• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

أحلام ميتة (قصة)

أحلام ميتة (قصة)
فاطمة بلحاج


تاريخ الإضافة: 14/1/2013 ميلادي - 2/3/1434 هجري

الزيارات: 6858

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أحلام ميتة


تسرَّبت البرودة إلى عظامه، فأكلته سموم الرصيف الصقيعية، لَمْلَم شتاته، وضمَّ "بطانية" اعتاد الالتحاف بها أيام الشتاء، ثم مدَّ يده إلى رفيقه الذي يجاوره المكان، قائلاً:

• أمدَّني بالجريدة يا رفيقي.

 

هَمْهَم رفيقه قائلاً:

• لا حاجة لك بها، يكفيك وجع الأمعاء الخاوية.

• ألهذا الحد العناوين سيئة؟

• بل قل: قاتلة، وكلها سمٌّ يضاف لسم الأرصفة.

 

ألَحَّ على رفيقه بأن يمدَّه بالجريدة، فسلَّمها له على مضض، أمسكها بين كفَّيه يقلِّبها، لكن رياحًا عاصفة مرَّت من جانب الوادي المتخَم بالدم السيَّال نحو صدرِه اليؤوس، جعلتْه يسرع بطيِّ الجريدة، ثم أعادها لرفيقه، واتَّكأ بظهره على جدارٍ يتقطَّر ندى زهيرات عمره الماضية، أحس بانسداد الأفق الذي عرج نحوه بسلَّم من سنوات علم وسهر ليالٍ للوصول إلى مرفأ الأمان، وقد تدحرج ببطء مع آمال الدنيا في زجاجة بلّورية خشيةَ انكسارها، فتفنَّن في حماية مَرَايَاها الشفَّافة، وعشق هواءها المتخم غرورًا.

 

أخرج من كيسٍ قديم بطانية سوداء مرقَّعة، أضافها إلى الأخرى التي يلفُّ بها جسده المرتَجِف، ثم غطى رأسه، وقال في نفسه: تُرَى ما الذي غيَّر الدنيا حتى صارت في نظري كبعوضةٍ لا تساوي أن أقاتل من أجل عشقها؟ أهو الموت في طريقه إلى هنا؟ أم أن غُراب الوجوم الأبدي قد استوطن صدري؟ فإن كان قد أتى ضيفًا، فعليه أن ينتظر قليلاً، وسأوسد له حريرًا من أمنياتي إلى أن يلقى روحي الهائمة نحو سلام سلب من ثغر الهواء، أما الآن، فإني لم أرتشفْ من كأس المنايا المعلَّقة في قِلْع الثراء بعدُ، ولم تضمَّ جفوني رقصة عروس بلورية، ولم أمشِ على كفوف زغاريد أمي، أترنَّم نسائم ربيع متفتح بشذا زهر عمري، وأتمايل بين أغاريد عروس كالملاك، عيناها زيتون أخضر، تلمعان كنجوم السماء، ورموشها كحلية تحلق كالنوارس في هجرة إلى موطن الحب، ووجنتاها كزنبقتين ورديتين يلامسهما طفل خجول يقبع بين ضلوعي، وشفتاها الحمراوان تتراقص بينهما حروف الوداد، تتسلل من حلقومها كالسكر، فيعطران الهواء، فيثمل قلبي، ويقع عند قدميها متوسلاً الودّ، فتبتسم ابتسامة سحابة بيضاء، يحتمي منها الولهان في يومٍ قائظ، وتمرر أناملها بين خصلات شعرها الذهبي؛ فيتطاير مع زفراتي التوَّاقة لسحرها العذب، وأُغمض عينَيَّ لبرهة، أحاول أن أستعيد أنفاسي، أتساءل: من أين أتتْ هذه الحورية؟ أهي حقًّا حبيبتي؟ فإن كانتْ، فمتى تحقق الحلم والأمل وما تمنيت؟ فعهدي بالأحلام قد انقطع.. فيجيبنِي صوت عذب: إنك - يا صغيرَ أمِّك - قد حققت كل ما ابتغيت!


وأفرك عينَيَّ ثم أفتحهما على جوهرة تجلس على المرتبة، تحاكي ليلي، والقمر عند الشرفة يعاتبها، فقد اختفى ضياؤه حين لمح لمعان مُقْلَتيها، لكنها لم تبالِ بغَيْرته، فتسلل يرتعش خجلاً، ثم اعتلى رأسها وصار تاجًا يداعب شعرها الحريري، فبدتْ كملكةٍ قد توَّجها قلبي على عرش أشواقي، لكني كلما أردت الاقتراب من الهواء المتخم حولها؛ تجمَّد دمي، وغمست قدماي في الأرض.

 

أزاح البساط من تحت خواطره، وأخرس نفسه للحلم برهة، ثم أطلق ضحكة ساخرة على خياله الجامح، وغفا يناشد الحُلم.

 

مرَّت دقائق وهو يحلق مع النوارس، ويُتَمْتِم أغاريد حسنٍ لملاكٍ مرَّت بجانب الحلم، ثم صرخ عاليًا: أين جوهرتي؟ أين حوريتي؟ أنزلوني مملكتها..

 

أيقظه رفيقُه بهزَّة بقوة، فكشف عن رأسه الغطاء، وصار يتنفس بسرعة، وقال:

أخبرني يا رفيقي، أتُرى سيتحقق الحلم والأمل، ويصبح الأمر حقيقة، وأعود لموطني، وقد جهزت لي أمي عروسًا كما وصفتُ لها قبل أن أترنح هنا على الرصيف؟ أترى ستكون كتلك الأميرة التي يغار منها القمر؟

 

أطلق رفيقه ضحكة عالية، ثم قال:

• يا له من حلم يترنح عليه خيالك فوق الرصيف!


عقد حاجبيه، وقال بلهجة حادة:

• أتسخر مني يا رفيقي؟ تلك مجرد رؤيا، أم أن الرؤى محظورة علينا أيضًا؟!

• لا أفهم في الرؤى، لكني سأسأل عنها حين أقابل مَن يفسر الأحلام الميتة!


ثم أطلق ضحكة أخرى، وأعقب بسؤال:

• أكان حلم جميل في هذا الصقيع؟!


ابتسم، ورد قائلاً:

• إنه أجمل حلم، آهٍ لو تدري أن وميض سحرها يحوم حول جفوني ينسيني قسوة الظروف وغباء القهر، ذاك القهر البليد الذي وكز خيمته فوق صدري، أترى لم يلقَ سوايَ، في زمن عجَّ بالمقهورين مثلي؟

 

أخذ رفيقه أنفاسًا، ثم حشرج قائلاً:

• إنك مسعود برؤية أحلام فِضِّية، فغيرُك لا يرى الجمال حتى في منامِه، فكلما غفوت رأيتني أغرق في مستنقع مشتعل كبرْكانٍ حارق، وأناجي الغريب والحبيب، ولا أحد يجيب!

 

أعاد ترتيب بطانياته، ثم تقوقع داخلهما، أحس أن الاثنتين لا تكفيان في ليلته الصقيعية، فاقترب من رفيقه، حتى كاد يلتصق به، ثم قال:

• لي أمل يا رفيقي، أننا سنعود لمدننا وقد حققنا ما ابتغينا..

 

قهقه رفيقه ساخرًا:

• سنوات ونحن نصطفُّ هنا في صفوف منتظمة مع الأوراق والخيبات، ولا شيء يوحي بأن طائر أمنياتنا سيحط ضيفًا علينا، ليعيدَنا لمدننا مع وظائف نعانق من خلالها مجد عمرنا الآتي..

 

صمت قليلاً، منكمشًا على نفسه، ثم قال:

• ما يقضُّ مضجعي الآن سكنُ الخَيبة قلعةَ الآمال، فقد نسجت خيوطًا عنكبوتية حول بوَّابتها، فهامت أرواحنا بين المسالك، تقطع مسافات تمتد إلى أطراف مدن أمانينا.

 

ابتسم رفيقه، فبانت أسنانه الصفراء المخطوطة بالسود، وتَمْتَم:

• أتضيع الأحلام ويمر العمر بين ما يُحْبَك لنا؟!

 

زفر زفراتٍ مخنوقة، ثم سرح مع أفكاره وهمس لنفسه: لقد وصفتُ لأمي عروسي، ووعدتني أنها ستجول أحياء المدينة للبحث عمَّن تشبهها، وقريبًا سأعود للمدينة بوظيفة وأدفع لها مهرًا يناسب حسنها..

 

ثم غطَّ في نوم عميق، وقد توسَّد كومة أحلام متوقدة، لكن هَمْهَمة رفاقِه أيقظتْه:

• أخمدوا النيران المشتعلة.. يا له من أحمقَ أنهى أحلامنا بفتيلة!


ارتعب وفتح عينيه على نيران تشعَّثت بالمكان؛ فاحترقت أحلامه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة