• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

الراحلة

فاطمة عبدالرؤوف


تاريخ الإضافة: 9/3/2010 ميلادي - 23/3/1431 هجري

الزيارات: 6806

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(1)

جلسْتُ بجوارها، لا تكاد تعرفني، ولكنها تقبِّلني بحرارةٍ، وتوسع لي في مجلسها، رمقتها بإشفاق؛ فهي جالسة هكذا منذ الصباح، فليس لديها ما تقوم به، ساد الصمت لحظاتٍ عندما قَطَعَتْه بصوتٍ ضعيف: هل أذَّن الظُّهر؟
• لا، لَم يحن الوقت بعدُ.

عادتْ تسألني: كم تبقَّى من الوقت؟
• ما يقارب الساعة ياجدتي.
• إذًا؛ أصلي ركعتين لله.

ما أن أنهتْ صلاتها، حتى أخذتْ تُكَرِّر عليَّ السؤال: أَلَمْ يُؤذن الظهر بعدُ؟ كم تبقى من الوقت؟

كانت لا تتوقف عن سؤالها عن موعد صلاة الظهر حتى يؤذن فعلاً، فتؤدي صلاتها في خشوع، ثم تلتفتْ لتسألَ عن موعد صلاة العصر!

أرهقني سؤالها المتكرر: فلذْتُ بالصمت، رمقتني بعتابٍ وشردت.

دخلت طفلتي الصغيرة بجلبة طفولية، فهي قادمة للتو من حلقة التحفيظ، أمي: ألن "تسمِّعي" لي ما حفظتُه؟
• وما الذي حفظتِه؟ 
• {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْح}. 
• قولي إذًا. 
• إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْح، و.. و..

صمتت لعلها تتذكر، ولكن الجدة العجوز أفاقتْ من شرودها، وأخذت تكمل لطفلتي الآيات، ثم قبَّلَتْها والتفتت إليَّ، وقالت: اهتمي بتعليم ابنتك القرآن.
 

(2)

"كسر في عظمة الفخذ، بحاجة إلى جراحة دقيقة، لا أنصحكم فالجدة عجوز ضعيفة"؛ كانت هذه كلمات الطبيب.

• قلتُ لزوجي: لا حل إذًا إلا بتعاطي أقوى أنواع المسكنات. 
• أجابني بعينين تبرقان: لا تندهشي، الجدة لا تتألَّم! 
• ماذا؟!
• إنها راقدة في الفراش تُسَبِّح الله - عز وجل.

• جلسْتُ بجوارها أتأمَّل وجهها الطيب، وقد حفرتْ فيه السنونَ خطوطًا عميقة، تبتسم لي ابتسامة رضا وحب صادق، ثم لا تلبث أن تشرد عيناها بعيدًا، وأغيب أنا أيضًا بعيدًا بعيدًا؛ أتذكر صورتي بثوب المدرسة الابتدائي البني، وأنا خارجة بعد انتهاء اليوم المدرسي ومعي زميلاتي، وفي طريقنا إلى البيت أمرق على بيت الجدة الحنون، فلا تتركني إلا بعد تقْديم شطائر من طعامها اللذيذ، آه! أستشعر مذَاق الشطائر في فمي، كما لو أنني أكلتها للتوِّ، ما كنت أتعجب منه حقًّا أنها كانتْ تُقَدِّم لزميلاتي الشطائر نفسها مع تلك الابتسامة الطيبة التي تودعنا بها.

أُعاود النظر إليها فأجدها قد صنعتْ من ثوبها مسبحة، وقد استغرقت في أذكارها.
 

(3)

انشغل الطبيبُ بتوقيع الكشْف الطبي على الجدة، وانشغلتْ هي الأخرى بالتسْبيح على سماعة الطبيب.

خلع الطبيب نظارته الطبيَّة، وأخذ يفرك عينيه بدهْشة، ثم بدا ضارعًا للحظات، ثم اتَّجه إلينا والتقط أنفاسه قبل أن يبدأ حديثه: سبحان الله! لو أخْبَرَنِي أحدٌ ما صدَّقتُ، لولا أني أُباشر الحالة بنفسي، هذه أول مرة أجد مريضًا قعيدًا ملازمًا للفراش قد أُصيب بقرح الفراش، ثُم تزول تلك القرح تلقائيًّا كأن لا أثر لها! ثم همس - كأنما يحدث نفسه -: تلك عاجل بشرى المؤمن.

مرقت الأيام سريعًا، وقد غابت الجدةُ عن الإحساس بالزمن، لَم تَعُد تُفرِّق بين الليل والنهار، لا تتذكَّر أحدًا إلا كما تتذكر الرمال رسم الرياح، لا تطلب طعامًا، انقطعتْ صلتُها بالدنيا رويدًا رويدًا، أمرٌ واحد بقيتْ تتذكره بكل حواسها وفي كل لحظاتها: ترديد الشهادتين بلسانها وكتابتها على ثيابها أو بأصابعها الضعيفة على الهواء.

رحلت الجدةُ بهدوء، وتركت العقل غارقًا في أفكاره، يتساءَل عن كيف يعمر القلب بالإيمان؟ كيف يبقى اللسان رطبًا بِذِكْر الله؟ وقد تعطلت في الإنسانِ كلُّ قواه وحواسّه، وتركت القلب يتطلع إلى المستقبل، يستشف لحظات النِّهاية كيف تكون، سعيدًا فرِحًا لرؤية مُعجزات الله تتناثَر في كونه، خائفًا وجلاً من حسابات معقدة ومشاعر غائرة ولحظات ضعف كثيرة.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
4- قصة مؤثرة
عباس سعيد - السعودية 10-03-2010 12:25 PM
رحم الله أمواتنا وأمواتكم وأموات المسلمين أجمعين ، بارك الله فيكم قصة مؤثرة
3- سبحان الله
لامعة في الأفق - السعوديــــة 09-03-2010 11:53 PM
رحم الله جدتك وأموات المسلمين ...وجعلنا واياكم من أهل الجنان.
2- أبكتني هذه القصة
السيد زايد - مصر 09-03-2010 06:34 PM
سبحان الله ..هذه قصة مؤثرة فعلا.. لم أتمالك نفسي من البكاء وأنا أقرأها، وتعجبت كيف أن الله سبحانه وتعالى يحسن لعباده الصالحين الخاتمة في دنياهم، ..رحم الله جدتك يا أخ أسامة وأسكنها فسيح جناته.. وإن شاء الله تكون في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ...لقد ذكرتني هذه القصة المؤثرة بلحظات الموت التي نهرب منها وننساها في زحمة الحياة ..نطلب من الله تعالى أن يحسن لنا خاتمة الأعمال وأن يرزقنا الشهادة عند السؤال ..وأن يهدينا جميعا إلى العمل الصالح ..يا رب آمين
1- هذه جدتي
أسامة الهتيمي - مصر 09-03-2010 12:37 PM
هذه القصة الحقيقية لجدتي وقد برعت زوجتي جزاها الله كل الخير في تصوير بعض من جوانبها الإيمانية رحمها الله على الرغم من أنها لم تقضِ معها إلا أياما بعد عودتنا من القاهرة للفيوم
رحمك الله يا جدتي وجزيت خيرا يا زوجتي
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة