• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

أما زلت تلاحقينني؟! (قصة)

أما زلت تلاحقينني؟! (قصة)
عادل عبدالله أحمد محمد الفقيه


تاريخ الإضافة: 22/2/2016 ميلادي - 13/5/1437 هجري

الزيارات: 4323

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أما زلت تلاحقينني؟!

 

بحثتْ عنه حتى تعثَّرت قدماها، مرَّت الشوارعَ والأزقة باحثةً عنه؛ إنه قُرَّة عينها، وبلسَمُ جُرحها، وأُنْس ليلِها، تبحث عنه، ولو لم تَجد منه غير النظر إليه؛ ليَروي ظمأ مُقلتَيها، ويَستريح فؤادها.

 

سألت عنه أصدقاءه وأحبابه، فلم تَجد له أثرًا.

 

وفي يوم من الأيام عرَفها أحد أصدقاء مُهجتِها، فسلَّم عليها، ردَّت عليه السلام وسألته عن ولدها، فدلَّها على مكانه، فهُرعت إليه، وجدتْه بعد طول عناء وتعب، وجدته ويا ليتَها لم تجدْه.

 

لقد قابَلَها بكلام يفتِّت الصخر الأصمَّ والجبل الأشمَّ، بكلام تتقرح منه العيون، وتبكي منه القلوب، وتتشقَّق منه الأبدان، كلام تمنَّت لو أنها لم تسمعه ولم ترَ قائله، فلو أنها أسقطَتْه جنينًا لهان عليها، أو مات صغيرًا، أو رماه القدر في مَكان سَحيق.

 

قالت: يا ليتَني متُّ قبل هذا وكنتُ نسيًا منسيًّا!

إنها أمُّه، إنها مَن حملتْه صغيرًا، وحمَّلها كل أعباء الدنيا.

 

تنام وهي تتذكَّر كلامه، تستيقظ وقوله يدوي في سمعها، يا ألله! لمَ الجزَعُ والحزن؟ إنها أمه، ماذا قال؟

 

تذكَّرتْ كل ساعة، كل دقيقة مرَّت من عمرها وهو بين يدَيها وعلى ذراعها يَصرخ بأعلى صوته يطلب ثدْيَها، فقد غلَبه الجوع وقطع أحشاءه!

 

تذكَّرتْ كيف ظلَّت تبحث عنه طويلًا لترى مكانه وتسمع صوته، تحمَّلت أقسى أنواع العذاب، بحثتْ عنه ليَستريح قلبُها لسلامته، لا أن يُسمِعها ما لا تُطيق ولا تتحمَّل، إنها تلك العجوز القابعة في كوخها، ماتت ألف مرة حتى تصل إليه!

 

لقد ابيضَّ شعرُها، وانحنى ظهرُها، وتجعدت وجنتاها في سبيل أن تراه.

 

عادت إلى المنزل وعينها تفيض من الدمع، فتحت كوخها، اتَّكأت على أريكتِها؛ لتتذكَّر ولتعيد ملفَّ أخبارها وسيناريو أيامها يوم أن عاشتْ وحيدةً بعد موت والده، تحمَّلت هموم الدنيا، صبرتْ صبْرَ العازمين، تجرَّعت مرارة العذاب، تقطَّعت بها الأسباب وهي تُربِّيه صغيرًا، ليكسر كل حنانٍ، كلَّ محبَّة، كلَّ شَوقٍ؛ بكلمةٍ ليتَها ماتتْ قبل نُطقِها!

صبَرتْ على مرارة العذاب وهي تَتنقل مِن بَيت لآخر، ومِن قرية إلى أخرى؛ قاصدةً لقمة العيش!

 

تذكَّرت كيف كانت تحمله من مستشفى إلى آخر، كيف أنه أصبح يومًا من الأيام هيكلًا عظميًّا لا يَستطيع رفع قدميه أو تحريك بصره ليرى مَن حوله، كيف تنقَّلت من صيدلية إلى أخرى لتبحث له عن نوع من أنواع العلاج كان قد قرَّره طبيبُه، كيف أنها كانت تعود متأخِّرة ليلًا وهي مارة من مكان إلى آخر لتجد له لقمة عيش تسدُّ بها رمقه.

 

تذكَّرت كيف أنها ادَّخرت نقودها، دينارًا يتلوه الآخر لليوم الأسوَد، كيف أنها وافقت على كل طلب جاء به يوم أن طلب يد فتاة وهو لا يَملكُ فِلْسًا، فباعت كل غالٍ ونفيس من أجل إسعاده!

 

تذكَّرت كيف أنه سمع كلام زوجتِه، وترَكَ أمًّا أصابها الكِبَر، وأكَلَ لحمَها الزمن!

تذكَّرت كيف بحثتْ عنه ولم ترَه يومَ أن رآها صديق ولدِها قائلًا: إلى أين يا أم؟ فقالت: أبحث عن ولدي.

سألته: هل يعرف مكانه أو يسمع عنه؟ فرد قائلًا: لا يا أماه.

تذكَّرت كيف أنها لم تُمهله، بل بادرت بسؤال آخر: هل يوجد بين يديك رقم جواله؟

تذكَّرت كيف أدخل يده إلى جيبِه ليبحث في جواله عن رقمه، فما إن وجده حتى سجل لها ما تريد.

 

اتصلت به، عرف حينها أنها أمه، لكنَّه أقفل هاتفَه في وجهها، فلم تيئس منه، بل سألت كل من تَعرف ومن لا تَعرف، سألت مَن يَعرف مكانه، فما إن حصلت على عنوانه حتى طارت إليه.

 

فما إن وصلت حتى قال لها:

"أمَا زلتِ تُلاحِقينني أيتها الشَّمطاء؟!".

 

بعد كل هذا، عادت إلى كوخها، بدأت تَكتُب، وكلَّما كتبت حرفًا محاه دمع عينيها، كتبتْ إليه رسالة: "ولدي الغالي، هل تتذكَّر ما كنتُ أصنع من أجلك؟ تتذكَّر كيف كنتُ أَحرِم عيني نومَها، وأظلُّ قابعةً أُسامر جدرانًا لا تعي ولا تتكلَّم، حتى أنتظرك لأفتح لك باب منزلنا؟ تتذكَّر كيف تحمَّلتُ بردَ ليلٍ قارس لأحميكَ بين ذِراعيَّ؟ أكيد أنك نسيتَ، لكنِّي لم ولن أنسى ما دمتُ على قيد الحياة، نسيتَ أن لك أمًّا، ولم أنسَ أن لديَّ ولدًا جرَحني يومًا بكلام قتل فيَّ الحياة".

 

كتبت تلك الرسالة، وأرسلتْها له مع صديقٍ كان يعرفه، فما أن قرأ رسالتها حتى طار إليها، لكنه تأخر كثيرًا؛ فقد سبقه هادم اللذات، ومفرِّق الجماعات، وميتِّم الأطفال ومرمل النساء.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة