• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

صديقي الشهيد

محمد نظمي محمد عبدالمعبود عوض


تاريخ الإضافة: 8/1/2012 ميلادي - 14/2/1433 هجري

الزيارات: 8850

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صديقي الشهيد

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

نشأ "هشام" في أحد أحياء الإسكندريَّة، في أسرةٍ فقيرة حقًّا، ولكنها سعيدة كلَّ السعادة، نشأ في أحد أكثَرِ الأحياء عراقةً وأصالة؛ "حي رأس التِّين"، في ظلِّ أبٍ صيَّاد مكافح، كان الأبُ "عم سعد" حنونًا على أبنائه، يحبُّهم كلَّ الحب، ولكن ضيق ذات اليد هو الذي كان يحزُّ في نفسه، ويجعله عاجزًا عن تحقيق آمال ومطالب أبنائه؛ "فالعين بصيرة، والأيدي قصيرة".

 

ماذا يصنع ومطالب الحياة ملحَّة، الأبناء يَكْبرون، ومَطالبهم تكبر معهم، يا إلهي! ماذا أَصنع؟ أريد حياة كريمةً لأبنائي، ولكن...، آهٍ من "لكن" هذه! تبًّا لك أيُّها الفقر! آه لو كان الفقر رجلاً لقتلتُه!

 

أخذ "عم سعد" يَعمل ويعمل؛ ليغطِّي مَطالب الحياة، ربَّاهُ أعِنِّي على ذلك الحمل الكبير الذي هو أكبر من طاقتي وتحمُّلي.

 

أخذَ يستدين لِيُنفق على فلذات كَبِده، ولكن من أين بسداد هذا الدَّيْن الكبير المتراكِم عليه، وكما يقولون: "الدَّين هَمٌ بالليل، ومذلَّة بالنهار"، تفكيرٌ دائم آناء اللَّيل والنَّهار في مَطالب الحياة القاسية التي تَعيشها هذه الأُسرة - أطار النَّوم من عيني الرَّجل، وجعله يعيش ليلَه ونَهاره في دوَّامة من الأفكار، إنَّه يعمل ليلَ نهارٍ ولكن الأفواه الجائعة مَطالبها كثيرة، وهو الأب الحنون الذي لا يريد أن يَرفض لأبنائه أيَّة مطالب، وقع "عم سعد" فريسة المرَض، وأصبح لا يَقْوى على شيء.

 

رحماك ربي! ماذا تخبِّئ لي الأيَّام والأبناءُ صِغار، وفي أشدِّ الاحتياج المادِّي والنَّفْسي والرِّعاية، وأكبر الأبناء "هشام" ما زال في أوَّل مراحل التعليم الثَّانوي، وأبناء كثيرون في مراحل التَّعليم المختلِفة، مسؤولية جسيمة تحملها ذلك الابن البِكْر، وهذا قدره، ترك "هشام" دراستَه، وتفرَّغَ لأسرته الكبيرة، ومَطالبِها الكثيرة المُلحَّة، تطوع في القوَّات البحريَّة، وتخرَّج من أحد مَدارسها، وأصبح لِزامًا عليه رعايةُ أسرته من دَخْلِه البسيط المتواضع، ووالده طريح الفِرَاش محمَّل بكمٍّ هائل من الآلام، ولكن هذه الظُّروف القاسية التي تعرَّضت لها تلك الأسرةُ البائسة سيِّئة الحظ لم تَمْنعه من إثبات ذاته، كان الفتى طموحًا بكل ما تَحْمله هذه الكلمة من إصرارٍ على النَّجاح، طيبًا، خيِّرًا حنونًا على أسرته، يحبُّها الحبَّ كله، ورغم ذلك الحمل الكبير والمسؤولية الضخمة التي تَحَمَّلها فقد استكمل دراسته الثانويَّة، والتحق طالبًا بالكليَّة الجوِّية، حتَّى تخرج منها ضابطًا طيَّارًا.

 

عرَفْتُه عن قُرب، أحببتُه كثيرًا، واحترمتُه أكثر وأكثر، كان يتحدَّث عن أسرته بحماسٍ شديد، وحُبٍّ كبير، ويتَباهى بِظُروفه الاجتماعيَّة الَّتِي تعرَّضَت لها أسرتُه، يفتخر أنَّه ابن صيَّاد، وأن أسرته رقيقةُ الحال، تحمل مشاكلها وأعباءها ومتاعبها منذ نُعومة أظافره، لقد كان ذلك سرَّ إعجاب وحب الجميع.

 

أحبَّ "هشامٌ" مهنتَه، وكان ينبغ فيها يومًا بعد يوم، ويُضيف لها أمجادًا وبطولات، فكَّر في الزواج، رزقَه الله بزوجةٍ مثقَّفة متديِّنة، تعمل بالتدريس، أحبَّها حبًّا عظيمًا نقيًّا طاهرًا، وأخلص لها، وبادلَتْه حبًّا بحب، ووفاءً بوفاء.

 

كانت قصة حبٍّ عظيمة، وكانت السَّعادة تُرَفرف على عشهما الجميل الهادئ، لَم ينس البطل وهو في أوجِ سعادته أهلَه، وأحبَّ الناسِ إلى قلبه، كانت زوجتُه تشجِّعه على ذلك وتدفعه إلى الاهتمام بأهله، وكانت تقول: "مَن ليس له خيرٌ في أهله ليس له خيرٌ في النَّاس"، وكان أهلُ بطَلِنا يُحبُّونَها، ويشعرون أنَّها ابنتهم.

 

سافرَ "هشام" في مأموريَّةِ عمَلٍ إلى إحدى الدُّول العربيَّة، شاهدْتُه عن قرب، رأيت أمامي إنسانًا مختلفًا كلَّ الاختلاف عن أقرانه، لا يَتْرك فَرْض ربِّه مهما كانت مشاغل الحياة، عطوفًا على مرؤوسيه صديقًا للجميع، يحبُّونه ويقدِّرونه، وكان يقول لي: "إن كلَّ ما يشغلني في غربتي والدي المريض، أفكِّر فيه كثيرًا، قلبه كان كبيرًا، وحبُّه أكبر، وأحاسيسه عظيمة، رزقني الله بزوجة عظيمةٍ أحبُّها، إنَّها إنسانة في كل شيء، رفيقةُ كفاح، تَدْفعني دائمًا إلى الأمام، رقيقة المشاعر، قلبها كبير، ولو وُزِّع على الكرة الأرضية في حبِّه وعطائه لوَسِع العالَم أو يزيد.

 

كان يتحدَّث بحماسٍ كبير عن شريكةِ حياته أمِّ أبنائه، مصدر قوَّتِه وسعادته وحبِّه للحياة.. حبٌّ عظيم ربطَ بين قلبَيْهما، ووفاء نادر الوجود، وحبٌّ أعظم لأسرته التي هي سببُ وجوده وسعادته.

 

ما أعظمَ هذا القلبَ الكبير في حبِّه وعطائه ووطنيَّتِه! انتهَتْ أيَّام الغربة عاد إلى وطنه أقوى ما يكون عطاءً وحبًّا، عاد لِيُضيف إلى أمَّتِه أمجادًا جديدة، وتمرُّ الأحداث، وبطَلُنا يجاهد ويشترك في حرب الاستِنْزاف، ويُبلي بلاءً حسَنًا، ويكتب ملحمةً من الكفاح والنِّضال، ويردُّ لمصر الشَّرفَ والبطولة، يثور لكرامة مصر وعزَّة مصر، ويلقِّن العدوَّ الجبان الغادر دروسًا في ضربات متلاحقةٍ شجاعة، وتأتي حرب العاشر من رمضان / السادس من أكتوبر 1973، حرب البطولة والشجاعة، والثأرِ لكرامة الإنسان العربي، ويقوم البطلُ بطلعات جويَّة، يدكُّ فيها حصون العدو، ويدمِّر معداته، ويصبُّ بركانًا من الغضب على قواته، ويُلحِق بهم الدَّمار والخراب؛ ثأرًا لِشُهداء العروبة وإخواننا الفلسطينيِّين، وأطفال فلسطين الحبيبة.

 

يحقِّق الأمل الذي راودَه طويلاً، وينسى كلَّ شيء إلاَّ مصر والعروبة الوطن الكبير.

 

وفي يومٍ أسود حزين، تفقد مصرُ بطلاً شجاعًا ومحارِبًا مِقْدامًا، نشأ وترعرع على حبِّ مصر..

 

أعطاها الكثيرَ بعد أن لقَّن العدوَّ دروسًا لا تُنسَى، ذهب البطَلُ بعد أن نال الشهادة وهي أغلى ما يتمنَّاه المقاتل، تاركًا زوجةً مُلتاعة وأبناءً صغارًا، وأسرةً أحبَّها، وهَمًّا في قلوب وعيون البيت الكبير (مصر) التي لا تَنسى أبناءها الأبطال.

 

تمـت





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة