• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

سأكون في انتظارك (قصة قصيرة)

سأكون في انتظارك
سعيدة بشار


تاريخ الإضافة: 22/11/2011 ميلادي - 25/12/1432 هجري

الزيارات: 9748

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سأكون في انتظارك (قصة قصيرة)

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

دلف الباب ودخل إلى الغرفةِ على عجل، اصطدم بصورةِ زوجته جالسة على سجادتها، وبين يديها مصحفها الأثير، رفعت إليه عينيها في هدوء، وابتسمتْ له في وقار، أغلقت مصحفَها، وقرَّبته إلى صدرِها، وعيونها لا تفارقُ حبيبَها، صديقها، أخاها، أباها، ابنها، عالمها... زوجَها، ودون أن تنتظرَ منه السَّلام الذي لم يبدأ به سلَّمتْ عليه.

 

ظلَّ هو جامدًا أمامها بعد العتبات، وكأنَّه يبحث عن الكلماتِ التي تاهت عنه رغم إعداده لها مسبقًا، وضعت يدَها اليُمنى على الأرضِ وهمَّت بالنُّهوض، استمهلها لحظةً قبل أن تقوم، عادت لتستقرَّ على سجادتها وقد نبض قلبُها نبضةً ضاقت لها أنفاسُها، بدأت الابتسامة تغيبُ من محيَّاها، نظرت إليه متسائلة:

• خيرًا - إن شاء الله؟

 

• هو: لقد تحدَّثت مع والدِك هذا الصَّباح، وسيحضرُ بعد الظَّهر، لك الوقت الكافي لإعدادِ حقائبك.

 

شعرتْ بستارٍ أسودٍ ثقيل يقع على كيانها لحظة، فيغيبها عن الوجود، عن الإحساس، عن الشُّعور، قلبها ما عادت تشعرُ بنبضِه، نفضت وجهَها كمن يستيقظُ من غيبوبة، وفتحت عينيها على اتِّساعهما، سألت:

• لماذا؟ ماذا فعلت؟

 

لم يستطع "هو" مواجهة نظراتها، ركَّز عينيه على المزهريةِ القريبة:

• أريدُ أن يكون لي أبناء، أن أصبحَ أبًا، أن يبقى اسمي من بعدي.

 

ردَّت عليه في ذهول:

• وهل يعيقُك بقائي معك لتُصبح أبًا؟

 

ردَّ عليها ببرود:

• قرَّرت الزَّواجَ مرَّةً أخرى، وعقد قراني سيكون بعد شهر، لذا لا بدَّ...

 

توقَّف عن الكلام!

 

• هي: لذا لا بدَّ من ماذا؟

 

• هو: لا بدَّ من إنهاء إجراءات الطَّلاق عاجلاً.

 

ضمَّت مصحفَها إلى صدرِها أكثر.

 

• هي: وهل من الضَّروري أن تطلِّقني لتتزوَّج؟

 

• هو: نعم، لا بدَّ من ذلك.

 

• هي: لا أمنعك من الزَّواج ثانية، أنت حر، يكفيني أن أبقى معك.

 

• هو: رجاءً لا تُصعبي الأمور.

 

• هي: لن أعيقَ حياتَك في شيء، تعلم أنِّي أحبُّك.

 

• هو: أرجوك، لا تُصعبي عليَّ الأمور، الأخرى لا تُريد أن تكون لها ضرَّة، وأنا أريدُ أطفالاً يملؤون عليَّ البيت قبل أن أشيخ!

 

صمتت لحظاتٍ معدودة كانت كافيةً لتتذكَّرَ فيها كلَّ كلمات الحبِّ والاشتياق والحنين التي ما أوقفها عنها منذ اللحظات الأولى لزواجِهما، إلى تلك اللحظةِ المشؤومة التي عاد فيها من عندِ الطَّبيبِ بعد الفحوصِ والتَّحاليل الطبية، بدأت كلماتُه تقل وتثقل مع الأيام التي أعقبت ذاك اللقاء، تذكرت كيف بدأ يتحوَّلُ إلى جبلٍ جليدي، لا يهدي لها إلاَّ نفحات باردة، قارصة كالجليد، صمتٌ رهيب يلفُّ الأجواء.

 

ظلَّ ينظر إلى المزهرية حينًا، وإلى الأرضِ أحيانًا أخرى.

 

ظلَّت ممسكةً بمصحفِها وعيناها مركزتان على موقعِ سجودها، والعالَمُ من حولهما فراغٌ جامدٌ بلا هواء.

 

تذكرت ذاك اليومَ الذي ذهبا فيه إلى الطَّبيبِ المختص بعد أن أقلقتهما أسئلةُ الأقاربِ والأهل والجيران والأصدقاء عن الأطفالِ بعد ثلاث سنواتٍ من الزَّواج، تدخَّل الجميعُ ليحوِّلوا القضيةَ إلى قضيةِ وجود، وهل كان يعنيهم الأمر فعلاً؟ دمَّروا كلَّ شيء!

 

قاما بالتَّحاليل المطلوبة من الطَّبيب، ويوم إعادتها إليه لم يتمكَّن "هو" من مصاحبةِ زوجته لظروفِ العمل، اضطرَّت "هي" للذَّهابِ وحدها، وحدها ذهبت، وحدها صُفِعت، وحدها صُدِمت، وحدها صَمدت، وحدها استرجعت، وحدها حمدت الله على القضاء.

 

قال لها "الطَّبيب" بعد قرنٍ من الصَّمت الرَّهيب:

• سيدتي، أنتِ سليمة، والخلل في زوجِك، لن يكون أبًا أبدًا.

 

أكمل "الطَّبيب" الحديثَ بعد هذه التَّقارير، لم تسمع "هي" منها شيئًا، كانت تُفكر فيه، في قلبِه، في رجولتِه، في سعادتِه، في مشاعره، أشفقت عليه من الخبر، فكرت، تأمَّلت، أعادت التَّفكير، والطَّبيبُ لا يزال يشرحُ ويتحدَّث.

 

• هي: صدمة ولا صدمتين!

 

تأمَّلتْ في القرار، وازنت بين الحقيقةِ وإخفائها.

 

• هي: ستكون هناك حلولٌ كثيرة، لا يأس مع الله.

 

أيقظَها الطَّبيبُ من تفكيرِها:

• سيدتي، سيدتي!

 

استيقظت من دوَّامتِها، نظرت إلى الطَّبيبِ في ذهول، أشفق على حالها، تغيَّرت معالِمُها في لحظات، غادرت الدِّماءُ وجهَها، ما عادت تلك التي دخلت إليه.

 

استجمع بعضَ الكلمات التي ما يزال يذكرُها من أقوالِ أبيه وأمِّه حينما كان لا يزال صغيرًا بينهما:

• سيدتي، هذا قضاءُ الله وقدره، احمدي الله على كلِّ شيء، أنتِ سليمة، وبإمكانك أن تصبحي أمًّا في المستقبل.

 

هاجمته بنظراتِها فأدرك كلماته:

• إذا شئتِ طبعًا، الأمر يعودُ إليكِ، يمكن إن شئتما أن تتكفلا بما شئتما من أطفال، ولكما أجرُ ذلك عند الله و...

 

وقبل أن يكملَ حلولَه استقامت في جلستِها كمن يستعدُّ للقفز... (إلى فراغ)، ونظرت إلى الطَّبيب في حزم:

• لي إليك رجاء دكتور.

 

• الطَّبيب: نعم سيدتي، تحت الخدمة.

 

• هي: سيأتي زوجي ليتأكَّدَ من نتائج التَّحاليل، أخبره أنَّ الخللَ فيَّ أنا وليس فيه!

 

اعتدل الطَّبيبُ في جلسته، ورمى بظهرِه إلى ظهر الكرسي.

 

• الطَّبيب: هل أنتِ واعية بما تقولين؟

 

• هي: نعم أدرك جيدًا ما أقول.

 

• الطَّبيب: ولكن عليَّ قول الحقيقة!

 

• هي: الحقيقة التي ستقولُها ستقتلُ زوجي، ولن أتحمَّلَ موته وهو حي، لن يتحمَّلَ الحقيقة، أنا أعلمُ به، هل يُرضيك دكتور أن يموتَ مريضُك مرَّتين؟!

 

• الطَّبيب: سيدتي، لا أعلم ماذا أقول!

 

• رجاء، بعض الحقائق تقتل، ولذا لا بدَّ من إخفائها لتستمرَّ الحياة، كما قلت هناك حلول كثيرة سنحاولُها معًا أنا و"هو"، ولكن الأهم الآن ألا يعلم الحقيقة.

 

على هذه الذِّكرى تذكَّرتْ، رفعت وجهَها إلى عالمها:

• يمكننا أن نتكفل بأيتام، يمكننا أن نحجَّ إلى بيتِ الله، وهناك يمكنُ أن تحدثَ المعجزات، يمكننا أن نستمرَّ في العلاج.

 

وقبل أن تكملَ حديثها، رفع صوتَه فوق صوتها:

• رجاء كفى، تحدَّثتُ مع والدك، وسيأتي اليوم بعد الظُّهر، لا بدَّ أن تكوني جاهزةً حينما يصل.

 

بعد أن أفرغ رشَّاشَه في قلبها استدار ليخرجَ من الغرفة هاربًا، وقبل أن يُكمل الخطوةَ الثَّانية استمهلته، نظر إليها أخيرًا، فرأى الدُّموعَ التي سبَّبها جامدةً في عينيها، وكل قهر الدُّنيا قد ارتسم على محيَّاها:

• هي: حينما ستحتاجُ إلى قلب يأويك، سأكونُ في انتظارك!

 

وكأنَّه لم يسمعها، أكمل خطوته الثَّانية، وأتبعها بالثَّالثة، وبأخرى كثيرة، ثم ختمها بصفعةٍ للباب، فدوت لها أرجاءُ البيت، فارتعشت لها كلُّ ذرَّةٍ من كيانها، انفلتت كلُّ القيود، وانطلقت شهقاتُ القهر المكتومة، وانهمرت الدُّموع كزخّاتِ المطر الأولى لتهرعَ مستنجدةً بالله - عزَّ وجلَّ - أسرعت لمحوِ أثارها بالنظرِ إلى المصحفِ، فأخذته وضمَّته إلى صدرِها بحرقة، شهقات متتالية صارت تملأ فراغَ الغرفة، ما عاد لكلِّ الأثاث، ولا الألوان، ولا الورود أو العطور المحيطة بها أي معنى!

 

انهار كلُّ شيءٍ في لحظات، ما عاد لكلِّ ما جمعهما أي معنى، انتهى كلُّ شيء، بل أنهى "هو" كلَّ شيء، بكلِّ برود.

 

استجمعت أشلاءَ قلبِها والمصحفَ إلى صدرِها:

• هي: قريبًا سيعودُ إليَّ يقينًا، وحينها سأكونُ في انتظاره.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
3- رائعة
safia - الجزائر 11-04-2013 02:09 AM

موفقة.. كاتبة جريئة وواعدة.. أسأل الله لك كل التوفيق

2- سيعود إليك...
يعرب جَرَّادي - الجزائر 03-01-2012 02:45 PM

لن ينسى أبدا وفاءها..لن ينسى صبرها..لن ينسى تمسكها به...وأظنه سيعود إليك...

1- فعلا كتابة رائعة
يزن - فلسطين 22-11-2011 09:58 AM

صدقا أنها قصة مؤثرة ولامست أعماق وجداني. أسلوب رائع وإحساس عميق. قلم مبدع لأنه يكتب من قلب واسع وسع السماء.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة