• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

كفاح ( قصة )

كفاح ( قصة )
هارون محمد غزي


تاريخ الإضافة: 30/4/2014 ميلادي - 1/7/1435 هجري

الزيارات: 4511

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كفاح


مهموم بحاله وماله ومآله؛ ناشدهم: "أيكم يأتيني بعيش لباب؟" فتزاحمت خواطره تلبيةً لدعوته؛ منها من صرخ مقترحًا: "تطوع بالجيش، أو الشرطة تظفَر بالمال والسلطة"، فنفرت نفسه.

 

ومنها المدوِّي بالحديث الشريف: ((تسعة أعشار الرزق في التجارة)).. لكن يا حسرة! مِن أين رأس المال؟

 

والزاعق بالهجرة؛ "التمسوا الرزق في مجاهل الأرض"... لكنه وحيدُ والدَيه.

 

ومَن حاز الصدارة بجدارة يُنشِد بصوت الواثق:

العلم يرفع بيتًا لا عماد له

 

لعله يجد حلاًّ للخواء الذي يزحم عالمه، ويشحن وجدانه، بالمعاناة الصفرية "من عمل دار".

 

إنه يشقى من السابعة صباحًا حتى مُنتصَف الليل؛ يوقظ "الأسطى" ويفتح المحل، يكنس ويرتب، ثم يُقلد الأسطى في تفصيل الجلد، ويتفوق عليه.

 

إن أباه ألحقه بهذا المحل وهو في الثانية عشرة؛ ليرتقي به، ويرفع من خسيسته بتعليمه الصنعة حتى يشربها.

 

تمرّس الفتى بعمل الأسطى من تفصيل، و"توضيب"، وخياطة، وتنظيف الشُّغل؛ ليكون جاهزًا للتسليم "للزبون" على أحسن ما تكون الصنعة.

 

يُسائل الفتى نفسه: هل بإمكانه أو إمكان والده صياد السمك الحافي القدمين شراء ماكينة خياطة "برِجل" لزوم فتح محل خاصٍّ به؟ أو هل يُمكنه تأجير محلٍّ يَستقل فيه بالعمل ليكسب دخلاً يُساعده على مصاريف المعيشة وفتح بيت لزواجه؟ هووه!!! مستحيل؛ فعائد الصنعة غير مُجزٍ! واستبعد عمله "صنايعي" لدى الغير؛ لأن الأجر لا يسد الرمق.

 

ما الحل؟

ترك التعليم الأولي، لكنه غاص في محيط القراءة الحرة، فبائع الصحف يُحضر "للأسطى" الأهرام يوميًّا، والمصور أسبوعيًّا، يقتنص منه الفتى ما تيسَّر من الجرائد والكتب والمجلات فيَقرؤها بشغف ولهفة مقابل نصف قرش للعدد، وساعتها يكون في أسعد حالاته.

 

يذهب "الأسطى" إلى بيته للغداء والقيلولة من الثانية ظهرًا إلى الخامسة مساءً، فتكون هذه فترة تسلية للفتى؛ مرة بالقراءة التي يعشقها، وتارة بمناجاة ليلاه بنت الجيران، وهي طالبة الإعدادية التي تهفو إليه، وقد لمعت عيناها بالسعادة، ومعها أخواتها الصغار تُلاعبهم بأمر والدها؛ ليخلو المنزل لوالدَيها كما قالت، وملامح وجهها الجميل تشي بالفهم.

 

وهنا تقدَّمت فكرة مُتعجِّلة بوسيلة عملية راقت للفتى، وهي أن يُذاكر الإعدادية من منازلهم؛ ليَحصُل على شهادة يتوظَّف بها، ويتزوَّج ليلاه.

 

رغم أنها أعطته كتب الدارسة المستعمَلة بلا مقابل، فإنه أجبَرَها على أن تقبل خمسة وعشرين قرشًا؛ حتى لا يكون لأحد عليه منَّة أو عطاء، وأيضًا ليَتظاهر أمامها بأنه ميسور الحال.

 

قصد إلى مدرسة الجهاد الليلية وهو في غاية الحرَج والخوف؛ لقلّة ذات يده.

 

• كم مصاريف الشهر لأولى إعدادي؟

♦ جنيه!

ولما كان هذا المبلغ ليس معه، هز رأسه متوترًا واستدار للخلف مُنسحبًا إلى غير رجعة وهو يغالب دمعه، فجذبه الرجل بصوته الأجش:

• كم معك؟

فأجاب في خجل بصوت لا يَكاد يُسمع:

• النصف.

• يضربه بالعصا قائلاً:

• هاته، وامش إلى الفصل.

 

ظنَّ الفتى أن الرجل رقَّ لعِوَزه فخفَّض المبلغ، فشعر بالدونية وازداد خجله.

 

لكنه لمح على السبُّورة التاريخ (مُنتصف الشهر) فارتاح لتأكُّده أن صاحب المدرسة لم يعطف عليه!

 

كان الدرس تعبيرًا، جلس مثبتًا عينيه على السبورة السوداء، وكله آذان مصغية مستمعة، ومُنصتة لنشاز الطلبة، إنشاؤهم ركيك يئن منه الإعراب، يحثُّه المدرِّس بنظرة داعية، فيُجيبه قائمًا برعشة يداريها بتثبيت يديه على القِمَطْر، وانطلق خطيبًا مفوَّهًا، وضع المدرّس يديه أعلى قمَّة بطنه وهو يتابعه في صمت الوقور حتى تمَّم الموضوع، ثم جلس يلهث.

 

• أنت أزهري؟

• لا؛ كنت بالتعليم الأولي العام.

• لا؛ أنت أزهري قح.

صمت الطالب أمام هذا الإصرار.

 

وما أن خرَج الأستاذ، حتى أحاط به الطلبة مُرحِّبين.. عمالٌ من جيله وأسنُّ منه، أكيد لدى كلٍّ منهم عمل دارٌّ يُمكِّنه من سداد مصاريف الدراسة.

 

المقلق للفتى كان مادتي الرياضيات والإنجليزي.

 

ولما جاء مدرس الرياضيات كان الفتى يستمع إليه بكل اهتمام، ويركِّز بصره وبصيرته بقوة على الأستاذ وهو يشرح ويوضّح ويبيِّن، فلما لا حظَ الأستاذ ذلك، بَدا وكأنه يوجّه درسه خاصة له، فصار الفتى يفهم ويستوعب.

 

حصل على الدرجة النهائية في حساب المثلثات، والجبر خاصة، ودرجة متقدِّمة في باقي الأبواب، وكذلك في مادة اللغة الإنجليزية... إلى أن صار الأول على المدرسة في كل اختبار شهري.

 

وأعلن صاحب المدرسة أن الأول في الاختبار الشهريِّ في مادة مُعفى من مصاريف الشهر، فتمسَّك بالإعفاء شهريًّا بعدد المواد التي حصل فيها على الأولية؛ أي: إلى نهاية السنة الدراسية.

 

في امتحان الشهادة الإعدادية حقق الأولية على محافظته.

 

يطوف الفتى عارضًا نفسه للعمل بمحلات البضائع الشرقية المخصَّصة للسائحين، وعلى التوكيلات البحرية طالبًا أي عمل بشهادته أو بدونها، فلا عمل، فيعود آخر النهار متعبًا يئنُّ من الْتِهاب قدميه.

 

فجأة أرشده والده إلى وظيفة خالية، فبادر إليها، فإذا اليوم آخر موعد للتقديم.

 

عُيِّن مُلاحظَ عمَّال بمرتب محدود الدخل.

 

فور تعيينه قرَّر دراسة الثانوية العامة (أدبي) بنفس المدرسة (الجهاد الليلية).

 

علَّق في ركنٍ من الغرفة الوحيدة - سكن الأسرة - صورة رائعة لساعة جامعة القاهرة وقبَّتها الذهبية، وكتب تحتها بخطِّ يده المُنمَّق: الجامعة المصرية الهدف الأسمى لدى الطامحين إلى العلى.

 

وغابت عن وجدانه فكرة زواجه من أي ليلى حتى لقَّبْنَه بعدو المرأة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة