• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

سجادة وذنب

سجادة وذنب
فاتن الرقب


تاريخ الإضافة: 9/7/2017 ميلادي - 14/10/1438 هجري

الزيارات: 3521

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سجادة وذنب

 

جلس في مِحرابه يُصلِّي، والدَّمع بلَّل لحيته، أخذ يسبِّح اللهَ على عقد أصابعه، وبين كلِّ تسبيحة شهقة بُكاء، وبين كلِّ استغفار زفرةٌ تَخرج من جوفه، تكاد تُحرق قلبه، فتح مصحفَه ليقرأ وِردَه اليوميَّ، فهو اعتاد أن يَتلو جزءًا مِن القرآن بعد كلِّ صلاة؛ فبعض أحزاننا علاجها القرآن.

 

أخذ يرتِّل بصوتٍ شَجيٍّ مشوب بغصَّة دمع، وهو يُحكم قبضتَه على المصحف؛ كطفلٍ صغير، يريد أن يحتضنه، لعلَّه يطفئ ذلك اللَّهب الذي يأكل أحشاءه ويكوي ضلوعه، فهو منذ سنين طويلة، وتلك النار الرمضاء تَسكن فؤاده، فلا يَطيب له عيش، ولا يَهنأ له بال.

 

ركَن ظهرَه على حائط مصلَّاه، بعد أن أغلق مصحفَه، وأعاده إلى مكانه، وطوى سجَّادته بكلِّ عناية، وطوقها بيديه وجلس، أخذ يتحسَّس سجَّادتَه لعلَّه يجد رِيحَ أمه؛ فهي الإرث الوحيد الذي تبقَّى بعد وفاتها، دسَّ رأسَه في السجادة، يريد أن يشمَّ أمَّه، يحتضنها في خياله، يقبِّل يديها؛ فلعلها تغفر له وترضى عنه.

 

علا صوتُ بكائه، حتى بات نحيبًا، يريد أن يزيح به بعضًا مِن ذكرياته عن مخيّلته، فليس كلُّ ما يقبع في الذاكرة، نريده أن يبقى، لكنه يستوطنها رغمًا عنَّا، ويصبح جزءًا منها، وليس في يدنا إلَّا التعايش معه.

 

ركن رأسَه على الحائط، أغمض عينيه قليلًا، يريد أن يعطي لمُقلَتيه بعضَ راحة لبضع دقائق، وبقي على هذه الحال، إلى أن سمع صوتَ أمِّه توقظه من غفوته:

♦ قُم يا بني، ألَا تريد أن تراني، ألم تَشتَقْ إليَّ؟!

 

فتح عينيه فزعًا، إنها أمُّه! حاوَل بيديه أن يتلمَّسها، لكنه لم يستطع، فقد كان متسمِّرًا في مكانه مِن هول الصدمة، أخذ ينادي بأعلى صوته:

♦ سامحيني أرجوكِ؛ فبعد رحيلك أصبح لون العالم أسود، ولم أعد أبصر إلَّا سوادًا.

 

نظرَت الأمُّ إليه نظرةَ المشفق على حالة ابنها، وقالت له:

♦ سامحتُك يا بني قبل أن تطلب منِّي ذلك؛ فقلوب الأمَّهات يا ولدي لا تعرف للحقد طريقًا، أنت وإن قتلتَني بيديك، كنتُ أخشى أن يبلِّل دمي قميصك، أنت وإن عققتَني، كنتُ أدعو اللهَ على تلك السجَّادة أن يهديك، وأن يغفر لك، كنتُ أشفق على حالك؛ فقد كنتَ في طور مراهقة، وفي تلك السنِّ يكون الأبناء أشقياء، لا يعرفون جادَّة الصواب، يَهيمون، يتخبَّطون، حاولتُ مرارًا نصحك، حاولتُ مرارًا رَدْعَك، لكنَّك كنتَ يا بني أعمى البصر والبصيرة، حتى تمكَّن منك رِفاقُ السوء، وأحالوا حياتي معك جحيمًا، بعد أن صيَّروك مدمنًا، تائهًا، تتخبَّط.

♦ لكنَّني يا أمِّي...

 

حاوَل الرجل أن يقول شيئًا، قاطعته الأمُّ ونظراتها الحانية تكاد تمزِّقه:

♦ أعلَمُ كلَّ ما ستقوله، أنت قتلتني، وأنت تحت تأثير المخدِّر، لا تعي ما تقول وما تفعل، جئتني مرارًا طالبًا مالًا، وكنتُ في كلِّ مرَّة أحاول أن أردعك، فتنهال عليَّ بالضَّرب، وتأخذ المالَ، وتخرج، وكنتُ في كلِّ مرة أبيع شيئًا مِن أغراض البيت، حتى لا تمتدَّ يدك عليَّ إن لم تجد مالًا، حتى لم يعد هناك ما يُباع، وجئتني في تلك اللَّيلة الماطرة كعادتك، فاقدًا عقلك، تريد المالَ، ولم أعطِك؛ لأنِّي لا أملك حتى ثَمَنَ رغيف خبز، فأنا في ليلتها لم أتذوَّق طعامًا منذ ثلاثة أيام، وإن لم تلتفت لهذا حتى! قتلتني قبلًا حين مددتَ يدك عليَّ ضاربًا ومعنِّفًا، فما يضير الشَّاة سلخها بعد ذبحها، قتلتني بعد أن أحكمتَ قبضتَك على عُنقي وأنت تصرخ طالبًا مالًا، ولكن سنِّي الكبيرة لم تتحمَّل، فقُتلتُ على يديك وبين يديك.

 

صرخ الرَّجل، وهو يحاول أن يحتضن أمَّه:

♦ أرجوكِ سامحيني! فأنا لم أعد أتذوَّق الراحةَ بعدك، سامحيني!

 

نظرت الأمُّ إلى ابنها، وابتسامة عَريضة شقَّتْ طريقَها على وجهها، وهي تقول:

♦ أنا لم أغضب منك حتى أُسامحك.

 

بدأ خيالها بالتلاشي... وهو يصرخ:

♦ أرجوكِ، لا تذهبي... أمِّي!

 

قام الرجل من نومه فزعًا، وهو ينظر حوله وينادي:

♦ أمِّي.

لكنَّه أدرك أنه كان حلمًا.

بكى الرَّجل وعلا صوتُ نحيبه، وقام مترنِّحًا فاقدًا اتِّزانه، وكلمات أمه عالقة في سمعه، فردَّ سجَّادتَه، وأخذ يُصلِّي على تلك السجادة التي شهدتْ دعوات أمه، واستنجاد أمه، ودماء أمه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة