• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

غرفة الطالبات (قصة قصيرة)

غرفة الطالبات
سعيدة بشار


تاريخ الإضافة: 17/11/2011 ميلادي - 20/12/1432 هجري

الزيارات: 9785

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غرفة الطالبات

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


أحيانًا يَجد المرء نفسه عاجزًا أمام أمور يشعر بالذهول أمامها، ويَعجِز على استيعابها، وكأنَّ عجلة الحياة قد توقَّفت، ويُدرك حينها أنه صغيرٌ جدًّا، قاصرٌ إلى أبعد الحدود، وأن هناك مَن يَملِك زمام الأمور كلها، ويقضي بعلمٍ مسبقٍ من عنده، فلا يَملك المرء حينها إلاَّ أن يَعقدَ جلسة صُلحٍ مع ضميره، ويُعيد حساباته من جديد ويُحسن التخطيط؛ لأن أغلى الأماني تتحقَّق دائمًا عندما يشاء الله، وكل الخوف من الأماني القاصرة؛ لأن العواقب تكون حينها سيِّئة جدًّا.

 

أيام الجامعة كنت أُقيم في الحي الجامعي، وكانت زميلات الغرفة والداخلات إليها من الصديقات مزيجًا من كلِّ الأعراقوالاتجاهات، كل واحدةٍ منهنَّ كانتْ قاموسًا متفرِّدًا وخاصًّا، وكان لكل واحدةٍ منهنَّ نظرتها للحياة، تفسيرها الخاص للأمور وللكون من حولها، ولكلٍّ أمانيها الخاصة، مَن قال: إنَّ الأحلام لا تتحقَّق؟!

 

ذات يومٍ بعد انتهاء الامتحانات، اجْتَمَعنا للسمر ليلاً، بعضهنَّ ذهَبْنَ إلى البيت والأُخرَيَات بَقينَ لانتظار النتائج، كم تُخيف النتائج بعد الامتحانات! وامتحانات الحياة أشد ونتائجها كذلك، تنوَّعت المواضيع وكَثُرت، وكان المزاح سيِّدًا عليها، لَم تَسلم حتى أسئلة الامتحانات من التنكيت بها، وحتى الأساتذةلو عَلِموا بما يُقال عنهم ما بَقِي طالبٌ في الجامعة، قد نُصبح في مثل مكانهم يومًا، ويُقال عنَّا مثلما قلنا، ربما!

 

إحدى الزميلات انسحبَت من الجلسة بعد ما طغى المزاح، قالت: "لا وقتَ لي للمزاح، سأذهب لأُصلي، ذلك أنفع لي"، نظَرنا إلى بعضنا البعض وضَحِكنا، واستمرَّ السمر، تحدَّثت كلُّ واحدة منَّا عن صفات مَن ترغب به زوجًا، إحداهنَّ قالت: "كلُّ ما أتمنَّاه أن أجِدَ طريقًا للذهاب إلى الخارج والاستقرار هناك، أُريد الابتعاد عن بلاد الهمِّ هذه بأيَّة وسيلة، إن وجَدت زوجًا مُقيمًا هناك، فلن أُضَيِّع الفرصة وإن كان عجوزًا! بل سيكون ذلك أفضلَ ليموت بعد عُمرٍ قصير ويترك لي ماله، وحينها أفعلُ ما أُريد، وإن لَم أجد، فسأشتري جواز سفرٍٍ أحمر بأيِّ ثمنٍٍوأُغادر، وعندما أصل إلى هناك، سأُغيِّر اسمي وجنسيَّتي، وأنسى كلَّ شيءٍ عن هذا القبر المَنسي، ولن أعود أبدًا، وسأُقنِع نفسي أنَّي لَم أعرف هذه البلاد فعلاً".

 

ضَحِكنا كثيرًا، وسألناها: ماذا تفعل إنِ اشتاقَت إلى أهلها؟ أتنساهم أيضًا؟ فكَّرت ثم قالت: "مَن اشْتَقت إليه، فسأبعث إليه بتأشيرة سفر ليَزورني".

 

لَم نأخذ كلامها بجديَّة، لكن علَّقنا على ذلك بأنَّ تلك فكرة جيِّدة، صديقتي الأخرى قالت: "عندما كنتُ صغيرة، كنت أعاني من مرض عَلِمت فيما بعدُ- عندما كَبِرتُ- أنَّه مُزمن؛ ولذلك تمنَّيْت دائمًا أن أتزوَّج من طبيبٍ؛ ليتفهَّم وضعي ويَرعاني، والأهم من ذلك وقبل كلِّ شيء أن يكون متديِّنًا، فلا ثقة لي في غير المتديِّنين، وأن يسمحَ لي بارتداء الحجاب الذي منَعني منه أهلي".

 

ضَحِكنا منها وقلنا لها: "تبحثين عن إبرة في حقلٍ شاسع، وليس فقط في كومة قَشٍّ، إلاإذا استخدمْتِ منظار "هابل" حينها ربَّما تجدِينه، والأمر مُستبعد!".

 

أسندتْ رأسها إلى الحائط وصَمَتتْ! حينها انتَهت صديقتنا المُنسحبة من الجلسة آنفًا من الصلاة، ولَمَّا وضَعت السجَّادة، سألناها: "وأنتِ كيف تُريدين أن يكون زوجك في المستقبل؟".

 

قالت ناكتةً: "المُشرِّع الفرنسي لا يسمح بالزَّواج قبل انتهاء الدراسة، أوفي وقتٍ مُبكر، والمُشرِّع الجزائري يقول ما قال الفرنسي!".

قلنا لها: "كوني جادَّة! أجيبي، إنَّنا وحْدنا!".

 

قالت: "الله معنا، لسنا وحْدنا، والملائكة يكتبون ويسألون الله أن يَستجيبَ لأدعية المؤمنين".

أجَبناها: " حسَنًا، وما دعاؤك؟".

 

قالت: "ما أتمنَّاه فعلاً وأدعو الله أن يُحقِّقه لي أن يَرزقني زوجًا متديِّنًا طيِّبًا، يُهديني حجًّا وعُمرة، وبعدها مرحبًا بالموت في أيَّة لحظة! لا أريد أن أحملَ الحج دَينًا في رَقَبتي!".

قلنا لها: "أحلامٌ غريبة، لماذا ذُكِر الموت الآن؟ نريد أن نضحكَ قليلاً قبل ظهور مصائب الامتحانات! لماذا هذا الغم؟!".

 

ابتسمَت بلُطفٍ وقالت: "الموت حق ولا بدَّ من الاستعداد له، فلن نستطيعَ ردَّه حين يَصِل!".

قلنا: "دعي هذا جانبًا، ماذا عن الأولاد؟ كم تُريدين أن يكون لك؟ ماذا ستُسَمِّينهم؟".

 

انفَلَتت منها ضحكة دلَّت على مفاجأتها، أجابَت: "لَم أُفَكِّر فيهم بعدُ، لكلِّ مقامٍ مقال، الحقيقةلَم أتصوَّر نفسي أُمًّا أبدًا! قد أُفَكِّر فيهم لاحقًا!".

 

سأَلْنَني عن أُمنيتي، ماذا عساني أُجيب؟! "حينما أفهم نفسي، وأجد لها موقعًا مثلكنَّ، سأُفكر فيمَن يُناسبها"، قُلْنَ: "مراوغة ذكيَّة لتفادي الإجابة!".

 

الحقيقة أنها لَم تكن مراوغةً، فاختلاف الاتجاهات من حولي دفَعني للانسحاب من ساحتها للتأمُّلوالمقارنة للاختيار الأفضل، فحينما يجد المرءُ موقعه، يَسهُل الاختيار عليه وإن كلَّفه ذلك وقتًا طويلاً، لا بأْسَ، كم تُخيف الاختيارات، وحين تكون خاطئة تكون النتائج سيِّئة جدًّا.

 

مَن قال: إنَّ الأحلام لا تتحقَّق؟ قد لَزِمني وقتٌ طويل لاستيعاب كلِّ ما جرى، وحين أستعيد تفاصيل تلك الذكريات، تأتيني صُوَر تلك الجلساتوأشتات الأحاديث، كم ضَحِكنا! كانت أيَّامًا رغم كلِّ شيء رائعة! والفراغ الذي ترَكته في القلب والذاكرة، لَم تَمْلأه الأيام بعدُ، كان زمنًا ومَضَى!

 

صديقتي التي تمنَّت زوجًا طبيبًا ملتزمًا، قد رُزِقت به فعلاً، كانت قصة تعرُّفها عليه مصادفة غريبة، لا بل قدرًا عجيبًا، جعَلنا منها نكتة تداوَلْناها طويلاً، مَرِضت ذات مساءٍ كالمعتاد، لكنَّ الألَم كان أشد تلك المرة، فلم تَتحمَّله؛ فحمَلناها في سيارة إسعاف الحي إلى المستشفى، الطبيب الذي عايَنها أمَر بإبقائها تحت المُراقبة إلى حين استقرار وضْعها، هكذا شاء الله أن يكون التعارُف، وبذلك صار زوجها، وحفل الزفاف كان - على الرغم من انعدام أغاني هذا العصر - رائعًا، مؤثِّرًا وملتزمًا، صديقتي الأخرى التي تمنَّت أن تُغادر الأرض وتنسى كلَّ شيءٍ، قد تحقَّق مُناها، ماذا دهاها؟ ألَم تجد حلمًا آخرَ تتمنَّاه؟! في عُطلة الصيف تعرَّفت على أحد المُغتربين هناك، لَم يكن عجوزًا، كان شابًّا غنيًّا، أنيقًا، يحب الأناقة في كلِّ شيء حتى في طريقة المشي، والأكل، والجلوس!مَنصبه هناك سَمَح له بتوفير الأوراق اللازمة لها للإقامة دون مشاكل، والعمل أيضًا! كانت صفقة لا تُرْفَض بالنسبة لها، غادَرت إلى هناك فور استلامها شهادةَ النجاح هنا، والقبول هناك، قالت قبل الرحيل: "لن أحملَ شيئًا معي يُذكِّرني بهذه البلاد، سأَنساهاولن أعود أبدًا"، كانت بالفعل جادَّة، لن تعود أبدًا، وإن أرادَت!

 

كانت شهورها الأولى هناك كما بلَغنا أحسنَ مما كانت تتمنَّى، لَم تُرزَق بأولاد؛ فلقد فضَّلت التأجيل خشية تحوُّل شَكْلها!كان قرارًا صائبًا، فعلى الأقل لن يكون هناك ضحايا جُدد!لقد أُصِيبتْ بمرض "الزهايمر"، وهو مرض لَم يَكتشف العلم بعدُ كلَّ خفاياه ولا مُسبباته، ولا علاجه، فعندما يُصيب الإنسان يستهدف ذاكرته، فيبدأ المريض في نسيان مواضع بعض الأشياءثم الاتجاهات، فيَضطر إلى الاستعانة بالناس؛ لإيجاد الطريق إلى بيته وإلى حيث يشاء، أو استخدام خريطة، وبعد ذلك يبدأ في نسيان بعض الأشخاص، ثم طريقة اللباس والأكل والمشط؛ حتى يُصبح عقله كعقل الرَّضيع دون أدنى وعي، ومدُّة التآكُل تكون سريعة، مُرهقة، تنتهي بانتهاء الذاكرة، حينها يُصبح الإنسان جسدًا بلا عقل، وهناكلا حاجة للناس لأمثال هؤلاء، يرمون بهم في مَصَحَّات خاصة؛ لإكمال ما تبقَّى لهم من حياتهم، لكنَّ أهلها هنا لَم يتخلَّوا عنها، يحاولون إعادتها، يَطرقون كلَّ الأبواب، مَن قال لها أن تتخلَّى عن كلِّ حقوقها في العودة؟ أرادت أن تنسى أشياءَ، فنَسِيت كلَّ شيء!

 

صديقتي التي تمنَّت زوجًا يُهديها حجًّا وعمرة، قد تحقَّق لها ما أرادَت! بعد تخرُّجها تزوَّجت بأحدهم، وكان مهرُها - كما تمنَّت - حجًّا وعمرة!مَن قال: إنَّ الأحلام لا تتحقَّق؟

 

الآن فَهِمت لماذا لَم تتصوَّر يومًا أن تكون أُمًّا! ربَّما كانت تشعر أن عُمرها سيكون قصيرًا؟ ربَّما!

 

أتساءَل: إن كان بإمكان المرء أن يشعرَ بهذه الأموروأنا أشعر بأشياء، كم سيكون رائعًا إذا شاء الله أن تتحقَّق يومًا، كانت تستعد للموت أكثرَ من الحياة! كم أحْبَبتها، وكيف لا يحب المرء مُنقذه؟ وكلَّما فتَّشت في وجوه الناس، ازْدَدت يقينًا بأنَّ مكانها في قلبي لن يعوِّضه أحد!بعد وصول خبر وفاتها مع زوجها في البقاع المقدَّسة، لَم أُصَدِّق! وعندما يُضاف إليها مصاير صديقاتي الأُخريات، يَزداد ذهولي! كلٌّ قد نال ما أراده! وأنا على يقينٍ اليوم أنَّ أغلى أحلامي ستتحقَّق - بإذن الله - يومًا؛لأنَّه وعَد بذلك؛ ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 18 - 21].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
3- مقال متميز
عزالدين جلاوجي - الجزائر 28-02-2012 11:28 PM

جميل ما كتبت سعيدة، لغتك سليمة وراقية، ونسيجك محكم وجيد، يملك القارئ ليتفاعل مع ما يقرأ، دمت ودام قلمك

2- لا إله إلا الله..
يعرب جَرَّادي - الجزائر 03-01-2012 02:42 PM

على قدر تأثري بالقصة، وحزني..على قدر تساؤلي..هل ما نرجوه يتحقق فعلا..إننا نتأمل الآية فنجد الإجابة..ربما علينا إذن أن نتفاءل ونرجوا كل جميل..

1- سبحانك ربي
طموحة - سوريا , السعودية 19-11-2011 09:14 PM

قصة جميلة جدا ومؤثرة ,,,
هل هي حقيقة أم خيال أم مزيج منهما ؟؟

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة