• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

وسادة خشنة (قصة)

وسادة خشنة (قصة)
أحمد كمال أحمد محمد


تاريخ الإضافة: 16/3/2015 ميلادي - 26/5/1436 هجري

الزيارات: 7829

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وسادة خشنة


في سجن الألم يتمدَّد التذكُّر، أصوات مختلطة ما بين البكاء والنوح، وشعاعٌ أبيضُ يتلاشى حين يخيم شبحُ الألم على وجه "صباح"، وجهٍ تكسوه الزُّرقة، وقلب مغموس في الألم، زوج دثّره الثَّرى منذ خمس سنوات، عاش يقتاتُ لنا الكفاف ليلَ نهارَ، لكنَّ القضاء كان نافذًا، وطفل أتمَّ العاشرةَ كَبر قلبُه قبل الأوان، دهسه قطارُ اليُتم فبَتر أحلامَه.

 

ترامت إليها الذكرى قبل أسبوعين من دخول المستشفى، وهي تتلصص على "صابر" ابنِها، وهو يناجى صورةَ والده بقوله: والدي الحبيبَ، أشعرُ باختناقٍ بدون أنفاسك، تخاصمني البَسمة، ويكسوني الهمُّ، حين أنظر في عيني والدتي المريضة، وأنا عاجز عن فِعل شيء، ليتكَ أسديتَ لي أفعالَ الرجال قبل موتك.

 

قطعت الذكرى على صوتٍ مبحوح يتكوَّر تحت سريرها، كان صابر يقبض على أحدِ أعمدة السرير، يُحدق ببَصره في روشِتَّةٍ كتبها الطبيبُ لوالدته، ويردد في نفسه: ما أصعب أن تكون بيدٍ قصيرةٍ في ساحة المرض! كانت يد والدته تتحرَّك نحوَه في بُطء، يمسك يدَها يقبِّلها، وتهمس له مع شبح ابتسامة: يا صغيري، ربما فرَجٌ قريب من الألم، طَأْطأ رأسه، فأطلَّت الروشتة برأسها من جديد، كانت جيوبُه الخاوية تزيد ألمه.

 

زحف قليلاً ليخرج من عنبر (9)، نزل باحة المستشفى، هناك بين صناديق القمامة تربض قطَّة تُرضع صغارَها الثلاثة، اقترب منها في صمتٍ، قال بصوت مجروح: ما أحسن عيشتَك! تقتاتين من صناديقِ القِمامة، دون نظرةِ شفقةٍ من أحد، كانت صهوة الوجع قد حملَته أمام المستشفى، كيف السبيل بشراء الدواء.

 

خدَّر نفسه بذلِّ الحاجة، واستوقف كلَّ من يمرُّ أمامَه: أُمي مريضة، وجيوبي خاوية، كانت النظرات تأكله، والشفاه في أغلبها تنطق: سهَّل الله لك! لكنَّ قمة الذلِّ حين دفعه أحدُهم فمسَّت شفتاه التراب، وهو يضربه بصوت أجش: "أحرقكم اللهُ، ملأتم البلاد!".

 

مسح ترابَ المهانة من على وجهه، واتَّجه صوب مكتبة، والدموع تنهمر من عينيه، توسَّل للفتاة أن تكتب له على قطعةٍ من الورق المقوَّى: "أمِّي على وشك الموت وجيوبي خاوية، لا أراكم الله مكروهًا"، أمسك الورقةَ بكِلتا يديه، رفعها ونكَّس رأسَه، ساعتين ولم يتغير شيء.

 

ما أصعب أن تحيلك الحاجة لدُمية لا تعرف مصيرَها! شخَص ببصره إلى السماء، وقرَّر العودة ليقضي اللهُ أمرًا كان مفعولاً، وقبل التحرك توقَّفَت أمامه سيارةٌ فاخرة، أطلَّت منها امرأةٌ حسناء، دسَّت في يده الصغيرة مائة جنيه، وكيسًا به بعض الأطعمة، لم يشكرها بسبب لهفتِه لشراء الدواء.

 

دخل باحة المستشفى، جرت وراءه القطَّة علّها تغنم قطعةَ اللحم التي رأتها مدفونةً بين الأرز داخل الكيس، هرول لأمِّه، هزَّها ببُطء فلم تتحرَّك، دفعها بقوة فلم تحرِّك ساكنًا، كانت دموع عنبر (9) كفيلة بمعرفة كلِّ شيء، صرخ بأعلى صوته: أمَّاه لا تتركيني في غابةٍ أهلُها لا يعرفون الرحمة، دثّريني معك لأرتاح من ذلِّ الحاجة، كانت الصرخاتُ تتوالى تقطعها زفرة محمومة بين الفينة والأخرى بكلمة: "أماه... أماه... أماه".

 

كانت القطة قد وصلَت أخيرًا لعنبر (9)، تتمسَّح في قدم صابر، بعد غمسةِ الأسى شعر بها، حملق فيها، وجثى على ركبتيه، وقال في ذهول: خذي هذا الطعامَ، واقبليني طفلاً رابعًا مع أولادك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة