• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / روافد


علامة باركود

جهود المنجِّد في خدمة التراث

أ. عصام الشنطي


تاريخ الإضافة: 14/11/2009 ميلادي - 26/11/1430 هجري

الزيارات: 10671

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
النشأة والثقافة:
يَنتسب صلاحُ الدين المنجِّد إلى مدينة دمشق العريقة، مولدًا ونشأةً وتعلُّمًا، نشأ في أسرة عُرِفت بالعِلم والتديُّن، وانصرف والده منذ شبابه إلى دراسة العلوم الإسلامية، كان مِن حَفَظة القرآن، وأتقن القراءاتِ كلَّها، وانتهت إليه رئاسة الإقراء في دمشق، وسُمِّي بشيخ القرَّاء والمقرئين فيها.

أنْهى المنجِّد تعليمه الابتدائيَّ في دمشق، وكذلك المرحلة الثانوية، وتُلْمِذ في هذه الفترة لأساتذة متميِّزين كالشيخ محمد بهجة البيطار، وفي الأدب للشاعر المشهور خليل مردم بك، الذي شَغل بعد ذلك منصبَ رئاسة المجمع العلمي العربي بدمشق، والْتحق بدار المعلِّمين العليا، وبمعهد الحقوق، ونال منهما شهادتي "الإجازة"، وتقلَّب في وظائف عدَّة في دوائر الحكومة السورية، نذكر منها موقعه مديرًا بالوكالة لمديرية الآثار والمتاحف.

وكان قد بدأ حياته - وهو في العشرينيات من عمره- بالكتابة في الأدب، ناهلاً من التراث العربي والأجنبي فيما يكتب، وظهرت مقالاته في مجلتي "الرسالة"، و"الثقافة" بالقاهرة، واتصل في تلك الآونة بمحمد كُرْد علي، مؤسِّس المجمع العلمي العربي بدمشق، وأول رئيس له، فوجَّهه إلى الاعتناء بالتراث العربي، والاشتغال به، وفي تاريخ دمشق وعلمائها على وجه الخصوص، وهو الذي طلب منه - بعد أنْ لاحظ حَيْرته - ملازمةَ مكتبة الظاهرية، التي تضمُّ بين جنباتها نحو سبعة آلاف مخطوطة، وكتبًا مطبوعة وفيرة، وفي هذه المكتبة تعرَّف إلى مديرها الأول يوسف العش، ومديرها الثاني عمر رضا كَحَّالة، والشيخ محمد أحمد دهمان، وقد أفادوه كثيرًا، وأطلعوه على تُراث دمشق وآثارِها.

وأُرسل في بعثة إلى جامعة السوربون في باريس، فنال منها درجةَ الدكتوراه في القانون الدولي العام، وفي التاريخ، وكانت عينُه الأخرى - بجانب هذا التخصُّص - تتابع دروسًا في علم المكتبات، وعلم الخطوط (الباليوغرافيا)، الذي أفضى فيما بعد - على نحوٍ ما - إلى علم المخطوطات الحديث في أوربا، واعتاد الاختلافَ إلى مُتْحف اللُّوڤر الشهير، وأفاد منه في الفن الإسلامي.

وما أن عاد مِن بَعْثته حتى عيِّن مديرًا لمعهد المخطوطات العربية، التابع لجامعة الدول العربية، فقضَى في القاهرة - مقرّ المعهد - ست سنوات (1955 - 1961م)، وبالرغم من أنَّه لم يكن أولَ مدير للمعهد، ولا آخرَه، فإننا نستطيع أن نَعُدَّ عهد المنجِّد فيه - بعد مضي نحو ستِّين عامًا على إنشائه - أزهى عهوده وأكثرها حيويَّة ونشاطًا.

وكما طار صِيت المعهد في عهده، طار صِيت المنجِّد نفسه، فدخل عضوًا في مجمع اللغة العربية سنة 1956م، والمجمع العلمي العراقي ببغداد، وفي معاهد علميَّة هندية وأوربية، وشارك في مؤتمرات دوليَّة عديدة، منها مؤتمرات المستشرقين، وألْقى عددًا من البحوث القيِّمة، وشغل أستاذًا زائرًا في جامعة برنستون، في مدينة نيوجرسي، بالولايات المتحدة الأمريكيَّة (59/ 1960م)، وجامعات عربيَّة وإسلامية وأوربية أخرى.

وانتقل بعد ذلك إلى بيروت، فأنشأ "دار الكتاب الجديد"، وأخذ ينشر فيها ما يُنجِزه من تحقيق وتأليف، وما يتخيَّره من نتاج الآخرين، وفي تضاعيف الحرْب الأهلية في لبنان حُرِقت مكاتب "الدار"، ومكتبته المحتوية على ثلاثين ألْف كتاب، فانتقل إلى جدَّة، وقرَّ فيها، وكُرِّم في السعودية خيرَ تكريم، ومُنح الجنسيَّة بمكرمة ملكية، وانتُفع من علمه، فحاضر في جامعة الملك عبدالعزيز في جدَّة، وغيرها.

وهكذا نرى أنَّنا بإزاء عَلَم من أعلام التراث في القرْن العشرين الميلادي، قضى سواد عمره في خدمته بألوان شتَّى، ورأيْنا فيه زخم ثقافة متنوِّعة، كانتْ من السَّعة والعمق ما أدهش الكثيرين؛ لأنَّها بلغت ما يَزيد على مائة وخمسين عملاً؛ ما بين نصوص تراثية محقَّقة، أو بحوث ودراسات أكاديميَّة مختلفة، ذات صِلة بالتراث أو بالثقافة والأدب، غير مئات المقالات المنشورة في المجلاَّت والصحف العربية والأوربية.

وكان يُسأل: كيف حقَّقتَ وأنتجتَ هذا القَدْر الكبير، بهذا التنوُّع في شتَّى العلوم؟
فيجيب: لقد ملكتُ المِفتاح الأوَّل للتحقيق والتأليف، بعد أن حرصتُ على تنشئة نفسي على العِلم، وعلى تنويع ثقافتي، وأخذتُ من كلِّ علم بطَرَف، إلى أن وصلت إلى درجة عالِم "مشارك"، بتعبير أجدادنا التراثيِّين، وساعدني على ذلك أنني ملكتُ مكتبةً ضخمة كانت توفِّر لي كلَّ ما أحتاجه في أيِّ موضوع أريد الاشتغالَ به، دون التردُّد على المكتبات العامَّة؛ للاطلاع أو الاستعارة منها.

المحاور:
دَرَج الباحثون بإزاء نتاج المنجِّد الذي زاد على مائة وخمسين عملاً، ثُلُثه تقريبًا نصوص محقَّقة - على أن يصنِّفوا هذا الكمَّ على وَفْق الموضوعات، مثل السِّيَر والخط والتاريخ والجغرافيا وغيرها، ومنهم مَن صنع جريدة لإنجازاتِه مرتبةً وَفْق سنوات صدورها في أوَّل طبعاتها، ولا شكَّ في أنَّ الترتيب الأول لا يخلو مِن فوائدَ للدارسين، وكذلك الترتيب الثاني، فإنَّه يكشف عن تطور المنجِّد في أعماله كافَّة، وتوجهاته في خِدمة التراث، منذ بدْء نشاطه إلى يومِنا هذا.
غير أنِّي سأحاول في هذا البحث أن أصنِّف أعمالَه التراثية تصنيفًا جديدًا مبنيًّا على ربطها بعناصر ثقافته، وأثر أساتذته في توجيهه، وما أتاحتْه له بعض المسؤوليات والمناصب التي أنيطت به، أو تصدِّيه لمشكلات تراثية مُزمِنة، أراد لها حسمًا وحلاًّ، ولا أزعم أنَّ هذه المحاور التالية ستستوعب كلَّ أعماله التراثية، ولكنَّها بكل تأكيد ستَضمُّ تحت عباءتها الرئيسَ منها، وبالتالي تكشف للدارس عن جوانبِ شخصيته، أو معرفة بعض مفاتيحها.

ومن جانب آخر، فإنَّه ليس بالضرورة أن أذكُر في المحور الواحد كلَّ ما ينطوي تحته من أعمال، فليس هَمِّي في هذا البحث أن أصنع حصرًا بيليوغرافيًّا للمحتفَى به، وحسبي أن يضم المحور جُلَّ أعماله لا كلها، الأمر الذي تكتمل به صورةُ المحور وتتضح.

الأول: اعتزازه بمدينة دمشق ووفاؤه لها:
ويُعَدُّ هذا المحور - في اعتقادي - مِفتاحًا من مفاتيح شخصية المنجِّد وأعماله، وقد مرَّ بنا كيف كان بتوجيه رائدٍ من روَّاد بلاد الشام في المنتصف الأول من القرن الماضي، وهو محمد كُرْد علي.

واستجاب المنجِّد إلى هذا التوجيه، وكأنَّه صادف هوًى في نفسه، ساعده على ذلك عملُه في مديرية الآثار والمتاحف، فطاف في مدينته القديمة، ورَصَد أسوارها وأبراجها وأبوابها، وأصدر هذا العمل في عام 1945م.

ورسخ هذا المحور في عقل المنجِّد ووجدانه، يقول: "وظلَّ الاهتمامُ بالتراث ودمشق دَيْدَنِي"، فمنذ ذلك التاريخ إلى عام 1950م أصدر عن مدينته دمشق نحو أحدَ عشرَ عملاً، ما بين نصوص محقَّقة، ودراسات عن دُور القرآن فيها، وقصر أسعد باشا العظم، وأبنيتها الأثرية، وتاريخ المسجد الأُمَوي، والورَّاقات الدمشقيات، وخططها، وولاتها، وقضاتها، ووزرائها، وتاريخها في العهدَين؛ السلجوقي والعثماني، وفضائلها.

ومحمد كرد علي هو الذي أوحى للمنجِّد أن يُقدِم على تحقيق كتاب "تاريخ دمشق"، لابن عساكر الدمشقي (ت 571هـ/ 1176م)، وهو كتاب ضَخْم يقع في ثمانين مجلدة (في المجلدة ألف ورقة)، وبرزت رُوح المنجِّد الشَّابَّة، واقتحم الباب، ووضع المجمعُ العلمي العربي بدمشق منهجًا يسير عليه لتحقيقه، وطفق المنجِّد يجمع نُسخَه المتفرِّقة ويقابلها، ويجاهد في عمله مدة سنتَين، إلى أن أصدر المجلدة الأولى سنة 1951م، وقدَّم لها بمقدِّمة ضافية تدلُّ على دراية بمتطلبات قواعد تحقيق النصوص والتقديم لها ودراستها.

ونال هذا العملُ إعجابَ كثير من العلماء العرب والمستشرقين، منهم أستاذه كرد علي، الذي عدَّه - بعد ذلك - ابنَه الروحي، وبعد ثلاث سنين ألْحَقها بالقسم الأول من المجلدة الثانية، وبهذا فتح البابَ للمحقِّقين لإكمال هذا الكتاب المهم.

ولم يتوقف - نحو مدينته - عند هذا الحدّ، ومن يطلع على الحصر الببليوغرافي لأعماله حول هذا المحور، يجد نحو أربعة وعشرين عملاً أنجزها ما بين سنة 1952 - 1986م، وكلُّ هذه الأعمال تحوم حولَ وصف دمشق ومحاسنها، وتاريخها، وحكَّامها، وقضاتها، ومؤرخيها، وأحيائها، وحريق مسجدها، وقصورها، ومنازل القبائل العربيَّة حولها، وما يُزار من أماكنها.

وقلَّما كان يخرج في أعماله عن نطاق دمشق إلى بلاد الشام، فلا تَلقَى له إلاَّ أعمالاً محدودة، أهمُّها كتابات "قلعة بُصرَى"، و"تاريخ داريَّا"، وهي ناحية من نواحي دمشق.

وتابَع المنجِّد - في تضاعيف النصوص المحقَّقة - أقوال الرحالة في دمشق وأهلها؛ كابن العربي الذي زارها عام 491هـ، 1097م، والشريف الإدريسي سنة 510هـ/ 1116م، وبنيامين التطيلي (من يهود الأندلس) سنة 549هـ/ 1154م، وابن جُبَيْر سنة 581هـ/ 1185م (أيام صلاح الدين الأيوبي)، وابن بطوطة سنة 726هـ/ 1325م، والمَقَّرِي (صاحب نفح الطيب) سنة 1027هـ/ 1617م.

وكانت تعجبه هذه الأوصافُ الجيِّدة التي يخلعونها على مدينته، وذكر ما بلغتْه من الحضارة، والرِّعاية الاجتماعية لأهلها، وإكرامهم لضيوفهم، فينسوا أنَّهم غرباء، وكان ينافح عنها وعن أهلها إذا ما تعرَّض أحدهم - كابن جُبَير مثلاً - في نقْد بعض عاداتهم.

والحقُّ أنه كان أمينًا في إيراد الروايات، وموضوعيًّا في ردوده، إلاَّ أنَّه يُلحظ عليه أنه لم يكن ينافح عن مدن أخرى - كبغداد والقاهرة - منافحتَه عن دمشق.

إنَّ المنصف لا يرى أنَّ اهتمام المنجِّد بمدينته - وبحضارة بلاد الشام عامَّة - قد بلغ به درجة الانفصال عن حضارة العرب الإسلامية، فدمشق مثلما أعطتْ أخذت، وتاريخها يشكل حلقة من حلقات هذه الحضارة، وهو بتحقيقه النصوص، وبدراساته القيِّمة المتعلِّقة بدمشق، كان يَبعث في نفوس العرب جميعًا الثِّقةَ والقوَّة.

والثاني من المحاور موصول من ناحية بدراسة القانون في دمشق وباريس، ومِن ناحية أخرى بالتراث، ونعلم أنَّ كرد علي خصَّه بمخطوطة نادرة ليحقِّقَها، وهي: رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة، للحسين بن محمد الفراء، فأقبل عليها وحقَّقها، ونشرها له أحمد أمين في لجنة التأليف والترجمة والنشر، بالقاهرة، سنة 1947م، ونذكر أنَّه نال بها جائزةَ المجمع العلمي العربي بدمشق لأحسنِ نصٍّ قديم محقَّق.

وغالب ظنِّي أنَّ كتاب ابن محمد الفراء هذا كان موحيًا له في اختيار موضوع درجة الدكتوراه في باريس، فقد كان عن النُّظم الدبلوماسيَّة في الإسلام، ونذكر أنه أصدر - بعد سنين طوال من حصوله على درجة الدكتوراه - كتابًا بهذا العنوان، عام 1983م.

وامتدتْ يدُه إلى نص نفيس، وهو شرح السِّيَر الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ/ 804م)، أمَّا الشارح فهو محمَّد بن أحمد السَّرَخْسِي (ت 483 هـ/ 1090م)، وصدر في خمسة أجزاء ضِخام، حقَّق المنجِّد منها الجزأين الأولين، عامي 1957، 1958، بعد أن جمع له سبع عشرة نسخة مخطوطة من مكتبات شتَّى، ويُعد الكتاب موسوعةً فقهيَّة شرعيَّة، وأوَّل كتاب في العالَم في القانون الدولي العام.

وقد أدرك المتخصِّصون الألْمان قيمةَ هذا الكتاب، وعظمة الشيباني العلمية؛ فأسَّسوا "جمعية الشيباني للحقوق الدولية"، وانتخب المنجِّد نائبًا للرئيس، أمَّا الرئيس فكان عبدالحميد بدوي القانوني المصري الشهير.

وبقي هذا المحور في جعبة المنجِّد إلى سنوات متأخِّرة، فنشر عام 1982م كتابًا بعنوان "خصومات دبلوماسية بين بيزنطة والعرب"، وهو ملاحاة بين إمبراطور الروم نقفور فوقاس من جهة، والقَفَّال الشَّاشي (ت 365ه/ 976م)، وابن حزم الأندلسي (ت 456هـ/ 1064م) من جهة أخرى، وبعدَها بثلاث سنوات نشر سفارة القاضي الباقلاني (ت 403هـ/ 1013م)، ممثلاً لعضُد الدولة إلى ملك الروم، وفي مجلَّة الدِّراسات الإسلاميَّة في إسلام أباد.

وثالث هذه المحاور ما هو متعلِّق بدراسة الباليوغرافيا (علم الخطوط) في باريس، وما اطَّلع عليه من الفنون الإسلامية فيها، وهو لصيقٌ بتعامله مع المخطوطات العربية وتحقيقها، والدِّراية بخطوطها، فاهتمَّ في إنجازاته بتاريخ الخطِّ العربي، وتطوره ومدارسه، وأنواعه وأدواته، وأشهر الخطَّاطين والخطَّاطات، والناحية الجمالية والحضارية فيه.

وكنَّا قد ذَكَرْنا في المحور الأول اهتمامَه بالورَّاقات الدمشقيات، الذي نشره عام 1948م، وله أيضًا "إسهامات المرأة في مجال الخط العربي"، وأصدر عام 1950م مؤلَّفا في "أشهر الخطاطين في الإسلام: ياقوت المستعصمي (ت 689هـ/ 1299م)"، و"الشيخ حمد الله الأماسي[1]"، و"ابن مقلة (ت 328هـ/ 940م)".

وفي عام 1960م أصْدر "الكتاب العربي المخطوط إلى القرن العاشر الهجري"، ويتضمَّن نماذجَ مصوَّرة من الخطوط العربية، رتَّبها ترتيبًا تاريخيًّا، والحق أنَّ هذه النماذج تحتاج إلى دليل يشرحها، ويقدِّم دراسة لها.

وفي أواخر الستينيات (1969م) نَشَر كتابًا بعنوان "دراسات عن الخط العربي منذ نشأته إلى آخر العصر الأموي"، وكذلك لم يغفل دراسة الخط من الناحية الحضارية، ووضع معجمًا للخطَّاطين والنسَّاخين والمصوِّرين والمزوِّقين في الإسلام، هذه في الدراسات، أمَّا التحقيق فله منها: "جامع محاسن كتابة الكتاب"، للطِّيبي، و"عدة الكتاب في البري والكتاب"، لابن مقلة.

ورابع هذه المحاور منوطٌ بعمله مديرًا لمعهد المخطوطات العربية، في القاهرة لمدَّة ستِّ سنين، فأتيح له - بدأبه وفرط نشاطه - أن يطوف العالَم يبحث عن المخطوطات العربية، يختار منها النفيس، ويُصوِّره للمعهد، ولم يَدَعْ بلدًا، أو مكتبة إلاَّ زارها، وبهذا أثرى خزائن المعهد بالمصورات، التي أتيحت للباحثين والمتخصصين.

وأمكنه في هذه الفترة بفكره الثاقب، وثقافته الواسعة، وبمسؤوليته الجديدة: أن يُصدر العدد الأوَّل من مجلَّة المعهد عام 1955م، وهي أول مجلَّة أكاديمية عربية متخصِّصة في شؤون المخطوطات والتعريف بها وبأماكنها، ورصد ما نُشِر منها، يكتب فيها علماء من العرب والمسلمين والمستشرقين، وكان يبذل من نفسه كثيرًا من الجهد في تحريرها، وتميَّزت أعدادها الأولى بلمساته الواضحة في كل ركن من أركانها.

وفي هذه الفترة أيضًا أقْدَم على نشْر كتب التراث المتصفة بالأصالة والموسوعيَّة، وكان قد مرن على ذلك حين أقدم في عام 1951 - وهو في دمشق - على فتْح باب تحقيق "تاريخ دمشق" لابن عساكر الدمشقي، ففي ظلال المعهد حقَّق الجزء الأوَّل من "سير أعلام النبلاء"، للحافظ الذهبي (ت 748هـ/ 1348م)، ونشره عام 1955م، ففتح العيونَ على هذا الكتاب الكبير، وشجَّع المحقِّقين على أن يكملوه تحقيقًا ودرسًا.

وأشرف على صدور الجزء الأول من كتاب "أنساب الأشراف"، للبلاذري، بتحقيق محمد حميد الله، وصَدَر عن المعهد بالتعاون مع دار المعارف بمصر سنة 1959م، كما أشرف على موسوعة لغويَّة، وهي معجم ابن سِيدَه (ت 458هـ/ 1066م): "المحكم والمحيط الأعظم"، فصدر منه ثلاثة أجزاء في مرحلة المشروع الأولى، وكنَّا ذكرْنا في المحور الثاني الموصول بثقافته القانونية تحقيقَ الجزأين الأولين من كتاب "شرح السِّيَر الكبير" للشيباني، لشارحه السَّرَخْسي، واللَّذَين صدرَا في ظلال المعهد.

وأنجز - وهو في القاهرة، وبعيدًا عن المعهد - تحقيق كتاب: "فتوح البلدان"، للبلاذري، وأصدر أجزاءه الثلاثة ما بين الأعوام 1956 - 1960م.

وانعقدتْ صلتُه بالمستشرقين من خلال عمله بالمعهد، وأمكنه الاطلاعَ على تحقيقهم للنصوص العربية، ودراساتهم المتنوِّعة في التراث العربي، فوضع عام 1955م كتابًا أسماه: "المنتقى من دراسات المستشرقين"، وهو دراسات مختلفة في الثقافة العربية، ثم أصدر كتابًا آخرَ ذا صلة بهم، بعد ذلك بسنين عديدة (1978م): "المستشرقون الألمان: تراجمهم وما أسهموا به من الدِّراسات العربية".

وخامس المحاور موصولٌ بقضايا تراثية، ومسائل مختلفة، عالجها المنجِّد، أو حاول معالجتها من خلال دراساته وبحوثه، وأهمُّها وضْع قواعد تحقيق النصوص، وقواعد فهرسة المخطوطات، وما طُبع محققًا من كتب التراث، وغُربة المخطوطات:
وأول هذه القضايا ما لاحظه مِن صنيع بعضِ المشتغلين بالتراث، يعملون على نشْره دون بذْل الجهد اللازم لإخراجه، وهو عمل عشوائي لا يَجري على منهج محدَّد، الأمر الذي دعَا إلى دخول أدعياء في الساحة، وهم ليسوا من أهلها، وساءه تعدُّدُ مناهج التحقيق وسبله المختلفة، ورأى من الخير للتراث توحيدَها.

ومرَّ بنا أنه كان قد اكتسب منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي، وأوائل الخمسينيات منه - خبرةً عملية، وتجربة حية في هذا الميدان، وأنَّه حين أقدم على تحقيق كتاب "تاريخ دمشق" لابن عساكر الدمشقي، وَضعتْ لجنة من المجمع العلمي العربي بدمشق منهجًا يعمل على وَفقِه، ونال عمله إعجاب العلماء المتخصِّصين؛ لدقته، وتقديمه النصَّ بدراسة عميقة، بالإضافة إلى ما قرأه من تجارِبِ غيره، من العرب والأجانب.

وكان عبدالسلام هارون - بتجرِبته الواسعة، وثقافته التراثية العالية - قد أصدر عام 1954م كتابَه "تحقيق النصوص ونشرها"، فوضع المنجد عام 1955م "قواعد تحقيق المخطوطات"، نشرها أوَّل الأمر في الجزء الثاني (المجلد الأول) من مجلَّة معهد المخطوطات العربية، ثم أقرَّها مؤتمر المجامع العلميَّة المنعقد في دمشق عام 1956 بعد تعديلات محدودة، ووالَى المنجِّد طبعَها منفردة بعد ذلك غير مرَّة، ونال هذا العملُ شُهرةً واسعة، وأصبح لدى الكثيرين كأنَّه مدرسة تُحتذَى، وتُرجِم إلى لغات عدَّة، شرقية وغربية؛ للاستفادة منه.

إنَّ مَن يرجع إلى هذه القواعد يجدها لا تتجاوز عشرين صفحة من القطع المتوسط، وهي شديدة الوضوح والإيجاز، ملتزمة بعنوانها أشدَّ الالتزام، لا خروج ولا استطراد، ولا مغالاة في ضرب الأمثلة، ولعل التتابع المنطقي في مادته - مع وضوحه وإيجازه - هو سرُّ نجاح هذا العمل.

ونعلم أنَّ المنجِّد مع ثقافته المتنوعة أنه قانوني، ولا نشكُّ في أنَّ لهذا الجانب من ثقافته أثرًا في هذا العمل، فجاءتْ هذه القواعد أشبهَ بالقانون تتلاحق مواده في ترتيب منطقي، وإيجاز شديد، لا يضرب من الأمثلة إلاَّ ما يكفي لإيضاح الغموض، وكأنَّ هذه الأمثلةَ عند المنجِّد أشبهُ بالمذكِّرة التفسيرية لهذه القواعد.
 
لقد مضى على هذا العمل، وعمل عبدالسلام هارون نحوُ نصف قرن، أصدر خلاله كثيرٌ من العلماء والمتخصِّصين كتبًا في قواعد تحقيق النصوص، ونستطيع القول: إنَّ مؤلفاتهم لا تخرج في أساسها عن القواعد التي وضعها المنجِّد وهارون، وتنحصر إضافاتهم في ضرْب كثير من الأمثلة التي لمسوها أثناء التحقيق.

ولم يكتفِ المنجِّد بنشْر هذه القواعد المنيرة لكلِّ راغب في التحقيق، بل كان يُطالِب في دراساته بالمزيد من البحث عن النُّسخ من أجْل المقارنة والتدقيق، وإكمال النصِّ إن كان ناقصًا، وتتبَّع جهود المستشرقين في تحقيق التراث العربي، ووجَّه عنايته نحو ضبط النصوص عند الأقدمين، وفي عام 1957م نشَر بحثًا بعنوان: "ما نُشر من المخطوطات القديمة وكيف نُشر"، ونَشر بأَخَرَة (عام 1996م) بحثًا آخرَ بعنوان: "منهج نشْر التراث في أوائل القرن الرابع عشر الهجري".

وثاني هذه القضايا عرضتْ له منذ عمله بمعهد المخطوطات العربية، وهي نكوصُ الشباب عن فهرسة المخطوطات، في حين أنَّ المفهرَس منها في العالَم لا يتجاوز ثُلثَها، ولم يستنكف أن يمارس بنفسه هذا العمل الذي يحتاج إلى صَبْر وأناة، وإلى خبرة ممتدة، ودربة ماهرة، وثقافة عميقة، واطِّلاع واسع على العلوم العربية الإسلامية المختلفة، وحُسْن الرجوع إلى المصادر والمراجع.

ونعلم أنَّه كان قد أوفد عام 1954م من دمشق إلى إسبانيا لفهرسة المخطوطات العربية فيها، وهو وإن لم يَطُلْ مقامه فيها، إلاَّ أنَّ رحلته هذه كانت أولَ تجرِبة له في الفهرسة.

وفهْرَس - وهو في المعهد - قسمًا من المخطوطات العربية في مكتبة أمبروزيانا في ميلانو (إيطاليا)، وأصدر هذا الجزء عام 1960م، وفهرس - بعد مغادرته القاهرة إلى بيروت - المخطوطاتِ العربيةَ في مكتبة فروج سلاطيان في بيروت، وأصدره في جزء عام 1965م، وفهرس المخطوطات العربية في مكتبة الكونجرس بواشنطن، وصدر الجزء عام 1969م.

واهتمامًا منه بمخطوطات فلسطين، فقد جَمَع أعمال علماء زاروا القدس، واطَّلعوا على مخطوطاتها، وفهرسوا بعضَها، ونَشَر هذا العمل المفيد بعنوان: "المخطوطات العربية في فلسطين"، وأصدره في جزء عام 1982م.

وختم المنجِّد هذه التجرِبةَ الواسعة بأن وضع كتابًا في "قواعد فهرسة المخطوطات العربية"، وأصدره عام 1973م، وهو مجموعةُ دروس ومحاضرات ألْقاها على طلبة جامعة الملك عبدالعزيز في جُدَّة عام 1972م، لقد استعرض المؤلِّف في كتابه هذا اهتمامَ العرب قديمًا بالمكتبات، وفهرسة الكتب وتطوُّرها في أزمان مختلفة، وشَرَح طُرقَها المتعدِّدة عند العرب والأوربيين، وكَشَف عن أهمية صناعة الفهرسة، وقنن منهجها، والأسلوب الذي ينبغي اتِّباعه في فهرسة المخطوطات العربية.

إنَّ مَن يطلع على هذا الإنجاز من الباحثين المتخصِّصين، يرى كيف تمرَّس المنجِّد في معالجة قضية مستعصية من قضايا التراث، وكيف أقدم على هذا الميدان الخالي من الكتب المثيلة، وبهذا يُعدُّ رائدًا في مؤلَّفه، ومنارًا لكلِّ مَن يريد أن يتعلَّم فنَّ فهرسة المخطوطات.

وثالث هذه القضايا له علاقة بما وقع فيه الباحثون من بلبلة واضطراب فيما طُبِع من كتب التراث، وما لم يُطْبع، وما قيمة هذا المطبوع لو قِسناه على قواعد التحقيق، ولم يقف المنجِّد متفرجًا بإزاء هذه المشكلة، بل أراد أن يُدليَ بدَلْوه فيها، وأن يُسهِم بالقدر المستطاع، فقام بعمل ببليوغرافي مفيد لِمَن يريد أن يدخل حلبة التحقيق، فأخذ يصدر تباعًا أجزاء من معجم أسماه: "معجم المخطوطات المطبوعة"، وأصدر الجزء الأول منه عام 1962م، رصد فيه ما طُبِع من سنة 1954 - 1960م، ثم توالتِ الأجزاء: الثاني والثالث والرابع والخامس، رصد فيه جميعًا ما طُبِع إلى عام 1980م، وبهذا رصدتْ أجزاؤه الخمسة نحوَ سبع وعشرين سنة، ذكر فيها ما يَزيد على 1500 مؤلَّف، وفي الجزء الأول - مثلاً - ذكر نحو 350 كتابًا، ولعلَّ أهمَّ ما يميِّز هذا العملَ أنه اعتنى فيه بما طُبع من المخطوطات في البلاد العربية والإسلامية والغربية، محقَّقًا تحقيقًا منهجيًّا؛ التزامًا منه بما وضعه مِن قواعدِ التحقيق، وتمسُّكًا بها، وأهمل في معجمه تلك الطبعاتِ التجاريةَ التي لا يُطمأن إليها.

ورابع هذه القضايا ما يعرف بغربة المخطوطات العربية عن أصحابها، وأماكن تأليفها، وهي متمثِّلة في تسرُّب تراثنا العربي المخطوط - في القرون الأخيرة - إلى أوربا وأمريكا، في غفلة منَّا، أو بفعل التجار العرب، وقد استطاع المنجِّد أن يجسِّمَ هذه المشكلة على حقيقتها، وقد طاف - كما أسلفْنا - بلادَ العالَم للبحث عن المخطوطات العربية؛ لوضْع خريطة لأماكنها، والكشْف عن أعدادها، بالإضافة إلى تصوير ما يختاره منها لصالِح المعهد.

لقد رأى المنجِّد آلافًا منها في بلاد الغُربة، وصلتْ إليها عنوةً واستيلاءً، أو بشرائها بأثمان بَخْسة، منتهزين جهلَ أصحابها بقيمتها، وحاجتهم للمال لسدِّ ضروريات الحياة، وسَمَّى أسماء تجار بعينهم في دمشق والقاهرة وبغداد، كانوا يجمعون المخطوطاتِ من البيوتات والأسر، ويبيعونها للخارج.

ويُعَد المنجِّد من أوائل مَن نبَّه إلى حركة انتقال المخطوطات إلى غير موطنها الأصلي، وكان يكرِّر الحديث في كتاباته عن هذه الظاهرة الخطيرة، وتوجَّه باللوم إلى التجار في بلادنا، وخشي إنِ استمرَّ هذا التسرُّب أن نصبح فقراء في التراث المخطوط.

وخلص إلى أنَّ الحلَّ لإيقاف هذا النزيف هو تنمية إحساسنا بقيمة هذا التراث، وتعميق هذا الإحساس؛ للحفاظ عليه وخِدمته، بالصيانة والترميم، والتصوير والفهرسة، والتحقيق والدرس، وبَلَغ مِن اهتمام المنجِّد بهذه القضية أنْ نقلها إلى وسائل الإعلام المختلفة، كالصُّحف وغيرها.

لقد بيَّن أنه لولا هذه الفوائد التي جناها الغرب، ويجنيها مِن تراثنا المنقول إليهم - لَمَا استولوا عليه بالقهر، ولَمَا دفعوا فيه ما دفعوا، ولَمَا بذلوا المال للحفاظ عليه وصيانته وترميمه للاستفادة منه، في الوقت الذي لو بَقِي في حوزتنا لتلفَ وضاع، ويعبِّر المنجِّد عن ارتياحه لوجود هيئات عربية وجامعات ومراكز أخذت – مؤخَّرًا - تهتم بالحفاظ عليه، وخِدمته كما ينبغي، على نحو ما حافظ أجدادُنا عليه في القرون العشرة الأولى.

وسادس المحاور - وهو الأخير - الذي يمكن أن نطوي تحتَه مؤلَّفات مختلفة لها صفة الشمول والموسوعية كالمعجمات، والدراسات المبتكرة، وسوف لا نذكُر منها إلاَّ بعض الأمثلة، منها: "معجم ما ألِّف عن رسول الله  - صلَّى الله عليه وسلَّم -  من المطبوعات والمخطوطات وأماكن وجودها"، نشَرَه عام 1980م، وكذلك بحوثه وتراجمه لأعلام التاريخ والجغرافيا، كالبلاذري، وياقوت الحموي، وابن خلكان، والمقدسي، والحميري، وابن عساكر، وأبي الفدَا، وابن الأثير، والذهبي، وكلها نشرها ما بين أعوام 1959، 1978م.

ولا ننسى دراساتِه التي كان يستلهمها من التراث، مثل: "المرأة عند العرب"، "جمال المرأة عند العرب"، و"مؤلَّفات الحبِّ عند العرب"، وهو بحثٌ تحليلي من الجاحظ (ت 255هـ/ 869م) إلى داود الأنطاكي (ت 1008هـ/ 1600م)، وأخيرًا "رثاء المدن في الشعر العربي".

الخاتمة
وبهذا نكون قد أتممْنا الحديثَ عن نشأة المنجِّد وثقافته، وربطْنا هذه النشأةَ والثقافة بجهوده المتنوِّعة في خِدمة التراث، وقد استطعتُ أن أضع هذه الجهود في ستَّة محاور رئيسة، حوتْ عُظْمَ نتاجه، وبالتالي كشفتْ عن جوانب شخصيته ومفاتيحها.

 

 

Ÿ Ÿ Ÿ

 
 

أهم المصادر والمراجع

غير ما رجعت إليه من كتب المنجِّد المحقَّقة والمؤلَّفة، أذكر:
Ÿ حفل تكريم د. صلاح الدين المنجِّد (عام 1405 هـ/ 1985م)، "أثنينية عبد المقصود خوجه"، في جُدَّة، ط، دار الثقافة للطباعة، مكَّة المكرَّمة، 1410هـ.
Ÿ صلاح الدين المنجِّد والمخطوطات والتغريب، عصام محمد الشَّنْطِي، بحث مجلَّة معهد المخطوطات العربية، مجلد 35، الجزءان 1، 2، القاهرة، 1991م، ص 197 - 212.
Ÿ مقالات ودراسات مهداة إلى د. صلاح الدين المنجِّد، مؤسَّسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 1423هـ/ 2002م - [فيه بحوث قيمة لـ: عبد الكريم اليافي، عرفان نظام الدين، وديع فلسطين، عبد الستار الحلوجي، قيصر موسى الزين].
 



ــــــــــــــــــ
[1] لم أستطع الوقوع على كتاب المنجِّد عنه، ولم أعثر له على ترجمة.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة