• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

طفولة آخر العمر (قصة)

طفولة آخر العمر (قصة)
فدوى رضوان


تاريخ الإضافة: 28/2/2019 ميلادي - 22/6/1440 هجري

الزيارات: 5711

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

طفولة آخر العمر


لم يُدرك المحيطون بالسيدة زبيدة، بعد مُشارفتها على سِنِّ الثمانين، أنها الآن طفلةُ العائلة التي تحيا بالاهتمام والحبِّ، وتَذْوي وتجفُّ بالانشغال عنها، وإخراجها من دائرة المشاركة العائلية في الثمانين.

 

أصبحت السيدة زبيدة هشَّةَ العافية، ضعيفةَ التحمُّل، شديدةَ الحساسية، مع أنها في صباها كانت زوجة جندي شارك في الحرب العالمية الأولى؛ ولكنه عاد إليها بعد مدة قصيرة مقطوع الذراع اليسرى؛ فزاد تعلُّقها به، وصار بطلها العائد من الموت، وكانت تفرح بكونها زوجة جندي شجاع مخلص، وكانت تُناديه بـ (بطلي، وفارسي الشجاع، وغير ذلك من صفات البطولة...)، وكلما دخل عليها البيت وسلم قائلًا: السلام عليكم، ترد عليه السيدة زبيدة قائلة مع ابتسامة تشرق في وجهها: وعليكم السلام يا أسد يا ضرغام.

 

لم تشعره يومًا بأنه صار ذا احتياج خاصٍّ، وكانت السيدة زبيدة - التي لم تدخل الكُتَّاب - فتاة ذكية، لديها مهارة الذكاء الاجتماعي والوجداني، لم تتلقَّ دروسًا في علم النفس، ولم تحضر محاضرات في بناء الذات وتنمية الشخصية، ولم تلتحق بدورات دعم نفسي، كان يكفيها إيمانها بقداسة العائلة وأهمية دورها كزوجة تؤدي واجباتها بحبٍّ وسعادة، وتحاول خلق جوٍّ جميلٍ لعائلتها، حتى أصبحت سيدةً يُشار إليها بالبنان بين سيدات الحي والعائلة.

 

كانت تُراقب نفسها باستمرار وكأنها قد وظَّفَت من نفسها رقيبًا عليها، يُرشدها إلى ما يجب فعله ويُؤنِّبها عند حصول خطأ ما، ويرسم لها صورًا في خيالها؛ صورًا جميلة تُشعِرها بسعادة تفيض من عينيها وروحها، وأحيانًا يرسم لها صورًا سيئة عن تصرُّف خاطئ، فتشعُر بالذنب، وتبقى الصورة ماثلةً في خيالها، ولا يمحوها الاعتذار؛ بل تظل تذكِّر نفسها بها.

 

مرَّتِ السنون عليها وهي مستمرة في دور الزوجة الحنون والأمِّ القوية المحبة لعائلتها، فرحت في أعراس أولادها الذين غادروها واحدًا تِلْوَ الآخر، وبدأت مائدة الإفطار والغداء تصغر مع كل ولد يتزوَّج ويغادر بيت العائلة.

 

أقنعت نفسها بأن هذا الأمر سعيد، ويجب أن تفرح لأولادها؛ لأن سعادتهم سعادتها على كل حال، خفَّت واجباتها المنزلية، وصارت كمية الطعام أقل كمية، والغسيل أقل كمية، والكلام والضحكات أقل كمية، والضجة والصخب أقل، كل ذلك كان يُشعِرها ببرودٍ في روحها؛ ولكنها كانت ترى أن هذا شيء جيد، ويكفيها وجود زوجها في حياتها؛ لتكون أسعد امرأة في كل الدنيا.

 

إلى أن جاء يوم وحمل الموت زوجَها على صهوته ورحل به، في ذلك اليوم اجتمع حولها كلُّ من عرفتهم في حياتها؛ ولكنها كانت وحيدةً، بكت وكأنها وحدها في هذا الكون.

 

الآن بعد أكثر من 20 عامًا على رحيل زوجها أصبحت ضيفة في العائلة بعد أن كانت سيدتها، صارت تحتاج إلى المساعدة في بعض الأمور؛ كالطبخ مثلًا، وهنا دخلت روحها في حالة برود جديدة وغربة عن حياتها، فمواعيد الطعام لم تعد كما هي، وأنواع الطعام صارت على مزاج أحفادها، وأصعب ما في الأمر أنها لم يعد لديها مَنْ يسمعها كأنه مرآة روحها، كان عليها أن تحتفظ بمعاناتها وحدها، تحوَّلت إلى طفلة فاقدة لوالديها، ولا أحد يستطيع أن يحتويها بروحه، كانت بحاجة إلى أن تشعُر بأنها طفلة لها متطلَّبات وليس إلى من يقول: لماذا لهذه السيدة المسنَّة متطلَّبات؟!

 

صارت تلتزم الصمت وتدعو أن يعجل الله بجمعها مع زوجها في الجنة، حتى وهي نائمة تدعو وتدعو، فجاء صباح أحد الأيام حاملًا لها رؤيا جميلة؛ حلمت بأن زوجها يصعد على جبل أخضر ويحمل معه خبزًا طازجًا يسنده بذراعه المقطوعة إلى صدره، فنادت عليه أن ينتظرها؛ لأنها تريد أن تذهب معه، فقال لها: أنا أنتظرك، وسوف آكل نصف الرغيف الذي معي، وسأترك لك النصف الآخر لتأكليه معي.

 

استيقظت سعيدةً بتلك الرؤيا؛ فزوجُها حتى في الحلم كان يحتفظ بالطعام ليأكله معها، ليُشاركها به، وليطمئن أنها بخير، فهو الذي يشعُر بأنها طفلته، ولو كانت بعيدةً، وفي الثمانين من العمر هي طفلة قلبه دائمًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة