• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

كيف يطحن الكعك؟ ( قصة )

كيف يطحن الكعك؟ ( قصة )
د. زرياف المقداد


تاريخ الإضافة: 21/5/2013 ميلادي - 11/7/1434 هجري

الزيارات: 4816

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كيف يطحن الكعك؟


أربعةُ أرغفة من الخبز كانت تشدُّني إلى الصبي الذي يحملها، شهيَّة، رائحة زكيَّة تنبعث منها تُدغدغ أعماق معدتي، التي بدأت تصرخ مُعلنة احتجاجها، إنه الجوع، ربما نصف ساعة وأصل البيت، والباص يترنَّح بمشية ثقيلة على الشوارع، يلتهم المواقف ببُطء شديد، وأعود للصبي والأربعة الأرغفة، يحتضنها تارة ثم يشدها تارة أخرى بيده إلى صدره، ويحاول أن يمسك بعمود الباص؛ خوف السقوط، وخوفًا على أرغفته الأربعة.

 

بُقع الزيت على ثيابه كانت تعلن عن تعبه في الحصول على قوت يومه، وحاولت أن أجد ما يشغلني عن التَّعب والجوع، وبدأت أنظر من خلال زجاج النافذة ملتجئة إلى مسند أحد المقاعد؛ خوف السقوط من اهتزازات الباص، ورحت أَرقب قصة عشق رقيقة ناعمة بين الشمس والمطر يعكسها الزجاج بصورة رائعة.

 

تختفي الشمس تارة، وتضرب قَطرات المطر على الزجاج، ثم تسيل ناعمة رقيقة.

 

أفكار متلاطمة جعلتني أتخيَّل دموع المطر دموعًا للبشر:

"ربما هي دموع أطفال يتعاركون لأجل أربعة أرغفة من الخبز بعد يوم مثقَل ببيع لفائف التَّبغ، أو دموع حيارى تجاه الظلم الذي لا يعرفون سبب إصراره على أن يجثم فوق صدورهم، وربما هي دموع أمٍّ وقفت حائرة ماذا تفعل بأطفالها ينتظرون كيس الكعك مع أول الشهر".

 

وعادت الشمس وجففت دموعَ المطر، وبدأت ترسل ضوءًا مُشرقًا على نوافذ الباص.

 

وبين المقاعد ومَن عليها، بدأتْ نظراتي تنساب من واحد لآخر، وأخذتُ أنظر إليهم إلى أن وصلت إليه: كان يحتضن كيس كعك شهي مثل احتضان الصبي لأربعة أرغفة من الخبز، يميل برأسه على كتفه مسندًا إياه إلى زجاج النافذة البارد، وكانت له صَلعة في منتصف رأسه.

 

لقد بدأ حديث المورِّثات الذي بقيَت آثاره من محاضرة اليوم يتدفق في رأسي، ونسيتُ حديث معدتي: "سيكون أولاد هذا الرجل صلعانًا مثله، الذكور فقط، وضحكت في سري عندما تخيَّلت إحدى بناته صلعاء، يا رب سترك! وتذكرت رحمة ربي، فالصلع لا يورث للإناث مباشرة".

 

وعُدت إليه:

ماذا لو توقف الباص عند موقفه، وبقي نائمًا، ويعود الباص بدورته، وينتفض الرجل فجأة، ويتأكد من كيس الكعك، ويسرع بالنزول في أول موقف، ويعدو راكضًا إلى البيت حيث ينتظره أطفال كانت دموعهم كدموع المطر تنساب لتأخر كيس الكعك (وتذكرت أنه أول يوم في الشهر).

 

وتسابقوا للقائه، ويشارك الجميع بحمله واحتضانه كما لو كان عروسًا رائعة اختارت عرش الربع لعرسها، وقطرات المطر دموعًا لفرحها، ويتعاركون، لقد وصل كيس الكعك.

 

وتذكرتُ الرجل: "لربما نام من بقايا سهرةٍ مُمتعة أمضاها الليلة السابقة".

ويتفق الجميع على الكعك بالحليب مع قطعة سمن تذوب فيه كذوبان الثلج بأشعة الشمس، ثم يعترض الآخرون طالبين كعكًا مطحونًا مع الشاي وقطعة سمن تذوب فيه، وجعلت أفكر بطريقة قد تقترحها الأم لطحن الكعك، وستستعمل الهاون، ويصرخ الأولاد ستخرج رائحة الثوم وطعمه مع الكعك، سأدقه ببعضه ثم تذيبه حرارة الشاي.

 

لا يا أمي، بل نريد الكعك بالحليب.

 

وستكسره بالحجر المشبع بزيت الزيتون: وسيخرج طعم الزيت والزيتون فيه، فأنت قد دققت الزيتون بالحجر.

 

وتذكرت الرجل: "الذي ما زال نائمًا، وأن بقايا التَّعب هي التي ألقت برأسه على الزجاج البارد".

 

فلتخرج رائحة الثوم، سأطحنه بالهاون، وليكن ما يكون!

 

وصحوتُ من أفكاري، لقد سررت بنفسي إذ وجدت طريقة للأم لطحن الكعك.

 

استيقظ الرجل، وبدأ بتحسس كيس الكعك بيده، ونظرت إلى الزجاج، وقد سالت دموع المطر عليه من جديد، وكانت دموع الفرح، لقد وصل الكعك.

 

انتظرت مع صحبتي لنقطع الشارع، ومن بعيد قدمت سيارة، وكيس الكعك يحتضنه الرجل ما زال أمامي، أراد أن يقطع الشارع.

 

برق سريع مرَّ:

انتزع صوت الرعد كيس الكعك، وجعله تحت عجلات السيارة التي مرَّت صارخة بلا أرقام، وانتفض الرجل إلى الوراء، ومر الحادث بسلام، وقطعت الشارع.

 

إلا أن ذاكرتي ارتعشت، فنظرت إلى الوراء، فرأيت دموع المطر، وقد اختلطت ببقايا الوحل من ثياب الرجل، وعيونه ترقب بحزن طحين الكعك مع الماء والتراب.

 

وتذكرت "أنه لم يخطر ببالي أن الكعك يمكن أن تطحنه عجلات سيارة مسرعة".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- رائعة
فادي - السعودية 02-04-2015 02:08 AM

تلك القصة رائعة تحمل معنى جماليا وعظة ضمنية أعجبتني رغم أن كلها خواطر واستطاعت الكاتبة المزج بينهما والعظة منها بأنك مهما تخطط لن تعرف ما هو مكتوب لك رائعة سلمت يمين من كتب.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة