• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

مشوار

أم حسان الحلو


تاريخ الإضافة: 2/6/2009 ميلادي - 8/6/1430 هجري

الزيارات: 6243

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من آثارهن (3)

مشوار

 

حينما كنتُ أطرب لسماع قصَّة برٍّ أدسُّها في سويْداء القلب؛ لعشق تغلْغل لمعاني البِرِّ والتَّضحية فيه، وفي ذات يومٍ رأيت فيه العيون تحجَّرت، والأطراف تسمَّرت، والأنفاس تحشْرجت، ثم تبعْثرت من حولي الأجْساد، فتحوَّلتْ أشلاء، ولا تسلْ عن سمائنا الصَّافية وبحرِنا الهادئ، إذْ رأيت السَّماء داكنة السَّواد، حينها أحسَسْت بسائل لزِج دافئ يمسح أسفلَ قدمي، نظرتُ لقدمي نظرةً خاطفة، فرأيتُها لطِّخت بلون أحْمر قانٍ.

لم تعُد أذناي تميِّز ما تسمع، أهو قصف رصاص، انفِجار قنبلة، أم أزيز نفاثة، أم خليط من هذه الأصوات؟!

تبعه انفجارات رسَمَت لحاضرنا خريطة مستقْبلِنا، فمحت أبْعاد الزَّمان والمكان، وأخذت جيوش الحاضر تحفر أخاديد المستقبل، ووجدتُني في ظلامي الحالِك أتقافَزُ كفراشاتٍ صرعها الضَّوء، ولِهُنيْهة غرقت في ضوء وضَّاء، كأنَّها الشُّموع، وبسرعة خاطفة عُدْت إلى واقعي.

لا، لن أنحدِر في بحار اليَأس والظُّلمات، فلئِنْ غرقت ببريق المتفجِّرات، فإنِّي أشتعِل مضاءً وإصرارًا وعزْمًا بِنور آياتٍ عظيمة أشرقت في فؤادي؛ {وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ القَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 104].

كما تفعل القنبلة في الأجساد فعلت الآياتُ بروحي، اشتِعال ودفء، وطاقة ممتدَّة بامتداد الأنفاس، إنَّما تجِد القنابل تفتِّت الأجساد، بينما تَجمع الآيات شتات الطَّاقات.

صوت أمي الواهن يتدفَّق كشلال عطاء أيْنع وأوْرق في فؤادي منذ زمن، كلِماتُها القليلة جذبتْني إليْها بسرعة، لا أكاد أُدْرِكها: "اترُكْني وامض بأسرتك"، فرددتُ عليْها: "مستحيل"، أكملتْ بثقة: "المشوار أمامَكم طويل، أمَّا أنا فقد انتهى بي المطاف".

"لا يُمكن ذلك"، وبحركة عفويَّة وقفتُ قبالتَها، وأحنيت ظهري كالعرجون وأنا أقول: "أرجوكِ بسرعة، ارْكبي وسمِّي الله"، أحسَسْت بتردُّدها كما أحسَّت زوجتي، فأسرعتْ زوْجَتي إليْها وحملتها على ظهري، ثم التقطت زوْجتي ابنتَنَا الصَّغيرة الَّتي كانت تودِّع دنيانا بصمْتٍ، وتنزف دمًا دافئًا قاوم لسْع البرد الذي كاد يفتِّت الصخْر.

إنَّك ترى أسرةً صغيرةً تسير فوق أشواكٍ، رشَّ الإنسان بذورها، وسكاكين عصابات حدَّت سكّينها، كل ذلك اختلط بذرَّات الأرْض المباركة، التي حُشِيَت بالألغام التي كان عليْها أن تزرع الخوف حتَّى الإرباك، لخطوات عظيمة قادمة شجاعة؛ لكن لا، ولن تتحقَّق أحلامهم، بل سيبقى تراب الأرض طهورًا، موجهًا للألغام الَّتي غدت ساعدًا متوضئًا يقْذف الأقدار البشريَّة بعيدًا.

تراني أغذُّ السَّير والظَّلام يلفُّني، كما تلتفع نساء قومي بالحجاب، أنا لم تَعُدْ تُخيفُني هذه الظُّلمات المتراكِمة؛ فإشْعاعات دعواتِنا و دعوات أمِّي تخترق حجبها، مهْما كانت كثيفة.

الإرْسال لدى أمِّي بدأ يضعُف، ثمَّ بدأ يتقطَّع، وكنت أُلْقِي السَّمع لكلماتِها: "أرْض خضْراء، دار واسعة، أهلاً بأحبَّتي"، هرَب عقْلي وذكر أيَّامًا خواليَ، كنَّا فيها نلعب على أرْض خضْراء، وفي دار واسِعة مع الأهْل والأحْباب.

إحساس أمِّي بي مَنَحَني دفءَ دمعتين ساخنتين، ذرفتَا من عينيها، أوهنَ لسَعَاتِ البرد القارص، وساعدني على قطْع ثُلُثَي الطَّريق، همْهمات أمِّي ترجوني أن أتوقَّف وأُلْقيها على الأرْض الطَّاهرة، ثم أفرُّ بِجلدي وجلْد بقيَّة أسرتي، فأرفض وأعانِد، وأُقَبِّل يدَها الَّتي كانت منسدِلة أمام وجهي، وأكرِّر اعتذاري بسببِ عِصْيانِها، وتمرُّدي على أوامِرِها التي تبدو شاحبة كوصايا الموْتى، وسمِعْت كلِمات متقاطعة تعِد فيها أحبابَها بِزيارة قريبة، ركبت مركب الحيرة، ولَمْ أدْر أَأَرْثِي إدْراكي أم إِدْراكها؟ يبدو أنَّ يدها ازدادتِ ارتخاء، وصوتها ازداد خفاء، إنَّما لم أستَطِع تجاهُل توجيهِها لخطواتي القادمة، وأنا أركِّز نظري على إيماءات يدِها المتوضِّئة، فأراها شعلة في ظلام طريق المستقْبل، بين الحين والآخر كنت أَقْتَبِس من يدها دفئًا لأقْوَى على السير قُدُمًا.

استمرَّ المسير، ذكرت الشَّوارع فتذكَّرتني، هنا عمود رخامي فارع الطُّول، أو على وجْه الدِّقَّة: شجرة نخل دائمة العطاء والإباء، تقِف شامخة على فوهة شارع المشفى، الَّذي أقصد، تحت هذه الظلال كنت فيما مضى أحطُّ رحالي وأستريح من عناء سير طويل، تجاوز عشرة كيلو مترات.

لكنِّي اليوم لن أحطَّ رحالي، بل سأُسْرِع خطوي، يبدو أنَّ المؤشر المضيء انطفأ أمامي، فيدُ أمي غدت باردة.

على باب (الشفاء) وضعت رحالي، وبعناية فائقة وضعت ما كنت أحْمل في سيَّارة إسعاف، ثُمَّ ودَّعتُها، فحجبتْ رؤيتي لها دمعتان، رأيتُ العالمَ من خلالِهما ضبابيًّا، وأدْركتُ أنَّ عليَّ أن أحتضِن صغيرتي، وأوسدها حضن أمي كي تلْتهم بهما تلك السيَّارة المسافات إلى مقبرة الشُّهداء.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة