• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / روافد


علامة باركود

آفة اللغة هذا النحو

آفة اللغة هذا النحو
أحمد حسن الزيات


تاريخ الإضافة: 12/11/2019 ميلادي - 14/3/1441 هجري

الزيارات: 11148

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

آفة اللغة هذا النحو

 

أذكرُ أن الطالب الناشئ كان يدخل الأزهر فيجد أول ما يقرأ من كتب النحو "شرح الكفراوي على متن الأجُرُّوميّة"، وهذا الكتاب شديد الكلف بالإعراب، يأخذ به المبتدئ أخذًا عنيفًا قبل أن يُعلِّمه كلمةً واحدةً من أقسام الكلام ووجوه النحو.

 

يفتحه الصبي المسكين فلا يكاد يقول: «بسم الله الرحمن الرحيم» حتى يصيح به الشارح أو المقرر أن انتظر حتى أُعرب لك البسملة! وهنا يسمع لأول مرة بحرف الجر الأصلي والزائد، ويعلم بطريقةٍ أن له في البسملة تسعةَ أوجه نشأت من رفع الرحمن ونصبه وجره، مضروبة في رفع الرحيم ونصبه وجره، ثم يمضي المعرب في إعراب هذه الأوجه بالتخريج العجيب والحيلة البارعة حتى تقف قدرته عند وجهين لا يجد لهما مطلعًا ولا مأتى فيمنعهما، وهما: جرُّ (الرحيم) مع رفع (الرحمن) أو نصبه؛ ثم يخشى بعد ذلك الجهد أن يعبث النسيان الساخر بهذه الدقائق الغالية فيسجلها في هذين البيتين وهما:

أنْ يُنصبَ (الرحمن) أو يرتفعا
فالجر في (الرحيم) قطعًا مُنعا
وإن يُجرَّ فأجِز في الثاني
ثلاثة الأوجه خذ بياني!

 

يأخذ الطالب هذا البيان على العين والرأس ثم يخطو خطوة فتقع عينه على العنوان الأول في الكتاب وهو: (باب الإعراب)، وهنا يقول له الشارح: قل: بابُ الإعرابِ بالرَّفعِ، أو: بابَ الإعرابِ بالنَّصبِ، أو: بابِ الإعرابِ بالجرِّ فلن تعدو وجه الصواب في أيِّ حالةٍ!!

 

فالرفع على أنَّ (بابُ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا بابُ الإعراب، أو على أنه مبتدأ والخبر محذوف تقديره: بابُ الأعرابِ هذا مَحِلُّه.

 

والنصب على أنه مفعولٌ به لفعل محذوف تقديره: اقرأ بابَ الإعراب.

وأمَّا الجرُّ فعلى أنه مجرورٌ بحرف جر محذوف تقديره: انظر في بابِ الإعراب!!

 

ثم يصعد الطالب في معارج النحو على كتاب من هذا الطراز بعد كتاب، حتى يتسنم ذروته، وليس في ذهنه مذهبٌ صحيح ولا قاعدة سليمة. وماذا تنتظر من مثل هذا الخلط غير إفساد الذوق وإضعاف السليقة، وطبع القرائح على هذا الغرار من التفكير العابث والتقدير الهزيل؟ جنى هذا النحو الفوضوي على الناشئين في معاهده فعمَّى عليهم وجوه الأدب، ثم فتح لهم من الجدل اللفظي والتخريج اللغوي أوديةً وشعابًا يقصر دون غايتها الطرف.

 

فعندهم كل صواب يمكن أن يخطَّأ، وكل خطأ يمكن أن يصوّب وكل كلام على أي صورة يجب أن يفسر أو يؤّول! اخرق القواعد، واقلب الأوضاع، وانطق اللفظ على أي حركة، واستعمله في أي معنى، فإنك واجدٌ ولا شكَّ مِن هؤلاء من يلتمس لك وجهًا من وجوه (البسملة) السبعة، أو مخرجًا من مخارج (باب الإعراب) الثلاثة!

 

عرفتُ أيام الطلب شيخًا قد ابْتُلي بهذه الشعوذة، فحشا جسمه بهذا العبث النحوي حتى لَيرْشحُه من جلده، ويرْعفُه من أنفه، ثم يتكلم فيتعمد اللحن القبيح، فإذا أنكر عليه منكر انفجر عن هذا الهوس فذكر لكلِّ خطأٍ وجهًا، ولكل وجه علةً، ثم يقول في تفيهق وزهو: « لولا الحذف والتقدير، لفهم النحوَ الحميرُ». وسمعت أن شيخًا ضعيف البصر ممن يسوغ في فهمهم كلُّ كلام، قرأ قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: « المؤمن كيِّسٌ فَطِنٌ»، فصحّفها: «المؤمنُ كِيسُ قُطْنٍ»! وراح يحملها على التشبيه فيقول: معناه أن المؤمن أبيض القلب كالقطن.

 

وزعموا أن شيخًا كبيرًا كان يفسِّر كتابَ الله وهو لا يحفظه، فرأى قوله تعالى: ﴿ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18]، فقرأها: (أذئبا يعونك..)، وكتب في تعليلها وتأويلها أربعَ صفحاتٍ من القطع الكبير بالحرف الصغير!!.

 

وحدَّثوا أن مُمتحِنًا من هذا النَّمط، كتب في ورقة طالب راسب: « لا يصلح »، ثم ظهر لأمر خارجٍ عن إرادته أنَّه ناجحٌ، فكتب تحت هذه الجملة: قولي: « لايصلح »، صوابه: « يصلح »، و«لا»: زائدةٌ.

 

والأحاديث مستفيضة عمن نكبوا بهذه الدراسة دون أن يكون لهم من المنطق ضابط، ولا من الطبع دليل.

 

إن ما نجده في النحو العربي من التناقض والشذوذ وتعدد الأوجه وتباين المذاهب إنما هو أثر لاختلاف اللهجات في القبائل، فقد كان رواة اللغة يرودون البادية ويشافهون الأعراب، فيدونون كلمة من هنا وكلمة من هناك، فاجتمع لهم بذلك المترادفات والأضداد، وتعدد الجموع والصيغ للفظ. واختلاف المنطق في الكلمة، والنحاة مضطرون إلى أن يمطوا قواعدهم حتى تشمل هذه اللحون، وتستوعب تلك اللغات، فأغرقوا القواعد في الشواذ، وأفسدوا الأحكام بالاستثناء، حتى ندر أن تستقيم لهم قاعدة أو يطرد عندهم قياس.

 

وزاد في هذه البلبلة أن أسرف أعاجم النحاة في التعليلات الفاسدة، والتقديرات الباردة، منذ نهج لهم ذلك النهج ابن أبي إسحاق الحضرمي، فجعلوا النحو ضربًا من الرياضة الذهنية، والقضايا الجدلية، التي لا يصلها باللغة سببٌ، ولا يقوم عليها فن ولا أدب.

 

ليس من شك في أن دراسة النحو على هذا الشكل تفيد في بحث اللهجات في اللغة، ودرس القراءات في القرآن، ولكن دراسته لضبط اللغة وتقويم اللسان أمرٌ مشكوك فيه كلَّ الشكِّ. نحن اليوم وقبل اليوم إنما نستعمل لغة واحدة، ونلهج في الفصيح لهجة واحدة، فلماذا لا نجرِّد من النحو القواعد الثابتة التي تحفظ هذه اللغة، وتقوم تلك اللهجة، وندع ذلك الطم والرم لمؤرخي الأدب، وفقهاء اللغة، وطلاب القديم، على أن يطبقوه على الحاضر، ولا يستعملوه في النقد. وإنما يلحقونه بتلك اللغات البائدة التي خلق لها وتأثر بها، فيكون هو وهي في ذمة التاريخ وفي خدمة التاريخ.

 

لقد صنعت المدارس المدنية شيئًا من ذلك، فنجحت بعضَ النجاح في تجريد « نحوٍ عام » يكاد يسير في وجه واحد، ولذلك لا تجد المتخرجين فيها يتقارعون في النقد بالنحو القديم، ويقصرون المناظرة على هذا الجدل العقيم. ولكن فريقًا ضئيل الشأن من بقايا الثقافة القديمة في مصر والعراق، لا يزالون يظنون أنا مجبرون على إخضاع ألسنتنا وأقلامنا لتلك اللهجات البالية، فيقعد بهم تخلف الذهن وضعف الملكة وكلال الذوق، عند هذه البقايا الأثرية ينبشون عنها قبور البلى، ثم ينثرونها كالشوك في طريق الأدباء الموهوبين، ويتبجحون بأنَّ هذا اللغو هو اللغة!!

 

يقرؤون الكتاب القيم للعالم الباحث، أو للأديب المجدد، فيعمون عن خطر البحث في نفسه، ومجهود الباحث في بحثه، ولا يرون إلا حرفًا وقع مكان حرفٍ، أو جمعًا لم يجدوه في كتب الصرف! لا نريد أن نسمي الأسماء ولا أن نضرب الأمثال، فحسب الشذوذ أن يدل على نفسه، وحسبنا أن نهيب بالعلماء والأدباء أن يشذبوا هذه الزوائد من لغتنا لتقوى، ويُنَحُّوا هذه الطفيليات عن أدبنا لينتعش.

 

المصدر: مجلة الرسالة، العدد 13 - بتاريخ: 15 / 07 / 1933م





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة