• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

شجرة المانجو العظيمة

شجرة المانجو العظيمة
أمنية محمد السيد


تاريخ الإضافة: 30/10/2011 ميلادي - 2/12/1432 هجري

الزيارات: 6313

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ليلة من ليالي الثورة القريبة الأُوَل:

كنَّا في زيارةٍ لبيت والدي وأهلي في البلدةِ السَّاحلية الجميلة، بعيدًا عن صخبِ القاهرة وأحداثها، وإذا بنا وقد مزَّق السكون حولنا صوت صياح في الخارج: هربوا من السِّجن، هربوا من السجن.

 

انتفض الرِّجالُ بسرعة يتقصون الخبر، وهرعت النسوةُ للنوافذ والشرفات، في الليلِ البهيم والسَّماء ساكنة، بدأ العمل الحثيث بنظام وترتيب، هذا يجمعُ عروق الخشب وهؤلاء يشعلون النَّار، وهؤلاء يغلقون مداخلَ ومخارج الشَّارعِ بسياراتهم تحصنًا، شيخ المسجد بدأ في إقامةِ الليل فيه على غيرِ عادة، وسخنت الليلةُ الباردة من فبراير، وطار النومُ من العيون، وبدا الجميعُ مشغولين:

 

في هذه اللحظةِ لفتت نظري عيونٌ بريئة جزِعَة محتارة، تلفَّتُّ فإذا الصغار؛ بنتي والأطفال، يتهامسون في خوف، ويطوفون بنا، نحن الكبار، يتمسَّحون فينا، ونحن عنهم لاهون.

 

دلفتُ بابنتي للغرفةِ الدَّاخلية، وطلبت منها أن تجمعَ الأطفال، جاؤوا بسرعة، أسرع مما فعلَ الرِّجالُ حين خرجوا.

 

أخذتُ أغلق عيني وأفتحها، أعصرُ نفسي وأجمعها، عدت للزمان الأول؛ حين كنت في سنِّهم، وتذكرتُ مما كان يعجبني، وقطفت الحكايةَ لهم:

 

كانت غرفتي في بيتِ جدتي واسعة جدًّا؛ فيها حنايا كثيرة، وكان بها نافذة جدارية خشبية مشغولة، كبيرة وطويلة، تطلُّ على الفناءِ الخلفي للبناء، حيث يقيمُ عمي سعيد وزوجته الست أمينة في بيتٍ في أقصى الحديقة، يمين الداخل من البابِ الخلفي للسلم الحلزوني الكبير، كان يحجبُ رؤياهم عني شجرةُ المانجو العظيمة، كنت أعتقدُ أنها أعظم شجرة مانجو عرفَها التاريخ؛ كبيرة جدًّا، ومتشعبة بكثافة، عددت فيها ألفَ ورقة، ثم توقفتُ عن العدِّ، كانت تجمع كم عصافير مهول، كل العصافير تعرفُها، هكذا كنت أظنُّ، وكنت أسميها بيتَ العصافير، أنا وأختي وبعض القريبات الصغار كنَّا نتناوبُ في حراستها، تتعجبُ أمي من حرصنا على البكورِ في صلاة الفجر، ومواظبتنا على مساعدةِ جدتي في تحضيرِ الدَّقيق للعجين، جدتي كانت لا تعترفُ بالمخبز العادي، ولا بالبيتِ الذي لا ينطلقُ منه رائحةُ الخبيز صباحًا، كلُّ رجالِ الحي الراقي يحسدون جدي عليها، تلك السيدة التي تقومُ على شؤونِ البيت العصري الكبير بهمةٍ ونشاط، وتأبى أن تتخلَّى عن أي عادةٍ من عادات البيوت المصرية القديمة، على الرَّغمِ من وجود الخدم في دارِها، من أهم العادات - في نظري وقتها - فتح النوافذ وشرفات الحجرات بعد إعدادِ الطَّحين وقُبيل ساعاتِ الشروق الأولى، أسرعُ أنا وأختي لشجرةِ المانجو التي تهتزُّ تحت دبيبِ أفواجِ العصافير التي تستعدُّ للخروج، وكأنما هي بانتظارنا، نتسمعُ زقزقتها، ونشجع حركتَها؛ ثم ما نلبثُ أن نرمي لها بقايا الطحين المعجون بعد فركِه بأيدينا، فتنطلق جماعاتُ الطيرِ إلى السماءِ ميممة شطر الأفق، ويقف أفرادٌ منها بنافذتِنا والجدار، ينقرون حوافَّ الشباكِ الخشبي الكبير، ويطلقون أغاريد فرحة تملأ القلبَ نقاءً وبهجة.

 

ما كنَّا نتخالف كثيرًا أنا وإخوتي في بيتِ جدي، فقد كان انشغالُنا بشجرةِ المانجو العظيمة وأحداث مملكة الطير أكبر.

 

عند هذا القدر فوجئت بالعيونِ البريئة وقد غفلت، وغطتها جفونٌ حالمة، فقد استكانت الأجسادُ الصغيرة للتمددِ والنعاس فيما حولي، مددتُ يدي أربت على ابنتي النَّائمة؛ وقبَّلت وجنتَها النضرة فسرت في قلبي منها دفقةُ الحياة، واستشعرت الطَّمأنينة، وكأنما رائحة المانجو من الذاكرةِ أعطتنا دفئًا وسكينة غطَّى على رائحةِ دخان عروق الخشب المحترق بالخارج طمعًا في الحمايةِ والأمان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة