• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

ذاكرة المكان (قصة)

ذاكرة المكان
سعيد بلمبخوت


تاريخ الإضافة: 20/1/2013 ميلادي - 9/3/1434 هجري

الزيارات: 10483

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ذاكرة المكان


اختلفت الاتجاهات في أفكار قاسم، كما اختلطت رغبات مونيك في التشبُّث بقربها منه، ومع مرور الأيام بدا كلٌّ منهما يبتعد عن الآخر تدريجيًّا.

 

وفي لحظة، ودون سابق إشعار، يرحل قاسم إلى بلده حاملاً معه شهادة جامعية، لعلها تحميه من ظلم الماضي بين أهله، على الرغم من النفور الذي شعَر به قبل السفر إلى أوربا تجاه محيطه، في لحظات بدا ذلك مجرد حلم مضى، إن السنوات التي قضاها قاسم في أوربا كانت درسًا لتغيير مفاهيمه فيما يتعلَّق بكيانه وثقافته؛ فعلى الرغم مِن مظاهر التخلُّف في ميادين شتى، فإنه في هذه اللحظة مقتنعٌ بمدى حاجته إلى الرجوع إلى الأصل إلى مسقط الرأس، أو على الأقل أن يكون على بعْد مسافة ساعة أو أكثر لا يهم، المُهم هو القرب مِن الأهل، لا تهم درجة حبِّهم له، لا يمكن أن تكون محبوبًا من الجميع، لكن المُهمُّ أن تتعايش مع الآخر - في المهجر - بالتأكيد؛ فإن قاسمًا - بالإضافة إلى دراسته العلوم - تعلم الصبر وقَبول الآخر، في مرات عديدة رأى الحقد في أعين البعض بحكم بشرتِه ليس إلا، وفي مرات أخرى تقبَّل نظرات بريئة كالتي يراها في أعين مونيك وشارلي، ولم يتحمَّل نظرات الحقد التي تراوده في الأماكن العامة، وبالأحرى الخاصة، ومع مرور الأيام استطاع تجاوز عدم الاهتمام بتلك النظرات القبيحة...

 

إحساس جميل أن تصادف أحدًا غبتَ عنه لسنوات يتَّجه نحوك بكل عفوية ويُعانقك، لا أتكلم هنا عن مونيك أو غيرها، بل الأمر يتعلق بأشخاص يعرفونك من خلال ملامحك، وأنت مع طول الغيبة لم تعدْ تتذكَّر أسماءهم، أما هم، فلهم ذاكرة المكان والأشخاص، إنهم هنا بذاكرتهم الصافية التي لم تشبْها العواملُ المؤثِّرة، ولا أثر الاختلالات، مقارنة مع كثرة ما رأى قاسم مِن وجوه خارج نفوذ دائرة ذاكرتهم النقية.

 

كانت الابتسامة الصادقة تكفيهم، المسائل المادية - على قِلَّتها - هي بالتأكيد في غاية مِن الأهمية للعيش هنا، إلا أنها مع ذلك دون أهمية في علاقات إنسانية لا تزال على طبيعتها ونابعة من أصول لم يعبَث بها الزمنُ بعْدُ، غالبًا ما يَحنُّ الإنسان إلى الرجوع إلى زمن الطفولة للإحساس بالحنان والسكينة.

 

إنه المكان المناسب للهروب مِن الضجيج بنوعيه؛ ضجيج الأمكنة الصاخِبة، صداع الأحاسيس المؤلمة الناتجة عن المؤثرات المعنوية، هنا يوجد الحوار الفطري، وهناك صراع المؤثرات الفكرية بصخبها تُمرِّغ الإنسان في مستنقع بدون مخارج للنجاة، عليك أن تتلقى سيلاً من الرسائل عبر وسائلهم الحديثة التي توجِّهك - دون أن تشعر - إلى الاستهلاك، هناك عليك أن تأكل بشراهة، وعليك أن تسمع، ولا يتركون لك مجالاً للتحليل، هنا لك الوقت الكافي لتسمع لنفسك وتُحدثها بعيدًا عن ضجيج المدينة الصاخب.

 

قد تسمع أشياء كثيرة حولك مِن همس الرياح في الأيام التي يكون فيها الطقس معتدلاً، وقد تتحمل هبوب الرياح القوية؛ لأنها في الغالب تهدأ بعد أمطار الرحمة التي ينتظرها الحيوان والعباد، ثم تخضرُّ الحقول بعدها، وتزهر المروج، وتنضج الثمار، تُغني الطيور القارة منها والمهاجرة على السواء، كل شيء له دلالة من غير أن نَنتبه إلى ذلك، كل شيء له قيمة، حتى النمل الذي لا نكاد نلفِت نظرنا له يؤدي دوره بكل هدوء، ربما يكون الجميع مشغولاً بهموم الدنيا، إلا مَن بسط نظره بتأنٍّ للتأمل مليًّا في حركات ما يروج في هذا المكان الهادئ.

 

لكن مع مرور الأيام تُصبح الأشياء الهادئة في لحظة مملَّةً، واللحظات التي كانت بالأمس سعادة تبدو رتيبة ومملة، وتصبح الوجوه المألوفة على الرغم مِن طيبتها لا تتحمل شدة التأمل فيها أكثر من اللازم، وحينها يبدأ التفكير بالهروب من المكان، إلى أي مكان، المهم تغيير الموقع وبعدها يحلو التفكير والحنين إلى ذلك المكان الذي كان بالأمس فسيحًا، ومع الأيام أصبح رتيبًا، على الرغم من أن للمكان رونقَه، ولم تتغير معالمُه، الإنسان كائن غريب بطبعه، يسعى دائمًا إلى الشيء، وعندما يظفر به يَملُّه أو لا يَعتني به، ثم يسعى إلى التغيير؛ أن يغير المكان، كما نقول بلهجتنا العامية: تغيير الجو، إننا نسمع المقولة الشهيرة التي تقول: إن مطرب الحي لا يُطرب.

 

بالتأكيد لتغيير المكان غاية، أحيانًا لا نفهم أهميتَها إلا بعد فوات الأوان...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة