• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

حرور (قصة قصيرة)

حرور (قصة قصيرة)
ابتسام فهد


تاريخ الإضافة: 20/10/2015 ميلادي - 6/1/1437 هجري

الزيارات: 3728

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حَرُور

 

جالسٌ هناك تحتَ شجرة كبيرة، مُمتدَّة الظلال، ورغم ذلك فهي لم تتمكَّن من تظليل أحزانه المُستوطِنة قلبَه وعقلَه.

 

منكفئٌ على نفسه، قد عَلِقت في ملابسه الرَّثَّة نملةٌ صغيرة، ساعدها على النزول بحملِها على أصبعه حتى الأرض.


أخذ يتأمَّلُها وهي تسير بسرعة وخوف، بدا واضحًا له قلقُها، وشعورُها بالخطر!


لم يَخفَ عنه الفرقُ بينه وبينها أنها الآن ذاهبةٌ إلى جماعتها، ولن يغزوَها شعورٌ بالانعدام والوَحْدة، أما هو فلم يكن يَجرؤ حتى على الحُلم بالانتماء لهذه الحديقة التي يعمل بها، فضلاً عن الانتماء للبلد وأبنائه!


ببشرته السمراء، وتلك الخطوط المتعرِّجة على وجهه المتهدِّل والجاف، وبنظرته الكَسِيرة - تيقَّن أنه سيعيشُ هذا الانعدام، لم يكن يعلمُ أن التعايشَ مع الأمر بهذه الصعوبة!

 

يتذكَّر حين قرَّر السفر من بلده للعمل في هذا البلد ما سَمِعه من بعض أصحابه وأقاربه بأن الحياة لن تكون سهلةً، وأن المال لن يكون وفيرًا كما يظنُّ!

 

هو الذي كان لديه أمنية بأن يجنيَ الكثيرَ من المال؛ ليُطعِمَ أولادَه، ويكسوَهم، ويمنحَهم التعليمَ الجيِّد، ويُخرجَهم من هذا الفقر الذي تنغمِسُ فيه مدينتُه!

 

قطع مسافةً طويلة من شرق آسيا إلى جنوب غربها؛ ليُحقِّق هذه الأمنية، ويُبدِّد شؤم أقرانه الذين لم يهوِّنوا الأمر له، لكنه اكتشف بعدئذٍ أن هناك ما يُسمَّى بالطبقات والفروقات، هو يعرفها جيدًا، وفقرُه يجعلُه يعرفُها أفضلَ من أيِّ شخص، الجديد بالنسبة إليه هو معرفتُه بأنه في هذا البلد يوجد طبقات وفقًا لما يحمل المرء من جنسيَّة، ويا للأسف هو بجنسيَّته من الطبقات الدونيَّة! عرف ذلك في يومٍ سيِّئ أخذ فيه رجلٌ من البلد مكانَه في الانتظار أمام الخبَّاز، وحين اعترض بدأ ذلك الرجل بالصراخ عليه، والاستهجان به، وكان أول ما نعتَه به بازدراء أن نَسَبَه إلى بلده!

 

حينها فقط، أدرك أن نسَبَه إلى بلده هنا ليست مدحةً، بل العكس تمامًا؛ موضع ازدراءٍ وسخريةٍ!

 

كم أوجعه هذا! فهو الذي يحبُّ أرضَه ووطنه رغم فقرِه، أمسك يومها بجواز سفرِه يعصره بقبضتِه ويبكي، معتذرًا لذلك الوطن بأنه لا يستطيعُ ردَّ الإهانة عنه؛ لأنه أضعفُ بكثير مما اعتقده، وأن ما تحدَّث به صحبُه قبل مجيئه هنا لم يكن إلا حقيقةً!


الحياة أصعب من تحقيق أمنياته، وكم أحدثت تلك الحُرقة ثقوبًا في قلبه!

 

لقد كان ينسج أحلامَه البالية وهو يتأمَّلُ الأطفالَ يمرحون ويضحكون في هذه الحديقة العامة، وفي كل انحناءةٍ يَرفَعُ معها مخلَّفات زوَّار الحديقة يرى حُلمًا من أحلامه يسقط، ويُداس بالأقدام!

 

يتذكَّر وهو يرى الموائدَ الموزَّعة على السجَّاد الذي تلتفُّ حولَه العائلات جوعَ أطفالِه، وكم سيكونون سعداءَ لو تذوّقوا هذه الرائحةَ الشهية المتصاعدة من الأطباق!

 

كانت حرارةُ الشمس تلهبُ جسدَه كلَّ يوم وهو يعمل، أو يتنقل نهارًا، لكن حرَّها لا يساوي شيئًا أمام ذلك اللهيب في قلبه، ورغم ذلك راودَه حُلم دخيلٌ على منظومة أحلامه البسيطة؛ وهو أن يمتلك سيَّارة تَقِيه حرَّ الشمس، ولم يفقد رغبته بعدُ بشراء ثياب جديدة ونظيفة، بدلاً من ثيابه البالية.

 

وكم تمنَّى لو يَحْظى بعمل أفضلَ؛ يُمكِّنه من جَنْي مالٍ أكثرَ؛ لكن هيهات! هذه الأحلام الفارهة لا تليق به؛ فهو مجردُ عامل نظافة من الطبقة الدونيَّة؛ وفقًا لفقره وجنسيَّته معًا الآن!

 

لم يكن له الحق في امتلاك مكانِه في الانتظار، أو المشي برأس مرفوع دونَ أن يكون ملزمًا بالنظر للأرض، أو الجدال بقوة حولَ حقٍّ من حقوقه، لم يكن يستطيع المطالبةَ بما يريد، فما وقع عليه جرَّاء ذلك أكبر بكثير منه، لا ينسى ما جرى له في كل مرَّة جرَّب فعل ذلك، هو لم يسلم حتى من الأطفال! فحين طلبَ من مجموعة أطفال - بعربيَّة مكسَّرة - ألا يلقوا مخلَّفاتهم على الأرض، وأن يضعوها بدلاً من ذلك في مكانها المُخصَّص - فاجأه هجومُهم عليه، ونعتُه بألفاظ بذيئة، واستنقاصه والسخرية منه!

 

لقد كان مستعدًّا للتضحية بكل أحلامه: المهترئة منها، والدخيلة؛ مقابلَ أن يمتلك حقَّ إنسانيَّته، مقابل ألا يرى كرامتَه مسحوقة وممزَّقة.

 

لم يكن يريد أن يُشْعِرَه الآخرون أن جَوازَه الذي يحمله ليس إلا وصمةَ عار يتجرَّعُ بها أقسى النظرات والكلمات، وأن عمله الذي يجلب به قوتَ يومِه، ويعفُّه عن المسألة، ليس إلا مذلَّة له وتنكيلاً.

 

هو العالق في كل هذا، الخائفُ والمنكسر والمحروم من الإحساس بأنه إنسان كأيِّ إنسان آخرَ من أبناء هذا البلد، إنسان حرٌّ له كرامة وحق، لا فقره ولا حاجته مبرِّر لسَلْب ذلك الحقِّ منه، وتصييرِه كومةً بشريةً منبوذة ومُهانة بالتعالي والاستهزاء.

 

ها هي الصلاةُ تُقامُ في الحديقة، مُبدِّدةً همومَه وأفكاره المتضاربة، مسَحَ العَرَق المتصبِّب على جبينه، ودمعةً طفرت من عينه، ثم نهض يحمِلُ على ظهره بُؤسه، وفي قلبه حرَّه، وبيده أكياس القمامة، يخطو خطواته بانكسار؛ للتوجُّه إلى مسجد الحديقة؛ لأداء الصلاة، ينظرُ إليه الناس ولا يَعدُّونه شيئًا، تمامًا كمخلَّفاتهم التي ينهضون تاركيها وراءهم؛ ليحملها هو ومَن مثلُه؛ حتى يجدوا الحديقة في كل مرَّة منعشَةً، مُزْهرة، ونظيفة!


الناس الذين قال لهم الرسول الكريم: ((أيها الناس، أَلاَ إن ربَّكم واحد، وإن أباكم واحد، أَلاَ لا فضلَ لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا أسودَ على أحمرَ - إلا بالتقوى)).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة