• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / مع الكُتاب


علامة باركود

لماذا أحبكِ؟

مروة شيخ مصطفى


تاريخ الإضافة: 15/6/2009 ميلادي - 22/6/1430 هجري

الزيارات: 10632

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لماذا أحبكِ؟
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)



لم أكن أتصور أني سأحبك! وإن كان هذا قدْ دارَ في خَلَدي، فليس إلى درجة أنْ أفضِّلك على مسقطِ رأسي ومرتعِ صباي!

أتذكرينَ حينَ جئتُ طالبةً في جامعتِك العريقة؟ مِنْ يومها استقبلْتِني بصخبِ المدينةِ وضوضائها، فما رأيتُ قبلَكِ مثلَكِ بشدَّة الزِّحامِ وكثرة النَّاسِ، وتعدُّد الأعراقِ والأجناسِ.

لم تَطُل إقامتي حينَها أكثرَ مِن بضعة أيَّام، جرَّعتني فيها لوعةَ فراقِ الأهل، وَلم أكنْ أعرفها، كما لَم أكن أعرف أنَّك ستسقينَني بها جرعةً من ترياق حبُّكِ، وتسكبين في وجداني من فيضِ أُنسكِ.

ثمَّ عُدتُ وأقمتُ بين حناياكِ أعوامًا، ما برِحَ حبِّي لكِ عبرَها يزيدُ، وأُنسي بك على مداها يرسخُ، وأنساني ذلكَ كلُّه ما يردُ على القلبِ من أسى الغُربة وغصَّة البعدُ عن الوطنِ والأهلِ، وحينها تبيَّنَ لي صدقُ القاضي الفاضل في وصفِه دمشقَ وأهلَها إذْ قال:

أَمَّا      دِمَشْقُ      فَجَنَّةٌ        يَنْسَى بِهَا الوَطَنَ الغَرِيبُ
انْظُرْ  بِعَيْنِكَ  هَلْ   تَرَى        إِلاَّ   مُحِبًّا   أَوْ    حَبِيبُ
 

وهأنذا اليومَ على بُعْدي عنكِ لا يزال قلبي ينبضُ بحبِّكِ، ويتسارعُ خفقانُه كلَّما سمعتُ باسمكِ، أو قرأتُ خبرًا عنكِ.

وأشتاقُ إليكِ، فتمثُلين أمام ناظريَّ شامخةً كالجبال، كيف لا، وذاك الجبلُ الشَّامخ (قاسيون) لا يزالُ يعانقكِ مذ نشأتِ، وكأنَّه قد سمعَ عن مدينةٍ لا كالمدنِ بِجمالها وسحرها، فهرع إلى مكانه متربِّعًا فيه ينتظرُ ولادتَكِ، مادًّا ذراعيه لاستقبالكِ؛ لينال شرفَ قربكِ، ولا يزالُ يحتضنكِ؟!

وعندما يتساقطُ الثَّلجُ ويكسو هامَةَ الجبلِ الأشمِّ، تظهرُ شيخوختُه التي ما فتئ يُخفيها بحُلَله القشِيبة التي تكسوه إيَّاها الفصول الثَّلاثة، وبما أُوتيَ من ثباتٍ في وجهِ صروفِ الزَّمان، فيعتريه الخوف خشيةَ أن تترُكيه وحدَه بعدما أفنى عمرَه محتضنًا لكِ، وأنت يا دِمَشْق لا تنكرين المعروف، فأنتِ الرَّبيبة البارَّة في كنفِ هذا الأبِ الحنون.

وحين يهطلُ المطرُ على روابيك، هبةً من الرَّحمنِ، تسيلُ الطُّرق والأودية، وتغتسلُ الدُّورُ والسَّاحاتُ، ثمَّ أنت لا تضنِّين به؛ بل تودِعينه (بردى)، ذلك النَّهرُ الأنيسُ، الحييُّ صيفًا، الصَّاخب شتاءً، فيصيحُ النَّاس: عادَ بردى!

ومَن لا يعرفْ بردى؟! وحسبي أن أنقلَ لهم مقالةَ جريرٍ الشَّاعر الأمويِّ لائِمًا ومعاتبًا:

لا وِرْدَ لِلقَوْمِ إِنْ لَمْ يَعْرِفُوا بَرَدَى        إِذَا تَجَوَّبَ عَنْ أَعْنَاقِهَا  السَّدَفُ
 

وبردى ذاك النَّهر البارُّ أيضًا، ما أنْ يروي المطرُ ظمأَهُ حتَّى يجري مُسرعًا ليرويَ هو الآخر عروسَ دمشق (الغوطة)، الغوطةُ جنَّة الله في أرضِهِ، قطعةٌ من الأرضِ يحسَب المارُّ بها؛ من سحرِ خُضرتها ونضارَتِها، وتنوُّع أشجارِها وثمارِها وطيورِها: أنَّه في عالمِ الحورِ العِينِ.

وبردى والغوطةُ وأهلُها متلازمةٌ تشِي بالودِّ والكرمِ، وحسنِ الضِّيافة وطيبِ المُقام، وهي التي أثنى عليها شاعرُ النبيِّ - عليْه الصَّلاة والسَّلام - الصحابيُّ حسَّان بن ثابت بقوله:

لِلَّهِ    دَرُّ    عِصَابَةٍ    نَادَمْتُهُمْ        يَوْمًا بِجِلِّقَ  فِي  الزَّمَانِ  الأَوَّلِ
يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ البَرِيصَ عَلَيْهِمُ        بَرَدَى يُصَفِّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
بِيضُ الوُجُوهِ كَرِيمَةٌ  أَحْسَابُهُمْ        شُمُّ الأُنُوفِ مِنَ الطِّرَازِ  الأَوَّلِ
 

والحديثُ عن أهلِك يا دمشقُ هو حديثٌ عنك، فالبلادُ بأهلها، وأهلُ دمشق أمَّةٌ وحدَهم، ربَّوا أبناءَهم على الدِّين والعلم والتُّقى، فلا يكادُ يكون مسجدٌ في دمشق إلاَّ وقد غدا منبرًا لأحدِ أبنائِها الأفذاذ من العلماء والدُّعاة والمصلحين، الَّذين كانت دِمَشقُ على مرِّ التَّاريخ تغصُّ بهم،كما لم يكنْ في مدينةٍ غيرها، فيقصِدها القاصِي والدَّاني لينهلَ من هذا المعينِ الصَّافي، وينالَ من الخيرِ وافرَ النَّصيب.

وحقَّ لك يا دمشق أن تتبوَّئي المنزلةَ الرفيعةَ بين مدنِ الدُّنيا، وحقَّ لأهلِك من بعدِك ذلكَ، ولله درُّ القائل:

مَا   بَعْدَ   جِلِّقَ   لِلمُرْتَادِ   مَنْزِلَةٌ        وَلا كَسُكَّانِهَا فِي الأَرْضِ سُكَّانُ
فَكُلُّهَا  بِحِجَالِ  الطَّرْفِ   مُنْتَزَهٌ        وَكُلُّهُمْ  لِصُرُوفِ  الدَّهْرِ   أَقْرَانُ
 

ورسمُ دمشق آيةٌ من آياتِ العمارةِ، بأسوارها وأبوابها السَّبعة، وحاراتها العريقة، وقصورِها الشَّهيرة، وأزقَّتها الضَّيقة، والخانات ذات القباب، وتخطيطِ دورِها الفريد.

وإن كنتُ ذكرتُ الأبوابَ، فلأذكر (باب شرقي) الذي دخل منه المسلمون فاتحين يحملون مشاعل الهداية، فيتسلَّمها منهم أهل الشام، علماؤُهم ودعاتُهم، وكلُّ مَن مرّ على دمشق بعدُ من العلماءِ والدُّعاة.

ومساجدُ دمشق الشَّام ومكتباتُها كانتْ على الدَّوام مصادرَ إشعاعٍ ومنابرَ دعوة، فهذا الجامعُ الأمويُّ مذ أُنشئ في عهدِ الخليفةِ الأمويِّ هشام بن عبدالملك، و(قبَّةُ النَّسر) تأوي شيوخَ المحدِّثين وأئمَّة العلم، وحول أساطينه تنعقدُ حِلَقُ العلمِ في كلِّ فنٍّ.

وهذه المكتبة الظَّاهرية، المكتبة الأقدم في بلاد الشَّام عامَّةً، والتي تحوي كنوزًا من الكتبِ والرَّسائلِ في مختلفِ العلومِ الناَّفعةِ الَّتي خلَّفها لنا أجدادُنا - رحمهم الله تعالى - وفيها من نوادرِ المخطوطاتِ التي قد لا توجدُ في غيرها من المكتباتِ العالميَّةِ، ممَّا لم يُطبع بعدُ.

وإنِّي على ثقةٍ أنَّكِ يا دمشق بقلبِكِ الحيِّ وشبابك المتجدِّد قادرةٌ على أنْ تعيدِي للمساجدِ والمكتباتِ دورَها ومكانتَها في قلوب المسلمين.

لا يزالُ في داخلي الكثيرُ الكثيرُ من مشاعرِ الشَّوق والحنان لأيَّام قضيتُها في كنفكِ يا دمشق، مشاعر يعجزُ عن وصفها اللِّسان، مشاعر أنَّى لي أن أُتَرجمَها على الورق، وحسبي أنِّي كلَّما ذُكرتِ هاجني الشَّوق إليكِ، وأخذَتْني نشوةُ الذِّكرى السَّعيدة.

وحقًّا سلبتِ يا دمشقُ لبِّي كما سلبتِ لبَّ الشَّاعر المقَّرِيِّ التّلمسانيِّ بعدَ أنْ زارَك في رحلته إلى المشرق الإسلاميِّ، فأنشَد:

أَمَّا  دِمَشْقُ   فَخُضْرَةٌ        لَعِبَتْ بِأَلْبَابِ  الخَلائِقْ
هِيَ بَهْجَةُ الدُّنْيَا  الَّتِي        مِنْهَا بَدِيعُ الحُسْنِ رَائِقْ
 

وأقْصى أمنياتي أنْ أعودَ إليك لأقيمَ بين جوانحك، كما أقمتِ أنتِ بقلبي وبين جوانحي، وأن تعودَ لكِ مكانتُكِ بين مدنِ العالمِ منارةً للعلمِ والأدبِ.

وعليكِ يا دمشقُ السَّلام.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
3- جزاك الله خيرا
باسمة 29/10/2011 06:16 PM

ماأجملك يادمشق لكن أهلك خذلوك وجعلوك تقفين خجلة أمام حمص ودرعا وجسر الشغور ومايقدم أهلهم من تضحيات
فحماك الله وأسعدنا بالعودة إليك وأنت تلبسين طرحة الحرية والكرامة

2- جميلة
قارئ - دمشقي 16/06/2009 07:58 PM

أحسنت أيتها الكاتبة المبدعة

عاطفة صادقة، وتعبير بليغ، وأسلوب محكم، ولغة سليمة

وصور فنية جميلة..

هو نص جيد بلا شك..

وأريد أن أنبه على خطأين:

1- في روي قافية البيتين الأولين: الصواب فيهما السكون،

وهما من قصيدة ساكنة الروي.

الغريبْ
أو حبيبْ

2- المكتبة الأقدم.

يجب أن تطابق الصفة الموصوف في التذكير والتأنيث،
فلا يقال: البنت الأكبر، والدولة الأعظم
ولكن يقال: البنت الكبرى، والدولة العظمى

وكذلك يقال: المكتبة القدمى.

أكرر شكري وإعجابي بهذا النص الأنيق

1- شكر للكاتبة
الشاكر - مصر 15/06/2009 04:18 PM

نشكر الكاتبة مروة شيخ مصطفى على هذا الموضوع العذب ونتمنى لكم الفوز بإذن الله تعالى

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة