• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / روافد


علامة باركود

البكاء في الشعر العربي (2)

الشيخ محمد الفاضل بن عاشور

المصدر: المجلة الزيتونية، المجلد الأول، الجزء الثالث في رمضان عام 1355، وفي نوفمبر عام 1936

تاريخ الإضافة: 8/9/2009 ميلادي - 18/9/1430 هجري

الزيارات: 22857

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ولا يزال العاشقُ جادًّا في الهرب من ساعة الفراق، مستترًا بتناسي الجزع والذهول عن الارتياع استتارَ النعامة من الصياد، وساعة الفراق تقترب منه شبحًا مخيفًا، حتى تتمثَّل حقيقة مظلمة، فتُدرِكه إدراك الليل الذي يقول فيه النابغة:

فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي  هُوَ  مُدْرِكِي        وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ المُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ

 

فهنالك المصرع الهائل، الذي حصر فيه أبو الطيب مصارعَ المحبين، إذ يقول:

لَوْلا مُفَارَقَةُ الأَحْبَابِ مَا وَجَدَتْ        لَهَا  المَنَايَا  إِلَى  أَرْوَاحِنَا   سُبُلا

 

والباعثُ الأعظمُ على البكاء، الَّذي هو من أقدم ما عرف من بواعثه في الشعر العربي، إذ يقول فيه امرؤُ القيس:

كَأَنِّي  غَدَاةَ  البَيْنِ  يَوْمَ  تَحَمَّلُوا        لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ

 

ويلتحق بهذا الموقف ما يحفُّ بالبكاء من مظاهر الحيرة والاضطراب، كالنَّظرة الشَّاردة، التي يقول فيها أبو الطيِّب:

وَلَمْ أَرَ كَالأَلْحَاظِ يَوْمَ رَحِيلِهِمْ        بَعَثْنَ بِكُلِّ القَتْلِ مِنْ كُلِّ مُشْفِقِ
أَدَرْنَ  عُيُونًا  حَائِرَاتٍ   كَأَنَّهَا        مُرَكَّبَةٌ  أَحْدَاقُهَا   فَوْقَ   زِئْبَقِ

 

واصفرار الوجه، الذي قال فيه أيضًا:

وَقَدْ صَارَتِ الأَجْفَانُ قَرْحَى مِنَ البُكَا        وَصَارَ  بَهَارًا  فِي   الخُدُودِ   الشَّقَائِقُ

 

وخفقان القلب، وأبدعُ ُما فيه للعرب قول توبة بن الحُمَيِّر:

كَأَنَّ القَلْبَ لَيْلَةَ قِيلَ يُغْدَى        بِلَيْلَى  الأَخْيَلِيَّةِ  أَوْ   يُرَاحُ
قَطَاةٌ غَرَّهَا  شَرَكٌ  فَبَاتَتْ        تُنَازِعُهُ  وَقَدْ  عَلِقَ  الجَنَاحُ

 

ولهول موقف الفراق؛ قصرت طاقات المحبِّين عن مكابدة ساعة التوديع، فتركوه؛ إمَّا ذهولاً واضطرارًا، كما قال أبو الطيب:

عَشِيَّةَ يَعْدُونَا  عَنِ  النَّظَرِ  البُكَا        وَعَنْ لَذَّةِ التَّوْدِيعِ خَوْفُ التَّفَرُّقِ

 

أَو تفاديًا واختيارًا، وهو من ابتكارات الأعشى، إذ يقول:

وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ        وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعًا  أَيُّهَا  الرَّجُلُ

 

وقد علَّله واعتذر عنه أبو عبادة البحتري فأحسن ما شاء في قوله:

اللَّهُ  جَارُكَ  فِي   انْطِلاقِكْ        تِلْقَاءَ  شَامِكَ   أَوْ   عِرَاقِكْ
لا    تَعْذُلَنِّي    فِي    مَسِي        رِي يَوْمَ سِرْتُ  وَلَمْ  أُلاقِكْ
إِنِّي      خَشِيتُ      مَوَاقِفًا        لِلبَيْنِ  تَسْفَحُ  غُرْبَ   مَاقِكْ
وَعَلِمْتُ      أَنَّ      بُكَاءَنَا        حَسْبَ اشْتِيَاقِي  وَاشْتِيَاقِكْ
وَذَكَرْتُ   مَا   يَجِدُ   المُوَدْ        دِعُ عِنْدَ  ضَمِّكَ  وَاعْتِنَاقِكْ
فَتَرَكْتُ      ذَاكَ      تَعَمُّدًا        وَخَرَجْتُ أَهْرُبُ مِنْ فِرَاقِكْ

 

ويُحَمُّ الفراق، ويفصل المحب عن رَبْع المحبة فصال الفطيم، فيبتعد عنه جسمه وقد علقت به روحه، فلا يزال في سيره حريصًا على الإبقاء على اتصاله الجسماني بالربع، فيتطلع إليه، ويلتفت نحوه لفتة هي من بواعثِ البكاء، كما قال الصمَّة بن عبدالله القشيري:

وَلَمَّا رَأَيْتُ البِشْرَ[1]  أَعْرَضَ  دُونَنَا        وَجَالَتْ بَنَاتُ الشَّوْقِ يَحْنُنَّ نُزَّعَا
تَلَفَّتُّ  نَحْوَ  الحَيِّ  حَتَّى  رَأَيْتُنِي        وَجِعْتُ من الإِصْغَاءِ لِيتًا وَأَخْدَعَا
بَكَتْ عَيْنِيَ اليُمْنَى فَلَمَّا زَجَرْتُهَا        عَنِ الجَهْلِ بَعْدَ الحِلْمِ  أَسْبَلَتَا  مَعَا

 

 

 حتَّى إذا لم يبقَ للمشاهدة الحسِّيَّة والاتِّصال الجسماني مطمع، متع باللفتة القلبيَّة الكامنة التي يقول فيها الشَّريف الرضي:

وَتَلَفَّتَتْ عَيْنِي فَمُذْ خَفِيَتْ        عَنِّي الطُّلُولُ تَلَفَّتَ القَلْبُ

 

ولفتة القلب هي عاطفة الذِّكرى التي لا تنفكُّ تعمر قلوبَ المحبِّين، حتَّى تمثل طيف المحبوب ملازمًا ليقظتهم ومنامهم، وغدوّهم ورواحهم، كما قال الحماسي:

أآخِرُ شَيْءٍ أَنْتَ فِي كُلِّ هَجْعَةٍ        وَأَوَّلُ شَيْءٍ  أَنْتَ  عِنْدَ  هُبُوبِي

 

 وقال أبو العلاء:

مَا سِرْتُ إِلاَّ وَطَيْفٌ مِنْكَ يَصْحَبُنِي        سَرَى  أَمَامِي  وَتَأْوِيبًا  عَلَى  أَثَرِي
لَوْ حُطَّ رَحْلِيَ  فَوْقَ  النَّجْمِ  رَافِعَهُ        أَلْفَيْتُ  ثَمَّ  خَيَالاً   مِنْكَ   مُنْتَظِرِي

 

 

إلاَّ أنَّ لهذه العاطفة الكامنة في النفس كمونَ النَّار في الزند مناسباتٍ وبواعثَ، قد يكون منشؤها مجرَّد الانقِداح الذَّاتي بجولان النفس في ضمائِرها، وانبِعاث الخاطر النفساني الَّذي يحملها من الحياة المادِّيَّة الَّتي حولها، إلى عالم الموجودات الصورية القائم في حسِّها المشترك، ومثال ذلك: تذكُّر عمر بن معديكرب أختَه ريْحانة بمجرَّد الهاجس النَّفساني الَّذي وصفه بقوله:

أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ        يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي  هُجُوعُ

 

وقد يكون منشؤها الباعث المادِّي، وهو راجعٌ إلى أحد ثلاثة أصول: الأزمنة، والأمكنة، والحوادث.

 

أمَّا الزمان الباعث للذِّكريات، فقد شاع عندهم أنَّه اللَّيل، ولم تزل ألسنة الأدب تردِّد شكواه منذ قال امرؤ القيس:

وَلَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ        عَلَيَّ    بِأَنْوَاعِ    الهُمُومِ    لِيَبْتَلِي

 

وليس ذلك لأنَّه زمان الافتراق كما ظنَّ كثيرون؛ لأنَّه أمر عارض قد يتَّفق للنَّهار أيضًا، حتى اختلف الشعراء باعتباره في تفضيل أحدهما[2]؛ ولكن لأنَّ اللَّيل يزيد بأمورٍ طبيعيَّة فيه من الرَّهبة والسكون والوحْشة، وكلها من محرِّكات الأشْجان، وبواعث الأحْزان، بها امتاز عن النَّهار، فكان باعثًا عظيمًا من بواعِث الكآبة والذِّكْريات الباكية، كما قال أبو فراس:

إِذَا اللَّيْلُ أَضْوَانِي بَسَطْتُ يَدَ الهَوَى        وَأَذْلَلْتُ  دَمْعًا  مِنْ  خَلائِقِهِ  الكِبْرُ

 

وأمَّا الأمكنة، فانبعاث الذِّكْرى لديها، وانصباب الدَّمع عليها، هو الباب الأعظم من بواعث الذكريات، والدافع الأقوى إلى مراجعة عهود القرب والأنس، شأن النفس في التنقل من المحسوسات إلى المجرَّدات، وهل في الأمكنة أدْعى لشوق، وأبعث لشجن، من مكانٍ كان مجرى الأُنس، ومربع الوصل؟ لاسيَّما إذا لم يزل فيه من الآثار المحسوسة ما يعين النفس على إظهار ما في باطنها من تخيُّل حضور المحبوب وعهود اقترابِه بما يبقى شاخصًا على المنازل بعد الرَّحيل من آثار الإقامة، وبقايا الدِّيار والمتاع، وهي الأطلال، وباب البكاء عليْها مفتوح في الشِّعْر قبل امرئ القيس، بدليل قوله:

عُوجَا عَلَى  الطَّلَلِ  المُحِيلِ  لأَنَّنَا        نَبْكِي الدِّيَارَ كَمَا بَكَى ابْنُ خِزَامِ[3]

 

 وتلاعب به امرؤ القيس في قصائِده، وتفنَّن الشعراءُ من بعده في البكاء على الأطلال وأكثروا، حتى قال أبو تمام:

عَلَى  مِثْلِهَا   مِنْ   أَرْبُعٍ   وَمَلاعِبٍ        أُذِيلَتْ مَصُونَاتُ الدُّمُوعِ السَّواكِبِ

 

وتجاوزوا البُكاء إلى تحيَّة الطَّلل والحديث معه، والدُّعاء له بالرَّعْي والسُّقيا، حتَّى استنطقوه، وطلبوا جوابه، فمِنْهم من غنيَ ببكائِه عن جواب الطلل، كأبي تمام في قوله:

مِنْ سَجَايَا الطُّلُولِ أَن لا تُجِيبَا        فَصَوَابٌ مِنْ مُقْلَتِي  أَنْ  تَصُوبَا
فَاسْأَلَنْهَا وَاجْعَلْ بُكَاكَ  جَوَابًا        تَجِدِ   الدَّمْعَ   سَائِلاً   وَمُجِيبَا

 

 ومنهم من تخيَّل قرب نطقِه، كما قال ذو الرّمَّة:

وَقَفْتُ  عَلَى  رَبْعٍ  لِمَيَّةَ  نَاقَتِي        فَمَا زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وَأُخَاطِبُهْ
وَأَسْقِيهِ  حَتَّى  كَادَ  مِمَّا   أَبُثُّهُ        تُكَلِّمُنِي   أَحْجَارُهُ    وَمَلاعِبُهْ

 

ومنهم من انتهى به الوله إلى أن سمع جواب المنازل وأثبت حديثها، كما قال المجنون:

وَأَجْهَشْتُ   للتَّوْبَادِ   حِينَ   رَأَيْتُهُ        وَهَلَّلَ    لِلرَّحْمَنِ    حِينَ    رَآنِي
وَأَذْرَيْتُ  دَمْعَ  العَيْنِ   لَمَّا   رَأَيْتُهُ        وَنَادَى   بِأَعْلَى   صَوْتِهِ   فَدَعَانِي
وَقُلْتُ  لَهُ  أَيْنَ   الَّذِينَ   عَهِدتُهُمْ        حَوَالَيْكَ  فِي  عَيْشٍ  وَخَيْرِ  زَمَانِ
فَقَالَ مَضَوْا وَاسْتَوْدَعُونِي  بِلادَهُمْ        وَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْقَى عَلَى  الحَدَثَانِ
وَإِنِّي لأَبْكِي اليَوْمَ مِنْ حَذَرِي غَدًا        فِرَاقَكَ      وَالحَيَّانِ       مُؤْتَلِفَانِ

 

حتَّى إذا خلعوا حكْم الوله، عاودَتْهم صحْوة، فأنْكَروا على أنفُسِهم ما هم فيه من بكاءٍ لغير سامع، وحديث مع غير عاقل ، وتعظيمٍ لأمر تافه، كما قال امرؤُ القيس:

مَا بُكاءُ الكَبِيرِ بِالأَطْلالِ        وَسُؤَالِي وَمَا تَرُدُّ سُؤَالِي

 

وقال الأعشى:

وَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ

 

وقال ذو الرمة:

أَمَنْزِلَتَيْ    مَيٍّ     سَلامٌ     عَلَيْكُمَا        هَلِ الأَزْمُنُ  اللاَّتِي  مَضَيْنَ  رَوَاجِعُ
وَهَلْ يَرْجِعُ التَّسْلِيمُ أَوْ يَكْشِفُ العَنَا        ثَلاثُ   الأَثَافِي   وَالدِّيَارُ    البَلاقِعُ

 

ومِن هذا المذهب أخذ الشعراء المُحدَثون سبيلَهم في الاستخفاف بالأطلال، تبعًا لأبي نواس في الخمريات والغزليات، وأبدع في ذلك البحتري؛ إذ عظم المحبَّة، واستخفَّ بالرسوم في قوله: 

لا تَقِفْ بِي عَلَى  الدِّيَارِ  فَإِنِّي        لَسْتُ مِنْ أَرْبُعٍ  وَرَسْمٍ  مُحِيلِ
فِي بُكَاءٍ  عَلَى  الأَحِبَّةِ  شُغْلٌ        لأَخِي الحُبِّ عَنْ بُكَاءِ الطُّلُولِ

 

 

ـــــــــــــ

[1] اسم جبل.

[2] انظر: الباب الحادي عشر من "ديوان الصبابة".

[3] هكذا نرويه بسندنا عن الأصمعي في "ديوان الشعراء الستة".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة