4].

 

5- كِلانا رَدَّ صاحِبَه بيَأسٍ

وتَأْنِيبٍ وَوِجْدَانٍ بَعِيْدِ[5].

♦    ♦    ♦


يرثي صخر الغي في هذه الأبيات ابنه (تليدا) الذي فارقه في سني صباه، ويبتدئ حديثه باضطراب تركيبي يماثل اضطراب الصدمة التي يعرض لها، ف (إنْ) في صدر البيت الأول زائدة، والمبتدأ (صوت نائحة) بلا خبر، مما يسمح للمتلقي بتقديره ومشاركة الشاعر إبداع القصيدة، فقد يكون التقدير: ما صوت الحمامة النائحة بساكن طوال الليل، أو يكون: ما صوت الحمامة النائحة بمهدئ لأحزاني أو مكفكف لدموعي...إلخ.

 

ويتدرج الشاعر في عرض مكونات تلك الأبيات الدرامية، فهو يوضح لنا الزمان (بليل) والمكان (بسبلل)، كما يرفع جزءاً من الغطاء عن الشخصية الأولى، وأقول جزءاً فقط؛ لأنه عبر عن الشخصية بصفتها (نائحة لا تنام مع الهجود)؛ مما يجعل المتلقي يحار في حقيقة شخصيتها، أهي زوجة الشاعر أم أمه أم إحدى قريباته؟

 

لكنه يكتفي فقط بهذه الصفة دون تصريح بحقيقة الشخصية التي سنكتشف أنها في النهاية حمامة نائحة تعاني ما يعانيه الشاعر نفسه، تعاني مشكلة الفقد.

 

فإذا انتقل الشاعر إلى البيت الثاني ألفيناه يدخل النص بوصفه إحدى شخصيات هذه الدراما، ويثبت لنفسه فعلاً تشاركه فيه الحمامة النائحة (تجهنا)، بيد أن هذه المشاركة أتت بعد تطور زمني، حيث انتهى المساء، وخرج الاثنان ليتقابلا ويتواجها باكرين (غاديين)، دون أن يحدد الشاعر المكان الذي يقصده كل منهما، وكأنهما هائمان على وجههما، يتخبطان في الطرقات دون أن يقصدا مكانا بعينه.

 

وإذا كان الشاعر أثبت مشاركته تلك النائحة الفعل نفسه (تجهنا)، فإنه يستمر في إثبات المشاركة في فعل آخر، وهو سؤال كل منهما الآخر عن ابنه الفقيد، لكنها مشاركة غير تامة؛ لأن الشاعر فارق في صياغة فعل السؤال، فالحمامة النائحة (ساءلت) الشاعر، أما الشاعر فـ(يسأل) الحمامة، والفعل الأول أتى في صيغة الزمن الماضي الدال على انتهاء الحدث مع إثبات الإلحاح فيه؛ لأنه أتى بصيغة المفاعلة، إضافة إلى أنه كان موجها للشاعر فقط دون سواه (فساءلتني)، مع تلهف الحمامة في طرح سؤالها، ودليل ذلك العطف بالفاء الدالة على السرعة. أما الفعل الثاني، فقد جاء بصيغة المضارع الدال على استمرار الشاعر في طرح سؤاله حتى وقت إبداعه القصيدة، وهو طرح لم يختص الحمامة فقط، وإنما تعداها لغيرها من الأشخاص، فالمفعول به ترك على إطلاقه في الفعل (أسأل)، مع ملاحظة أنه معطوف على سابقه بحرف (الواو) خلافاً للفعل الأول.

 

ويأتي البيت الثالث ليقوم بالكشف التام عن شخصية النائحة حين يصرح بأن (واحدها) إنما هو فرخ صغير (ساق حر)، كما يقدم هذا البيت آلية درامية نادرة في الشعر الجاهلي عامة، وهي (مفارقة الموقف)[6]، وهي مفارقة قائمة هنا على صراع محموم بين العقل والعاطفة؛ أو بين الوعي واللاوعي، فالشاعر الذي هام على وجهه باحثاً عن ابنه سائلاً عنه كل من لاقاه غير واع بحقيقة الحدث الذي أصابه، يسرع بدلالة فاء (فقلت) إلى إجابة الحمامة التي تعاني مما يعانيه وتسأل سؤاله نفسه إجابة واعية متزنة، دون أن يدري أن هذه الإجابة هي إجابة سؤاله أيضا، وأن الحقيقة التي تحويها تلك الإجابة لا تحتاج كثرة تفكر ولا إعمال عقل بدلالة الفاء أيضا مع ملاحظة رفق الشاعر بها في تعبيره عن الموت بكلمة دالة على مطلق الفراق (فبان):

فَقُلْتُ لَهَا فَأَمَّا سَاقُ حُرٍّ

فَبَانَ مَعَ الأَوائِلِ مِنْ ثَمُودِ

 

وهنا يأتي دور الحمامة لتجيب سؤال الشاعر، وكأنه لم يتنبه حتى الآن إلى صلاحية إجابته لتكون إجابة عن سؤاله نفسه، فتتمهل الحمامة بعض الشيء وتتريث بدلالة الواو في (وقالت) في مقابلة فاء (فقلت) ربما للتعايش مع الصدمة التي صدمها بها الشاعر أو تعجبا من حال الشاعر الذي أجاب نفسه دون أن يدري، وإذا بالحمامة تنبهه إلى أنه قد أجاب بذلك نفسَه أيضًا، وما كان له أن يتعجب من سؤالها وأملها، فقد سأل مثله، وأمَّل مثلما أمَّلت، فترده بتلك الإجابة إلى عقله ووعيه، فتؤيسه بعد أمل.

 

وبذلك تنتهي الأبيات ببيان استمرارهما في مشاركة الحالة نفسها ومعاناتهما معاناة واحدة:

كِلانا رَدَّ صاحِبَه بيَأسٍ

وتَأْنِيبٍ، وَوِجْدَانٍ بَعِيْدِ

 

وهي نهاية يقوم فيها الأداء الصوتي بالدور الأبرز، فقد كثر فيها توظيف صوت النون الذي يجسد أنين الأسى والحزن، ويوحي عندما يأتي على مسافات متقاربة نهاية كل كلمة في صورة تنوين (بيأسٍ / وتأنيبٍ / ووجدانٍ) بنوع من الرتابة التي تتماشى مع إحساس الشاعر والحمامة ببطء الحركة الزمانية إثر ذلك الموقف.



[1] نائحة: حمامة تنوح. سبلل: موضع. لا تنام مع الهجود: لا تنام مع النيام.

[2] تجهنا: تواجهنا وتقابلنا. فساءلتني بواحدها: سألتني عن فرخها. تليد: اسم ابن الشاعر.

[3] ساق حر: فرخ الحمامة. بان: فارق.

[4] آخر العمر الجديد: إلى آخر الدهر.

[5] التأنيب: التوبيخ والتعنيف واللوم. الوجدان: الغضب.

[6] تنقسم المفارقة إلى نوعين أساسيين هما المفارقة اللفظية ومفارقة الموقف، أما المفارقة اللفظية فهي المفارقة التي تحتوي على قول لا يقصد قائله معناه، وأما مفارقة الموقف - وهي الموظفة في هذه الأبيات - فهي أن يتعجب إنسان من وقوع حدث لغيره، في حين أن الحدث نفسه يمر به. انظر مصطلح (Irony) في:

J. A. Cuddon: Penguin Dictionary Of Literary Terms





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة