• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

نداء من جوف الليل (قصة قصيرة)

سعيدة بشار


تاريخ الإضافة: 12/10/2010 ميلادي - 4/11/1431 هجري

الزيارات: 9054

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قام فزعًا من نومه وقلبُه يَنبض بشدَّة، شعرَ بانقباضٍ في صدْره، نظَرَ حولَه فإذا العتمة تكسو الغُرفة إلاَّ بصيصًا من النور يدخل من النافذة، أصحابه نيام، نظَرَ إلى ساعته فإذا هي الثالثة صباحًا، عادَ وأسنَدَ رأْسَه إلى المخدة وتساءَل:

• أحمد: ما هذا الكابوس الذي يلاحقني منذ أسبوع؟ غير محتمل!

 

نهَضَ من فراشه واتَّجه نحو النافذة، لم يتمكَّن من إشعال الضوء؛ فزملاؤه في الغرفة نيام، فكَّر: ماذا يفعل؟ فالليل لا يزال طويلاً، رغب في تدخين سيجارة، فقرَّر الخروج، فتح الباب برفقٍ وخرَجَ، صمتٌ ثقيلٌ لا يحبُّه يعمُّ الأرجاء، والكلُّ نيام، لا يستطيع الحديثَ مع أحد، توجَّه نحو النافذة التي كانتْ في نهاية الرواق، ومن هناك نظَرَ إلى ساحة الحي الجامعي، وأخَذَ سيجارة، أشعلَها وظلَّ ينظر إلى السماء حينًا، وإلى الساحات والبنايات المجاورة أحيانًا أخرى، وهو يفكِّر مُتحدِّثًا مع نفسه:

• أحمد: لم أكنْ هكذا، ماذا جرى لي؟ هل صحيح أني أنتحرُ بهذه السجائر؟ هكذا يقول "إبراهيم"، هل سئمتُ الحياة فِعلاً وأنا لا أشعر؟!

رمَى ببقيَّة السيجارة الأولى، وأشعَلَ ثانية، واستطرَدَ يُفكِّر:

• أحمد: سأذهب إذًا إلى خالتي لزيارتها، أرغبُ في رؤيتها؛ فهي الوحيدة التي تَفهمني، وسأقضي الليلةَ عندها.

 

لكنْ تذكَّر:

• أحمد: غدًا في المساء موعد الحفل الخاص بذِكرى الإسراء والمعراج، إنَّه 27 رجب، ولقد أصرَّ "إبراهيم" على حضوري، لا أستطيع أن أرفضَ له طلبًا؛ فهو الصَّديق الوحيد الصادق معي بين البقيَّة، إذًا سأعود في المساء.

 

وبعد انتهائه من السيجارة رمَى بها وعاد إلى غرفته، دخلَ بحذرٍ، توجَّه نحو محفظته، أخرَج منها أقراصًا للنوم، تناوَل واحدة وأعادَ المحفظة إلى مكانها، واتَّجه نحو سَريره، الساعة الآن الرابعة صباحًا، وقبل أن يغمضَ عينيه استيقَظَ "إبراهيم"، لم يكنْ يعلم أنَّ "أحمد" قد استيقَظَ قبلَه، إنه موعد صلاة الفجر، و"إبراهيم" هو الوحيد الذي يُصلِّي في الغرفة، وعند الصلاة سَمِعَه يقرأ في الركعة الأولى:

قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه : 124 - 127].

 

استمَعَ إليه ثمَّ أخذَ المخدة ووضعها على رأْسِه، أحسَّ بوخزٍ في صدره، وشعر وكأنَّ الآيات كانتْ موجَّهة إليه، فقد أعرَضَ عن الذِّكر منذ زمنٍ، كان يصلِّي مثل "إبراهيم" أيَّام كان في الثانويَّة، فقد كان يُسارع لأداء الصلاة في المسجد، ولكن فجأة ماتتْ جدَّته التي كان يعيش عندها، فرَّ إليها ذات يومٍ من جحيم دار أهْله، وها هي تموتُ ويضطر مرَّة أخرى للعودة إلى هناك، وهناك صراخٌ لا ينتهي، وشجارٌ دائم بين وَالديه وإخوته وأخواته، وهناك أيضًا لا أحد يُذكِّره بالصلاة؛ فلا أحد يؤدِّيها، فتخلَّى هو كذلك عنها في أوَّل سنةٍ له في الجامعة، وصادَقَ أصحابًا من هُواة الخمر والتدخين، فتعلَّم منهم، إلاَّ صاحبًا وحيدًا هو "إبراهيم"، كانا زميلين منذ المرحلة الابتدائية، ودخَلَ الجامعة بعده بسنة، وكان الوحيد الذي ينصحه ويرجوه أنْ يبتعدَ عن تلك الأجواء، لكنَّه لم يكنْ يستمع إليه، وفكَّر في تلك اللحظات:

• أحمد: أعرضتُ عن الذِّكْر، فصارتْ مَعيشتي فعلاً ضنْكًا، فهل سأُحشرُ يوم القيامة أعمى؟ و...

 

عندئذٍ قام "إبراهيم" من سجوده لأداء الركعة الثانية، وقرأَ قولَه - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الزمر : 53 - 55].

 

صارَ الألَمُ أشدَّ في صدره وفي حلقه، إنَّها الرغبة في البكاء، وتسيل بعضُ القطرات الحارة من عينيه رغم تماسُكه، ويغفو بعدها تحت تأثير المنوِّم.

 

ساعتان ويستيقظ فزعًا مرة أخرى، لقد عاودَه ذلك الحلمُ، فقرَّر:

• أحمد: لا مجالَ للعودة إلى النوم، سأنهض وأذهبُ إلى خالتي.

 

هكذا فكَّر وهو يقوم من سريره، لكن الوقت لا يزال مُبكِّرًا، ظلَّ يمشي في المدينة دون تحديد وجهة مُعينة؛ حتى أدركه التعب، فركب حافلة واتَّجه نحو دار خالته، وعند وصوله فتحتْ له الباب، تبادَلا التحية، لكنَّها ظلَّتْ تنظر إليه باستغرابٍ وإشفاق، قالتْ له:

• الخالة: ماذا بك؟ ما هذا الشحوب الذي أصابك؟ ألا تأكلون في الجامعة؟ أخبرْنِي بالله عليك، ماذا بك؟!

رمَى برأْسه في حجرها وكأنه طفلٌ صغير، وتكلَّم بصوتٍ متقطِّع، مُنهك:

• أحمد: خالتي، لم أعدْ أحتمل هذا الجحيم!

 

وضعت الخالة يدَها على رأْسه، وجعلتْ تمسح عليه برِفْق، واستطرَدَ هو قائلاً:

• أحمد: الطبيب النفسي لم يعدْ يدري ماذا يفعل معي، وأنا لا أحتمل البقاءَ في الجامعة، ولا الذهاب إلى البيت، ولا إلى أيِّ مكانٍ، سئمتُ كلَّ شيء، وذاك الحلم الذي يضغط على أنفاسي!

 

• الخالة: أيُّ حلمٍ؟

استجمَعَ نفسه ونظَر إليها، ثمَّ قال:

• أحمد: في كلِّ مرةٍ أحاول النوم أرى نفسي أغرقُ في بحرٍ هائج والظلام من حولي، أحاولُ السباحة فلا أقدر، وأظلُّ أتخبَّط في الماء، وصدري يضيق شيئًا فشيئًا، وأصرخ: النجدة، فأتلمَّس في الماء حبلاً سميكًا فأمسك به، فيجذبني إلى وجهةٍ لا أعرفها، حتى أصل إلى قاربٍ يظهر منه مصباح، وأرى يدًا تمتد لتنتشلني فأمسك بها، وعندما أرفعُ رأْسي لأرى صاحبَها أستيقظُ من النوم، يحدثُ لي هذا منذ أسبوع، والأمرُ أصبحَ غير مُحْتَمل، الطبيب يقول: إنَّه الإرهاق والمشكلات العائلية التي استولتْ على اللاشعور، لا أدري ماذا أفعل؟ أخبريني أنت، ماذا تعتقدين؟!

نظرتْ إليه وابتسمتْ بهدوء، وأخذت وجْهَه بين يديها وقالتْ له:

• الخالة: عزيزي، أنت أدرى بحالك، وأدْرَى بصُنع يديك، وأنت الآن تتخبَّط في بحر ذنوبك، لكن الوقت لم يفتْ بعد، فوسيلة النجاة قريبة منك، وهناك شخصٌ ما يحاول إنقاذَك، فلا تُبعد يديه واقبلْ مساعدته، نظَرَ إليها كمَن تذكَّر شيئًا وقال:

• أحمد: إنه "إبراهيم"، إنَّه الوحيد الذي ينصحني، لا يوجد غيره.

 

• الخالة: ربُّك لم يتخلَّ عنك، وهو يناديك، وجعَلَ لك هذه الرؤيا لتستفيق من غَفلتك، فلبِّ نداءَه.

 

تنفَّس بعُمق وشعر بانشراح في صدره، ونظَرَ إلى خالته وقال لها:

• أحمد: الوقت لم يفتني إذًا، والله لم يكرهني؛ لأنَّه يريد نجاتي، وبعثَ إليَّ هذه الرؤيا لينقذني، سأعود إليه، وسأقبل مساعدة "إبراهيم"، وسأبتعدُ عن البقيَّة، لقد ضيَّعوني معهم، طريق ربِّي أحسن.

 

• الخالة: قد فهمت أخيرًا، والآن تعالَ لتأكلَ قليلاً، صرتَ تُشبه الجثة التي لم تُدفنْ بعد!

 

ضحك من كلامها لأوَّل مرة بعد فترة اكتئابٍ طويلة نغَّصتْ عليه عيشَه، وظلَّ معها وأولادها طيلة النهار، وفي المساء عادَ إلى الحي الجامعي، واتجه مباشرة للبحث عن "إبراهيم" فوجدَه في المصلى، قصَّ عليه ما جرى له في يومه ذاك، واعترفَ له بكلِّ ما كان يُحزنه، ابتسمَ "إبراهيم"، ونظَرَ إليه والفرح يكسو وجْهه وقال له:

• إبراهيم: وأخيرًا يا بطل، وصلتَ إلى القارب، أكيد أنَّك مُتعب بعد طول سباحة.

 

ضحك " أحمد" وهو يردُّ على صديقه:

• أحمد: أتهزأُ بي؟

• إبراهيم: مَعاذ الله، لا أهزأ بكَ، ولكنّي سعيد، كِدتُ أفقد الأمل فيك، لكن الله قرَّر أن يمنحَك فرصة أخرى، المهم ستحضر حفلَ الليلة، أليس كذلك؟

 

• أحمد: نعم طبعًا، وكيف لا؟!

• إبراهيم: قلْ إنْ شاء الله، وهل تعلم ماذا جرى ليلة الإسراء والمعراج؟

 

• أحمد: طبعًا، لم أنسَ كلَّ شيء، لقد أُسري بالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من "مكة" إلى المسجد الأقصى "بفلسطين"، ثمّ عُرج به إلى السماء.

• إبراهيم: ويا ترى يا ذكي، ماذا فُرض على الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - هناك عند سدرة المنتهى؟

 

• أحمد: فهمتُ قَصدك، سأعود إلى الصلاة اليوم بإذن الله، وسأقطع صلتي بماضِيّ الأسود، مناسبةٌ جيدة للتوبة، أليس كذلك؟

• إبراهيم: نعم يا أخي صدقتَ، اجعلْها مناسبةً لبداية جديدة، وفَّقك الله وإيَّانا.

 

• أحمد: آمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- نداء من جوف الليل
درة سوريه - سوريا 01-01-2012 07:08 PM

السلام عليكم بورك فيك /قصه جميلة أن اسمع من الناس خيرا من أن اصم أذني

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة