• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

الحب الأسطوري (قصة)

فاطمة بلحاج


تاريخ الإضافة: 9/4/2013 ميلادي - 28/5/1434 هجري

الزيارات: 8752

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحب الأسطوري


طوَت المصحف الشريف وضمَّته إلى صدرها، ثم قامت مِن على السجادة، وجلست على الكنبة رفقتَه، فقبَّل رأسها بصمتٍ ودون البوح بما يُخالجه، تمنّى من أعماقه أن يُعْلمها بمكنونات قلبه، لكنه صمَت، نظرتْ إليه فقرأت أحاسيس الشغف تلمَع في عينيه الواسعتين، فربَّتت على كتفه قائلة:

♦ أما زلتَ تُحب تلك الفاتنة؟! أُتفكِّر حقًّا في الارتباط بها؟

ابتسم لسؤالها الذي يتكرَّر مِن حين إلى آخَر؛ حيث كان آنفًا يَكتفي بهز الرأس مجيبًا بنعَم، أما الآن، فهذه فرصة لكَسرِ حاجز الصمت الذي اعتاد الانغماس فيه، فردَّ قائلاً:

♦ لقد قرَّرتُ يا أمي؛ فقد تملَّكني هواها.

 

زمَّت شفتيها بهدوء، بَدا على ملامحها شجنُ دَهرِ النَّكسة؛ فخيوط الماضي ما زالت تنسج ليلاً ونهارًا لتُؤسِّس وطنًا لأتربة أخرى فوق وطنِها، تقطَع أغصان الزيتون، وتقسم فروعه على ضِفاف الغدر والمَعابر، لكن البراعم صامدة ما دام الدهر، وتُحاول كلَّ يوم ترميم بقايا ذاكرة مُنكَّسة، ومُتخَمة وجعًا، أما زهرة الأمل فشامخة تُعشِّش في جَوفها الخضير، تسقيها بينابيع عَهدِها وتُسلِّحها بتَرانيم العودة؛ فلا شيء يَحجب تلك الشمس الساطعة، رغم السحب المتراكمة بأكفِّهم، والأسوار الرملية التي تتعالى تدريجيًّا لتبدو مِن بعيد قلعة صلبة، يومًا ما سيَرتطم بها موج كاسح يَمتطي صهوة الإرادة، لكن خاطرها يقول: مِن أين سيأتي ذاك الموج، وابنها قد عشق غيرها وشرب مِن كأس شغفها حدَّ الثمالة؟! حدّقت به ثم نكَّست وجهها عنه فانتفض وجدانه، وقال مُخفِّفًا عن كاهلها أثقال العمر الغادر:

♦ أدري يا أمي أنك تعبتِ كثيرًا مِن أجلي، ولكنَّ الحب يَجعل المرء أسيرًا في قفصٍ حديديٍّ لمَحبوبته، فلا تَلوميني؛ فإني متيَّم حدَّ الغرق!


قاطعته قائلة:

♦ لم لا تُحاول فهمي يا بُنيَّ،إنها لا تَصلُح لك، فمَن تجعل الرجل أسيرًا ومقيدًا بالسلاسل ويُقبِّل الثرى تحت قدميها، ليست امرأة، ثم إنك لا تَعرِف عنها سوى ما سمعتَ.

 

♦ أجلْ، أحببتُها مما سمعتُ، وعشقتُ ثَراها، لذا لا يُمكنني التخلّي عن شغفها!


صمتَت وسرحَت مع الذاكرة المفقودة، وهمسَت لنفسها: "ماذا أصاب ولدي؟ أيّ جنون هذا الذي يَحكي عنه، وأيُّ حبٍّ؟! ألا يَخجل بالاعتراف بعشقِه الجنوني لمَن لا يَعرفها، آهِ على زمن العار، في زماننا كان الحب الحقيقي يُحكى عنه بالهمسات، وتُروى قصص المحبِّين خلسة!

 

اشتعلَت داخلها ثورة نارية فقالت:

♦ أَخبِرني مَن تكون تلك التي استحوَذت على مخِّك، وعزَفت على أوتار مهجتك لحنًا سرمديًّا من أشواق نارية؟!


أطلقَ ضحكة عفوية وقال:

♦ هي ليست أي سيدة يا أمي، فقد علَّمتِني حبها، وأرضَعتِني عشقها، وشوقي للقياها وضمِّها يُعدُّ بحجم السماء! ففي دمي يَجري ولعي بها، وكلما زادت مسافات البعد، عشقتُها أكثر وتمنَّيت ملاقاتها بالأحضان!

 

♦ ماذا تقول؟ أي سخافاتٍ تلك التي تبوح بها، وأي جنون هذا الذي تَنطِق به؟!

♦ صدِّقيني يا أمي، فقد هواها القلب من غير علمي، وسكنت شغافه مِن الكلمة الأولى، وصورتها التي رسمها خيالي من حكايات عن سِحرها عالقة في ذاكرتي، وإني أُقدِّم رقبتي تحت قدميها!


انتفضَت غاضبة وقالت بلهجة حادة:

♦ يا لك مِن فتى عجيب! ظننتُ أني ربيتُ رجلاً يُقدِّم رقبته من أجل قضية، فإذا به يضعها تحت إمرة امرأة غريبة!


♦ لا تلوميني يا أماه فحبُّها أسطوري، ولا أدري متى وكيف اخترق فؤادي؛ فقد استوطنَني كَداءٍٍ لا أحبُّ الشفاء منه، فإن كنتِ تؤمنين بالأساطير، فإنه أسطورة!


وضعت الأم يدها على صَدرِها وصارت تنوح:

♦ آه على مَن أفنيتُ عمري كي يَصير رجلاً يمتطي صهوة البطولة؛ ليُحلِّق بجناحين من الشجاعة إلى القدس؛ حيث تركت هناك ذاتي معلَّقةً على أسوار الأقصى، وروحي تطوف على شطآن أمنياتٍ بأن أعود يومًا لضمِّها إلى صدري، واستنشاق رياحينها، ألا تدري يا بني، أن حُبي الأسطوري كان للقدس، وسيبقى ما دام هناك نبض؟! فهناك أطلقت أول صرخة لي في الدنيا، وخطوت أول خطوة لي على عتبات أحلامي، وكانت لي ذِكرى لأول ضحكة بريئة قبل أن يَقنصوها برصاصة غدر اخترقت صدر والدي، إنها الوحيدة التي تستحق حبًّا أسطوريًّا، والتي أتمنى أن تعشقها أكثر من أي شيء في الدنيا؛ فقد حرَموني مِن بَسمتِها ولمسَة قبَّتها، والصلاة في أقصاها، واللعب بين أزقَّتها العتيقة، والسُّكنى بين جفون أسوارها، وأملي أن تستعيدها لأعود إليها حية أو أدفن في ثراها المسكيِّ، تلك يا ولدي، حبها مثل شمعة تُضيء طريق التائه في ظلمة حالكة، ومثل أمٍّ جريحة تَنزِف نزيف الروح، وتُقاوم الجرح المنخور دهرًا مِن العذاب والأغلال مِن أجلك وأجلي.. نزلت دمعت كانت تتأجَّج من زمنٍ مضى بين أهدابه وقال:

♦ هي تلك يا أمي محبوبتي؛ فقد جعلتِني أعشقها مع كل تنهيدة ونفَس تتنفَّسين حرقة لفراقك إياها، س أقصاها؛ فهي مركز كون أفراحي وأحزاني ونجم آمالي، والسير إليها هو منبع أحلامي.

 

ابتسمت، ومسحت الدموع المتدفِّقة فوق خدِّها، ضمته لصدرها قائلة:

♦ فمتى ستلقاها وتحتويها كي أضمها معك؟!


تنفس بعمق ثم ردَّ قائلاً:

♦ حين ألحق قلبي الذي أقلَع إليها خِلسةً؛ وترك جوفي فارغًا!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة