• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

الأربعاء لا يأتي في العام مرتين

مريم نجاح محمد عبدالرحمن


تاريخ الإضافة: 24/3/2010 ميلادي - 8/4/1431 هجري

الزيارات: 7523

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اليوم الأربعاء، الأربعاء الأخير من شهر أغسطس.

خرج الأستاذ سعيد الموظَّف بإحدى الشَّركات الحكوميَّة من عمله، وعقارب السَّاعة تلتهم بقايا السَّاعة الثَّانية بعد الظهر، على جسده بنطال أسود، وقميصٌ كان في غابر ما مضى من الأيَّام زاهي اللَّون، متداخلة أشكاله، أمَّا الآن فلا أحد يعرف لونَه الحقيقي، وكلّ محاولات زملائه لمعرفة ذلك ضرب من التخمين، حتى إنَّ الأستاذ سعيد نفسه نسي لونَه في زحمة الموضة، لكنَّه دائمًا كان يُذكّر زوجتَه حين يخلع قميصَه هذا ليوضع في الغسَّالة، أنَّه اشتراه بخمسة وسبعين جنيهًا منذ سبع سنين، وهو مبلغ ضخْم جدًّا وقتها، فهو لا يملّ من تَكْرار ذلك كلَّما همَّت زوجته بأن تغسل القميص، لكن العجيب أنَّ زوجتَه لا تملّ من سماع قصَّة الخمسة والسبعين جنيهًا كأنها تُنصت إليها للمرة الأولى.

 

الجوّ اليوم حارٌّ جدًّا، والسَّبب أنَّنا في شهر أغسطس، توجَّه الأستاذ سعيد إلى بائِع البطيخ القريب من عمله، ولَم يكن بجيبه إلاَّ عشرة جنيهات، هي كلّ ما تبقَّى من راتب شهر يوليو، أمَّا مرتَّب شهر أغسطس فباقٍ على حساباته ثلاثة أيَّام، وكعادة الأستاذ سعيد سوف يقترض غدًا خمسة وعشرين جنيهًا من الأستاذ فتحي محصّل الخزينة، وهذه عادة الأستاذ سعيد منذ خَمسةَ عشرَ عامًا، لَم يقطعها شهرًا واحدًا؛ لأنَّ مرتَّب الشَّهر المنصرم يتناثر قبل قبْض مرتَّب الشَّهر الذي يدخل فيه بثلاثة أيَّام، المهمّ أنَّ شهر أغسطس يلمْلِم بقاياه المتناثِرة ليمضي، والعام يفرّ في إثر العام لترْحل بنا الأيَّام الَّتي لن تعاود الظّهور في حياتنا مرَّة أخرى.

 

وقف الأستاذ سعيد عند بائع البطّيخ، ووقف رجل بجانبه وفي يده اليسرى سيجارة، اقترب من الأستاذ سعيد فشعر الأخير أنَّ شيئًا ما سيحدُث فهرب بعيدًا، ولكن حانت التِفاتة منه جعلت صاحب السيجارة يقترب أكثرَ حتى أحدث ثقبًا بقميص الأستاذ سعيد، وهنا انفجر صاحب القميص لاعنًا السَّجائر، وصاحب دكَّان السَّجائر وشاريها ومبتاعها، وأمْسك بصاحب السيجارة يهزُّه هزًّا عنيفًا، وأتى النَّاس من كلِّ حدب وصوب يُشاهدون الموقف، ولا تعرف كيف تجمَّع هؤلاء في طرفة عين، المهمّ أنَّهم حضروا لتكون تلك حكاية يتندرون بها فيما بعد في أيّ مكان تصِل إليه أقدامهم وقد تشقَّقت من كثرة الترحال!

لكنَّ صاحب السيجارة كان هادئًا جدًّا على غير عادة بقيَّة المدخنين، فأخذ يُهدِّئ من روع صاحب القميص ووعدَه بشراء قميصٍ جديدٍ له، واعتبر الأستاذ سعيد هذا الأمر إهانةً جديدة له أشدَّ عليه من حرْق القميص، فنخوة الرُّجولة لا تسمح له بذلك، وإن كان لا يَملك إلاَّ هذا القميص، وكاد ينفجِر مرَّة أخرى، لوْلا أنَّ صاحب السيجارة أدرك أنَّه أهان الأستاذ سعيد من حيثُ أراد أن يكرمه، فشعر بالحرج فاعتذر، وما هي إلاَّ لحظات حتى انفضَّ الجمع الحاشد وتفرَّق مثلما تجمَّع، ثمَّ مضى الرَّجُلان كلّ منهُما في طريقِه وافترقَا للأبد، ولسان صاحب القميص يردِّد: "لا حولَ ولا قوَّة إلاَّ بالله"، "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"، لقد اشتريتُ هذا القميص بخمسة وسبعين جنيهًا منذ سبع سنين.

 

نسي الأستاذ سعيد في ثورة غضبِه العارمة أمر البطيخة، ولكنَّه تذكَّر بعد عدَّة خطوات فعاد أدراجه لبائع البطيخ، فأخذ يقلّبه يَمنة ويَسرة ليبحث عن بطيخة جيّدة و ...... ورخيصة الثَّمن، وليس في ذلك من حرج.

 

البائع يلحظ فعل الأستاذ سعيد بدهشة واستغراب، وغيْظ، ولكنَّه لم يستطع الإنكار كعادته مع الزَّبائن؛ نظرًا لما حدث للأستاذ سعيد اليوم، وبعد جهدٍ جهيد عثر على بطيخة متوسّطة الحجم دفع فيها أربعة جنيهات، وانطلق ناحية محطَّة الأتوبيس، ركب واحدًا صدئًا متهالكًا، كان الأتوبيس يسير مترنحًا كأنَّما خرج لتوِّه من حانة قذِرة، دفع جنيهًا للمحصِّل، لم يبقَ معه سوى خمسة جُنيهات سوف تنهشها زوجتُه عند دخوله المنزل مباشرة.

 

وهكذا يبقى الموظَّف هو الموظَّف، يبحث عن ضحكة في وجْه رئيسِه في العمل ليرضى، وعن وقت زائد فوق الأربع والعشرين ساعة ليُحسّن دخله، وعن سيَّارة جيّدة لتوصِّله في أمان، ويبحث في الزِّحام عن الرَّاحة، ويظلّ يبحث ... ويبحث ... ويبحث ....!

 

وهنا تداخلت الأفكار الشَّاردة وجُمعت فجأةً في رأسه الصَّغير، ولكنَّه انتبه إلى أنَّه قد حان وقت نزوله فنزل، نزل وهو يُسبِّح الله، وتلك عبادة له قديمة تعلَّمها من أبيه - رحمه الله - حين النزول والصعود.

 

وما أن نزل الأستاذ سعيد حتَّى أحسَّ بذلك الصداع اليومي، بسبب ذلك الأتوبيس الَّذي خرج لتوِّه من تلك الحانة القذِرة!

وما هي إلاَّ خطوات قليلة حتَّى عثر على ابنِه الصَّغير يلعب بجوار البيت، ولم تكن تلك عادته؛ فالجوّ شديد الحرارة، كما أنَّ أمَّه لا تسمح له باللَّعب في تلك السَّاعة، بل إنَّ أمَّه لا تسمح له باللَّعب في الشَّارع أصلاً، جرى الولد إلى أبيه، أصرَّ الولد على أن يحمل البطيخة، عندما لاحظ الأب إصرار ابنِه على موقفه المتشدِّد هذا - إذ إنَّ الولد هو صاحب اقتراح شراء تلك البطيخة - سقط قلب الأستاذ سعيد في قدميْه خوفًا على الأربعة الجنيهات ثَمن البطيخة، أخيرًا نجح الولد بوسائل مختلفة يفهَمُها الأطفال أن يحمل البطيخة، حملها وهو يترنَّح بها، ولكن لا مفرَّ، فأخذ الأب يدعو: اللهُمَّ يا ستّير استر، اللهم يا ستّير استر، حتَّى إذا صعد الولد السلَّم تنهَّد الأستاذ سعيد الصُّعداء وشهق شهقة حمد وتَهليل وتكبير.

 

فها هو يوم الأربعاء من آخِر شهر أغسطس ميعادهم مع أكل البطيخ.

 

الولد يشعر بالسَّعادة؛ لأنَّ أباه أجاب له طلبه، الأب هو الآخر يشعُر بالفرحة تغمره بعدما رأى عين الصَّبي ملأى بالسَّعادة، شعور غريب يقتحم قلب الأب حين يدخِل على أهله السُّرور، فها هو يلبِّي طلب ابنِه الصَّغير حين تمنَّى أن يأكل بطيخًا، إنه طلب كبير جدًّا بالنسبة لهذا الصبي الصغير، وهي لنا - نحن الكبارَ - مجرَّد ملذَّات صغيرة، على أيَّة حال لقد جاد الأب بما رزقه الله.

 

وقف الأستاذ سعيد بجوار شقَّته، رنَّ الجرس، فتحت الزَّوجة التي تنتظر عودة زوجِها بلهفة وشوق، نعم إنَّها تنتظره لتشعُر بالدفْء، والحنان، والأمان، وقليل من النِّساء من تفقه ذلك، فكم من الوقت يقضيه الزَّوج خارج البيت يكدح من أجلهم مستعينًا بالله على طلب الرزْق!

 

قال الصبي لأمّه وقلبه الصَّغير كعصفور يرفرف في أعالي السماء: انظري يا أمّي ماذا اشترى لنا أبي! انظري ....

وأراد الصبي رفْع البطيخة إلى أعلى بيديْه الحانيتَين فنظرت الأم، ونظر الأب إلى البطيخة وقد سقطت من يدِ الصَّبي الصغير على السلَّم، فأحسَّ الصغير بألم الحرمان، فها هي ذي البطيخة الَّتي تؤكل في يوم الأربعاء من شهر أغسطس قد نزلتْ تتهادى وعين الأستاذ سعيد في إثرها، ورجلاه ثابتتان في حذائه، ولسانه صامت، وقلبه قد توقَّف تمامًا.

 

انتهى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة