• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

فجر آبق في أروقة البلدة العتيقة - رواية (الفصل الأول)

د. زهرة وهيب خدرج


تاريخ الإضافة: 28/1/2016 ميلادي - 17/4/1437 هجري

الزيارات: 3547

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

"فجر آبق في أروقة البلدة العتيقة"

الفصل الأول- بيت صغير في حارة المغاربة


لا يزال حتى الآن يسكن في البلدة التي تسكنه... والتي تستقر في كل خلية من خلايا جسمه وعقله... لا يستطيع البعد عنها... فهي ملاذه وامتداده ومستقبله وماضيه... على الرغم من الأذى الكبير الذي لحق به في محطات حياته السابقة والذي لا زال يلاقيه حتى الآن والذي سيستمر ليلحق بأبنائه من بعده إن لم يبادر الجميع لتغيير هذا الواقع المر الأليم الذي يعيشه هو وغيره ممن لا يزالون يسكنون البلدة العتيقة من أهل الأرض وأصحابها الحقيقيين...

 

ربما تتساءلون أين يسكن، ومن هو؟ أمهلوني قليلاً فسأخبركم بكل ما يتعلق به وبالمكان... سأخبركم بكل تفاصيله ودقائق أموره... أعذروني إن أطلت عليكم في بعض الأوقات ودخلت معكم في تفاصيل دقيقة تأخذ من وقتكم، أو تفاصيل مؤلمة تشعركم بالحزن واليأس... ولكن اعلموا أنني ملزم بسرد هذه التفاصيل، لأجله وأجلكم، ولأجل المستقبل، ولأجل التاريخ الذي يدون كل التفاصيل التي تعرض له...

 

وحتى لا يكون المعتدي هو من يسجل هذا التاريخ بروايته هو وبالتفاصيل التي يشاء أن تروى للأجيال القادمة من جميع بني البشر حسب تصوره ورغباته ووجهة نظره، وبأساطيره وخرافاته التي ابتدعها، ويسعى ويعمل بجهد وإصرار ليحيلها إلى واقعٍ لا نقاش فيه، فيحرف التاريخ والحاضر والمستقبل...

 

عن تفاصيل الإنسان... وتفاصيل المكان... أكتب لكم...

♦♦♦♦


أمن باب العمود، أم باب الساهرة، أم باب الأسباط، أم باب الخليل، أم باب الحديد، أم باب النبي داوود، أم باب المغاربة، لا يهم من أيها أقبلت فجميعها فتحات تتخلل سور البلدة العتيقة، المكونة من الخشب المصفح بالنحاس والتي لطالما حصنت هذه البلدة من دخول الأعداء... وما أكثرهم على امتداد التاريخ... ما إن تجتاز أحد تلك الأبواب حتى يمتلئ أنفك ورئتيك رائحة البلدة العتيقة المشبعة بعطر الماضي، تتراءي لك أزقة تلقي على روحك ظلال العظمة والقدسية... ظلال مسرى رسول الله... ظلال مدينة القدس.

 

تدخل إلى بيت عادل أحمد العلمي "أبو جاد" بعد أن تصعد الدرجات الإحدى عشر الضيقة المبلطة بحجر الصوان العتيق، والتي تلتصق بحائط البيت بموازاة الشارع في زاوية المغاربة في حارة المغاربة في القدس العتيقة، يقابلك الباب الحديدي رمادي اللون والذي يكوِّن أعلاه قوساً، يلتقي مع القوس الذي يشكل الفتحة المخصصة للباب من الأعلى، يستقبلك بعد ذلك رواق سماوي يتوسط البيت ويفصل بين مكوناته الداخلية ومخرجه.

 

تجد هناك دائماً في ساعات المساء فتىً يلهو مع مجموعة من الصبية، أمام ذلك البيت، ينزلق دائماً بنطاله عن خاصرته، وعبثاً يحاول جذبه إلى الأعلى وإبقائه في مكانه، فالفتي نحيل جداً، عدا عن حركته المستمرة وقفزة الذي لا يتوقف، وهذان السببان كافيان لاستحالة المحافظة على البنطال في مكانه، لم يتجاوز العاشرة من عمره، ورغم الوجه المشاكس الذي يطل عليك ويميل إلى الشحوب، ستلاحظ نظرات محزونة تنطلق من عينيه، إذا كنت تقرأ تعابير الوجه... يلعب الصبية ألعابا مختلفة بدأً من كرة القدم، ولعبة الحرامي والشرطة، والغميضة، أما في الأيام الماطرة فيلعبون "البنانير"، وفي الربيع يلعبون "دق الحاب" فلكل لعبة موسمها... وتنطلق من أفواههم بين الفينة والأخرى أناشيد تتغنى بالوطن الجريح يدعون له بالبقاء والحياة في الوقت الذي يباع فيه ويشترى، و"بالفدائية" الذين لم يصونوا الوطن، ولم يحافظوا عليه ولم يفتدونه بأروحهم كما يقول النشيد، وبثورتهم التي لم ترجع الوطن، إنما فرَّخت التعاون مع العدو وسهلت مهماته... وقد تسمع أيضاً سيالاً من الشتائم القذرة التي تنال جميع أفراد العائلة وحتى من هم تحت التراب، خاصة إذا حصل هناك خلاف أدى إلى التشابك بالأيدي والأقدام...

 

وفي كل مرة ينطلق صوت المؤذن مردداً " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله..." معلناً دخول وقت صلاة المغرب تطل والدة الفتى من الشرفة المطلة على الزقاق طالبة منه العودة للبيت.

 

يدخل الفتى البيت القديم سميك الجدران المكون من غرفتين، ذا سقف من العقود التي ميزت نمط البناء القديم في العصور الماضية، فالبيت قديم قدم مولد والد جد الخالة أم خليل، "كما يعلم الجميع" وتكرر الخالة هذه المعلومة في كل مناسبة يُذكر تاريخ البيت أمامها.

 

الغرفة الغربية، أولى الغرفتين وأوسعهما، رغم ضيقها الشديد، هي غرفة الوالدين، جدارها القبلي يحوي فتحة حجرية كبيرة تغطي تقريباً جميع مساحة الجدار، مرتفعة عن الأرض قليلاً، مخصصة لترتيب الأغطية والفراش داخلها، يتوسط الغرفة سرير خشبي مزدوج وطاولة صغيرة إلى جانبها رف خشبي واسع تكتظ فيه الكتب ذات الاحجام والألوان والمواضيع المختلفة يكاد يحتل نصف مساحة الجدار الجنوبي من أعلاه إلى أسفله، وهذا الرف من أهم أجزاء البيت لدى عادل، وربما يصل في أهميته إلى درجة تفوق زاوية إعداد الطعام...

 

أما الغرفة الأخرى وهي غرفة الفتى وتستعمل لاستقبال الضيوف... هي أحب غرف البيت إلى قلبة.

 

تغيَّب معلم اللغة العربية عن المدرسة في ذلك اليوم، فكان ذلك سبباً في عودة جاد إلى البيت مبكراً على غير عادته، تناول بعضاً من الطعام على عجل، وانطلق يلعب الكرة مع أبناء الجيران في الحارة دون أن يغير ملابس المدرسة، ارتفع صوت والدته بعد فترة قصيرة تطلب منه العودة إلى البيت... عاد على مضض، فلا زالت لديه الرغبة في المزيد من اللعب، غيَّر ملابسه استجابة للأوامر، واغلق باب الغرفة على نفسه وألقى بنفسه على السرير ينشد بعض الراحة قبل بدء المذاكرة، أخذ يحدق في سقف الغرفة المقعر من الداخل، ويتأمل الشقوق التي زاد عددها فيه حتى أصبحت كالخريطة الصماء، كما ازدادت أيضاً المناطق التي تساقط منها الطلاء نتيجة الرطوبة في فصل البرد والمطر.

 

غاب في عالم أفكاره، بعيداً عن المدرسة والدروس، "غداً عصراً سيكون لدينا مباراة كرة قدم بين فريق حارة المغاربة، وفريق حارة السعدية، يجب أن نتدرب اليوم جيداً ونضع خطة للعب، أحمد يلعب بشكل ممتاز، وأتوقع أن يكون الفوز من نصيبنا بسبب وجوده في فريقنا... أتمنى أن يوفقنا الله"... وأخذ يتخيل مجريات المباراة لدرجة أنه أحس نفسه وكأنه يلعب حقيقة، يجري أحمد إلى يمينه وسالم خلفة فيمرر الكرة إلى أحمد الذي يسير بها حتى يقترب من المرمى ثم يركلها بقوة ويحرز الهدف الأول... انتبه من نشوته بإحراز الهدف إلى شدو عصفور جميل يقف على حافة الكوة في أعلى الجدار الغربي من غرفته... " ما أروع صوته! رغم قلة الأشجار الكبيرة في البلدة القديمة إلا أن الحمام والعصافير التي تأتي لالتقاط الحب الذي يتساقط من التجار خلال نقل الحبوب لا تفارقها".

 

نهض من أحلام اليقظة ومن سريره ووضع حقيبته أرضاً وأخرج كتبه منها، بعثرها أمامه، على الطاولة الخشبية الموضوعة أسفل الكوة الصغيرة. "المشكلة أنه لا رغبة لدي الآن بالدراسة، أحس في داخلي بطاقة كبيرة، تأبى أن تبقى حبيسه هكذا".

ترك الكتب على حالها وغادر غرفته ليلعب داخل البيت.

 

نوافذ البيت مقوسة تغطي حجارتها نقوش جميلة تتكون من أشكال هندسية تتشابك فيما بينها فتشكل نجماً ومضلعات لطالما شغلت الفتى جاد أوقاتاً طويلة يتأملها ويحاول فك رموزها ويسأل الكثير من الأسئلة حولها. تفتح نافذة غرفة الوالدين على الحائط الغربي "حائط البراق" الذي تقول الروايات إن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط دابة البراق إليه خلال رحلة أسراءه من مكة المكرمة إلى القدس، ومعراجه من المسجد الأقصى إلى السماوات العُلى. ولطالما وقف جاد أمام هذه النافذة ينظر إلى حائط البراق ويتأمل أسطح البيوت المقببة، والمآذن التي تكتظ بها البلدة القديمة. أما في ذلك اليوم فقد وقف إلى تلك النافذة وأخذ يرقب وفود اليهود الذين قدموا لساحة البراق التي يصبغونها بالصبغة العبرية اليهودية كعادتهم ويسمونها كذباً بـــــِ "حائط المبكى"... أخذ ينظر إلى الأفراد والجماعات منهم الذين يأتون إلى حائط البراق حتى يقفوا أمامه، فيأخذون بتلاوة تراتيل خاصة بهم وهم وقوفاً ويهزون الجزء الأعلى من جسدهم للأمام والخلف يحمل كل منهم بين يديه كتاباً صغيراً يقرأ منه، تتدلى خصلتين طويلتين من الشعر من جوانب رأس كل منهم أرهق نفسه كثيراً بلفها بطريقة تميزهم... ذكورهم يرتدون السراويل السوداء والقمصان البيضاء يضيفون إليها معاطف سوداء طويلة عندما لا يكون الجو حاراً وتتدلى من خصورهم مجموعات من الخيوط البيضاء من الأمام والخلف، تهتز باهتزازهم خلال صلاتهم أمام حائط البراق.

 

وسيكون لنا لقاء قريب بإذن الله في الفصل الثاني من "فجر آبق في أروقة البلدة القديمة"





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة