• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الحياة بالطلاء الأزرق (قصة قصيرة)

الحياة بالطلاء الأزرق (قصة قصيرة)
د. أسعد بن أحمد السعود


تاريخ الإضافة: 26/5/2015 ميلادي - 8/8/1436 هجري

الزيارات: 4436

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحياة بالطلاء الأزرق


اعتلَتْني حيرةٌ وأصابتني دهشة ممَّا رأيته في أبي وهو يجلس على حَجَرة أسمنتيَّة مِن كَومةِ ركام بيت جيرانِنا، الذي لحقه دمارٌ أطاح بجزئِه الأمامِي، حاولتُ أن أسأَله عمَّا يَشغله في هذه الحالة وقد بدا حزينًا، خاصَّة عندما يجلس على هذه الحالة وفي هذا المكان؛ إذ إنه يتذكَّر جيراننا أصحاب البيت المدمَّر، فيبدأ يأخذ وقتَه الكافيَ في البكاء، ولا يبالي بما سيَتركُ ذلك من آثارٍ في جسمِه الذي تجاوز به الخامسةَ والستِّين ويَزيد عنها.

 

وقفتُ أمامه متسائلاً: كيف أبدأ معه في محاولتي لإنهاءِ هذه الجلسة، سيما وقد رأيتُه يحضن صفيحةً أو جالونًا غريبًا؟! بادرتُه أسأله عمَّا يمسك بين يديه: ويبدو أنه خمَّن ما بحالي فعاجَلَني بفطنتِه الأبويَّة قائلاً:

♦ تعالَ يا بنيَّ، سأريك شيئًا جميلاً وسيَسرُّك.

 

اقتربتُ منه كثيرًا لَمَّا استيقنتُ أنه ما كان يبكي، وإنما كان فقط شاردَ الذِّهن، بل لقد أطلق ضحكةً كتلك التي اعتاد الآباءُ أن يُطلقوها عندما يريدون أن يصادروا حقَّ الأبناء في فَهم أو تفسيرِ ما يعتريهم من تعقيداتِ الحياة اليوميَّة، وخاصة تلك التي ترتبطُ بتدابير توفير تكاليف المعِيشة اليوميَّة، نُضيف على كلِّ هذا ما انتهَت به الحربُ مِن فَقدٍ لكلِّ أسباب التدابير، أو انعدامِها تمامًا..

 

أجبتُه على الفور:

♦ ما هو؟

♦ هذا الجالون!

♦ ما به؟ كأنِّي أرى رسمًا لفرشاة دهان!

 

ضحك أبي، ولكن هذه المرَّة أعلى وأقوى، وعقَّب:

♦ ها قد عرفتَ ما بهذا الجالون يا ولدي؛ إنَّه طِلاء دهان.

♦ نعم عرفتُ الجالون، وعرفتُ ما يحتوي كذلك، وماذا بعد؟

♦ إنَّه كنزٌ ثمين، حصلتُ عليه بعد مكابدةٍ وصبرٍ وانتظار.

 

وبسذاجة وبما انطبع في مخيلتي فورًا، علَّقتُ على كلامه:

♦ يعني سنبيعه، ونشتري بثمنِه ديزل وخبزًا وزيتًا وسكرًا وشايًا.

♦ لا.. لا، تمهَّل، لا تستعجل، هذا الكنز قيمتُه أكبر مما تظن، سنشترِي بها شيئًا أفضل من كلِّ ما ذكرتَ، بل وأغلى بكثير.

 

شدَّتني الحيرةُ أكثر لِما وجدتُ في كلام أبي العجوز مِن الثقة والجديَّة، ولم ألاحِظ فيه غير ذلك.. بادرتُه:

♦ وما هو هذا الذي يكون أغلى من الخبز والديزل أيُّها التاجر المخضرم؟ أخبِرْني قبل أن تسمعك تلك العجوز القابِعة في ظلمةِ ذلك البيت المتصدِّع المتهالك!

 

♦ نعم، ستفرح كثيرًا تلك العجوز حينما تعرف بتجارتي.

 

♦ إذًا الأمر في غاية الأهمية، فهاتِ ما عندك، ولربَّما تحتاج إلى مساعدتي، ولكن قبل أن تبدأَ في شرح مشروعِك، أعطِني رأسَك لأطبع عليها قبلةَ الافتتاح المبارَك.

 

وما أن فرغتُ من قبلتي، حتى سمعتُ نشيجًا دفينًا، ما لبث أن تحوَّل إلى بكاءٍ تملَّك كلَّ أعضاء جسمه الهزيل، أكملتُ المشهد معه من دون أن أعرف ما حلَّ به هذه المرَّة، أخذتُ برأسه أضمه لأهوِّن عليه، الأمر الذي دعاه للبكاء الشديد، وبعد صبرٍ ووقت عادَت وانفرجَت أساريرُه، ظهرَت أولُ ابتسامة متجعِّدة الخطوط ضائِعة الملامح وسط كومةِ شعر لحيتِه البيضاء، وبصوتٍ متهدج مرتعش أباح بلغزِ تجارته العتيدة الجديدة، قائلاً:

♦ سأشتري بهذا الطلاء الأزرق حياتنا!

 

عقَّب وهو يحذِّرني من مقاطعتِه ليكمل شرحَ تفاصيل تجارة شرَاء حياتنا كاملةً:

♦ كنتُ في مثلِ سنِّك الآن أو أقلَّ بقليل، عندما نشبَت حرب بيننا وبين الإسرائيليِّين، قالوا عنها يوم ذاك: حرب حَزِيران، عشنا خلالها حالةَ خوفٍ وحزنٍ شديدَين، لقد انتشرَت يومها أخبارٌ مرعبة سرَت بين الناس؛ أن الإسرائيليِّين سيقصفون البيوت في المدنِ والقرى بقنابل الطائرات الحربيَّة، وعلينا أن نَطليَ زجاجَ نوافذ البيوت وأنوار السيارات، وكلَّ المرافق الأخرى بالدهان الأزرق؛ ذلك لأن هذا اللون لا يُنفِذ النورَ إلى الخارج وخاصَّة في الليل، وبالتالي لا تستطيع طائرات الإسرائيليِّين رؤيَة الأنوار والأضواء، ولا تصيب أهدافها من الناس الآمنين الساكنين في بيوتهم!

 

توقَّف أبي عن الكلامِ وساد صمتٌ بيننا، بقيت متجمدًا صاغرًا في انتظار أن يُكملَ شرح كيفيَّة تجارته التي وعدَني بها، ولم يَقترب من سيرتِها بعد.

 

خيَّم تجهُّم شديدٌ على محيَّاه، وأخذَت تنهيدةٌ عميقة تخرج مع زفيره الحزين ولا يزال صامتًا!

 

بعد إصرارِه على السكوت المتعمَّد، فهمتُ أنه ربَّما يُريدني أن أتدخَّل لأُعينَه على تعبيرٍ ما! فبادرتُ بسؤاله:

♦ أين هي التجارة؟

ظلَّ مصرًّا على سكوته وتجهُّمه، وما هي إلا وَمْضة لمعَت في خاطري؛ الفكرة، فأسرعتُ بإمساكها وتهللتُ بها مبشِّرًا!

 

♦ لقد عرفتُها أيُّها التاجر العجوز.

 

♦ سنطلي زجاجَ نوافذ بيتنا بهذا الدهان الأزرق، وحتمًا سوف لن تراه الطائرات الحربيَّة، وبالتالي لن تقصفه بالقنابل!

 

أجابني أَبي بخجلٍ شديد:

♦ نعم يا ولدي، وبهذا نكون قد اشترينا حياتنا!

♦ ولكن يا أبي...

♦ ولكن ماذا؟!

 

♦ ليس عندنا ما نضيئه أو نُشعله، منذ زمن طويل ونحن نعيش في ظلامٍ دامس! ثم إنَّ الطائرات الحربيَّة التي تقصفنا اليوم وتدمِّر بيوتنا هي طائراتنا، وفي وضحِ النهار، وطيَّاروها أبناءُ بلدنا وليسوا إسرائيليين!

 

أجاب والبكاء يعاوده:

♦ أعرفُ ذلك!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- فنان وأديب وشاعر
ابو عبدالله - السعودية 15-09-2016 12:31 AM

رائعة من الروائع .. دمت مبدعا

1- لوحة مبدعة
لمياء السيد - U.S 17-12-2015 01:47 AM

لوحة فنية رائعة. يا أبا الطيب تضاهي جمال لوحاتهم الفنية التي أبدعتها أناملك بارك الله جهودك ودمت دوما فنانا بارزا في سدة الإبداع .

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة