• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

بحثا عن وطن (قصة قصيرة)

بحثا عن وطن
رجاء محمد الجاهوش


تاريخ الإضافة: 28/12/2011 ميلادي - 2/2/1433 هجري

الزيارات: 71044

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بحثًا عن وطن

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


(1)

في ليلةٍ غابَ عن سَمائِها القمرُ، فادْلَهمَّ ليلُها، وضَجَّ أنينُها، وقفَتْ "أمَان" عندَ عتبةِ الغُرفةِ، ترقبُ الأحداثَ بعينينِ صغيرتَيْنِ، لا تتَّسعانِ لحصرِ المشاهدِ كلِّها، وبقلبٍ غضٍّ بَريءٍ لَمْ يطَّلعْ بَعد على مكرِ الرِّجالِ، وكيدِ النِّساءِ!

 

وقفَتْ ودَمعَها يَنهمرُ بوجلٍ، تبحثُ في المكانِ عمَّن يحتضنها فلا تجد، فتلوذ بقضمِ أظافِرِها الواحدَ تلوَ الآخر؛ علَّ ذلكَ الخوف يُغادِرها، وهُما غارقانِ في بحرٍ لُجِّيٍّ مِن الأنا، كلٌّ مِنهما يُريدُ أن يطوِّعَ الآخرَ لأمرهِ ونهيِهِ؛ لتؤولَ إليه السُّلطةُ بلا مُنازِعٍ!

 

يتجادلانِ، يتبادلانِ التُّهم.

 

• ألَمْ يكفِكَ حِرماني مِن كلِّ مَعارفي وصديقاتي وجاراتي، حتى خِلْتُ نفسي في سجنٍ كبيرٍ اسمه الحياة؟ أتريد أن تحرمني مِن أهلي أيضًا!

 

• ما زلتِ تردِّدينَ ذاتَ الكلمة: حِرمان!

 

• نعم، هو حرمانٌ، فماذا يَعني أن تسمحَ لي بساعتينِ فقطْ أسبوعيًّا لزيارةِ أهلي، وتختار يومًا آخرَ غير يوم الجُمعةِ الذي يجتمعُ فيه إخواني وأخواتي؟!


• يومُ الجُمعةِ يوم عطلتي، ومِن حَقِّي أن أقضيَهُ مع أسرَتي، لا أن أذهب إلى بيتِ أهلكِ.

 

• وهل تقضيه معنا حقًّا؟! لا أدري هل أقيمُ في منْزلٍ آخر أم ماذا؟ كل الذي تفعله يا سيِّدي أنَّكَ تعود مِن صلاةِ الجُمعةِ طالبًا طعامَ الغَداءِ، ثمَّ تخلد بعدَه إلى النَّوم، مُهدِّدا بعقوبةٍ شَنعاء لمَن يُصدر إزعاجًا، ثمَّ تصحو وتتهيَّأ للخروجِ لقضاءِ أجمل الأوقاتِ مع أصدقائكَ، وأنا وحدي مع طفليكَ، لا أملكُ سوى تلفاز ببعضِ قنواتٍ للتَّسليةِ، مللتُهُ وسئمتُ ما يُعرضُ فيه!

 

• وماذا تريدينَني أن أفعل؟ أأجلسُ كالنِّساءِ في المنْزلِ بقربكِ؟! أم إنها شكوى مبطَّنَة لتحصلي على جهازِ حاسوبٍ!

 

• عُدتَ إلى حكايةِ الحاسوبِ، حسنًا، وماذا لو أصبحَ لديَّ حاسوبٌ شخصيٌّ؟ أيوجد في العالم كله - الآن - مَن لا يمتلك حاسوبًا؟!


• لا شأنَ لي بالعالمِ وأهلِهِ، أنا مسؤولٌ عن أهلِ بيتي فقط، ولا أريدُ لهذا الشَّيطان أن يدخلَ بيتي.

 

• شيطان!

 

• نعم، يُغوي كما يغوي الشيطان بما فيه مِن مواقعَ إباحيَّةٍ، وغُرفِ دردشةٍ، و...

قاطعَتْه بغضبٍ قائلة: ماذا تعني؟ كيفَ تجرؤ على هذا القولِ؟ هل تتَّهمني بمثلِ هذا وأنا الشَّريفة العَفيفة؟!

• الشَّيطانُ شاطرٌ.

 

إن كنتَ ممَّن يستزلُّهمُ الشَّيطان، فيتَّبعونَ شهواتهم، فأنا لستُ كذلك، أنت تعرف جيِّدًا بنتُ مَن أكون، وكيف تربيتُ في بيتِ دينٍ وأدَبٍ وعزٍّ!

 

عَلا صَوتُهُ بالسَّبِّ والشَّتمِ، فتَرفعتْ والتَزمَت الصَّمتَ.

 

استشاطَ غضبًا، مَضَتْ نحوَ غُرفةِ نومِها مُحاولةً تجنُّبه، لكنَّه لم يُمهلها، فهوَى بيدِهِ الصَّلدةِ على خدِّها المتوردُ غيظًا، ونَشَبَ أظافرَه في عُنقها مُتمنيًّا أن تلقى حَتفها بين يدَيْهِ، فيرتاح، وأنَّى له الرَّاحة!

 

غَفَت "أمَان" ذات الأعوام الخمسة على الأرضِ بجانبِ دُميتها قبلَ أن ترَى مَنظر الدِّماءِ والجِراحِ.

 

أغمَضتْ عَينَيْها على صُوَرٍ شتَّى ودَمعةٍ كبيرةٍ؛ لتفتحهما في الصَّباحِ الباكرِ على وجهِ جدِّها الحبيبِ وهو يَطبع على جَبينها قُبْلَةً حانيَةً، فمدَّتْ يَدَيْها وعانقتهُ عِناقًا باحَ له بكلِّ الأسرارِ.

 

أمسكَتْ بكفِّ جدَّها، وحملَتْ أمُّها أخاها الصَّغير، وغادروا جميعًا، فانهار خلفهم البيتُ الوَطن!

 

لَم تكنْ تَعِي أنَّها أصبَحتْ غَريبةً، وأنَّ للغربةِ ثمنًا باهظًا قاسيًا ستُجبَر عَلى دفعِهِ!

 

(2)

في مَنْزلِ الجدِّ كان كلُّ شيء مُرتَّبًا؛ الأزهار الملوَّنة تزين الأرْجاء، والمرآة الكبيرة المُعلَّقة على أحدِ جُدرانِ غُرفةِ الاستقبالِ توحي باتِّساعِ المكانِ، وتكشفُ جِلَّ التَّفاصيلِ المستَتِرَة!

 

للجدَّةِ طقوسها الخاصَّة في إدارة حياتها عامَّةً، وبيتها خاصَّةً، لا تسمحُ لكائن مَن كان أن يخترقها، أو يُفسدَ عليها كينونَتَها!

 

ظنَّت "وداد" أنَّها قد وصلَتْ إلى مرفأ الأمانِ والرَّاحةِ مِن جديدٍ، بعد أن غادَرَتْه مُنذ عشر سَنواتٍ محمَّلةً بأحلامٍ ورديَّةٍ، تَبدَّدَتْ شيئًا فشيئًا تحتَ وطأةِ ذلك الزَّوجِ العَسيرِ الأناني، وأنَّها سَتنام - أخيرًا - مِلءَ عَينَيْها بعد طولِ سَهَرٍ وعَويلٍ!

 

نَقَّبَتْ في المكانِ عَن مَساحةٍ خاصَّةٍ تحتويها وأسرتَها الصَّغيرةَ وأشياءها، لكن دونَ جَدوى، فارتضَتْ بزاويةٍ مِن زوايا غُرفة الجلوسِ مُستودَعًا لأشيائها، وبفُرُشٍ قديمةٍ تفرشها في ذاتِ الغُرفة؛ لتنامَ عليها هي وطفلاها، وفي القلبِ غصَّة.

 

"أهذا هو بَيتنا الذي ضَمَّني بين جدرانِهِ طفلَةً، شَهِدَ أولى خطواتي، وقَفْزَ سعادَتي، ومَعْجَ[1] غَضبي، وابتسامات رِضاي!

 

ما باله اليومَ أصبحَ كخيمةِ اللاَّجئين، لا يَقي بردًا ولا حرًّا، ولا يحفظُ كرامةً ولا عَهدًا! وما بال أهلِهِ، غَدوا قُساة ظالمين؟!


لقد سَمعتُها - سِرًّا - وسَمِعَتْها صَغيرتي وهي تهمِسُ لأبي أثناءَ تناولهما فنجان القهوةِ عصرًا على شُرفةِ المنْزلِ: انظرْ حَولَك؛ الأمتعة مُبعثرة هنا وهناك، وحقيبة "أمَان" المدرسيَّة لا تستقرُّ في مكانٍ؛ إلى متى سَيَظل بيتي يُعاني مِن هذه الفَوضى؟ وحتى متى يجب عليَّ أن أحتمل؟ أما تكفي كلُّ تلك السِّنين!!

 

لا تدلِّلها فتطمَع، أعدْها إلى بيتِها، زوجها هو المسؤول عنها وعن أطفاله، أم أنَّك تريد أن تحظى ابنتُك بلقبِ طالق، وتتكفَّل أنتَ بإعالةِ أبناءِ الغريب؟!


" أحقًّا هذه أمي؟!".

 

كتمَتْ دمعَها، ولمحتْ دَمعَ الأسَى يَرقد في عَيني ابنتها، إلا أنها تجاهلَتْه، يا لضَعف الأنثى! بلْ يا لجبروت الأنثى على الأنثى!

 

(3)

قامَتْ "وداد" مُتثاقلةً، أحضرَتْ تلك الطَّاولة الصَّغيرة مع كرسيِّها الخاصِّ استعدادًا لتدريسِ ابنتها، فبعض الواجباتِ لا تَنفكُّ عنَّا حَتى ونحن في أحلكِ الظُّروفِ، ثمَّ نادَتْ: يا "أمَان".

 

• "أمَان".

صاحَ الجدُّ بصوتِهِ الجَهْوَرِي: يا "أمَان"، أجيبِي أمَّكِ.

 

• نعم، يا أمِّي.

• تعالي إلى هنا.

 

أقبلَتْ "أمَان" بوجهٍ عَبوسٍ، يُسفر عن عدمِ رغبتِها في إنجازِ أي واجبٍ مَدرسيٍّ!

 

• أين حَقيبتكِ المدرسيَّة؟

• هناك.. تُشيرُ بسبَّابتها نحو بابِ المنزلِ الخارجيِّ!

• هناك! ماذا تفعل حقيبتكِ في الخارجِ؟!

 

تَتَّجهُ "وداد" نحوَ بابِ المنْزلِ الخارجيِّ، وتطلُّ منه باحثةً عَن حقيبةِ ابنتِها المدرسيَّة، فلا ترى سوى كومةٍ مِن الأحذيةِ قد غادَرَتْ مَكانَها مِن الخزانةِ المخصَّصةِ لها، وقبَعَتْ على الأرضِ، فسألتْ باستنكارٍ: مَن فعلَ هذا؟!


انسلَّتْ "أمَان" مِن بين يَدَيْها مُسرعَةً نحو خِزانةِ الأحذيَةِ، فتحَتْ بابَيْها، وبانكسارٍ أخرجَتْ حَقيبَتَها المدرسيَّة التي توَسَّدَتْ أحَدَ الأرْفُف!



[1] الْمَعْج: سُرعةُ الْمَر، وريح مَعُوج: سريعةُ المَرِّ؛ "لسان العرب".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- شكر
عواش - الأمارات 16-02-2013 05:56 PM

هذه قصة طويلة ..و شكراً على القصة :)

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة