• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

إيثار (قصة قصيرة)

إيثار (قصة قصيرة)
د. عبدالسلام رياح


تاريخ الإضافة: 23/1/2012 ميلادي - 29/2/1433 هجري

الزيارات: 37755

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إيـثار

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

لَم تمرَّ السنة النهائية في الحي الجامعي على الصورة التي مرَّت عليها السنوات السابقة، فقد سادَت الاضطرابات وكَثُر اللغط، واسودَّ المسار الدراسي في أعين كثيرٍ من الطلاب، إلاَّ أنَّ الذي كان يُؤرِّق أحمدَ وعليًّا، إنما هو أمر الحصول على وظيفةٍ يُسدَّان بها الرَّمق، ويُحصِّنان بها نفسيهما من تكفُّف الناس.

 

لقد كانا مهووسين بإنقاذ أُسرتيهما من شَظف العيش وغائلة الفقر، وهذا الأمر كان يُلاحَظ عليهما من خلال ما يأتيان وما يَذران من أقوال وأفعال، فلا كلام إلاَّ على انتشال الأهل من براثن الحاجة، ولا استشراف إلاَّ لوَضْعٍ اجتماعي مُريح يطلع به المستقبل.

 

وفي المدَّة التي كانت السنة الجامعية تَلفظ فيها أنفاسها، ملوِّحة بنتائجها التي كان الجميع يتشوَّف إليها، ويتطلَّع إلى معرفتها - كانت غرفة الطالبَيْن ذات مرة قد آوَتْهما بعدما عادا إليها من انتظارهما المُضني أمام الشباك الذي تُعلَن فيه نتائج السنة عادة، وبينما هما في حديثهما عن الكيفيَّة التي سيقضيان بها الصيف في بلدتهما الصحراوية بعد مغادرتهما الحرمَ الجامعي، إذ جاء أحد الأصدقاء مسرعًا غير قادرٍ على مغالبة نفسه واضطراب صدره؛ ليزفَّ إليهما البشرى بفوزهما في الامتحان.

 

اطَّلعا على النتائج التي كانت سارَّة مُبشِّرة بالخير العميم، فقد كانتْ مستقرَّة على الحال التي كانت عليها في السنوات السابقة، فهي حين تُضاف إلى النتائج السالفة تُمكِّنهما من قَطْع مرحلة الانتقاء الأولى في المباريَّات التي سيتقدَّمان إليها؛ ولذلك فإن الاستبشار كان عظيمًا والعناق كان شديدًا، فأُولى خيوط الفجر الحافل بالمَكْرُمات بدَت مُرسلة مُنبئة بأن الغد سيكون طيِّبًا على الجميع.

 

وبعد أيام قليلة شُرِع في الإعلان عن المباريات التي كان الطالبان ينتظرانها بفارغ الصبر؛ ففيها الخلاص، وبها يتمُّ تحقيق الآمال، وبواسطتها ينتقل المرء من حالٍ إلى حال، فكان التقدُّم إليها بسرعةٍ وحماس، مصحوبين بإعادة استحضار المعلومات الحاضرة والغابرة وترتيبها؛ فالفرصة ثمينة وقد لا تعوَّض، وحتى إذا تَمَّ تعويضها في سنة مُقبلة، فإن تحمُّل مَشاقِّ الحياة وظروفها أمرٌ لا يُطاق.

 

لقد كان أحمد يشعر بتفوُّقه على صديقه، وقد كان علي يقرُّ بهذا أيضًا، وهو الأمر الذي كان يدفع أحمد في كثيرٍ من المواقف والسياقات إلى طَرْح أسئلة تخصُّ معلومات دراسيَّة يعتقد أنها ضاعَت من رفيقه في مسيرة الحياة، فكان عليٌّ يَتلعثم في الإجابة عنها في كثيرٍ من الأحيان، فيلف ويدور، ويذكر شيئًا وتفوته أشياء.

 

إنه لَم يكن من الكسالى أو غير المبالين، ولَم يكن من الذين لا يأخذون الكتاب بقوَّة، وإنما كان أمره عائدًا إلى انعكاسات المرض الذي عاناه منذ أيام طفولته الأولى.

 

وأخَذت الإعلانات عن المباريات تَرِد تَتْرى، إلاَّ أنَّ كثيرًا منها لَم يكن يَعنيهما في شيء، فالتخصُّص لا يَستجيب لمتطلَّباتها وشروط الترشيح فيها، ولاحَ بصيصُ أملٍ من بين رُكام ما لا فائدة فيه بالنسبة إليهما؛ فقد أُعْلِن عن مبارتين: إحداهما في التربية والتعليم، وثانيتهما - وهي الأكثر أهميَّة - في وَضْع المُخطَّطات المستقبليَّة للمدن ومَن يعمرها، فانكبَّا على الاستعداد للمبارتين بتفانٍ وتعاونٍ، واهتمَّا باسترجاع المعلومات الخاصة بهما كما يَليق.

 

وبعد أن مضى على خَوْضهما المبارتين شهرٌ كاملٌ، أُعْلِن عن النتائج، فظَهَر اسم أحمد على رأس لائحتي الناجحين فيهما، إلاَّ أنَّ فرحته لَم تكن تامَّة، لَمَّا رأى أن صاحبه لَم يظهر اسمه إلاَّ في لائحة الانتظار من مباراة الوكالة الحضريَّة المهتمَّة بوَضْع المُخَطَّطات المستقبليَّة للمدن، التي لَم يكن أيٌّ من الناجحين فيها مُستعدًّا للتخلِّي عن منصبه والانصراف عنه إلى غيره؛ ذلك لأن أهميَّتها لا تُضاهيها أهميَّة، والعمل بها لا يُساويه عملٌ في وظيفة أخرى.

 

لقد بدا علي وكأنه لَم يكن من الناجحين، رغم أنَّ اسمه كان على رأس لائحة الانتظار التي لن تمدَّه - في هذه الحال - بشيء ذي بالٍ، ولن تُمكِّنه من الفوز بمنصبٍ يدفع عنه لفحَ هجير الفقر والحاجة والشقاء، وهو الأمر الذي كان يُؤرِّق ذِهن صاحبه أحمد؛ حيث ظهرَ على صفحة المشهد مُهتمًّا بالمصير الذي ينتظر رفيق الطفولة والدراسة، وكأنه أبوه أو أُمُّه، أو كأنه هو نفسه.

 

ولَمَّا استقرَّت الأمور على أحوالها، والْتَحَق الناجحون بمقاعدهم التي خوَّلتها لهم المبارتان، وشُوهِد أحمد ينتظر مَن يُعلن عن عدم رغبته في منصبه، وكأنه ينتظر الحصول على الماء من السراب، شُوهِد على تلك الحال والأيام المحدَّدة للائحة الانتظار تَلفظ أنفاسها؛ حيث كانت آماله تتقلَّص بمرور الدقائق والساعات، وكانت نفسيَّته تتوجَّه حينًا بعد حين نحو عُنق الزجاجة، وكأنه يصَّعد في السماء، والدنيا تتركَّز حُلكتها مُرخية سدولَها، وكأنَّ الظُّلمة فيها صار بعضها فوق بعض، أو كأنَّ صاحبها غَدَا في بحرٍ لُجيٍّ، لا يكاد يرى فيه من أمره شيئًا.

 

إن الانشغال لَم يكن مُهيمنًا على خَلدِ علي وحْده، فقد كان أحمد يعيش الهمَّ نفسه، ويُقاسم صاحبه إحساسه؛ حيث كانت تَحضره صورة أبويهما معًا في مشهد جامعٍ دائمًا، فأحدهما يتتبَّع مساقط الرزق بكلِّ صُوَرها وأنواعها، ففي كلِّ يوم تجده يُزاول عملاً خاصًّا، غير قارٍّ ولا مستمرٍّ، إلاَّ أنه كان يصارع الكسل والخمول، ولو بمردود يُختزل في شِقِّ تمرة، وثانيهما كان جنديًّا متقاعدًا، درَّبته الجنديَّة على ألا يَخضع ولا يستكين؛ ولذلك فهو يجدُّ ويَجتهد في كَسْب العيش اجتهادًا يُعييه ويُضنيه.

 

لهذا كان علي يجد في صاحبه أحمد الشجرة الفيحاء ذات الظلال الوارفة؛ فلم يقضَّ مَضجعَه همُّ المصير في هذه الحياة، ما دام ظافرًا بصُحبة أحمد، في الوقت الذي تعدَّدت فيه رغبات الناس، فمالوا إلى اللهث وراء تحقيق مآربهم، ونَسوا الأهل والخِلاَّن، وانصرَفوا عن الشرائع والمواثيق والعهود.

 

لقد صارَ الفقير يعيش مآسيَه وحده، وأمسى المحتاج غيرَ قادرٍ على الظفر باليد التي تصنع المعروف، وغدا الضعيف يتطلَّع إلى أن يأوي إلى رُكن شديدٍ؛ ولذلك فإن تَفكُّر الصديقين في ظروفهما الاجتماعية المتشابهة، كان يسوقهما إلى أنْ لا حلَّ للمعضلة إلاَّ بأن يظفرَ كلٌّ منهما بوظيفة تستر الأحوال.

 

وبينما الحال تمرُّ على هذه الصورة - والوضع النفسي لا يَزداد إلا حلكة وتأزُّمًا؛ حيث لا بصيص أملٍ ولا مَلمح فرجٍ - إذا بأحمد يُعلن الانسحاب من لائحة الناجحين الخاصة بالوكالة الحضريَّة؛ حتى يتمكَّن صديقُه علي من الفوز بمقعد فيها.

 

إنَّ المنصب عالٍ، وإنَّ التضحية مَحَكٌّ تتبيَّن فيه حقيقة الإيمان، وإنها لمدخل أساس من مداخل بناء المجتمع.

 

لقد تساءَل أناس عن سبب تَرْك أحمد لمنصبه واقتصاره على وظيفة يسيرة في التربية والتعليم، تساءَلوا من غير أن يَنتبهوا إلى أن أحمد كان يُفكِّر في ما لَم يفكِّروا فيه، فقد تَمثَّل صور الإيثار عند الأوَّلين، ودارَت بخَلده كلُّ مواقف العظَمة والجلال التي يُغالب المرء فيها نفسَه، فيُقاسم أخاه الأهلَ والمتاع؛ بُغية دَعْم الأخوَّة، وتوطيد العلاقات، ورَصِّ الصفوف.

 

إنَّ وجه السماء الذي تلبَّد بالغيوم في وجه علي عَرَف انقشاعًا، فنزَل على نفسه بردُ رذاذٍ، فانتعَشت واستبشَرت، ولا سيَّما لَمَّا تلقَّت من فم أحمد هذه الكلمات:

• عليك أن تتقدَّم إلى الإدارة؛ لشَغْل منصبي في الوكالة.

 

• أخي الكريم، لقد أعْتَقت عاطلاً حين انسدَّت الأبواب في وجهه، وانتشَلت غريقًا من براثن الموت البطيء، وإنَّ فضْلَك لا ينسى أبد الآبدين.

 

• يا ليتنا نُكتب من الذين آوَوا ونَصروا؛ حتى نكون من المؤمنين حقًّا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
3- لا أعرف
لا اله الا الله - دمياط 23-10-2012 07:49 PM

شكرا جزيلا على القصة لكن أنا أريد أن أعرف ما معنى الإيثار ممكن أحد يعرفنى معناه؟

2- ماشاء الله نور على نور
ابو معاذ - المغرب 27-02-2012 06:21 PM

موفق بإذن الله تعالى، ودمت للعلم سراجا وهاجا، بارك الله في أعمالك، وزادك بسطة في العلم.

1- موفق إن شاء الله
سعيد ساجد الكرواني - المغرب 16-02-2012 03:37 PM

بسم الله
سيدي عبد السلام حياك الله وبياك ونور محياك
سررت سرورا كثيرا بهذه القصة الجميلة المعبرة المؤثرة
موفق إن شاء الله
امض لما أنت بصدده

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة