• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

دكان ثقافة

محمد بعيطيش


تاريخ الإضافة: 8/1/2012 ميلادي - 14/2/1433 هجري

الزيارات: 7985

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دكـان ثقـافة

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

كعادتي في طريقي من العمل، مررتُ على العمِّ "علي" الذي اتَّخذ له دكَّانًا في الزُّقاق الضيِّق الذي تتَصادم فيه الأجساد، وتتشابك الأنفاسُ بما يُثقِلها من همومٍ وصعوبة عيش، لَم يكلِّف عمِّي "عليٌّ" نفْسَه مصاريف التَّطوير والتحديث كما هو طاغٍ اليومَ على كل محلاَّت المنطقة، قرَّر أن يبقى كما هو، صابرًا جَلدًا في وجه العصْرَنة، يحمل كتابه في يد، ويقدِّم بالأخرى للزبون ما يَحتاجه.

 

كنت قد دخلتُ عليه وهو مشتغل بِتَسابيح لا أفهم كُنهَها، وقد بذلتُ الجهد في ذلك دون جدوى، يحسب مَجْموع المقتنيات لِهذا، ويعود يرتِّل من جديد، وأصبعه تَفْصل الصَّفحة التي همَّ أن يقرأها عن باقي الصفحات من كتابه المغلَّف بورق جرائد السبعينيَّات.

 

توحي نوعيَّةُ الكتب التي يقرؤها أنه لا جديد اليوم في أَرْوِقة المَطابع، وأنَّ الزمن توقَّف عند القُدَماء، وأنَّ هذا التَّعاظُم الذي يُخيَّل إلَيَّ في عدد الأوراق المنتشرة في المكتبات، سيَحترق بفعل الشمس التي أشرقَتْ يومًا على الأندلس.

 

سُكونه الغريب يثير التَّساؤلات، لكنَّه ما يَلبث أن ينتفض، ويفزع في صوته الجهور، قائلاً:

• إن لم تَغُص في دروب النَّحو فلا طائل من قراءة الرِّوايات والشِّعر، وحتَّى كتاب الله!

 

فأستحضر في دهشةٍ نَصائحه السابقة، وأُرتِّل معه:

• وعليَّ أن أحفظ ديوانًا أو اثنين من الشِّعر وأنساهما، وأن أقرأ "النَّحو الواضح" بكلِّ مستوياته.

 

فيعود الشيخ من جديد منكبًّا على التسبيح، غير آبهٍ بي، وأعتقد لحظتها أنَّني جزءٌ من المحلّ، أو أنَّني لا أعدو أن أكون مجرَّد زبون كباقي الزبائن.

 

أهُمُّ أن أتكلَّم عن أحد الكُتَّاب الحداثيِّين بشغف الشباب المُتفاعل مع لغة اليوم المليئة بالتحرُّر والتمرُّد على كلِّ ما هو قديم، أنصِبُ حِرَابي مُدافعًا مقاتلاً في حماس شديد، لكن هدوء عمي "علي" المتواصل يبعث على إحباط هذا المسبل المندفع، فأعود إلى دور المترقِّب المُنصِت أنتظر ما تجود به نزعاته المتوالية.

 

• الشيخ مروان كان يقرأ بلا توقُّف، يجيد نَظْم الشِّعر، لكن كل هذا لَم يكن لِيَناله لولا أنَّه درس كتب الأولين المشهورة، اختار لِنَفسه موقع المصلح؛ لذلك لا تعجبك مواضيع شعره، أعرف هذا يا ولدي.

 

أنتم اليوم تغوصون في أحاديث التحرُّر عن تقاليدنا، ولَيْتكم توقَّفتم عند هذا، بل امتدَّت أيادي من يُعجبك من الكُتَّاب حتَّى لِمُفردات اللغة وأساليبها، كتابك عاهة يا بني، ضحايا إن لَم أقل أكثرَ من ذلك.

 

أبتسم قليلاً، ثم أستغلُّ الفرصة من جديد؛ لأسلَّ سيف المقاتل عن رياح اليوم:

• بقيتم عشرات السِّنين تقفون على الأطلال، حتَّى خُيِّل إلينا أنَّنا لن نَبْرَحها، وأنه كُتِب علينا نحن جيلَ اليوم أن نعيش في البادية، وأن نكتب عن الغنَم والنُّوق في شعرنا يا عم.

 

• لكنَّه إرثٌ يا بني، إرث، إرثُ الأوَّلين، هذا الشِّعر الذي تتحدَّث عنه كان فاكهةَ المَجالس في قُرطبة، هذا الشعر كان فَخْر العرب، ما بك؟

 

• بلى، بلى هو فخر العرب، وفخر مَن أدافع عنهم يا عم، لكنَّكم تريدون أن نَنْتصح بِنُصحكم، ونسوق أدبَنا بروح الأمس، أليس كذلك؟

 

تريدون أن نعيش كما عِشْتم، وأن نأكل كما كنتم تأكلون؟

 

اختلف الوضع إلى النقيض، اختلف.

 

جيلكم يا عم كان يُصارع لِنَيل حُرِّيته، حرية الأرض والمعتقد أوَّلاً، وما تمسُّككم بذلك الإرث من الأدب سِوَى وسيلةٍ لِحفظ مَوروثِكم الحضاري في وجه التغريب.

 

أمَّا اليوم فنحن نعيش الاستقلال، لكننا نريده استقلالاً في كلِّ شيء، حتَّى عن الماضي.

 

• أتريد أن نتنصَّل من تاريخنا الفكري؟

 

• لا لا، لَم أقل هذا، أنتم تصرُّون على نفس المفردات، وتريدون لنا أن نستمرَّ على عزف عهدكم.

 

يا عم أتمنَّى أن نخرج من لغة الذَّوْد عن القبيلة بما ليس فيها، وعن فكرة المدح دون وجهِ حقٍّ إلى لغةٍ حاملة لِمُستجدَّات اليوم، مفرداتها تتماشى مع تفكير جيل اليوم.

 

ألَم تر أنَّ طالب المدرسة اليوم، يَخرج من الثانوية لا يفقه شيئًا، لا يُتْقِن حتَّى كتابة طلبٍ خطِّيٍّ؟

 

• يا بني، لن يستقيم لكم الوضع، إلاَّ بما استقام لنا.

 

• هذا قولٌ فيه حديث طويل، أوَّله يبعث على الراحة، وآخره يبعث على الخوف.

 

يجب أن نتمسَّك بما هو جميلٌ عندكم؛ على شرط أن لا نركن إلى الماضي.

 

تعوَّدْنا على ذَرابة اللِّسان، وحَذاقة الشُّعراء، ومَكْرِهم وتقرُّبِهم من السُّلطان وتمرُّدِهم المفاجئ إن أمسك يده، إلاَّ مَن رحم ربي.

 

نريد أن نُغَربل كلَّ موروثِنا يا عم، نريد أن نأخذ ما نَحتاجه، وأن نُبقي الآخر حبيسَ المتاحف.

 

ابتسامة تنمُّ عن غضبٍ يَدفعها من داخله، لكن لا يمكن له إلاَّ أن يبتسم لي؛ لمعرفته تعلُّقي به:

• ستَدُورون ألف سنَة في حلقة مفرغة، ثم تعودون للمُتْحَف الذي حدَّثتني عنه.

 

فأقول في نفسيَّة الواثق:

• ومَن قال: إننا لن نفشل؟ ممكن أن يكون الفشل حليفَنا، ممكن.

 

لكننا لن نعود للبحث في المتحف، بل سننطلق في تجربةٍ جديدة، وكلُّنا ثقة أنَّنا سننجح، لن تردَعنا الخطوب؛ لأنَّها لَم تردع أسلافنا.

 

• إذًا أنت تعترف أنَّهم تفوَّقوا يا بني؟

 

• نعم أعترف، وهذا لا يعني أنَّني سأقف مستسلِمًا بِتَصريحي هذا، أُدرك أنَّنا سنستمرُّ بمشية مليئة بالثِّقة، نحمل ما وَرِثْناه مِمَّا يُناسب عصرنا، ونَمضي نرسم مستقبلنا الحضاريَّ بنظرة أبناء اليوم.

 

نعم أبناء اليوم، فالوصاية ليست لكم؛ لأنَّ الوصاية لا تكون إلاَّ لجيلٍ تفوَّق في عهده، أما وقد فَشِل الجيل الذي سبَقَنا في أن يتميَّز ويتفوَّق، فلن نرهن أنفسنا به.

 

أخذتُ نفَسًا عميقًا، ثم عدت مستسلِمًا لهدفي الأصليِّ من وراء هذا الحوار معه:

• هل لي بـ "رسائل الرافعيِّ"؟

 

ينهَمِكُ في تقديم سلعةٍ للزبون ويقول في لغةِ المُنتصِر:

• ستَجِده بعد صلاة المغرب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة