• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

نور وسموم الغربة

نور وسموم الغربة
زوزان صالح اليوسفي


تاريخ الإضافة: 6/5/2014 ميلادي - 6/7/1435 هجري

الزيارات: 4722

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نور وسموم الغربة[1]


كانت نور بين الحياة والموت، وهي مُستلقية داخل سيارة الإسعاف، ثوبها كان مُلطَّخًا بالدماء، وجسدها قد تمزّق بطعنات سكينٍ لم يَرحم أي جزء من جسدها الهزيل، كانت عاجزة تمامًا عن الحركة؛ فجِراحها قوية وعميقة، وقد شلَّت أطرافها من هول الصدمة والمصيبة التي حلَّت بها.


دخلت نور في غيبوبة، شاهدت طيف أمِّها جالسةً أمام رأسها وعيناها مُغرقتان بالدموع، نظرت إلى أمها باستغراب وسألتها قائلةً: أمي!! كيف جئتِ إلى هنا؟! لقد تُوفِّيت قبل أعوام مضت، كنتُ حينها بجانبك أنا وأخواتي، كان رأسك حينها في حِجري يا أمي، وقبل وفاتكِ طلبتِ مني أن أقرأ لك سورة الرحمن، فقرأتها لألبِّي رغبتك رغم أن الحزن كان يَعتصِر قلبي ودموعي تَنهمِر، وبعد أن انتهيتُ مِن قراءة السورة، أغمضتِ عينيكِ بهدوء ورحلتِ، فحملناكِ إلى مقبرة بلدتنا وودَّعناك بالصراخ والبكاء، آه يا أمي الحبيبة! كم كان يومًا حزينًا، لن أنساه أبدًا! وكم أنا سعيدة الآن برؤيتك ثانيةً! وكم أنت جميلة يا أمي! تبدين وكأنك أصغر مني! وما أجملَ ثوبَك الأبيض الذي ترتدينه! بالله عليك يا أمي كيف جئتِ إلى هنا؟! وأين نحن الآن؟! لماذا تبكين بصمت؟! ولماذا أنت صامتة لا تردِّين عليَّ؟! هل ما زلتِ غاضبة مني لأنني هجرتُ الوطن؟ بالله عليك يا أمي لا تغضَبي مني، فظروفنا الصعبة في الوطن، والحرب التي طالت أجبرتنا على الهجرة، ولكن أقسم لك أنني سوف أعود قريبًا، لقد كرهتُ الغربة يا أمي وسَئِمت منها، الحياة هنا قاسية وكئيبة، هل تَذكُرين يا أمي حينما أخبرتُكِ برحيلنا؟ كنتِ تقولين لي: إن كل حجر في مكانه له قيمته وقدره يا ابنتي، لم أكن أفهم قصدك حينها أو أُعيره اهتمامًا، كنتُ متلهِّفة حينها لخوض هذه المغامرة، ومُتشوِّقة لأعيش هذه التجربة، خاصة بعد أن ضاقت بنا الحياة في الوطن، ولكني بعد هذه التجربة المريرة عرفت قصدك، فعلاً يا أمي كل واحد في مكانه الأصلي له قيمته وقدره، أَعِدُك يا أمي بأنني سأعود قريبًا، لقد أعددتُ كل شيء للعودة إلى الوطن مع أطفالي، رغم أن والدهم يرفض ذلك، لكنني قررت أن أكتم الخبر عنه.


ساد صمت قصير وكأن نور تذكَّرت شيئًا فاستمرَّت في حديثها قائلة: ولكن، ولكن يبدو أن ابنتي الصغيرة قد أخبرَت والدها بعودتنا، وبعد أن علِم والدها بالأمر، لا.. لا أذكر ماذا حصل يا أمي... (ساد الصمت وغابت نور عن الوعي، ودخلت في غيبوبة مرة أخرى، وهي ما زالت داخل سيارة الإسعاف).


كانت السيارة تمضي بأقصى سرعة نحو المستشفى قبل فوات الأوان، كانت دقات قلب نور غير منتظِمة، وكلما كانت تَغيب عن الوعي كان المُسعفون داخل السيارة يُسرعون في تقديم الإسعافات لها بكل جهودهم لعلهم يستطيعون إنقاذ حياة تلك المسكينة التي هُرعوا إليها بعد تلقِّيهم مكالمة هاتفية من إحدى بناتها، التي أفادت بأن أمهم بين الحياة والموت بعد أن هجم والدهم عليها بالسكِّين في ظل نقاش حادٍّ جرى بينهما؟!


مرة أخرى دخلت نور في الغيبوبة، فشاهدت نفسها وقد رجعت إلى سني طفولتها، فتاة صغيرة بجدائل طويلة، تسير وحدها في زقاق حارتها نحو بيتهم القديم المطلِّ على نهر الخابور، دخلت البيت في صمت، شاهدَت أمها في ركن حديقة البيت تَخبز الخبز في التنوُّر، اقتربَت منها وهي تستنشِق بعمق رائحة الخبز وسألتها قائلة: آه يا أمي! رائحة خبزك تَسلب الألباب، كم أشعر بالجوع! هل لي برغيف؟


أجابت الأم وهي منشغلة بالتنور والخبز قائلة: خذي رغيفًا يا عزيزتي والباقي ضعيه في السلَّة.


أخذت نور تَقضم رغيف الخبز الطازج بنهَم، ثم سمعت صوتًا يَخرج من غرفة والدتها وهو يُرتِّل القرآن، استمعَت نور بذهول إلى هذا الصوت العذب وهو يرتِّل القرآن، فسألت أمها باستِغراب قائلة: أمي، مَن الذي يُرتِّل القرآن في غرفتك؟ يا ألله! كم صوته عذب ورائع يا أمي!


أجابت الأم قائلة: إنهُ والدُكِ يا عزيزتي.


تفاجأت نور، وبالكاد استطاعت أن تَبلع قطعة الرغيف التي في فمها، وأخذت تَنظر إلى الغرفة ثم سألت باستغراب قائلة: أبي!! وكيف جاء إلى هنا؟! فلقد علمتُ منكِ أنهُ قد توفِّي منذ أن كان عمري لا يتجاوز الشهور فقط؟!


أخذت نور تَخطو نحو الغرفة وهي تردِّد قائلة: هل لي أن أراه يا أمي؛ فلطالما تمنَّيتُ رؤيته؟!


لم تَنتظِر نور ردَّ والدتِها المنشغلة بالتنوُّر، وأخذت تتقدَّم نحو الغرفة بهدوء، مدَّت يدها نحو الباب وفتحتْه، لكنها أجفلَت وتراجعت ببطء نحو الخلف إلى حيث أمُّها وسألتها باستِغراب قائلةً: أمي، لم أستطِع رؤية أبي؛ فالضوء يشعُّ في الغرفة، فلم أرَ شيئًا غير النور في غرفتك!


أجابت الأم وهي ما زالت تخبز قائلة: لا تتكلَّمي كثيرًا يا نور، اجمعي الأرغفة في السلة، فأمامنا عمل كثير قبل أن يُخيِّم الظلام، هيا يا ابنتي.


تغاضت نور عن طلب أمِّها وأخذت تنظر حول حديقة الدار قائلة: ولكن أين أخواتي أمل وحنان وإيمان؟

فأجابت الأم قائلةً: لقد ذهبْنَ إلى الخابور، لا بد أنهن يَسبحْنَ هناك.


نظرت نور نحو الباب الخارجي وما إن رأته مفتوحًا؛ حتى غافلت أمها وانطلقَت بأقصى سرعة إلى الخارج وهي تَقضم رغيف الخبز قائلة: سوف أذهب لرؤية أخواتي، لقد اشتقتُ إليهنَّ، وأريد أن أشاركهنَّ في السباحة، وداعًا يا أمي سوف أعود معهن... أخذَت نور تركض في الأزقَّة نحو نهر الخابور الذي يَبعد خطوات عن دارهم.


استفاقت نور من غيبوبتها، كانت تسمع الأصوات حولها، وهي عاجزة عن معرفة مكان وجودها، وما يدور حولها، شعرت بأنها راقدة على سرير، بالكاد فتحت عينيها، لم ترَ سوى أضواء معلَّقة بالسقف حيث السرير يمرُّ بها عبر الممرَّات، وحولها بعض الأشخاص وعلامات الهلع تبدو على وجوههم، وهم يتكلمون بصوت منخفض، أدركت نور أنها داخل إحدى المستشفيات.


استعادت نور ذاكرتها خلال هذه اللحظات، فأدركت هول مصيبتها وما جرى لها بعد مناقشة حادة مع زوجها حينما عَلِم مِن ابنتِه الصغيرة أنهم قد تهيَّؤوا للعودة مع والدتهم إلى الوطن، فلم يستطِع الزوج السيطرة على أعصابه التي دمَّرتها سنو الغربة منذ مغادرته للوطن، وإذا به يُمسك بالسكين دون وعي وتفكير؛ ليهجم على زوجته ويغرز من سموم الغربة في جسدها طعنةً تلو الأخرى.


وهنا أدركت نور هول مصيبتها، ومن شدة حزنها وآلام جراحها فقدت الوعي مرة أخرى ودخلَت في غيبوبة!


شاهدت نفسَها وحيدةً تَسير نحو ضِفاف نهر الخابور تبحث عن أخواتها، كانت الشمس تميل إلى الغروب وصورتها تنعكس في النهر، وتبدو كأن صفائح من الذهب تناثرت على ضفافها، وقفت نور على ضفاف النهر تحدِّق بنظرها بعيدًا نحو المياه الجارية لعلها ترى أخواتها، فأخذت تنادي عليهن بأعلى صوتها قائلة: أمل.. حنان.. إيمان.


وفجأة وجدت أخواتها الثلاث على الضفة المقابلة من النهر ينادينها ويلوحن إليها قائلات: هيَّا يا نور، اسبَحي وتعالَي إلينا، نحن هنا في انتظارك، هيا أسرعي قبل أن يحل الظلام!


نظرت نور إليهن بشوق ثم أخذت تغوص بقدميها في مياه الخابور، حاولت السباحة مرة، ثم أخرى، وأخرى، لكنها كلما كانت تسبَح لخطوات، كانت المياه تعود بها مرة أخرى إلى حيث الضفاف، حاولت مراتٍ ومرات وأخذت تضرب المياه بكل قوتها لتصل إلى أخواتها، ولكن دون جدوى، بدأت الشمس تغيب ولم يبقَ لها من الضوء سوى ومضات خافتة تعلو سماء المغيب، ولم تعد نور تستطيع رؤية أخواتها، أو تسمع نداءاتهنَّ فأخذت تبكي وتضرب المياه وهي تُناديهن، فاستسلمت من شدة الإعياء، وأخذت تبكي وتنادي على أخواتها، وإذا بيد تسحبها من النهر فنظرت نور خلفها فإذا بأمِّها تمسك بيدها قائلة: هيا يا حبيبتي هاتي يدك وتعالي معي فلقد حلَّ الظلام، لنعود إلى البيت؛ فوالدك في انتظارك.



[1] كانت من ضمن القصص المرشحة للفوز في مسابقة المبدعون 2010.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة