• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

شهرزاد ( قصة قصيرة )

شهرزاد ( قصة قصيرة )
فاطمة بلحاج


تاريخ الإضافة: 24/9/2013 ميلادي - 19/11/1434 هجري

الزيارات: 11822

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة قصيرة - شهرزاد


جلستْ على الشّط تنتظرُه، تُراقِبُ السفن القادمة من المحيط، فراوَدَها طيفُه.. نظرتْ إلى الخاتم الذهبيِّ الذي لا يفارق أصبعَها منذ أن أهداه لها أمام سفارة الحلمِ، فتحسست بريق اللهفة وركبتْ سفينة الأماني، عبرت شطآن الشغف، ولامستْ أنفاسُها أنفاسَه في الهواء العالق بين ضفاف الحلم.. وصارت تتساءل مع نفسها: "لا أدري ما حلّ بك بعد أن امتطيتَ ذاك المركب، أوَصلتَ إلى برِّ الأمان أم أنك كنتَ من الغارقين؟! وإن وصلتَ، أعانقتَ أسوار الأندلس وأمسكتَ ياقوتة المجد؟ أعلَّقتَ جواهر المدائن على أسوار عهدنا؟! أم أنك رحلتَ وغرقتُ في بحر السراب؟ لأني ما زلت أعانق طيفك وأنتظر؛ لعلّ روحك تنبعث من مرقدها الأخير، إن كان لها مرقد!".

 

تمشت على الشط قليلاً، فراودها الحنين - لقد قالوا لها دومًا: إنه غرق مع الحالمين، وأنّ بدنه يقبع في المحيط بين أنياب القروش - تنفستْ بعمق وأخذت تتنهد، وأدركتْ في نفسها أنه قد طفح فوق المياه في مكانٍ ما، أو التهمتْه الأسماكُ كما قالوا، فكل رفاقه ممن ركبوا ذات القارب الذي امتطاه لم يَصِلُوا لبلاد الأندلس، فخلعت الخاتَمَ ودفنتْه في حفرة رملية، وعادتْ إلى بيتها تبكيه لسنوات، إلى أن طُرِقَ بابُ قلبِها من جديد.

 

أطلّت من الشرفة تسأله خواطرها:

ترى من تكون؟ فسمعتْ صوتًا يهمس لها: قلعة بلورية لك يا أميرةُ، وبستانٌ لأزهارك، ومرافئ لزوارق فؤادك.

 

ابتسمتْ لِلحْنِ الخلود الذي عزف على أوتار قلبها، فها هو الحب يسكنها من جديد، وها هي سفن الفرح قد مرَّتْ على مرافئها، والفارس الذي غرق، ترك للزمن وصية؛ بأن تفرح حبيبته ذات يوم!


وها هو الفارس النبيل يصل إلى الحيِّ الفقير، حاملاً قلبه بيده.

 

تنهدتْ من شُرفتِها، وهمست له:

• أتوق للنجوم التي تلمع في سمائك!


مد لها قلبه وفَرشَه تحت أمانيها، وهمس:

• إن قَبِلْتِ القلبَ الضعيف، فإنك سترين لمعانَ النجوم وضياء القمر بشكل آخر!


أغمضتْ عينيها وسرحتْ مع أمانيها، حيث الحياةُ الرغيدة، والعيشة الهنيئة، بعيدًا عن حيٍّ تفوح منه روائحُ الرطوبة، وعفونة الحرمان، ثم أغلقت الشرفة، وفتحتْ شبابيك صدرها حتى امتلأت سحبًا من أحلام وردية وبنفسجية.

♦ ♦ ♦ ♦

 

في صباحٍ جميل - بعد أيامٍ من زواجها - جلستْ بجواره تتأمل فنجان قهوتها المُسَكّرَة، وتُراقص أفكارها الحلوة، ضمَّت جدائل الوفاقِ، واتكأتْ على أحلامها التي نسجتْها لحياتها الجديدة، ثم رفعت ناظريها عن الفنجان قائلة:

• أحقًّا تحبُّني كما أحبك؟

 

تنهّد مع ابتسامة:

• أجل؛ لأنكِ قَبِلْتِني رغم أنك لا تدرين عني سوى أني رجل من بلاد الأحلام!

• قبِلتُك زوجًا؛ لأني أحببتُك يا عادل.

 

سرح بنظره بعيدًا ثم قال:

• شهرزاد، أنت الحلم البعيد القريب إلى ذاكرة فقدتُها في شبابي، فكما ترين العمر يسير على عتبة الستين، وكل ما مضى منه كان غربة من دونك، واعلمي يا عزيزتي أنك قمري ونجمة أضاءت خريفي، ومعك أتى الربيع بعطر أرياحه لهفة لا تخيب!


ارتسمتْ على محيّاها ابتسامةٌ أضاءت وجهها، ضمت حروفَه بين أهدابها، ثم اتكأت على كتفه وتنهدت قائلة:

• كم أتمنى أن تستمر لحظاتُ شوقك لأنفاسي، كم أتمنى أن يدوم الوفاق مدى العمر!

 

• وكيف سيزول وأنت تتربَّعين على عرش فؤادي؟


• لا تبالِغْ.

 

• إنه الحب يا شهرزاد، حين يسكن الفؤاد، يكتم الأنفاس في رمشة عين!


سعِدتْ بكلماته، وشعرت بالفرح يراقصها، فعادلٌ لا يملك الأموالَ والقصور فقط، بل يملك قلبها أيضًا، وهي تملكه مع كل ما يملك! ويكاد يكون كشهريار زمانه، يدور بين كفي شغافها وقصصٍ ترويها له كل مساء، فتَتَحرك أشواقه بحروفها وابتساماتها، فيهدي لها ما تعشقه وما تشتهيه نفسُها الأنثوية! فتتسكع كيف ما تشاء على جوانب عمره الخمسين.

 

تلمست يدَه في حنو قائلة:

• ماذا ستُهدين حين نصل إلى موطنك؟

• كل ما أهديتِني في موطنك!

• وماذا أهديتُك كي تهديَه لي هناك؟

 

• قلت لك..

•قل ما ينتظرني بعد أن نعبر الحدود، إني أشعر أن هناك في المطار هدايا سحريةً.

 

تبسَّم من كلامها، ومرَّر أصابعه بشعرها قائلاً:

• عزيزتي، ربما هي مفاجأة، لكن، تأكَّدي أن قلبي لك وحدك، وباقي الهدايا التي تنتظرك مجرد خبايا عمري الماضي.

 

تعجَّبتْ مما قال، فكَّرتْ قليلاً في ما تلفظ به ثم قالت متسائلة:

• أية مفاجأة تلك؟! وأية هدايا؟

 

صمت ولم يعقّب، فانزعجت قليلاً لكنها لم تُبْدِ ذلك، تساءلتْ في نفسها عن الهدايا التي يخبئها لها الزمن، فلم تَلقَ لتساؤلاتها أجوبةً.

♦ ♦ ♦ ♦

 

وصلت معه إلى موطنه، دخلت القصر الذهبي الذي وعَدَها بأن تقيم فيه، وحين خَطَتْ أول خطوة، اكتشفتْ وجود ثلاث سيدات منمقات، وكل واحدة تهبّ بمعانقته، فاستغربت من تلك المعانقة، فسألته:

• أهنَّ أخواتُك؟!


ضحكْنَ وقالت إحداهن:

• بل زوجاته! وأنتِ؟

 

صُعِقتْ، وجفَّ ريقُها وهوت على الأرض مغشيًّا عليها، وحين فتحتْ عينيها، كان بقُربِها يمسك يدَها بين كفيه، فقالت له بصوت مبحوح:

• أريد الرحيل، رجاءً أعدني إلى موطني!


فقال:

• لا ترحلي يا شهرزاد.. هن الوصيفات وأنت المَلِكة!


تطلَّعتْ إلى مرايا عمرها المنكسرة، فتلعثمت الحروف بين حلقومها قائلة:

• لقد زيَّفتَ كل شيء، ماضيَك وحاضرك.. وخدعتَني.. يا لك من مخادع!

• بل أحببتُكِ، ولم أزيف شيئًا، غير أني مهدت السبيل لتحبيني أكثر!


قاطعتْه قائلة:

• ذاك لم يكن حبًّا، بل مرضًا! فما من خداعٍ في الحب.. أرجوك طلِّقني!

• وكيف سأحْيَا من دونك؟

• وكيف سأتحمل وجود ثلاث وصيفات؟!


صمَتَ، فكسا المكانَ غيمةُ خيباتٍ عليلة، وتذكرت خطيبَها، حين قدم لها الخاتم قائلاً: إن عُدتُ نتزوج، وإن لم أعد ستكونين زوجة صالحة لمن هو أفضل مني! فتضايقت من كلماته وقالت بصوتٍ مرتفع: سأنتظرك.. فهمس في أذنها: لدي صفقة، فما رأيك؟ فقالتْ بصوتٍ حزين: ما من صفقاتٍ في الحب، إما أن تعود فنتزوج، أو لا تعود، فأنتظر الموت لألحق بك في القبر.

 

أطبق صمتًا برهة ثم قال: أنت لا تحبينني يا شهرزاد؛ لأن من يحبُّ يوافق على ما يقرِّره حبيبه بعد رحيله إن قدر الله! فبكت بحرقة، وأرسلتْ ناظريها إلى الأمواج المتلاطمة بالصخور، ثم التفتتْ إليه قائلة: لن تنزعج إن هويت بعدك؟! فردَّ: إن كان يستحق قلبك، لا.. مسحت دموعها وقالت: أشعر أنك تودّعني، أتودعني؟ ضحك من دموعها قائلاً: يا لك من بلهاء! انسَي الأمرَ ودَعِينا نَعِشِ اللحظة..

 

عادت إلى واقعها، فبكت بمرارة، رمت بنظرها في السقف وهمست: لا أظنه يستحق قلبي!


سمع همسها فابتسم، وأمسك يدَها بين يديه يضمها لصدره قائلاً:

• بل أستحقُّه يا شهرزاد.

 

صمتت مع خفقات قلبه وأغمضت عينيها، وقد اتَّقد لهيبٌ بين ضلوعها، ثم فتحتهما، وقد لامست أمانيها الغروب، واستنشقت ثراء شهريار ورماد أحلامها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة