• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

السيدة (قصة قصيرة)

السيدة (قصة قصيرة)
خالد الطبلاوي


تاريخ الإضافة: 16/1/2012 ميلادي - 22/2/1433 هجري

الزيارات: 5282

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(كفى يا عمِّي كَفى، قد مات أبي، فلا تقطعوا جسده).

 

صراخ ليلي تعوَّدَ مَن في البيت سماعه مِن "السيِّدة" أثناء نومها، كابوس لا يَنقطع رغم كثرة المُهدِّئات وجلسات العلاج النَّفسي.

 

هذه الصَّرخة المسجَّلة في بؤرة وعْيِها، واختزنَها العقل الباطن لا تُفارقها منذ قُدِّر لها أن تشهد عرضًا مأساويًّا لا يستطيع مسرحٌ ولا سينما أن يصوِّر بشاعته، تشرَّبتْه بعقلها وقلبها وجوارحِها، وكل ذرَّة في كيانها الضعيف، فكانت الوحيدةَ التي شاء لها القدرُ أن ترى إعادةً لِما حدث بين قابيل وهابيل، متمثِّلاً في أحبِّ الناس إليها، وأعزِّ الناس عليها.

 

نقوشٌ وحفريَّات في جدار القلب والعقل، لَم تُفلِح جداولُ الحنان المتدفِّقةُ التي يجريها عليها زوجُ أمِّها الحنون الحاج "فاضل"، الذي كفَلَها بعد زواجه من أمِّها التي هاجرَتْ بها من قريتها، تاركةً الأرض والدِّماء والناس جميعًا؛ لتنجو بها من جوٍّ عصيب دمَّرَها نفسيًّا.

 

ضمَّها الحاج "فاضل" إلى صدره مع ولده "حسن"، الذي حُرِم من حنان أمِّه صغيرًا؛ فقد انحرفَتْ أمُّه، وانجرفت بعد ولادته بسنواتٍ بسبب جمالها الساحر الذي استكثرَتْه على موظَّفٍ عادي، فكان الطلاق نجاةً من الفضيحة، ودفعًا للأذى، وحفاظًا على الكرامة.

 

تعايشَت الأسرةُ الجديدة مع ظروفها، فعاشت في أجمل جنَّة يواسي كلُّ طرَفٍ منها الآخَر ويُداويه، لَم يكن يعكِّر الصَّفوَ إلا كوابيس "السيدة" التي تخنقها ليلاً، وسؤال "حسن" عن أمه أحيانًا.

 

ارتبط "حسن" بالسيدة ارتباطًا وثيقًا؛ بِحُكم التربية والظُّروف، فكانا رفيقَيْن في المدرسة، ومكتب التحفيظ والحارة، وكان الجميع يحسب لـ"حسن" وغضبه ألف حساب قبل أن يفكِّر في الاقتراب من السيِّدة، أحبَّها لأنَّه لَم يعرف غيرها، بيد أنَّها أحبَّته بكلِّ ذرَّة في كيانها حبًّا طاهرًا تزكيه براءة الطفولة.

 

كبر الحلمُ في البيت، فصار حلم الجميع، فالحالة الصحيَّة للأبوين تقتضي مَن يَخدُمهما ويُظلِّلهما بالرعاية، فلا يُعقَل أن تغادر السيدة هذا المَنْزل؛ لتتزوج، ولا يتصوَّر أن يجد "حسن" زوجة ترضى أن تخدم أباه وزوجته.

 

تبدَّلَت أحوال الجنَّة بعد تخرُّج "حسن" من كلية الهندسة، وعمل بإحدى الشركات، فبدأ قلبه ينصرف بعيدًا عن السيدة التي اكتفَتْ بدبلوم فوق المتوسِّط، رغم نجاحها بدرجاتٍ تَفُوق درجات "حسن"، ولكنَّها آثرَتْ أن تتأخَّر؛ ليتقدَّم "حسن"؛ لأنَّ دَخْل الحاج "فاضل" لا يكفي للإنفاق عليهما في الكليَّات، خاصة العمليَّة منها.

 

بدأ "حسن" يتحدَّث عن زميلته خريجة الهندسة، وعن أهَميَّة ارتباطه بمن تُساويه في مؤهِّله العلمي، وعن أسرتها ومستواهم المادِّي المرتفع، كانت خناجر يغرسها في قلب السيدة وأمِّها، بل وفي قلب أبيه الذي راح يبتَلُّ عرَقًا؛ لعِلمه بمن رفضَتْهم السيدة من الخُطَّاب؛ على أمل الزواج بـ"حسن"، وهم أكثر منه علمًا وأعلى مقامًا، وأحسن خلقًا.

 

ما عادت السيِّدة تطيق هذه الجلسات التي يذبح فيها قلبها وكرامتها من الوريد إلى الوريد، وتشعر خلالها بأنَّها بضاعةٌ مُزجاة يزينونها لزبون وحيد، بعد طرد كلِّ الزبائن، فكانت تنصرف إلى حجرتها لتبكي على سريرها، وتعتصر وسادتَها بيديها ندمًا أنْ ملأَتْ قلبها وعقلها وهْمًا، خاصة وقد ارتفع صوت "حسن" مُجاهرًا ومُجادلاً أباه في أمر ارتباطه بزميلته:

 

• نعم، لن أرتبط بغيرها، ما ذنبي أنا لأصحو كلَّ ليلٍ على صوت الكوابيس، إذا كنت تحمل جميل خدمة السيدة لك، ورعاية أمِّها لي صغيرًا؛ فقد أنفقتَ عليهما من مالك ما يسدُّ هذا الدَّين، ثم إنني قد اتفقتُ مع زميلتي، وحدَّدتُ مع أهلها موعدًا للخِطْبة، وإن كنت مصرًّا على عدم الذهاب معي، فسوف أذهب بمفردي.

 

خرج "حسن" ودعواتُ أبيه بِمَحْق بركة زواجه تُلاحقه، فأقام أيامًا باستراحة الشركة حتَّى جاء يوم الخِطبة، فخرجَ مِن الاستراحة في صُحبة بعض زملائه مستقلِّين سيارةَ أحدهم، فدهَمتْهم سيَّارةُ نقلٍ مسرعة؛ ليفقد بصرَه، وبعدَه وظيفتَه، ثم خطيبتَه.

 

عاد "حسن" إلى البيت بعد أشهُرٍ قَضاها بين المشافي والأطبَّاء، دون جدوى، عاد كومةً من حطامٍ في شكل رجل؛ لِيُضاف إلى رصيد السيدة عاجزٌ ثالث إلى جانب أمِّها وزوجها اللَّذَين أصيبا بجلطةٍ بسبب تصرُّفات "حسن".

 

أصرَّت السيِّدةُ على أن يُراجع "حسنٌ" القرآن الذي هجَرَه منذ فترة؛ فهو قارب النَّجاة له، بعد فقْدِ بصره ووظيفته، وتقدَّمت له بطلب ترخيص مكتبٍ لتحفيظ القرآن في الدور الثاني بمسجد الحيِّ، وطبعت له الدفاتر الخاصة بالمكتب، وأوراق الدعاية، وظلَّت تساعده حتَّى أنتجَ المكتبُ زهورًا تحفظ القرآن، وتُجوِّد قراءته.

 

كان النَّدمُ يقطع فؤاد "حسن"؛ لِما قابلَتْه به السيدةُ من إحسان، وكان يحاول أثناء قيادتها له صباحًا إلى المكتب أن يَستعتِب أو يفتح نافذةً للاعتذار، أو التواصل بالكلام؛ للتعبير عن امتنانه، ولكن السيدة كانت تُحوِّل دفة الحديث إلى آمالِها في نجاح المكتب، أو لأيِّ موضوعٍ آخَر؛ مِمَّا نَقَل إليه شعورًا أنَّها لفظَتْه منذ أن لَفِظَها وجرح كرامتها, وكانت أعظم لحظات ندَمِه حينما يتذكَّر آخِر اتِّصال له بخطيبته، حيث أعطت المحمول لوالدها؛ لِيُطلق عليه كلماتٍ رصاصيَّة:

 

• هل جُنِنت؟ أي زواجٍ هذا؟ ما ذنب ابنتي لترتبط طول عمرها بإنسانٍ أعمى؟

 

أدركَ بهذه الكلمات أنَّه كان أعمى البصيرة قبل أن يُصبح أعمى البصر!

 

كان الندَم يقوده يوميًّا إلى حجرة أبيه وزوجته؛ ليبكي وهو يقبِّل أيدِيَهما ورأسيهما، طالبًا العفو والسماح، متمنِّيًا أن يعود إليه بصَرُه لا لشيءٍ؛ إلاَّ ليرد إليهما وللسيدةِ بعضَ الجميل.

 

مرَّت سنواتٌ والسيِّدة ترفض من يتقدَّم لخِطْبتها؛ لِما تحمله مِن همٍّ، ليس لأحد غير الله أن يرفعه عنها، حتَّى فوجئ "حسن" - أثناء عودته من المكتب بقيادة أحد تلاميذه - بحواراتٍ ومداولات بين أبيه وزوجته من جهة، وأسرة من الجيران جاءت مصرَّة على الفوز بجوهرة البيت النفيسة، جاؤوا لخِطْبة السيدة، ولديهم الاستعداد لقبول أيِّ شرط، ولسماع أي شيءٍ، إلاَّ الرفض.

 

لَم يَلِج "حسن" إلى حجرة الضيوف، ولكن توجَّه إلى حجرته؛ ليسقط صريع المرض والحزن، وما أن سمعت السيدة بصوت ارتطامه بالأرض، حتَّى سارعت إليه، وصرخت تستنجد بِمَن في البيت لطلب الطبيب.

 

وبعد أيَّام، بدأ "حسن" يتعافى من مرَضِه، وعندها توجَّه إليه أبوه على عُكَّازين، وانفرد به في حجرته، وبعد فترة من الصمت، قال متلطفًا:

• يا بُنَي، أنت تعلم كم تعبَت السيدة معَنا، ونحن لا نريد أن نمدَّ إليها حبل الأذى أكثر من ذلك، وقد جاءها من الخُطَّاب مَن لا يُرَد، وهي تستأذنك...

 

لَم يدَعْ "حسن" أباه ليكمل كلامه، فقاطعه بصوتٍ يُغالبه البكاء:

• لا داعي يا والدي، لا تكمِل، بالطبع لا بد لهذا الملاك الطاهر أن يَهْنأ بشريكٍ يُسعده، أمَّا أنا فلو كنتُ أصلُح لها لَما تركتُها تغادر عتبة هذا المنزل، ولكنني الآن لا أصلح أن أكون مجرَّد خادمٍ لمثلها.

 

وهنا صاح الحاج فاضل بمزيجٍ من الفرح والعتاب:

• يا بني، لا يصرعنَّك الغباء مرتين، أتَدْري فيم تستأذن السيدة؟ إنَّها تستأذنك أن تظلَّ سيدةً لهذا البيت.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- قلب كبير
سلوى حبيب - مصر 17-01-2012 06:23 PM

إنه لقلب كبير هذا الذي تحمل كل هذه الأوجاع ثم تبقى فيه مكان للحب والعطف على الآخرين ولم تتملكه الرغبة في الانتقام بل استطاع أن يحتوي الجميع
بورك هذا القلب وبورك قلمك
دمت بخير

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة